محمد يوب
الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 16:05
المحور:
الادب والفن
عندما نقرأ كتابا في التاريخ نشعر وكأن الأحداث تتراكم على الذاكرة وتثقل عليها وكأنها مصابة بالشبع؛ لأن الإنسان في أصله يعاني من تخمة التاريخ ووقائعه المتراكمة؛ غير أنه عندما نقرأ عملا روائيا يحكي وقائع تاريخية فإننا نشعر بأن الأحداث تبحث لنفسها عن لبوس جديد يتنوع بتنوع الأحداث ويتجدد بتجدد القراءات؛ والسبب في ذلك هو اللغة الأدبية التي تُدثر هذه الأحداث التاريخية؛ وهي لغة فنية تبحث لنفسها عن مكان استيطيقي يحتضنها ويخلدها في ذاكرة المتلقي.
هذا بالفعل هو الشعور الذي انتابني وأنا أقرأ رواية (اسم العربة) للروائي العراقي (زيد الشهيد)؛ وهي رواية تحكي أحداثها مأساة الأيقونة الأسطورية محمد البوعزيزي؛ وما تعرض له من معاناة في حياته في مدينة صغيرة على الساحل التونسي وهي مدينة سيدي بوزيد.
رواية تصور حب البوعزيزي للحياة بالرغم من صد وجهها أمامه؛ هذا الشاب الطموح الذي كان يعيل أمه من عربته المجرورة التي أصبحت في لحظة من اللحظات محط أنظار العالم؛ عندما احتجزتها الشرطة التونسية في شخص البطلة المتجبرة (شهد) التي دخلت التاريخ بشرها من بابه الواسع؛ كانت كما صورتها الرواية شخصية متسلطة امتنعت عن إرجاع العربة إلى صاحبها بالرغم من تدخلات أصحاب النوايا الحسنة؛ الشيء الذي دفع البوعزيزي إلى شراء عبوة من البنزين وإشعال النار في جسده؛ وكانت هذه اللوحة الدرامية هي الفتيل الذي أشعل النار في تونس وفي كثير من الدول العربية...
إن رواية (اسم العربة) من نسج الخيال طاف بنا الروائي زيد الشهيد بخياله في فضاءاتها المختلفة؛ بتركيزه على الساحة العربية باعتبارها بؤرة الصراع؛ مشيرا إلى بعض التفاصيل المساهمة في اندلاع الثورات العربية من قبيل برامج القنوات الفضائية كبرنامج الاتجاه المعاكس في شخص فيصل القاسم؛ هذه القنوات التي تبث برامجها عبر العالم ساهمت في تأجيج نار الثورة؛ حيث انتقلت شرارتها إلى باقي أنحاء العالم العربي...
غير أن الروائي يعمل على إعادة إحياء البوعزيزي بأسلوبه الممتع من خلال الذاكرة المحترقة فيصنع منه الإنسان المتأمل في المجتمع الذي ضحى من أجله؛ فلم ير ما تمناه؛ حيث القاطرة بدل أن تسير إلى الأمام؛ ضلت طريقها وبدأت تسير إلى الخلف غارقة في كهف مظلم لا قرار له؛ ليعود إلى قبره أمام تشفي العقارب والغربان...
#محمد_يوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟