أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين















المزيد.....

ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5023 - 2015 / 12 / 24 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


تتناول الكاتبة التونسية خولة حمدي في روايتها الجديدة "غربة الياسمين" العلاقة المُلتبِسة بين الشرق والغرب، وتدرس إمكانية الاندماج من عدمه في المجتمع الجديد على الرغم من شعور بعض الأبطال بالتمييز العنصري القائم على أساس اللون والدين والمُعتقَد. كما تغصّ الرواية بثيماتٍ فرعية كثيرة لم يرصدها الروائيون العرب الذين تناولوا ثنائية الشرق والغرب أمثال توفيق الحكيم، يحيى حقي، سهيل إدريس، الطيب صالح وسواهم من الكُتّاب العرب. أما د. خولة حمدي التي عاشت ودرست في مدينتي سانت إيتان وتروا الفرنسيتين وظلت مُحتفظة بهُويتها العربية والإسلامية فقد تناولت موضوعات متعددة من زاوية نظر مختلفة تنطوي على قدر كبير من الشجاعة في الدفاع عن "الأنا" وتفكيك "الآخر" الذي يتمترس وراء رؤية عنصرية مقيتة لا ترى في القادم الجديد سواء أكان لاجئًا، أم مُهاجرًا، أم طالب علم إلاّ الوجه النمطي المُتعصب أو المُرشّح للإرهاب.
لابد من الإشادة بحبكة هذا النص الروائي المُتقن وقدرة مبدعته في السرد، وخلق الأحداث، ونموّ الشخصيات المتعددة التي تضع القارئ أمام نص مراوغ في تبعيته المحلية أو العالمية. فثمة شخصيتين مُهاجرتين، الأولى رنيم شاكر التي قدِمت من مصر لأنها تحلم بالزواج من رجل فرنسي بعد أن مَحَت من ذهنها فكرة الاقتران بشاب مصري. وحينما حلّت في مارسيليا وقعت في حب المحامي ميشال روسو إلى الدرجة التي دفعتها للتبرع بكُليتها له قبل أن يهجرها لأنها "لا تُقدِّم له ما يحتاجه منها". ومع ذلك فقد أعطاها رقم هاتف صديقه المحامي جورج برنار مع توصية بتعيينها في مكتبه الخاص في باريس. أما الشخصية الثانية فهي ياسمين عبد القادر التي جاءت من تونس بهدف الدراسة ونيل شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، والعيش مع إيلين، زوجة أبيها الثانية التي أنجبت له طفلين وهما ريان وسارة اللذين ينتميان إلى الثقافة الفرنسية ولا يعرفان شيئًا يُذكر عن الثقافة العربية.
تحمل رنيم صفات محددة فهي متحررة جدًا وترتدي ملابس قصيرة لكنها لا تسمح لأحد أن يلمسها. كانت لديها مشكلة في النطق لكنها تغلّبت عليها وقررت أن تصبح محامية تترافع أمام حشود غفيرة. أما ياسمين فهي مُحافظة وقد تحجبت قبل سنتين وجاءت إلى ليون كي تدرس "ظاهرة الانتحار في موقع العمل" وتحصل على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية. ومع أنها تتقن اللغة الفرنسية لكن حجابها سوف يشكِّل أمامها عقبة كأداء لن تتجاوزها إلاّ بشق الأنفس.
لا شك أن هناك لحظات حاسمة كثيرة في هذه الرواية من بينها لحظة تبرّع رنيم بكُليتها إلى صديقها ميشال الذي أحبته ومنحته عضوًا مهمًا من جسدها لكنه سيتخلّى عنها لأنه يعتبر الزواج عقدًا مُكبِلاً له! أما اللحظة الحاسمة الثانية فهي غياب الصديق الغامض عمر الرشيدي عن عيني ياسمين التي كانت تراه كل يوم في عربة المترو ذاتها وكان يناقشها على عجل في الكتب التي تقرأها مثل "الهُويات القاتلة" لأمين معلوف و "مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام" لطارق رمضان وغيرهما من الإصدارات الفكرية الجريئة. لقد نجحت الروائية خولة حمدي في اصطياد القارئ أو وخزه بهاتين اللحظتين الحاسمتين اللتين ستبقيان عالقتين في ذاكرة القرّاء وهم يتتبعون مصير رنيم شاكر وياسمين عبد القادر من دون إهمال الشخصيات الأخرى التي تؤدي أدوارها ضمن السياق السردي للنص الروائي.
ومثلما تترك رنيم مدينة مرسيليا لتستقر في باريس، تغادر ياسمين مدينة ليون لتستأجر غرفة في شقة رنيم، وتُصبح صديقتها الحميمة على الرغم من القناعات والأفكار المتناقضة التي تحملها كل شخصية على إنفراد. ولولا هذه المصادفة "القدرية" لما عرفت هذه الرواية طريقها إلى البناء المعماري المُحكَم.
لم تستطع ياسمين أن تندمج حتى مع أسرة أبيها المكونة من ثلاث شخصيات وهي إيلين زوجة أبيها، وشقيقيها ريان وسارة. وإذا كانت إيلين تتفهم فكرة الحجاب، والطعام الحلال الذي تطبخه خصيصًا لياسمين إلا أن الأب قد غيّر حتى اسمه من كمال عبد القادر إلى سامي كلود بغية الحفاظ على نجاحه المهني. أما شقيقتها سارة فهي تفضّل الحياة الغربية وتعتبر زياراتها إلى تونس مجرد رحلات سياحية لا غير!
كثيرة هي المواقف العنصرية التي تصادفها ياسمين في حياتها اليومية والدراسية فحينما جاءت لمقابلة دافيد كيلير تصوّرها باتريك عاملة تنظيف لأنها محجبة. كما طُلب منها غير مرة أن تخلع حجابها كي تحصل على تمويل لبحثها العلمي المكرس لظاهرة الانتحار في موقع العمل. المضايقات تلاحقها في البيت والعمل ووسائط النقل العام لكن رنيم تؤازرها على الدوام، وتتيح لها من دون قصد إمكانية التعرف على مصير عمر الرشيدي، الصديق الذي استلطفتهُ، وأحبت ثقافته الواسعة، وسلوكه المتحضر.
يُعد عمر الرشيدي من أهم شخصيات الرواية التي استطاعت أن تبزّ ميشال روسو، وسامي كلود، وباتريك، وكريستوف نوارو، وهيثم، ووليد الراجحي وبقية الناس الذين لا يعرفون عنه سوى أنه "منعزل، ومعقّد، ومدمن على العمل"، ومنهمك في مشروع "الاندماج البارد" أو الطاقة النظيفة التي سوف توفر له ثروة هائلة. إذا كان غياب عمر الرشيدي لحظة حاسمة فإن الانفجار الذي حدث في شركة الكيميائيات في ليون وراح ضحيته ثمانية أشخاص من المختصين في الأبحاث العلمية يعد نقطة تحول أساسية في الرواية حيث يُتهم عمر بالإرهاب خصوصًا بعد الشهادة السلبية التي قدّمها البروفيسور كريستوف نوارو وقال بأنّ سلوكه غريب، ولا يختلط بالزملاء، ويُحيط عمله بسرّية تامة، فلاغرابة إن كان يخطط لتفجير الشركة، ونسف قسم الأبحاث العلمية من الوجود. كما استعملوا كارولين كأداة في التنفيذ من دون أن تدري، إذ حوّلوها إلى جاسوسه تتقصى تجاربه العلمية بحجة التعلّم والدراسة التطبيقية.
تكشف الحبكة الروائية بأن هناك شيئًا أكبرَ من كريستوف وكارولين التي أضافت مادة متفجرة إلى تجربته المخبرية وأن هذا السر لا يعرفه سوى كارولين. تُرى، هل تتكفل رنيم شاكر بحمايتها لتعرّي الجهة العليا التي حاكت هذه المؤامرة القذرة لسرقة الجهود العلمية للدكتور عمر الرشيدي التي برهنت المحكمة أنه المذنب في عملية التفجير الإرهابي؟
هيثم الذي رفض الاقتران بياسمين يقترح عليها الزواج بعد أن تخلى عن صديقته الفرنسية لورا لكن الأمر ظل معلّقًا على الرغم من أن ياسمين قد صرفت النظر عن الدكتور عمر الرشيدي الذي أحبته عن بُعد وظلت معلّقة بثقافته والتزامه الديني. أما رنيم التي وافقت على اللقاء بميشال بعد 132 يومًا من الغياب رفضت عرضه للزواج وغادرت الصالة الباذخة التي أجّرها خصيصًا لهذه الليلة. كما أنها قررت السفر مع والدها إلى القاهرة على أمل أن تعود سريعًا جدًا كي تقدم طلب الاستئناف إلى المحكمة بعد أن زوّدتها كارولين بأدلة دامغة جديدة سوف تنقذ عمر الرشيدي من السجن المؤبد. أما ياسمين التي شعرت بنوع من العلاقة التي تنسج خيوطها بين عمر ورنيم فقد قالت جملة معبِّرة تختصر الكثير من الكلام عن عمر الرشيدي مفادها: "فكّ الله أسره. . وجمع بينكما في خير". كل الأحداث ظلت معلقة بانتظار تكملتها في الجزء الثاني الذي يترقّبه القارئ بشغف كبير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي
- لماذا غاب أتاتورك في فيلم الرسالة الأخيرة لأوسان إيرين؟
- السينما أجمل شيئ في حياتي وأتمنى أن أكون راويًا للقصص
- ضفاف أخرى . . . رواية تمجّد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف
- قراءة نقدية لأربعة أفلام روائية قصيرة في مهرجان لندن للفيلم ...
- أفلام روائية كردية تستلهم قصصها من السجون التركية
- سائق الحرب الأعمى الذي قاد العراقيين إلى عين العاصفة!
- الدورة التاسعة لمهرجان لندن للفيلم الكردي
- المفاجأة والتشويق في ذِئبة الحُب والكُتُب
- رواية متشظيّة بتسع وحدات قصصية رشيقة
- الباندا. . . الحيوان الأكثر فتنة وجمالاً على الأرض
- ضعف السيناريو في فيلم قلوب متحدة لحسن كيراج
- السخرية السوداء في مياه حازم كمال الدين المتصحِّرة
- حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين