أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح















المزيد.....

أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4950 - 2015 / 10 / 9 - 17:27
المحور: الادب والفن
    


لم ينلْ أدب السجون في سورية حقه من الرصد والدراسة والتحليل على الرغم من الإصدارات العديدة التي ظهرت في هذا المضمار ويكفي أن نشير إلى رواية "السجن" لنبيل سليمان، و "القوقعة" لمصطفى خليفة، وسواها من الشهادات واليوميات التي توثق تجارب السجون في سورية منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن. وتجربة "بالخلاص يا شباب" للكاتب السوري ياسين الحاج صالح هي واحدة من التجارب المهمة التي وثقت لتواجده في ثلاثة سجون وهي المسلمية في حلب، وعدرا في دمشق، وسجن تدْمر الصحراوي.
يتضمن هذا الكتاب مقدمة وعشر مواد أساسية أربكت الكاتب في تصنيفها وجعلته يعتقد بأنها لا تنتمي إلى "أدب السجون" ولا حتى إلى السيرة الذاتية لسجين، كما نفى أن تكون بحثًا اجتماعيًا أو وثيقة حقوقية تفضح نظام البعث السوري، لكنه يعتقد بالمقابل بأنّ ما يوحِّد هذه النصوص هو إحالتها المشتركة إلى السجن ويأمل بتحويلها إلى موضوع ثقافي يقوّض بواسطته الجوانب الأسطورية للسجين السياسي التي صنعها شغف الناس بالأساطير والأبطال.
تشير الوقائع الأساسية التي تصدرت الكتاب إلى أن الراوي ياسين الحاج صالح قد سُجن عام 1980 وأخلي سبيله في عام 1996، أي بعد أن أمضى في السجن 16 عامًا و 14 يومًا بالتمام والكمال. كان الراوي في يوم اعتقاله طالبًا في كلية الطب بجامعة حلب، كما كان عضوًا في "الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي" الذي يُعتبر مناهضًا لحزب السلطة ومناوئًا لها.
سُجن الراوي من دون تُهمة محددة، وتعرّض إلى تعذيب معتدل بواسطة "الدولاب" و "بساط الريح". وبعد أن أمضى 15 سنة في سجنَي المسلمية وعدرا نُقل إلى سجن تدْمر الرهيب الذي تُهيمن عليه ثلاثة اشتراطات رئيسة وهي أن تكون الرؤوس مُنكَّسة بحجة "أنهم لم يفعلوا شيئًا يرفع الرأس!"، وأن يكون الكلام همسًا كي لا ترتفع أصواتهم مستقبلاً، وأن تكون شعور رؤوسهم وذقونهم وشواربهم حليقة كي يشعروا بالمهانة والاستصغار.
لم يكتفِ النظام السوري المستبِد في سبعينات القرن الماضي باستيراد مختلف أجهزة التعذيب من دول أوروبا الشرقية وإنما استدعى خبراءها كي يفيد منهم في شؤون التحقيق، وانتزاع الاعترافات، و "تربية" السجناء فلاغرابة أن يستقبل الجلادون السوريون ضحاياهم بـ "التشريفة" وهي حفلة "فلقة" تصل إلى 100 ضربة كيبل على باطن القدمين للشيوعيين وإلى 500 ضربة للإسلاميين بحجة شراستهم ودمويتهم. والهدف من هذه الحفلة "التشريفية" هي كسر عين السجين لا غير!
يتمحور النص الثاني على ترويض وحش السجن، وبإمكان السجين أن يروض هذا الوحش بأدوات مختلفة مثل القراءة، والكتابة، وتعلّم اللغات الأجنبية، والانغماس في أشغال الإبرة، وصناعة المسابح، ولعب الشطرنج والورق والنرد وما إلى ذلك. وأكثر ما يُروّض هذا الوحش هو زيارة الأهل فهي "مناسبة لتنظيم جريان الزمن وضبط تدفقه" (ص33). كما أنها تُخرِج الزمن العتيق المتراكم داخل أقبية السجن وتستبدله بزمن طازج يُنظِّم موعد الزيارة المٌقبلة ويدوْزن إيقاعها من دون إرباك كما يحصل لأصحاب الزيارات غير المُنتَظمة. تجلب الزيارات، فضلاً عن أخبار الأهل، الإشاعات التي تُروِّج للإفراج عن السجناء، ومصدرها إما الأجهزة الأمنية أو تمنيات الأهالي في مناسبات شتّى مثل "الحركة التصحيحية" وأعياد الفطر والأضحى ورأس السنة.
تجدر الإشارة إلى أنّ أي سجين سوري لم يخرج بعد إنهاء محكوميته إلاّ بعد مضي عدة أشهر أو أعوام ربما من سنوات حكمه الأصلي ما لم يجتز اختبار "المساومة" التي تُعتبر ضربًا من التدريب على الخيانة، والموافقة على "التعاون" مع الأجهزة الأمنيةمن خلال الوشاية وكتابة التقارير عن أصدقائه ورفاق دربه. وهذا "التعاون" من وجهة نظرهم هو تعبير عن "حُسن نيّة" السجين إزاء الدولة!
لا يخرج السجين مباشرة إلى أهله، وإنما يُنقل إلى سجن اعتيادي أخف وطأة كي يرمم نفسه خلال عدة أسابيع أو شهور ربما، و لكي يتم "تعيّيرهم على الزمن العائلي والوطني والعالمي كما تُعيّر الساعة على ساعة قياسية" (ص40). كما يتدربون على رفع رؤوسهم وأصواتهم، ويتعلمون من جديد كيفية النظر إلى عيون الناس المحيطين بهم. لعل الأهم في هذا النص هو موقف القاص هيثم الخوجة الذي رفض التصويت في تجديد البيعة لرئيس النظام فانهالوا عليه بالضرب المبرِّح لأن صوته كان الأعلى نبرة في الاحتجاج.
قد يخرج النص الثالث من سيرته الفردية إلى الفضاء الجمعي لسجناء "المسلمية" الذي أمضى فيه الراوي 11 عامًا و 4 أشهر وهي المدة الأطول التي قضاها في السجون الثلاثة آنفة الذكر حيث نكتشف أن السجناء السياسيين غالبيتهم من الطلبة الذين كانوا متذمرين من طبيعة الحكم الاستبدادي حتى أن أحدهم قد هتف: "لا دراسة ولا تدريس / حتى يسقط الرئيس" لكن أحدًا لم يستجب له خصوصًا وأن عناصر المخابرات قد بدأت بإطلاق النار فوق رؤوس المحتجين الذين تبددوا في الحال.
يُعتبر السماح بإدخال الكتب إلى السجن حدثًا مفصليًا في حياة السجناء الذين سوف يصبح بعضهم كُتّابًا وصحفيين أو مثقفين في أضعف الأحوال على الرغم من أن غالبية هذه الكتب فلسفية صعبة الفهم لمفكرين من طراز هيغل وأدوارد سعيد وعبدالله العروي وغيرهم. ثم يوضِّح لنا الراوي حصيلته من فهم هذه الكتب العويصة ودرجات التطور التي طرأت عليه في الأشهر اللاحقة.
ينطوي هذا النص على مفارقة مفادها أن غالبية السجناء سياسيين ومع ذلك فإن بعض الجلادين من أمراء المفارز يطلبون منهم أن يهتفوا: "بالروح، بالدم، نفديك يا حافظ" لكن الكثير من السجناء امتنعوا من الهتاف فانهالوا عليهم بالضرب المبرّح وحينما شعروا بأن الأمر سيفلت من أيديهم قرروا إنهاء هذه الدراما المحتدمة بعد أن تصرف الراوي بانفعال وضرب رأسه بالحائط احتجاجًا على الجلادين الذين أوسعوا رفيقه أسامة شاكر ضربا، فيما حاول شخص آخر الانتحار لكنه لم يفلح في حزّ شرايين ذراعه بغطاء علبة مربي.
لا تخلو إدارات السجون من شخصيات منافقة تتملق النظام ليل نهار، فالسجّان "أبو رائد" كان ينشد لحافظ الأسد على الدوام هذه الأغنية التي يقول مطلعها: "لوحي بمنديلك لوحي / حزب البعث يا روحي / من بعدك أبو باسل / سورية وين تروحي؟".
ثمة أسباب ثلاثة لمنع رفع النظر إلى الجلادين وهي ترويع السجناء، ومنع وقوع أي تواطئ بين السجين والسجّان، والحؤول دون التعرّف على الجلادين والانتقام منهم مستقبلا.
تندرج هذه النصوص الثلاثة في خانة "أدب السجون"، بل أنها سيرة ذاتية للراوي نفسه خصوصًا وأن اسم الكائن السيري الصريح مدوّن على غلاف الكتاب الذي ينطوي على بعض اليوميات والمذكرات الشخصية المحايثة لأدب السيرة الذاتية. أما الحوارات والمقالات الأخر فهي تنتمي من دون شك إلى أجناس أدبية معروفة وقد ساهمت في أعطاء القارئ صورة واضحة عن قسوة نظام الأسد الأب، وبشاعة الابن الذي سامَ السوريين المعارضين سوء العذاب وعلى رأسهم عشرات الآلاف من المنتمين إلى أحزاب إسلامية ويسارية وناصرية وكردية.
يقدِّم الكاتب لمحة عن تاريخ الاعتقال السياسي في سورية منذ 1958 كما يتحدث عن مثقفي السجون السورية، ويخلص إلى القول بأن ما كُتب عن السجن حتى اليوم هو قليل جدًا قياسًا بحجم التجارب القاسية التي عانى منها السجناء السياسيون السوريون.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان لندن السينمائي 2
- الدورة 59 لمهرجان لندن السينمائي 1
- نازك الملائكة وهاجس التجديد
- كيف روّضت باريس الوحش النازي؟
- استرجاع ذاكرة الطفولة والمكان في فيلم ما تبقى منكِ لي
- الجيكولو في مخالب المتعة
- الروائية العراقية سميرة المانع تترجم صباح الخير يا منتصف الل ...
- قنبلة المخرج الأميركي رَشمور دينُويَر
- بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبا ...
- المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير
- ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
- موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي
- معاناة المسلمين الأيغور


المزيد.....




- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح