أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طه حسين - شخصية الأرهابيّ*















المزيد.....

شخصية الأرهابيّ*


محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)


الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 19:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شخصية الأرهابيّ*
محمد طه حسين
مدخل الموضوع
الماهية الارهابية للشخصية تضعنا أمام تحدي الولوج الى مكامن ثنائيات التكوين البشري أو الانساني، الثنائيات التي ليست الشخصية بمنآى عنها سواءً من حيث الوجود في العالم أو ايجاد التوازن لكي تضمن البقاء والاستمرارية والاطمئنان والعمل وكل انواع النشاطات التي تعكس الحياة الانسانية بغض النظر عن نوعياتها.
الارهابي ليس منسلخا من الشخصية ولا هو كائن غامض الى الحد الذي يصعب تحديد مميزاته وخصاله وسماته، هو التجـأ الى الاسلوب التدميري كونه مرهوباً من الحياة وكذلك مفزوعٌ من اختيار الخطوط والاستراتيجيات التي تصل به مستوىً يُحِسُّ ويَشعُر بأنه فردٌ نافعٌ لديه القدرة على فعل الخير لبني البشر استجابةً للأستعداد الوراثي والاجتماعي والعقلي نحو جعل نفسه وذاته كائناً اجتماعياً يتحرك ضمن الجماعة كفرد يتأثر بهم ويؤثر فيهم في اطار عمليات التنشئة والتفاعل الاجتماعي.
شهوة الدم** لدى الارهابي هي متعة استفزازية لنفي من نجحوا في الصعود بسلالم الحياة وسلبهم الاستمرار في التلذذ بها، ربما فرويد هو الانجح بين علماء النفس توظيفاً لهذا المفهوم ضمن اطار شخصية فريدة تتسم بسمات واضحة نعرفها من خلال ردود افعاله في المواقف الحياتية بيننا. غريزتا الحياة والموت في التصنيف الفرويدي تمثلان الثنائية الأبرز في نظرية التحليل النفسي والتي نستطيع بمعرفتهما تشخيصاً دقيقاً الى حد كبير، حيث المُحبَطين في سَلكِ مسيرة الحياة والنجاح الابداعي فيها لا ينزوون بعيداً عن الذين اختاروا الحياة والبناء الحضاري عليها بقدر ما يدفعهم القوى الهدّامة في لاشعورهم الى التصدي لقوى الحياة بغية اثباتهم لوجودهم الفاعل المؤثر وان كان تدميرياً.
رؤية تحليلنفسانية قصيرة
في موضوع السادية التي تتعلق جوهرياً بالممارسات العدوانية وتأليم الناس يشير فرويد في كتابه " الكبت" الى مقطع من حوار ماركيس دوساد الذي يرجع أساس مفهوم السادية اليه شخصياً المصاغ في كتاب" جوستين وجوليت " ويقول: الأجسام دامية واطفال تنتزع من احضان أمهاتهم، فتيات تقطع رقابهم في نهاية علاقة زوجية، أكوابٌ تملأُ بالنبيذِ والدمِّ، اختراعات جديدة لآلات التعذيب: غلايات كبيرة توضع فيها اجسام الرجال والنساء ثم تُسلَخ جلودهم،أسلحة لنزع القلوب من الصدور... الى غير ذلك مما تقشعِّر له الأبدان!، وبعد كل هذه الحوادث التي تهلع من مجرد سماعها الافئدة يقف هذا المركيز المجنون مبتسماً راضياً بما عمل...(فرويد،ص139).
اليس المشهد الروائي المرموز عند فرويد للأشارة الى الأرواح الشريرة بيننا يشبه الى حد التطابق الممارسات الدموية أو (العدوان اللعوب) للمجموعات المتطرفة في القتل كداعش وأمثالها ربما يجتازها؟.
هل بأمكاننا أن نؤيد مثل ما يتسائل أريك فروم في كتابه(جوهر الأنسان) الآتي: أفلا يتضمن محشر البشر وجود عرقين بشريي: ذئاب وخراف؟
ويظل يتسائل فروم : كيف يتم بسهولة اقناع الخراف بالتصرف كالذئاب اذا لم يكن من طبيعتها ان تفعل ذلك؟ هل الانسان ذئبٌ وخروفٌ في ذات الوقت، او انه ليس بهذا ولا ذاك؟ لماذا نقاوم الذئاب ونحن في انفسنا ذئاب، وان كان بعضنا اكثر ذئبيته من الآخرين؟(فروم،2011،ص16).
تساؤلات فروم لا يبعث بتشاؤمه حيال الحياة الى الدرجة التي تُحيِّره ويَشلَّ قدرته على التفكير في ايجاد المنابع الاساسية التي تتغذى منها العنف والسلوك العدواني التدميري، اريك فروم لا يعطينا صورة مشوهة للانسان، انه فقط يتسائل كي ينطلق من الافتراضات الخطيرة لأستنطاق العدوان نفسه وجعله يعترف بأن صاحبه وحامله يحب الحياة ويحب ان يستمر ويتفاعل ولكن لم يستطع ان يجتاز الصعاب وأن ينجح فيها سواءً من تلقاء نفسه أو لم يتمكن المحيط أن يُهيِّئه لكي يحيى و يعيش كالانسان السوي بيننا.
كذلك يؤكد فرويد بأن التعذيب والقيام بأعمال اجرامية ليس هو الذي يرضي من يسميه فرويد ب(المريض) انما الاحساس الداخلي الذي نشأ عنه في النفس، فقد يسلم البعض والقول لفرويد بأن التعذيب ومشاهدة اثارة على الغير قد يكون باعثاً بدوره الى الرضا الجنسي، ولا يسلمون بأن الألم والتأليم يمكن ان يصل بالمريض الى تمام رضاه(نفس المصدر،ص140).
هنا الصورة الفرويدية ايضاً تدلّنا الى ايجاد نوع من الجواب المُرضي للتساؤلات الفرومية، حيث تعطينا البواعث ولا تجُرُّنا صوب ظلمات الغرائز والقوى اللاارادية للانسان، ان الارهابي يتمتع نفسياً بافعاله الشنيعة، يتلذذ لأنَّ فُرَصَ الحصولِ على الّلذة من خلال الحياة الهادئة الهنيئة لم تكن متاحاً له ولم ينجح كالأسوياء بأن يتلذذ ولهذا لجأ الى أساليب شريرة وأخذ (العدوان الانتقامي) والمفهوم لفرويد للحصول عليها ويتشفي بمن حرموه ومن ابعدوه!.
هذا التصور الفرويدي يؤكد لنا بأن للعنف وحب الأذى بالآخرين نوع من الاشباع ذو الطابع الجنسي ولكن بآليات سايكولوجية واتباع سلوك فيزيكي عنيف.
في الطوطم والطابو*** عندما يشرح لنا فرويد ظاهرة قتل الاب في احدى الحكايات الميثولوجية هو بصدد ابلاغنا بأن الجزء الكبير في التأريخ البشري تأسَّس على منتجات الشر، والنفسية الانسانية لن تغيب ابداً منه ولكن بجانب الاستمرار في الحياة والابتعاد قدر الامكان من مصادر الألم الجسدي وكذلك الوجداني التي تذيب الهيكل السايكولوجي للفرد ان اصاب به(تأنيب الضمير).
عودة الى الغرائز والفطرة
العناصر الاساسية للشخصية عند فرويد والتي تَعَوَّدنا على ان ننتقل من على حِبالِها متوازناً لكي لا نقع في هاوية اللاتفكير واللامعنى تعنينا كثيرا وتهمُّنا، فالأنا الأعلى يُؤنسِنُنا والعقل يجلب لنا الحظ لتأمين الكثير من حاجاتنا ان استطعنا عقلنة الغرائز والقوى التي تحاول ان تسوقنا للأصطدام العلني بالثقافة. فالتطرف في الاستجابة لأي من هذه الايقونات الفرويدية تلقي بالفرد الى خارج الأنظمة المجتمعية وبهذا نفهم من فرويد ان الثقافة والاطر المعرفية للمجموعات البشرية هي المسؤولة بالدرجة الاولى على التهيئة السايكولوجية للافراد وموائمتهم للأجواء الانسانية المعاشة. خروج العدوانيّ والارهابي من دائرة الصقل الاجتماعي بالمعنى الحديث للمفهوم يجبره ان يختار مسالك أخرى للحصول على تعريف آخر ربما معاكس للتعريف الانساني للفرد وهو (الانسان الشرّ)، المستجيب لكل الدوافع الغريزية سواءً كانت جنسية او استحواذية تملُّكية أو تدميرية كبديل للبناء الذي فشل في الاستمرار فيه لأثبات أناه.
من الاهمية بمكان هنا ان نشير الى الرؤى المختلفة في جذور العدوان والعنف البشري كالغريزويين والسلوكيين والاجتماعيين والانسانيين وحتى المعرفيين وانَّ كلٌّ من هذه المسالك والمنظورات لها تفسيرها الخاص حول هذا الموضوع ولكن الكل في النهاية متفقين على اهمية الضبط والسيطرة التي يتحول الكائن من خلالهما الى موجود توافقي وتلائمي يعيش بين افراد آخرين وداخل مجتمع منظم ثقافياً يشعر بالأمان الكافي لكي يبني فوقه انتماءاته ومقبوليته الانسانية.
يقول ماكدوغال والذي هو من صنف الغريزويين حول الطاقة البشرية: ان الطاقة تُحجِزُها بوابات السدّ فتطفح في ظروف معينة، ثم استخدم مكدوغال تشبيهاً صُوِّرت فيه الغريزة " غرفة ينعتق فيها الغاز باستمرار " وقد اتبع فرويد في مفهومه لنظرية الليبيدو كذلك الترسيمة الهيدروليكية : يزداد الليبيدو ثم التوتر فالأستياء، والفعل الجنسي يقلل التوتر والاستياء حتى يبدأ التوتر من الارتفاع من جديد، وعلى نحو شبيه بذلك اعتقد لورنتس ان ردة فعل الطاقة مثل " غاز يضخ دائماً في وعاء" أو سائل في خزان يمكن افراغه عبر صمام مزود في اسفله بلولب (K.Lorenz,1950) وأشار أ.هيندR.A.Hinde الى ان هذه النماذج الغريزية وغيرها على الرغم من اختلافاتها المتنوعة تشترك في فكرة الجوهر القادر على تنشيط التصرفات، بحجزها في وعاء ومن ثم اطلاقها في العمل(فروم،2006،ص52-53).
هذا الاقتباس الفرومي من ماكدوغال وفرويد يؤكد لنا هموم ذوي النزعة البيوفيلية*** في تلطيف الحياة وتنظيمها والسيطرة على الافرازات الخطيرة ان ساءت معاملتنا مع هذا الجهاز الهيدروليكي الحساس(الفرد).
يبدوا ان الموقف الذي هو على النقيض تماماً من موقف الغريزويين هو ما اعتقد به البيئيون، وسلوك الانسان وفقاً لتفكيرهم يُقولِبُه تأثير البيئة حصراً، اي العوامل الاجتماعية والثقافية، بصورة مضادة للعوامل الفطرية.
رؤى أخرى
ولكن الانسانيين والمعرفيين لديهم رؤاهم الاكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي والسيرورة الحياتية الاجتماعية والثقافية، فالسايكووجوديين مثلاً يربطون النجاح الانساني وتوازناته بفهمهم لذواتهم وايجادهم للمعنى في الحياة وفي المقابل الفراغ في الحصول على اللذة المعنوية للوجود يؤدي بنا الى الهلاك سواءً هلاكنا لأنفسنا او لخارجنا المحيطي.
لا ننأى كثيراً من الرأي الشائع، ولا نندهش عندما نردد ان الأفعال العدوانية هي ببساطة ردود افعال يدفع بها الشخص عن نفسه مرارة رؤيته المتدنية لذاته، وقسوة الاحساس بالنقص وعدم الكفاءة، واحتقار الآخرين له. اي ان العدوان هو دفاعٌ عن تقدير ذاتي سلبي، فما هو تقدير الذات اذن؟ هو حالة يكون فيها الانطباع الكلّي عن الذات ايجابياً ومصحوباً بمشاعر طيبة يغلب عليها الرضا. ويختلط احياناً تقدير الذات بصفات اخرى مثل الفخر والغرور والاعجاب والشرف والنرجسية والاحساس بالتفوق. فاذا ما كانت هذه الصفات غائبة عن نظرة الانسان لذاته وحلَّت محلها صفات اخرى مثل الضعف والفقر واللاجدوى وقلة الحيلة وضعف الملكات والذكاء المحدود والاحتقار والاحساس بالاستبعاد والنبذ من قبل الآخرين، كانت الرؤية الذاتية للنفس رؤية سلبية متدنية تسبب ألَماً بالغاً للعقل الواعي. ويحتاج الشخص كي يدفع عن نفسه هذا الألم البالغ أن يؤتي فعلاً عنيفاً صاخباً ينتبه له الآخرون ويتحقق به نصر مشهود يساعده على ان ينسى ولو وقتياً مهانة الاحساس بواقعه الضعيف وبما فيه من نقص(ابراهيم،2005،ص198).
تحليل ل(النكروفيلية والبيوفيلية)
يقول فروم في كتاب(تشريح النزعة التدميرية للأنسان:الطبعة الفارسية" آناتومى ويرانسازى انسان"): شهوة اراقة الدماء قديمةٌ الى الحد التي يدفع ببعضنا الاعتقاد بأساسها الفطري، اراقة الدم بمعنى قتل الآخر وبهذا يتساوى الدموية بحب القتل، بمعنى آخر ألَم يكن ممكناً التلذذ والسعادة من أثر اراقة الدم لها نفس قوة ولذة القتل؟ الدم مادة غريبة جداً انه يتقابل قوة الحياة، هو احد العناصر الثلاثة المقدسة التي تجري في الجسم وهي: المَني والحليب والدم، المني هو الرمز الذكوري والحليب رمزاً للأنوثة ولكن الدم يتعالى ويتسامى فوق المني والحليب ويقضي به الانسان على قوة الحياة(فروم،1985،ص457).
النكروفيلية(حب الموت) تقدِّس الدم وتتباهى بأراقته كي تقول للآخرين الذين يُمَجِّدون الحياة ويحيَون من اجل ان يعيشوها آمنين: بان الدم اغلى من المني والحليب اللذان بهما نحيا ذكوراً واناثا وأرهَب وأرعَن منهما، فالذين مارسوا طقوس الدم عبر التأريخ وهذا مدوَّنٌ في الذاكرة البشرية حاولوا من خلالها ان يثبتوا للعالم فشلهم في اختيار الحياة، فالحياة تتطلب التفكير والتعقلن والعمليتان تجهدان الفرد ذو البنية النفسية المهزوزة الاتكالية بحيث تجبره سوء تنظيم العلاقات البينشخصية في المجتمعات أن يهرب من هذا المصدر للالم ويلتجأ الى عملية اسهل من عملية البناء وهي الهدم والغاء الآخرين. يعتقد الارهابي بأن الدم هو (عصير الحياة) بالنسبة له لكي تستمر نفسيته الشريرة الهدامة في البقاء حياً تسلب الحياة من الآخرين وتشرب من دمائهم.
مغريات الارهاب
السلوك الارهابي الذي تترجمه الشخصية الارهابية مُعَزَّزٌ في الفكر والعقل ونتيجة تفاعلات سوسيوثقافية لا حصر لمؤشراتها، فالواقع الذي يَحفِزُ الارهابي هو بالاساس مُغريٍ لديهم فالدم واراقته لا يرتبط بقوانين الضبط الحديثة حيث يتحرر العدواني والشرير من النظام والقوانين وبهذا مباحٌ له او لها ان يقتل ويلغي من لا يشبهه في السلوك والمعتقد الذي يدفعه او يبارك له الافعال الاجرامية، يطلق الارهابي في الواقع سراح (الحَيوانِيَّة) في ممارسة الشهوة الجنسية الى حد الشبقية اللامحدودة، في هذا الواقع يستطيع الارهابي ان يسرق و ينهب وتؤوِّل له النصوص شرعية افعاله وسلوكاته.
في جغرافية الارهاب هناك يتحرر الارهابيون من القيود وانظمة السيطرة المجتمعية والانسانية ويتجلى لدى الارهابي معايير اخرى لابراز امتثاله للمثال الاعلى، بمعنى تتصالح الغرائز مع الذات المُثلى عند الارهابي دون ان يكون للعقل والأنا العاقلة اي دور في هذا التقارب والشرعنة.
اذا انهارت السدود السايكولوجية المؤنسنة التي تمنع الارهابي من الظهور على مسرح الحياة يُفسح له المجال لكي يكون اللاعب الأمهر في فنِّيّات الموت، حينها تظهر تساؤلات عدة تُقَوِّي لدينا شكوكنا في نجاح الحضارة والثقافة المُغَذِّية لها بناء الانسان ولجم طاقاته الهدامة، او بالمعنى المكدوغلي اذا رفعنا (بوابات السدّ)**** فأِنَّ الغازات الهائجة تنفجر وتسبب الانهيار للكيان النفسي.
الشخصية الارهابية هي المتحررة من أنسنتها بالمعنى الحضاري للمفهوم، تَرُدُّ باستمرار على احباطاته ردّات فعل عنيفة مؤذية للآخرين الذين بمعنى من المعاني نجحوا في تكوينهم لغطاءٍ ثقافيٍّ للحياة كي يتحركون بأمان داخل هذا الغطاء ويُؤَمِّنون الحدّ الوافي لوقودها.


استنتاج نظري
الاستنتاج النهائي لهذه الورقة النظرية حول شخصية الارهابي هو ان الثقافات التي تنتج بداخلها الافكار والسلوكات الارهابية لم تكن ناجحة ومتينة الى الدرجة التي باستطاعتها تصقيل الافراد بداخلها وتوظيف وتفعيل طاقاتها بالاتجاهات التي تفرغ نفسياتها من تراكمات العناصر القابلة للانفجار في اية لحظة أِن سُنِحَت لها الفرصة والمجال.
مشكلة الارهاب كامنة في الداخل العميق للمنظومات المعتقدية وهي بحاجة الى مراجعات تأريخية مثل ما يراه اريك فروم وكارل غوستاف يونغ. ان الارهاب هو تحول سيكوكيميكي ان صح التعبير واعادة مأسسته عمل شاق وطويل بحاجة الى تغيير الشروط المؤدية اليه وتأسيس بنىً اخرى لذوات الافراد وهذا لا يظهر الا باصلاح جذري في الخطابات التي انتجتها الانسان، ومحاولة تغيير البناءات المفاهيمية واللغة الباعثة على الموت اكثر مما تشجع الحياة، احياء المفاهيم الميتة في الخطاب الثقافي والحضاري يعيد الانشطة الحيوية ذات الطابع البنائي والابداعي للسلوك ويعيد قدرة السيطرة للعقل الانساني كي ينفرد بصناعة السلوك تلائماً مع اختيارات الافراد وليس اختيارات فوقية.
الفقر الفكري للسلطات التي تدير مجتمعاتنا ووَهنَِها في مقابل الجبريات الايديولوجية والشمولية وكذلك عدم اعطائها الاهمية للانظمة التربوية واطلاق العنان للتقليديات فيها ان تجري وتسيل في ذاكرة اطفالنا وشبابنا تفسح المجال للبدائل الشريرة لان تُفرِخَ في العقول السطحية وتُهيِّئُها الى قنابل بشرية غائبة عن العقلانية والنظام.
التربية كمصنع أهم لحد الآن لصناعة السلوك وتهيئة الافراد وصقلهم ثقافيا لا تُدار لها البال اطلاقا سوى تأمين بعض الشروط الفيزيقية لا غير فالمناهج واعداد الكوادر لا تزال تسير على الدروب التوتاليتارية الموروثة من الانظمة الفاشية، السلطويون الجدد لا يفهمون أهمية وخطورة الوضع المتردي التربوي ولا يُحِسّون بالتداعيات الهدّامة منها كالعقول النَتِنة الارهابية والتوجُّه اللاموزون نحو التطرف السلوكي العدواني والذي نلاحظها بالعيون المجردة في المواقف الاجتماعية على اختلاف انواعها ولدى أفراد كافة الفئات والشرائح المجتمعية.
سوء الاوضاع الثقافية والتخبط الرمزي بداخلها شوَّهت الاتجاهات التي تعطينا في النهاية افراد أُصلاء تصلحون كي يكونوا مواطنين اخيار وصالحين، وكذلك سوء الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد في الجسم المجتمعي افرغ الفرد من نزاهته ووَرَّطَه في الماكينة الطفيلية للسوق، وهذا ما عقَّد الامور وجعل الافراد يفقدون سيطرتهم وتوازنهم التقليدي وشلَّ تماسكهم حتى بالاعراف والتقاليد التي ظلَّت بدائل قوية للقوانين بيننا.
عجز الثقافة والمثقفين في ممارسة الاستثمار على الثقافة وطرحهم لأفكار قد تشيع اذا ما تجرؤوا في كيفية طرحها بعض الدروب وان كانت ضيقة للتحدث عن بعض المحرمات بغية الدخول الى الموضوع الأهم وهو اعادة قراءة النصوص واعادة تأولها كي تتلائم مع معطيات الحاضر، فالوسط الثقافي لا حول لهم ولا قوة الى الحدّ الذي يسايرون الاوضاع فقط لغرض مكاسب آنية وأنوية. انهم لا يشعرون بأهمية السلطة الثقافية ودورها في تغيير الخطابات المتنوعة.
والاوضاع السياسية اللاموجهة داخلياً أَنسانا وأسلبَنا اختياراتنا واستغلَّ الأُطرُ الايديولوجية المتطرفة التي تصنع الارهاب باستمرار الوضع لاستعراض نفسها كبديل لاطعام النفوس الجائعة للعنف والدم وتغذيتها.

المصادر والهوامش
1- ابراهيم، ماجد(2005). الارهاب.. الظاهرة وابعادها النفسية، ط1،بيروت، دار الفارابي.
2- فروم،اريك(2011). جوهر الانسان، ط1،اللاذقية، دار الحوار.
3- فروم،اريك(2006). تشريح النزعة التدميرية للانسان، الجزء الاول، ط1، دمشق، سورية، منشورات وزارة الثقافة.
4- فروم، اريك(1364 هجرى شمسى).آناتومى ويرانسازى انسان، جاب دوم،تهران، نشر فرهنك.
5- فرويد، سيجموند(السنة مفقودة). الكبت....تحليل نفسي،ترجمة: علي السيد حضاره ،القاهرة، المكتبة الشعبية.
6- فرويد، سيجموند(1994). ما فوق مبدأ اللذة، ترجمة: د. اسحق رمزي، ط5، قاهرة، دار المعارف.
*ورقة اكاديمية نظرية اقدِّمها الى قسم علم النفس/كلية الآداب/جامعة صلاح الدين-اربيل، وخصوصاً الى الاستاذ الأعز فارس كمال عمر نظمي.
**شهوة الدم : تسمية فرومية للذي يقع في الاختيار الاصعب للحياة وهو الموت والدم، أشار اليه فروم في كتاب تشريح النزعة التدميرية للانسان.
***الطوطم والتابو: كتاب لفرويد يوظف فيه فرويد رمزياً ماجريات ظاهرة قتل الاب الاول للعشيرة.
****بوّابات السد: عبارة للعالم مكدوغال المتخصص في علم الوراثة يستعير منه فرويد ويشير اليها في كتابه "الكبت".





#محمد_طه_حسين (هاشتاغ)       Mohammad_Taha_Hussein#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشياء على غير مسمياتها.....تجليات الأشياء في جماليات الكلمة
- الذات الشاردة
- احزاب معدلة وراثيا!!!
- حديث عن فينومينولوجيا الذات
- ذاتنا المغتربة من منطلقات فكر اريك فروم
- الهروب من العقل .... الأدمان بالجهل!!!
- الذات السياسية و العودة الاسطورية
- أردوغان..... التقمص الفاشل لشخصية السلطان
- الهشاشة الوجودية... قراءة لخلفيات الآيدز النفسي و السوسيوثقا ...
- اللازمان و اللامكان الداعشي
- ما زلنا في حدود الذات.... ثالوث الذات ..القارئة و الكاتبة و ...
- ذات تتقنع........ذات تحن الى طفولتها!!
- مالك الدم الحزين!!
- الاصل الميتافيزيكي و السيبرنيتيكي للذات
- الذات المثقفة و الذات الاكاديمية
- اننا محكومون بأن نتلقى أكثر مما يعطي!
- أنانا لا يساوي ذاتنا
- ذاتنا و القلق الاخلاقي
- نحن كائنات المآزق
- مجتمع من الجماجم...مقبرة للتماثيل....حديث عن الديموقراطية و ...


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طه حسين - شخصية الأرهابيّ*