أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - (إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاعر امير ناصر















المزيد.....

(إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاعر امير ناصر


وجدان عبدالعزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


بدأ الحزن بين اثنين وتصاعدت الفجيعة حتى شملت الجميع ... فجيعة سجاد امير ناصر بالغرق في نهر المدينة والتحاقه بحشد الغرقى ، وان الغريق حسب النصوص المقدسة شهيد بالتأكيد ، وفجيعة سجاد عدنان طعمة والتحاقه بحشد شهداء الحشد الشعبي .. يلتقي القلبان المتورمان من لهفة الفقدان ، وتلتقي العيون المنهمرة بالدموع التي تحاول غسل ادران الحزن الماضي واجلاء الحزن الحاضر ، وتتوازى الفجيعتان في السير الى مرابع الخلود في عوالم الشعر ، فالشعر يتضمخ بالذاتية المفعمة بالعاطفة ، والشعر يرى الأشياء وكأنها تمتلك بعداً إنسانياً، ومحاطة بجو عاطفي يفيض بالفرح.. أو الحزن.. أو العذاب.. أو الأمل.. أو اليأس.... وهذه الأشياء إما خيّرة أو شريرة... صديقة أو عدوة... مألوفة أو غريبة... جذابة أو منفرة. أي إن الشعر يدرك الأشياء إدراكاً درامياً ، ويبدأ يمزج بين الحزن ولحظات وقوعه وبين الفرح ولحظات وقوعه ، وكبشر نحتاج لأن نكون قريبين من أنفسنا، ونحتاج إلى الشعر، وإلى الحقيقة الذاتية الخاصة بنا، لما تجلبه لنا من الاشياء التي تغمرنا في طوافان مشاعرها .... بل إن هذه الحاجة تزداد كلما أوغل الإنسان في مجاهل الحياة مبتعداً عن عوالمه الذاتية، حين ذاك سيصاب بالتصحر الروحي، وبالخواء العاطفي ، والإدراك الدرامي للأشياء، يساعد الإنسان في استرداد الذات.. وبعث النداوة في أعماقه.‏ فالشاعر امير ناصر امتلك زمنيا عبر عقودا من الشعر طريقته الخاصة في الايصال ، وظل يدفن مشاعره في انفعالات الشعر ، حتى تستقي الظهور من خلال المد المنفعل لكلماته وتكون الكلمة ، لتبدأ عوالم التخفي لمقاصد المعنى ، بين كلام السهل الممتنع وبين تجربة الشاعر امير ناصر الذاتية ، ليكون حبه لمدينته الشطرة يشوبه البكاء والفجيعة ، فهو لصيق بها ، يتحسس نبضها ، يتحسس احزانها ، وحينما فُجع زميلنا الاعلامي والشاعر عدنان بولده الغض سجاد ، بكى امير ناصر بصمت ، ثم اعلن كلماته ، مشفوعة بفجعيتين ، سجاد ولده الذي ابتلعه نهر المدينة وامتص رحيق الحياة منه ، وبين سجاد ولد عدنان الذي ابتلعت المعركة روحه وشعت في موته معاني الحياة ، صرّها امير ناصر وديعة في عالم الخلود الانساني .. ليخاطب زميله الشاعر عدنان طعمة بقوله :

(يا لتشابه الصدف ... يا عدنان
يا لتشابه الصدف .
كأنك أنا ،
وأنا اقف هكذا مثل دمعة
مفجوع بابني
لم أكن أتذكر ساعتها ، وظيفة عيناي أبدا
ولا ذلك الورم الذي يسمونه القلب .
كنت مثلك تماما ،
أبحث بين الوجوه والأسماء عنه
(..................
......................
................... ) *

اذن يواسيه اولا بالبكاء وحشرجات اللوعة وتمتمات الشفاه الصامتة والمستقبلة لدموع جفت من انشداه مفاجأة الفقدان الابدي ، وقد يصرخ هنا ، ولكنه يبحث بين الجموع ، هو لايدري ماذا وكيف سيكون مآل الحال (فالبكاء شعور إنساني ووجداني يقع في نفس الشاعر فيعتلج لسانه بالقول وينطلق بمكنون صدره ، فيعبّر عن ذلك بما اصطلح عليه فن الرثاء . فالرثاء ليس صورة أدبية لعصر ما فحسب بل هو وثيقة تاريخية و اجتماعية وفكرية فوق ما هو نابع من الروح والذات . لهذا لم يكن الرثاء منغلقا ً في دائرة البكاء والأحزان والتهويل والوعيد أو في دائرة تعدد الصفات على اشتهار الجاهليين بهذا ؛ وإنما كان تجربة حية كاملة الأبعاد للحياة و الموت و البحث عن المصير .) ، وعاش الشاعر امير فجيعة عدنان بفجيعته تماما ، فصور هذا بتجربة حية ماثلة في ذهنه ، ثم ينبري بوصايا من وحي تجربته .. بسجاد الاول ، ليسقطها في وعاء زمن حاضر عدنان المؤلم لحظة سماعه بالخبر ، يقول الشاعر امير :

( أوصيك :
ما أن ينفضوا من حولك
انهمر بالبكاء حتى ترى الصور تتساقط أمامك
صور ابنك
صوره ، يا عدنان
وأنت تحصي قامته كل نهار
وتدور حوله مثل زهرة عباد .
تدور حول شمسك)

ففي لحظة الخلوة ، كانت وصايا الشاعر امير لزميله الشاعر عدنان ، وكأنه يشاركه الحال ، فيخاطبه : اغتسل بالبكاء وانت ترى صور ابنك وتدور حوله ، كما هي نبتة عباد الشمس .. (أقلب اليوم في رثائك لأبني ، أقلب دمعتك
وأراه صالحا تماما لرثاء ولدك
ذات الغصن ، وذات الوجه ، وذات الأسم ، وذات الحب ، وذات الغرس ، وذات ...... الـــ
لا تكن صورتي
ولا أكن صورتك
حتى لا يمتد حزنك للماضي
وحتى لا يتقادم حزني معك
دعنا نبكي بمقدار ، يكفي لسجاد واحد
دعنا نتناصف الحزن من الآن
لوعة لك ، وأخرى لي
دمعة لك ، وأخرى لي
وسأكون كريم تماما معك
أنا المفجوع قبلك .
وما أن يغيب وجهك الحزين عني
سأكمل رثائي لولدك
( .............................
...............................
...... . ) *)

واقرن هذا بجزء من رثاء ابن الرومي لابنه :

(بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
لقَد قلَّ بين المهْد واللَّحْد لُبْثُهُ فلم ينْسَ عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
تَنَغَّصَ قَبْلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ وفُجِّعَ منْه بالعُذُوبة والبَرْدِ
ألَحَّ عليه النَّزْفُ حتَّى أحالَهُ إلى صُفْرَة الجاديِّ عن حُمْرَةِ الوَرْدِ
وظلَّ على الأيْدي تَساقط نَفْس ويذوِي كما يذوي القَضِيبُ من الرَّنْدِ
فَيَالكِ من نَفْس تَسَاقَط أنْفُساً تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ
وما سرني أن بعْتُهُ بثَوابِه ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلْدِ
وَلا بِعْتُهُ طَوْعاً ولكنْ غُصِبْته وليس على ظُلْمِ الحوادِث من مُعْدِي
وإنِّي وإن مُتِّعْتُ بابْنيَّ بَعْده لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ
وأولادُنا مثْلُ الجَوارح أيُّها فقدْناه كان الفاجِعَ البَيِّنَ الفقدِ)

وهو رثاء في صور بلاغية ، مقابل صور الشاعر امير ناصر الحسية النابضة بواقعية الفجيعة ، ليبقى الشعر عند امير ناصر مغامرة جريئة، وفعالية عقلية راقية ومن نوع خاص، تحاول أن تفسر العالم، أو بالأحرى، أن تعطيه معنى، وأن تجبره على البوح بشيء من حقيقته ..


قصيدة للشاعر امير ناصر بدون عنوان ، عنوانها كان الاهداء :
(إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد)



#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثلاثية الشعرية الحوارية/والعبور بالحلم من اسيا الى افريقيا
- خزعل الماجدي/كينونة شعرية مشرعة النوافذ !!
- الشاعرة اسماء القاسمي/وميلاد يقظة اليقين
- الشاعر صابر العبسي : يفترض ويرفض الافتراض
- جرأة الطروحات في كتاب ( اجندة نسوية) للناقدة عالية خليل
- معاني متخفية في صور متحركة /ديوان (ناي الغريبة) أنموذجا
- الشاعرة سيدة بن علي تحاول احتواء غربة المكان بتأمل اصيل
- مخاض الحيرة ورسالة الحب في ديوان (كوميديا الذهول)
- لتجليات الجسدية والايروتيكية وتمظهرات الغياب والحضور في الشع ...
- الاستثمار والتحول في رؤى الشاعر نمر سعدي
- حنان بديع بين الهجوم ضد الاستلاب والبحث عن الجمال
- الفن ولذة الحياة عند حيدر عبد الله الشطري
- وجيهة عبد الرحمن تصعد مع المطر وتنزل مع الحب
- ديوان (ألم المسيح ردائي ..) وانساقه الثلاث
- عدنان عزيز دفار في رماد السنين بين أضرحة الوجع وصهيل الأماني
- رائدة جرجيس نرجسة شعرية مضمخة بالقلق
- قبعة حميد المختار شعريا نموذج القراءة قصيدة علي الأمارة
- تبقى الشاعرة ذكرى لعيبي في الآن ولا تنسى الآوان
- سوسن السوداني عندها الحب هو الامل قصيدة (ترخيص منتصف الليل)أ ...
- الموضوعي الذاتي في شعر بارقة ابو الشون


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وجدان عبدالعزيز - (إلى عدنان طعمة ، المفجوع بابنه سجاد) ، قراءة في قصيدة الشاعر امير ناصر