أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات















المزيد.....

حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 15:26
المحور: الادب والفن
    


يُعتبر فيلم"حِكايتُنا" للمخرج التركي ياسين أوصلو من أكثر الأفلام التركية شهرة وإثارة في هذا العام حتى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد شاهد الفيلم هو وعقيلته وعقّب على باقتضاب شديد على أسئلة الصحفيين قائلاً: "أنا أفهم هذا الفيلم جيدًا" في إشارة واضحة إلى أوضاع السجناء الأتراك الذين عاشوا في زنازين الانقلابيين وتعذبوا فيها.
يتمحور هذا الفيلم على تداعيات الانقلاب العسكري الذي نفّذهُ الجنرال كنعان إيفرين في صبيحة 12 سبتمبر 1980تحت ذرائع شتّى منها مقاومة المدّ الشيوعي، ومكافحة التمرّد، وتحيّيد العقائد الدينية المتزمتة، والتمسك بمبادئ أتاتورك، ومعالجة الركود الاقتصادي، والقضاء على أعمال العنف والإرهاب وما إلى ذلك من أهداف بغية استعادة هيبة الدولة وسيادتها على كل الأراضي التركية.
لا يستطيع أي فيلم، أو حتى مجموعة أفلام روائية ووثائقية، أن تغطي مجمل الأحداث التي وقعت إثر الانقلاب مباشرة وما أفرزته من ظواهر قمعية لا تنتمي إلى سلوكيات الدول الحديثة المتحضرة كالسجن والقتل والتعذيب والملاحقات الأمنية، فضلاً عن إلغاء الدستور، وحظر الأحزاب السياسية واعتقال زعمائها في ذلك الوقت أمثال بولنت أجاويد، سليمان ديميريل، نجم الدين أربكان، وألب أرسلان توركيش وغيرهم من العاملين في الأوساط السياسية التركية.
وعلى الرغم من القبضة الحديدية للجنرال كنعان إيفرين وبقائه في سُدة الحكم لتسع سنوات قادمة إلاّ أن المخرجين الأتراك لم يستسلموا لجبروته ومنعِهِ للأفلام التي تعالج تداعيات الانقلاب العسكري حيث أنجزروا أفلامًا مهمة عام 1986 لعل أبرزها "الصوت" لزكي أوكتين، و "الطريق الشائك" لزكي ألاسيا و "غنِّ أغنيتك" لشريف غورين وهي تتحدث عن معاناة السجناء في معتقلاتهم وزنازينهم وأقبيتهم السرية المنفردة أو تكيّفهم في المجتمع الجديد بعد أن أمضوا في السجن سنوات طويلة. كما أنجز مخرجون أتراك بعد حقبة إيفيرين أفلاما شديدة الجرأة نذكر منها "خطابات غير مُرسَلة" 2003 ليوسف كورجينلي، و "أبي وابني" 2005 لكاغان إيرماك، و "الجلاد الأخير" 2008 لشاهين غوك، إضافة إلى الفيلم الوثائقي "12 أيلول" للمخرجة أوزليم سولاك التي جمعت في فيلمها اثني عشر شخصًا من أعمار مختلفة وخلفيات متنوعة وهم يستذكرون صبيحة الانقلاب وما حدث في الأيام والأشهر اللاحقة.
حِكايتُنا
لا يقتصر فيلم "حِكايتُنا" على ثيمة واحدة فقط وهي قمع حرية الرأي والتعبير كما حدث للكاتب إسماعيل أيكنجي الذي سُجن بسبب كتابٍ أصدرهُ أو نظمي يلماز بسبب انتمائه الماركسي أو بقية النُزلاء الذين ينتمون إلى أحزاب دينية أو قومية معارضة. وإنما هناك ثيمات أخرى متعددة تتعلق بالتعذيب، والسجن الانفرادي، والتجويع، ومعاناة أهل السجناء وزوجاتهم وأطفالهم خارج السجون. وهناك أيضًا الحب، والعلاقات الزوجية، والأدب، والفن، والثقافة وسواها من مناحي الحياة المتعددة.
يمكن اختصار الثيمة الرئيسة لفيلم "حِكايتُنا" بأنها قصة كاتب سُجِن بعد انقلاب 12 سبتمبر 1980، وسوف يموت في السجن بعد ثلاث سنوات مُخلفًا وراءه زوجة وثلاثة أطفال غير أن أكبرهم سوف يدرس القانون ويصبح محاميًا ليُثبت براءة والده ويرد الاعتبار إليه قبل أن يتزوج من الفتاة التي أحبها واطمأن إليها قلبه. هذه هي القصة الإطارية التي احتوت على عدد من القصص الفرعية التي تؤازر الثيمة الأساسية وتمنحها شكلاً سرديًا سلسًا ومُنتظمًا على مدار الفيلم الذي بلغت مدته 97 دقيقة ملأى بالشدّ والتشويق والترقّب.
لا شك في أن السينارست سيدا ألتايلي تورغوتلو هي كاتبة متمكنة من أدواتها الفنية فلاغرابة أن تحبك القصة بطريقة متقنة أنقذتها من أي ترهل مُحتمَل لذلك ظل المُشاهِد مُنشدًّا إليها ومُمسكًا بكل جوانبها المتشعِّبة التي غطّت قصصًا وأحداثًا وشخصيات كثيرة سنتوقف عندها بغية تحليل القصة السينمائية، ودراسة أبعادها الجمالية خصوصًا وأن كاتبها قد نجح في القفز من الضمير الفردي إلى الضمير الجمعي حتى غدت حكاية الكاتب هي حكاية الشعب التركي برمته وهي تحمل بكل تأكيد قسمًا من معاناة البشرية في كل البلدان التي لم تقطع شوطًا بعيدًا في الحياة الديمقراطية.

القصة الإطارية
تُحيلنا القصة الإطارية لموت الكاتب إسماعيل إيكنجي "جانسيل إلتشين" في سجن "سينوب" بعد ثلاث سنوات من اعتقاله لأنه ألّف كتابًا دفع الأجهزة الأمنية إلى الاعتقاد بأنه ينطوي على أفكار مسمومة ونوايا صريحة لتقسيم الجمهورية التركية. لا تتوقف القصة عند هذا الحدّ وإنما تلد قصة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وربما تتفوق عليها لجهة إصرار ولده أحمد "هالوك بيّيز" على "ردّ الاعتبار" لوالده الذي دفع حياته ثمنًا لغباء المحققين الذين اعتمدوا على أدلة كاذبة، وبلاغات قد تكون كيدية أو زائفة في أضعف الأحوال. لقد زرع الوالد الكاتب إسماعيل إيكنجي مفاهيم الشجاعة والإصرار والشموخ في نفس ولده البكر أحمد وعلّمه منذ الطفولة على الجلَد وعدم الرضوخ والاستسلام في الأوقات العصيبة. وقد رأيناه في مشهد تعلّم قيادة الدراجة الهوائية كيف يسقط منها ويقف ثانية على قدميه بتشجيع من والده. لقد تعلّق أحمد بأبيه كثيرًا حتى أنه ركض خلف سيارة الجندرمة التي أخذت والده لمسافة طويلة وهو في طريقه إلى سجن "سينوب"، سيئ الصيت والسمعة.
لابد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم صُور في أربع مناطق مهمة جدًا، ثلاث منها في أقصى الشمال الشرقي من تركيا وهي سينوب وطرابزون وريزه المحاذية للبحر الأسود، إضافة إستانبول بمعالمها التاريخية الكثيرة. وقد أمدّت هذه المدن الأربع فيلم "حكايتنا" بجماليات متعددة مُستمدة من الطبيعة الخلابة لتركيا ومناطقها الجبلية المُشجرة، وأنهارها المتدفقة، إضافة المناطق العمرانية الجميلة في حي "سليمانية" والأحياء الإستانبولية الأخرى التي تُشعرك بحميمية الأمكنة، وخاصة الحارات الشعبية القديمة التي تنبض بالحياة.
أما من الناحية الزمنية فإن بداية الفيلم تعود إلى يوم 15سبتمبر 1980، أي بعد ثلاثة أيام من الانقلاب مباشرة حيث شرعت الأجهزة الأمنية وقوات الجيش بحملتها ضد من أسمتهم بالشيوعيين والفاشيين والفوضويين والسلفيين الأصوليين والمتمردين على الدولة وكان أولهم الكاتب إسماعيل إيكنجي الذي يروِّج كتابه لتقسيم الدولة التركية بحسب رأيهم في إشارة واضحة إلى مؤازرته للتمرد الكردي الذي انطلقت شرارته في سبعينات القرن الماضي. كما شاهدنا الضباط والجنود الأتراك يدهمون منازل معارضين ومناوئين آخرين ويزجون بهم في سجن سينوب كي يناولوا عقابهم على ما ارتكبوه من خروقات يحاسب عليها القانون. لقد رأينا في سجن "سينوب" الضابط وهو يضرب نظمي يلماز على وجهه بمسدسه ويدمي له أنفه لأنه وجد بحوزته في أثناء تفتيش عنبر السجن كتاب "البيان الشيوعي" لكارك ماركس وفردريك أنجلز. كما شاهدنا الزنزانة الانفرادية التي زُجّ بها إسماعيل إيكنجي لأن كان يدوِّن يومياته في دفتر خاص سوف يكون مهمًا في قضية "رد الاعتبار" له ولأسرته المفجوعة.

الجزء الناتئ من جبل الجليد
إن هذا السجن وبعض زنزاناته الانفرادية وما شاهدناه من ضرب وتعذيب وإهانة معنوية هو جزء بسيط مما يتعرض له سجناء الرأي والفكر والسياسة الذين بلغ عددهم مئات الألوف، فيما خضع مليون ونصف المليون مواطن إلى مراقبة من قبل الأجهزة الأمنية التي كانت تعتقد بأنهم يشكلون خطرًا جديًا على الأمن القومي التركي!
إذن، لا يشكل هذا الفيلم إلاّ نقطة صغيرة من الجزء البارز من جبل الجليد لأن المعاناة كبيرة وأن الهزّة قد شملت الجميع تقريبًا إذا ما استثنينا الضباط الكبار واليمين التركي المتطرف الذي تدعمه أميركا كي تخلق منه مصدًّا يوقف المدّ الشيوعي المتفاقم آنذاك. ولكن حسبنا أن هذا الجزء البسيط من الضرب والإهانة المعنوية والموت داخل السجن يوحي بالكارثة المفجعة التي حلّت بالشعب التركي خلال السنوات التسع العجاف التي حكم فيها الجنرال كنعان إيفيرين وسامَ مواطنيه سوء العذاب.
بينما كان إسماعيل يقضي عقوبته في سجن سينوب أنجبت زوجته نعمت "سيرا توك دمير" ابنها الثالث نجيب "إبراهيم كيندرجي" الذي رأه أبوه، وشمّ رائحته قبل أن يلقى مصيره المحتوم إثر أزمة قلبية ألمّت به في السجن. يأخذ المنحى السردي بُعدًا آخر حينما نرى الطفل الصغير أحمد وهو يبيع الصحف على أرصفة الشوارع والطرقات. وحينما يسأله رجل طاعن في السن: "ماذا تريد أن تُصبح المستقبل؟ - محاميًا. لمَ؟ - لكي أثبت براءة أبي!! تشي هذه المحاورة المُقتضبة بأن الأب لابد أن يكون بريئًا وأن الحق لن يضيع حتى بعد فوات الأوان. ثم يكبر هذا الطفل ليصبح طالبًا في كلية الحقوق لكنه ليس كبقية الطلبة فهو الوحيد الذي انبرى مُدافعًا عن طالبة مُحجبة خيّرها الأستاذ بين أمرين، إما أن تخلع حجاب الرأس الذي ترتديه أو أن تغادر حصته الدراسية! اشتبك أحمد مع الأستاذ وانتقده على الطريقة التي يتحدث بها مع هذه الطالبة المحجبة التي تبدو مسكينة ولم تعرف كي تعالج الموقف الحرج الذي وضعها فيه الأستاذ المُطالِب بتطبيق القانون. فقرأ له أحمد المادة السابعة عشر من الدستور والتي تنص على أن "الجميع لهم حق العيش والحفاظ على وجودهم المادي والمعنوي " وحينما غادرت المحجبةُ الصفَ خرج وراءها كي يؤازرها ويعزز موقفها لأنه لا يسكت على الظلم ولا يخضع للمتجبرين. لابد أن ننبه إلى زميلته الأنانية نسرين "ناز إيلماس" التي لامتهُ لأنه ساندَ هذه الطالبة فربما يضعه الأستاذ في ذهنه ويرسّبه في المادة التي يدّرسها. وعلى الرغم من وجود علاقة خفية توحي بقصة حب قادمة إلا أن أحمدًا يقمع مشاعره تجاهها لأنها لا تناصر الفقراء والناس البسطاء، ولا تحبذ الخوض في صراعات جانبية من أجل الآخرين، بل أنها ستقف ضده في الدعوى التي رفعها لردّ الاعتبار لوالده وأسرته.
لم يرد أحمد أن يرتبط بأية امرأة قبل أن يعيد الحق إلى نصابه. فلقد انطوى على نفسه وانعزل إلى حدّ التوحد في بعض الحالات على الرغم من خشية والدته وإلحاح أخته توبا "شيدام باتور" في أن يتزوج أو يرتبط في الأقل مع فتاة ما مثل إليف "بورجو كيرانلي" صديقة أخته في العمل والمقرّبة منها جدًا فيوافق بعد لأي وممانعة طويلة.
تلعب المفاجآت دورًا في إثراء قصة الفيلم وكسر رتابة إيقاعها فحينما يوافق أحمد على اللقاء بأليف والتعرف عليها تهديه أمه كتابًا شعريًا شديد الأهمية فيأخذه إلى العم موسى كي يجدد زخرفته الداخلية ويرمم غلافه الخارجي. وبما أن هذا العمل هو ضرب من الفن فلابد أن يحتاج إلى صبر ووقت طويل. تأخذ إليف على عاتقها مهمة تجديد الزخرفة الداخلية وتُعجب بالقصائد المدونة فيه لكنها ما إن تخرج من محل العم موسى حتى تصطدم بأحمد فيعرف بأن الكتاب الشعري بحوزتها. وفي أثناء الاصطدام تسقط هويتها، ثم يلتقيها مُصادفة في معرض للخط والزخرفة ويسلمها الهوية التي عثر عليها.
يتكرر لقاءهما في حفلة عرس شقيق أحمد بترتيب مُسبق من أخته توبا فيجلسان على طاولة واحدة ويتحدثان في الأسباب التي تُفضي به إلى عدم نومه وتخبره بأن نسبة 90% من الأسباب هي نفسيه وليست عضوية كما تبين لها من أطروحة البحث التي قدمتها في سنتها الدراسية الأخيرة.
لا شك في أن حضور نسرين إلى حفل الخطوبة قد أزعج إليف وجعلها تغادر المكان حينما اعتذر أحمد واتجه صوبها مندمجًا في حديث له علاقة بدفتر اليوميات الذي قرأته جيدًا وعرفت أنه سوف يغيّر مسار الدعوى التي رفضت أن تدققها أو تعيد النظر فيها أو تطعن القرار المُتخذ سلفا. لم تراود إليف الشكوك بعد أن وضحت لها توبا طبيعة العلاقة المهنية بين شقيقها ونسرين، فلقاؤهما كان مهنيًا وليس عاطفيًا وسرعان ما انتهى حينما سلّمته دفتر اليوميات واعتذرت عما سببته له من إيذاء لمشاعره الإنسانية المرهفة.
لا ينسى غالبية المخرجين الأتراك ربط الماضي بالحاضر، والقديم بالمعاصر فمن خلال العم موسى الذي جسّد دروه ببراعة شديدة الفنان القدير "أحمد مكين" نرى فن الزخرفة، وتجليد الكتب، وترميمها، وصيانتها. كما نكتشف من خلال استرجاعاته الذهنية أنه كان صديقًا حميمًا لوالده إسماعيل الذي كان شابًا، مرحًا يضحك للحياة. كانا يلتقيان في مقهى "مرمرة"، ويصدران المجلة بأي شكل من الأشكال ثم يوصلانها إلى القراء. لعل الجملة التي قالها العم موسى لأحمد، وهي الأكثر تأثيرًا، بأن أباه كان يقول: "هذه دنيا مظلمة بما فيه الكفاية ليتنوّر كل منْ يقرأ كتبي". لقد عمل وصارع من أجل الثقافة والنور لكنه لفظ أنفاسه في الظلام!.

الذروة الثانية
يمكن اعتبار موت إسماعيل إيكنجي ذروة أولى في قصة الفيلم، ذروة الكاتب والمبدع الذي ينوّر أذهان القرّاء ويلقى حتفه في مكان مظلم. أما الذروة الثانية التي تفرك الصدأ عن قلوب العائلة برمتها فهي المرافعة الأخيرة التي يسترد بها أحمد حق والده وكرامة العائلة حيث يستهل مرافعته بالقول: "إن دفتر اليوميات الذي قرأتموه هو مذكرات أبي التي كتبها بين عامي 1980 - 1983. إن ما حصل في عام 1980 وما بعده لم يحطّم كبرياء والدي فحسب، وإنما حطّم كبرياء قسم كبير من أبناء هذا البلد. الدعوى التي رفعتها ليست ضد اليمين أو اليسار. إنها دعوانا جميعًا، دعوى الجميع الذين تمّ زجهم في السجون بالأدلة الكاذبة، والقرائن المزورة، والبلاغات المستندة على شائعات لا غير. وللأسف تُوفي أبي قبل أن نتمكن من إثبات براءته، ولكنني واثق جدًا من أنه لفظ أنفاسه الأخيرة من دون أن يفقد إيمانه القوي بتحقيق العدالة ذات يوم. باسم كل العائلات التي مُزقت، وباسم كل الذين ماتوا وحيدين في الزنازين الباردة . . . أطالب بردّ الاعتبار أبي". لا يتأخر القاضي كثيرًا في إصدار القرار فيرد الاعتبار إلى المرحوم إسماعيل إيكنجي ويضمن له جميع حقوقه.
ما لفت نظر أحمد منذ بدء المرافعة أن نسرين لم تكن موجودة فلقد انسحبت من هذه الدعوى كي تتفادى ملابساتها، كما عرفت سلفًا بأنه سيكسب هذه الدعوى بعد قراءة دفتر اليوميات الذي وفرّ للمحكمة أدلة دامغة على براءته من التُهم المُسندة إليه. كانت نسرين في طريقها إلى المطار لكنها لم تشأ أنه تخبئ عنه حقيقة مشاعرها في اللقاء الأخير حيث أخبرته بأنها كانت تتمنى في ليلة الخطوبة أن تكون في مكان إليف، الفتاة التي كانت يتكلم معها، لكنها اعترفت بأنها كانت تنحو دائمًا إلى تعقيد المواقف التي تمرّ بها في حياتها اليومية.
اختار المخرج وكاتبة القصة نهاية رمزية مدروسة فمثلما التقى إسماعيل مصادفة بنعمت وهي تقدم حلوى "بيض اللقلق" إلى طفل محروم، ومن خلال نظرة واحدة لا غير عرف إسماعيل بأنها ستكون رفيقة دربه، وثنية روحه، ولن يستطيع أن يفرقهما أحد سوى الموت. أما أحمد الذي كان يتخيل لقاء أبيه بأمه فإنه يلتقي بحبيبته إليف ويعطيها الكتاب الشعري، الذي لوّنته بنفسها،كدليل حب أبدي لا يتزعزع أمام صروف الزمان. ثم ينتهي الفيلم بالرسالة التي بعثها إسماعيل لزوجته وأولاده طالبًا منهم جميعًا أن يتطلعوا إلى الغد بأمل كبير، وأن يتذكروا دائمًا بأن أباهم يحبهم جميعًا، وسوف يبقى يحبهم إلى الأبد.
لا يمكن للقصة السينمائية لهذا الفيلم أن تكون مُتقنة بهذا الشكل ما لم يقف وراءها قاص محترف يعرف أسرار الفن القصصي، ويدرك أهمية السيناريو والحوار. وقد كانت سيدا ألتايلي تورغوتلو هي نموذج لهذا النمط من الكُتّاب المحترفين. ولا نشك ألبتة في أن المخرج ياسين أوصلو قد ترك بصماته القصصية على هذا السيناريو الناجح الذي خلا من الترهل والأزمنة الميتة، كما ساعد المونتير إيركان أوزَكان في التخلص من الزوائد المملة التي تعيق تدفق أحداث القصة السينمائية التي وضعت هذا الفيلم الجريء في مصاف الأفلام الناجحة فنيًا حيث يتعاضد الأداء والتصوير، ويتماهى المونتاج مع الهيكل المعماري للقصة السينمائية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح
- الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان لندن السينمائي 2
- الدورة 59 لمهرجان لندن السينمائي 1
- نازك الملائكة وهاجس التجديد
- كيف روّضت باريس الوحش النازي؟
- استرجاع ذاكرة الطفولة والمكان في فيلم ما تبقى منكِ لي
- الجيكولو في مخالب المتعة
- الروائية العراقية سميرة المانع تترجم صباح الخير يا منتصف الل ...
- قنبلة المخرج الأميركي رَشمور دينُويَر
- بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبا ...
- المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير
- ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
- موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات