أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - الشاعرة عواطف بركات/ بالأنسنة خلقت علاقة مع الاشياء شعريا















المزيد.....

الشاعرة عواطف بركات/ بالأنسنة خلقت علاقة مع الاشياء شعريا


وجدان عبدالعزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5024 - 2015 / 12 / 25 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


كما هو معلوم ان النزعة الانسانية ، والتي تسمى "الأنسنة" هي اتجاه فكري اشتركت فيه العديد من المذاهب الفلسفية والادبية والاخلاقية والعلمية ، حتى تبلور من خلال هذا في عصر النهضة مذهب فلسفي ادبي مادي لاديني ، يؤكد على فردية الانسان ضد الدين ، ولكن ما ارقى ما يستفاد منه ان بروتاجوراس وهو احد السفسطائيين قال مقولته الشهيرة قبل الميلاد : (ان الانسان هو مقياس الاشياء) ، وتطورت هذه المقولة ونضجت في عصر النهضة الاروبية ، وركزت على الإنسان وتحريره من ربقة وأغلال وقيود العصور الوسطى وسيطرة الكنيسة، والانطلاق بالإنسان إلى أفاق رحبة، ومن خلال تلك الأفاق تنطلق قدراته وإبداعاته وعقله، فالنزعة الإنسانية ليست نسق فلسفي محدد وجامد، ولا هي تعاليم مغلقة على نفسها، بل حوار دائم .. شهد وجهات نظر مختلفة ولا يزال، وتظل النزعة الإنسانية مع كل هذا تعبيراً عن وجهة نظر شخصية، مركزها ونقطة انطلاقها هى الإنسان. وظهر في الثقافة العربية هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر ، وارتبط ظهور "الأنسنة" أو المذهب الإنساني عموماً بعصر الإصلاح الديني، وعصر النهضة في أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. حيث بدأ التحول في تلك الفترة من الدين إلى العلم، ومن الله إلى الإنسان ومن الماضي إلى الحاضر والمستقبل، لذا نجد أن أهم ما ركز عليه الإصلاح الديني خاصة مع " لوثر" "Luther" فى القرن السادس عشر ، هو الاعتراف بدور العقل ومكانته في البحث الحر، وزعزعة الأستاذية العقائدية التي كانت تمارسها الكنيسة دون الخروج النهائي عن الإطار الإنطولوجى العام للوحي، وفى هذا السياق بدأت رفض فكرة التوسط بين الله والإنسان، وجعل علاقة الإنسان بالله مباشرة، كما تم رفض احتكار تفسير الكتاب المقدس، وإعلان حرية الإيمان1. وجملة القول بات هاجس الادب والادباء ، هي انسانية الانسان وتهذيبها وجعلها في مرتبة عالية .. وحتى نصل للعصر الحديث نجد الكثير من الادباء والشعراء يحاول أنسنة الاشياء ، ومحاولة بدأ حوار معها هروبا من سلطة المجتمع او سلطة التعسف ، مثلما حدث مع الشاعرة عواطف بركات في ديوانها (معراجُ المانوليا) ، ومن العنونة تعاملت الشاعرة مع الشجرة المانوليا ، كونها شجرة باسقة لها القدرة على ترميم ذاتها ان اصابتها بعض الامراض والظروف الغير طبيعية ، ورغم صلابتها وقوتها الا ان لها جمال وردها الابيض وعطرها الفواح .. ومن هذه الاجواء تقول الشاعرة عواطف بركات :

(بفرحٍ غامرٍ ألوي عنقَ السراب
أضرجُّ سريرَ الحلمِ
بدمِ الشعر الواثبِ على عجلٍ
فوقَ النبوءةِ
وأعلنُ أرضي خضراءَ
لجحافلِ النابضين بالرحيق)

فجمعت بين الفرح والنبوءة ، لتعلن عن ارضها الخضراء ، ثم تجترح الحوارات المتعددة مع اشياء المحيط ، محاولة منها اثبات انسانها الباحث عن حقيقة الحياة والكون والعلاقة ... تقول :

(أسماءٌ كثيرة
للفراغِ الذي تأتي منه الريح
ويصنعُ القصيدة
...
وحدها القصيدة
وحدها الريح

طيفُ الأشياء
.....
مرَّ كالليكِ في وسنِ الشراع
ذاكَ الدؤوب فوقَ أزرقي
راودَ عرقي عن نفسه
أزجى ريحَه في مراكبِ الهدوء
كأنّه طيفُ الأشياء
في غياهبِ وحدتي
يزوّر رؤايَ السوداء
ويفتحُ عينيّ على بحرِ الوجود)

اذن هي تحاول تكوين رؤية خاصة بها عن الوجود ، والرؤية هى الطموحات المطلوب تحقيقها وهى التميز الواجب إحداثه ، والفرق بينها وبين الرؤيا ، كما جاء في لسان العرب (( الرّؤية: النّظر بالعين والقلب ... والرّؤيا ما رأيته في منامك ... ورأيت عنك رؤى حسنة: حلمتها. وأرأى الرّجل إذا أكثرت رؤاه بوزن رعاه, وهي أحلامه. ورأى في منامه رؤيا, على فُعلى بلا تنوين, وجمع الرّؤيا رؤىً, بالتّنوين مثل رُعىً, قال ابن بري: وقد جاء الرّؤيا في اليقظة قال الرّاعي: فكبّر للرّؤيا وهش فؤاده وبشّر نفساً كان قبل يلومها)) ، وهنا نجد الشاعرة بركات تعيش عالم الاحلام واخضاعه الى عالم الواقع ، كخطوة للاقتراب من حقيقة الوجود ، وهكذا تستمر بالمحاولة من خلال قولها :

(في عريّ الصباح , بلا معزوفةٍ تمطرُ الجوى بالبَرَد
وعلى الطاولةِ جمادٌ لايتقنُ لغةَ الحوار
تنعتني ساعةُ الرمالِ
بالـ " الثكلى "
غضبتُ من يأسِ الجدار
وبدمعي الظنين
رسمتُ حرائقا
وحدائقا
ووردا على بابِ المصادفة
...
يكتبُ الشعر ويقال عنه حنين)

اي انها تخلق حوار مع اشياء الوجود ، وكأن هذه الاشياء كائنات بشرية تحاول من خلالها اثبات انسانيتها ، خالقة علاقة معها مبنية على حرية الطروحات بعيدا عن الانسان الحقيقي .. غير انها تنفلت من ربقة الوحدة والاشياء المحيطة بها ، كي تصنع حوار مع الاخر ، ذلك الملتحف بالغياب دوما .. ففي قصيدة (ازرعك لهفة) تقول : (وسعَ الأمداءِ أزرعكَ لهفةً/وأضمُّ جداولَ الضوء/على بذوركَ النشوانة/ رباه "فليغمرني" السرمدُ بالثمر) ، فـ(" المانوليا"العطرُ فوقَ دياجي الزمن/صارَ شعرا) .. اذن كل رحلتها في الديوان هو حلم اللقاء ، حلم حضور الغائب ، وكل هذا لايتحقق الا بالشعر ، والدليل قولها :

(" عروج"
نمت ذراعيّ
لامسَ رأسي الصدى ,
ورود بيضاءُ تعبرني
..
"نسغ"
بكاملِ مائي وأملاحي المعدنية
وقفتُ في وجهِ الجاذبية
أصدُّ بالغبار وحوشَ الديدان
وأميلُ على رجعِ الصوت
من ينادي
كوني صعودنا
يابياضَ الألم )
و
(
.... القصيــــــــــــــــدة
......
القصيدةُ صباحٌ ثقيلٌ
أثقلُ من نملةٍ
تسيرُ بحافريها الغليظين على قلبي
ولاأستطيع الصراخ في وجهها ا
" كفى"
....
القصيدةُ
رجلٌ , قدّم لي ولاءَه
في رسالةِ غراميةٍ
تركتْها في صندوقِ بريده
"امرأة أخرى"
...
القصيدةُ
ألا أملكَ مايكفي من سيقان
لألهثَ وراءَ رجلٍ
نسي جوازَ سفرِه
في جيبي
....
القصيدةُ
وردةٌ كنتُ أحبها
قبل أن يصفعني بها رجل
أدركني الفجرُ معه
أمارسُ الحبّ )

اذن الاخر الذي تمارس معه الحب هو القصيدة كمعادل انساني ، وهذا يدلنا على ان الحقيقة الشعرية ذاتية بحتة ، مفعمة بالخصائص العاطفية، ترى الأشياء وكأنها تمتلك بعداً إنسانياً، ومحاطة بجو عاطفي يفيض بالفرح.. أو الحزن.. أو العذاب.. أو الأمل.. أو اليأس ، وسيان عند الشاعرة بركات ، ان تكون القصيدة وردة او رجل لانها خلقت علاقة حوارية لامرئية مع الشعر ، فاصبح الشعر وجود رؤيوي يرتكز على الاحتمالية .. وتضيف الشاعرة بقولها : (كلما استقامَ الهواءُ/أفكرُ في الوقوعِ بحبك/امرأةٌ مثلي لاتقعُ إلا بالحب..رجل في مصعد الغياب.........) هي تفكر بالحب ، وحتى وان وقعت بالحب ، فمع رجل مكانه عالم الغياب .. لكنها تبقى تعيش اجواء الحياة والحب بأمل (كنّا واحدا في جوار حائط الخراب/نركل كرةَ الشوطِ الضائع/ونصيحُ ياالله/‘فرصة أخرى‘ فرصةً أخرى ياالله/كي لايقالَ/طهاةُ الفرحِ ...يتباكون) ، وبالتالي قدرتها على اخضاع الاشياء بالأنسنة الى ارادة الحوار ، لتبرهن انها تعيش من اجل الحب منه واليه (وصلتُ بكَ إلى آخر الحبّ/لأني لاأقوى على حبكَ أكثر/سأموتُ بكَ) ، وحتى انها تفنى به ..




1ـ هاشم صالح: مدخل إلى التنوير الأوروبي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 2005، ص75.



2 ـ ديوان (معراجُ المانوليا)للشاعرة عواطف بركات



#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر حسن البصام / بين الهدوء الشعري والانفعال العقلي
- الشاعر رياض الغريب .. نسق مضمر في عيد المرأة
- الكاتب علي لفتة سعيد /خلق من الادب شخصية موازية لخلق ذاته ال ...
- الكاتبة امينة عبدالله/تعيش حالة التداخل النصي والتداخل النفس ...
- الشاعر حبيب النايف/بين الرؤية المتحركة والموقف الثابت
- الشاعر احمد محمد رمضان / ين التغريب والترميز مضمونا والومضة ...
- اضواء الروح / في ديوان (موسيقى الصباح) أنموذجا
- الشاعرة خلود البدري في لوحات شعرية تثير الدهشة
- الكاتبة كاميﻻ-;- زيتون/وبناء الشخصية من خلال جغرافية ...
- الكاتبة لونا قصير عالمها عراقي عربي مفتوح النوافذ على العالم ...
- الشاعرة سيدة بن علي / ترفض القبح والعداوة وتقبل الجمال والحب
- الحضور لا الغياب/ قصيدة(الشاعر يتقدم) لصادق الطريحي أنموذجا
- الحوار وحسن الظن بالله وبياض النية/وقصيدة (حكيمة الغيم) للشا ...
- الشاعر علي الامارة/يرثي الناقد محمد الجزائري بالتذكير
- الشاعرة مها الصافي /تحرك الذائقة بحضور نثري شعري متميز/ديوان ...
- رباعيات القاسمي / مواقف باتجاه القبول والرفض
- (إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاع ...
- الثلاثية الشعرية الحوارية/والعبور بالحلم من اسيا الى افريقيا
- خزعل الماجدي/كينونة شعرية مشرعة النوافذ !!
- الشاعرة اسماء القاسمي/وميلاد يقظة اليقين


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - الشاعرة عواطف بركات/ بالأنسنة خلقت علاقة مع الاشياء شعريا