أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - الشاعر حسن البصام / بين الهدوء الشعري والانفعال العقلي















المزيد.....

الشاعر حسن البصام / بين الهدوء الشعري والانفعال العقلي


وجدان عبدالعزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5023 - 2015 / 12 / 24 - 19:24
المحور: الادب والفن
    


لاشك ان الشاعر حسن البصام، حاول تكوين شفرة متميزة وواضحة في ديوانه الجديد (وشم على جبين نخلة) في صور شعرية صادمة، اتخذت سلم الصعود على اشجار الكلمة، مما اثار المتلقي وعمق تلك الشراكة التي بدأت تترسخ عبر مسار القراءات المتعددة (وامام هذه الشراكة الحداثوية يتوزع المؤلف والمتلقي الى مدرجين: الاول قدرة المؤلف على الابتكار والثاني قابلية القاريء على خلق المعنى او ما نسميه الاسترداد)1، ولهذا حاول البصام التسلق، ليضع معانيه في اعالي النخيل، خالقا متعة في الوصول الى معانيه، التي هي نقاط الشراكة بينه وبين المتلقي، عبر جنوسة الشعرنة، وتلك الصلة بين النص الشعري والمتلقي خلقت استراتيجية القراءة، فالنصوص المبدعة حديثا، تحاول خلق طرق كشف عن المعنى المتستر بين ثنايا المعنى الظاهر، كما يقول الناقد عبدالعزيز ابراهيم، ناهيك ان البحث عن المعنى، يكون نقطة انطلاقه اللغة، من حيث ان البحث عن المعنى في طروحات الحداثة ينطلق منها، ويكون في اتجاهين هما الصوت والمعنى .. يقول ياكوبسن : (ان الصوت والمعنى باعتبارهما وجهي اللغة اللذين لايمكن فصلهما، فلديك الصوت والصوت له معنى ولايمكن ان يوجد أي معنى بدون صوت يعبر عنه).. يقول الشاعر:

(كنت غضة .. تخفضين رأسك للريح
وتحدقين مع العيون المتعبة، وهي ترنو
الى نقطة ضوء في الافق
لكن سيقانك التي امتدت على اكتفانا
تنهض كالحلم تلثم عيوننا
حاولي ان تحني رأسك قليلا
نحو القاع الراعف انفه من سياط الخوف
والراقص على انغام الانين وطبل البكاء
احذري من قلب يدخر الصرخات
وبراكين تنفس عن ذلها
فان الشذا الذي يفوح من جبينك متهم
بالخيانة
ينشر الفرح في غير دارنا ..)

ونحن اذ نتعامل بين الدال والمدلول هنا، نجد ان الشاعر تحدث بصمت وادخر الصراخ، الا انه تعامل بلغة شعرية، حملت معاني خاصة به غايرت معانيها المعجمية المتواضع عليها، وابقى نصه بحوار دائم ومتنامي مع الاشياء، وبهذا خلق نصا خصبا اضافة الى انه يشبع الحاجة الجمالية للمتلقي، فاللغة دال يعطي معنى أي مدلول في حالة الاستعمال، وبهذا فان النص عالم من العلاقات المتشابكة يلتقي فيه الزمن بابعاده الثلاث، ثم يؤهل نفسه كي يلتقي ويتداخل مع نصوص اخرى .. وخلق اشارات دالة على تكوين سياق .. فالشاعر خلق سياق بحث عن الفرح، رغم انه يرقص على انغام الانين، وحتى انحيازه للفرح يعني اتهامه بالخيانة، لكن نبوءته المستقبلية تمثلت انه سيأتي حنان الماء ليغسل اقدام الاشجار، كي تبقى شامخة تحمل رؤيته الجمالية، لهذا بقي يستعمل افعال العلو والتسلق ..
وفي قصيدة (الفتنة بصقة شيطان) راح يستعمل التغريب هروبا من واقع خبر حاله وتعايش معه .. (الفتنة بصقة شيطان/والابتسامة الخالية من النقوش رجل/واذا ما دققنا في مشية امرأة/على ساحل القلب/سنرى هرا يتزحلق على نار الخطيئة/او كرة تتقاذفها ارجل الشياطين/سيخرج المحار من صومعته متبخترا/وحين تتعرى على السرير/ستقف المروحة السقفية/دقيقة حداد على نفسها/تلعن تكبرها)، يقول ليفي شتراوس : (ان الرمز اللغوي اذا كان اعتباطيا مسبقا فانه لايظل كذلك مؤخرا، أي اننا اذا اخذنا في الاعتبار الكلمة اللغوية بعد استعمالها لاحظنا انها تفقد خاصية التعسف والاعتباط ولايصبح المعنى الذي نعزوه لها مجرد وضع اصطلاحي، بل يتوقف على الطريقة التي تتبعها كل لغة في اقتطاع عالم الدلالة الذي تنتمي اليه هذه الكلمة طبقا لحضور او غياب الكلمات الاخرى التي تعبر عن المعاني المجاورة)2 ، ونبه بهذا الصدد (شكلوفسكي بوضوح الى ان الموضوع هو خارج دائرة الفن ، وهو لا يدخلها إلا عبر تغريبه ، وجعله شكلا لانظير له في الواقع وبدا واضحا ان عملية الإدراك الفني ، هي عملية غير عقلية تماما ، ولابد من الإحساس بمتعتها ، وجعلها تنطوي على غاية جمالية ، وان ذلك يتم بطرائق وتقنيات لابد من تعريتها والتعبير بها ، فالتغريب يغير من استجابتنا للعالم ، ولكن عن طريق تعريض مدركاتنا التي تعودنا عليها الى إجراءات الشكل الأدبي كما يرى رامان سلدن) 3 ، وإذ (نحن لاننكر خصوصية الإبداع الفني ولا تفرد الخلق في الفن ، لكن ذلك لايعني ، بحال من الأحوال ، ان لاصلة بين الإبداع والتفرد وبين الحياة بالمعنى الواقعي والملموس، قد تتخذ تلك الصلة أكثر من شكل ، قد تتوسطها أكثر من حلقة ، لكنها تبقى موجودة وحاسمة ، بل ونزعم ان غيابها يحول دون قيام أي عمل فني ، إبداعا وخلقا وما شابه.) 4، ورغم حالة التغريب التي عاشها الشاعر، الا انه يقترب بخاطره من الاشياء، ويستعمل رومانسية شفافة من خلالها يبث احساسا انه يتعامل مع ما يحيط به بالفة هادئة مع حضور الم الفجيعة، حيث يقول :

(انت شاطيء آمن وسفينة أربكها الموج
خذي ما شئت من سفني وأعطيني مرسى شفتيك
قلبي مازال اسفنجة تمتص حماقاتك
ويعصرها في النسيان)

ويلجأ الشاعر البصام الى شعر التوقيعة، والمقطعية في البناء الشكلي، عازفا على وتر التنوع بي المرئي واللامرئي، لـ(ان نمط البناء المقطعي في القصيدة الجديدة يعتمد في بنيته الاساس على تعدد مراكز الحدث الشعري، او توزع الحدث الرئيسي على محاور عدة، او تجسيد حالات كثيرة تختلف في مضامينها وطبيعة تجربتها لكنها تلتقي بعضها البعض بخيط واحد يكون عادة غير مرئي، وهذا نمط مهم من الانماط المركزية في الشعر الجديد.)5، وبهذا تكون القصيدة الحديثة (عالم ذو ابعاد .. عالم متموج متداخل، كثيف بشفافية عميق بتلألوء، تعيش فيها وتعجز عن القبض عليها، تقودك في سديم من المشاعر والاحاسيس، سديم يستقل بنظامه الخاص)6، هذه الافكار التي يطرحها البصام في ديوانه الجديد، تكون عالما من الاحاسيس والمشاعر التي تجعل من افكاره متزاحمة ومتموجة، تحاول الوصول الى حالة من الاستقرار، لكن انّى لهذا الاستقرار والحلول مادامه يعيش هذا التموج الكبير، يقول في قصيدة (الاصابع) التي جعلها على هيئة القصيدة المقطعية والمرقمة:

(الجسد شجرة مغروسة عند عتبة الجفاف
والجذور التي تمدها النشوة ..
اصابع عشق واخضرار)

فبين الحسي الجسد والشجرة، وبين اللاحسي اصابع العشق والاخضرار عاش البصام عوالم البحث الجمالي، و(لان النساء شرايين اصابع الرجال)، يقول : (لاصابعي شفاه تقبل تويجتك/تتعطر بشذا عشقك)، و(حين تعزفين على قلبي باصابع عشقك/يتساقط الندى على شجرة احلامي/فيزهر الورد)، هذه رؤية الشاعر الجمالية، رغم انكساراته المتعددة التي تمثلها الاحرف المغموسة بالدمع والدماء، فمن الالم السومري الى تراب الطف الذي تعفر باطهر انسان ثائر، مثل نموذجا تاريخيا صار رأس مال استثمار لكل الانسانية، بين هذا وذاك يحاول البصام الاستثمار الامثل لمشاعر الحب والجمال، مخاطبا الحسين الثائر : (يا سيد العدل الالهي الذي قوم هذا الدين بالدم/انت الحضارة .. سارية النجاة)، اذن هو هذا الطهر والجمال الذي يبحث عنه الشاعر في افعال السمو والعلو .. ثم انه يوثق هذا بعقد الاخاء ويردد : (اقسم بالله اني احبك)، (مجنون من يشهر كرهه للناس)، وتتثبت رؤيته وتتعمق من خطاب الانفعال العقلي لمن يضمر في دواخله العداوة، ان يختبر نفسه، بقوله : (اعرض نفسك على الورد/فان غطى وجهه/ فانت قبيح)، هذا هو النمو الجمالي الذي يسيل على كلمات الشاعر البصام، خالقا رؤية الرفض، لامثال "يزيد ابن معاوية" كل القبح ورؤية الحب والقبول "للحسين ابن علي"ع" كل الجمال، فالسواد لايليق الا به والدموع عليه شامات على خد الولاء، وهنا نقر بحقيقة الشعر الذي ثبت انه ينقاد لانفعالات الشاعر ذات العاطفة المنقادة للعقل ..


مصادر البحث :

1ـ كتاب (استرداد المعنى) /عبدالعزيز ابراهيم / دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الاولى 2006م ص103

2ـ كتاب (نظرية البنائية في النقد الادبي) /د.صلاح فضل/دار الشؤون الثقافية العامة /بغداد 1987 ص39ـ40

3 ـ كتاب (المفكرة النقدية) د.بشرى موسى صالح ، دار الشؤون الثقافية العامة ، الطبعة الاولى ـ بغداد ـ 2008م ص124 و126 و39 كما جاءت في المقالة


4ـ كتاب (في الأدب الفلسفي) / الدكتور محمد شفيق شيّا / مؤسسة نوفل ـ بيروت ـ لبنان ط1لسنة 1980 ص69

5ـ كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي رقم 14 2008م ص

6ـ كتاب (زمن الشعر) ادونيس ، دار العودة ، بيروت 1973 ص59
7 ـ ديوان (وشم على جبين نخلة) للشاعر حسن البصام/ تموز للطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الاولى



#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر رياض الغريب .. نسق مضمر في عيد المرأة
- الكاتب علي لفتة سعيد /خلق من الادب شخصية موازية لخلق ذاته ال ...
- الكاتبة امينة عبدالله/تعيش حالة التداخل النصي والتداخل النفس ...
- الشاعر حبيب النايف/بين الرؤية المتحركة والموقف الثابت
- الشاعر احمد محمد رمضان / ين التغريب والترميز مضمونا والومضة ...
- اضواء الروح / في ديوان (موسيقى الصباح) أنموذجا
- الشاعرة خلود البدري في لوحات شعرية تثير الدهشة
- الكاتبة كاميﻻ-;- زيتون/وبناء الشخصية من خلال جغرافية ...
- الكاتبة لونا قصير عالمها عراقي عربي مفتوح النوافذ على العالم ...
- الشاعرة سيدة بن علي / ترفض القبح والعداوة وتقبل الجمال والحب
- الحضور لا الغياب/ قصيدة(الشاعر يتقدم) لصادق الطريحي أنموذجا
- الحوار وحسن الظن بالله وبياض النية/وقصيدة (حكيمة الغيم) للشا ...
- الشاعر علي الامارة/يرثي الناقد محمد الجزائري بالتذكير
- الشاعرة مها الصافي /تحرك الذائقة بحضور نثري شعري متميز/ديوان ...
- رباعيات القاسمي / مواقف باتجاه القبول والرفض
- (إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاع ...
- الثلاثية الشعرية الحوارية/والعبور بالحلم من اسيا الى افريقيا
- خزعل الماجدي/كينونة شعرية مشرعة النوافذ !!
- الشاعرة اسماء القاسمي/وميلاد يقظة اليقين
- الشاعر صابر العبسي : يفترض ويرفض الافتراض


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - الشاعر حسن البصام / بين الهدوء الشعري والانفعال العقلي