أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية














المزيد.....

ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4887 - 2015 / 8 / 4 - 11:34
المحور: الادب والفن
    


لا شك في أنّ الملاحم هي أكثر ديمومة من الأجناس الأدبية الأخرى على الرغم من دنوّها من الخرافة والأفعال الخوارقية. لقد تسيّد المسرح لسنوات طويلة، ثم خلّفه الشعر، وتبعته الرواية، لكن هذه الهيمنة لم تستمر طويلاً ولم تصمد أمام رسوخ الملحمة أو الأسطورة في الذاكرة الجمعية الأمر الذي يدعونا للتفكير في طبيعة هذا النمط الأدبي الخالد على مرّ التاريخ.
لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار الفرق الجوهري بين الأسطورة والملحمة على الرغم من التقارب الكبير فيما بينهما. فغالبية أبطال الأسطورة من الآلهة، بينما غالبية أبطال الملحمة من البشر، كما تحتاج الملحمة إلى بعض الشروط والمميزات كي تصل إلى مستوى الأسطورة.
لا يهدف هذا المقال إلى التوسع في مضمار الأسطورة، بل يقتصر على جوانب محددة تبحث في الأسباب الكامنة وراء ديمومة الملحمة وثباتها في ذاكرة الناس. وربما تكون "ملحمة كلكامش" هي أكثر الملاحم شيوعاً بين القراء والباحثين والدارسين لأسباب عديدة أبرزها أنها أقدم "قصة" كتبها الإنسان بحسب الوثائق والرُقم الطينية الموجودة التي أُكتشفت في المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشور بانيبال بنينوى عام 1853م وكانت تضم "12" لوحاً موجودة كلها في المتحف البريطاني بلندن. وعلى الرغم من قِدم هذه الملحمة إلاّ رسوخها في الذاكرة الجمعية للناس لا يكمن في الإيغال الزمني حسب، بل في طبيعة الأفكار والمفاهيم التي تضمنتها الملحمة والتي رفعتها لاحقاً إلى مستوى الأسطورة الخيالية سواء من حيث البناء الفني، أم من حيث المحاور والموضوعات الكبرى التي قُدمت بطريقة فكرية تفلسف الحياة برمتها، كما تكشف عن النزوع البشري لفكّ لغز الحياة والموت، أو تفسير ثنائية الوجود والعدم، أو تأويل آلية البقاء والفناء.
لقد وردت عبارة "أساطير الأولين" في القرآن الكريم، وهناك ما يشابهها في كتب الديانات السماوية المقدسة كالكنزا ربا والتوراة والإنجيل وما إلى ذلك وغالبية هذه الأساطير هي قصص وملاحم تقترب كثيراً من الخرافة، وتحايثها، وتتداخل فيها إلى حدّ التماهي.
تُنسب ملحمة كلكامش إلى شين إيقي أونيني، لكن هناك من ينسبها إلى أناس متعددين أضافوا إليها العديد من الأفكار الفلسفية، والرؤى الجمالية التي قربتها من ذاكرة الناس الذين أحبّوها وافتتنوا بها. فثمة أفكار عديدة لا يمكن حصرها في مقال صغير هي التي رفعت من شأن هذه الملحمة وأفضت بها إلى منزلة الأسطورة. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر مستهل الملحمة وما انضوى عليه من محاور شديدة الأهمية من بينها الجمع بين الإلهي والبشري في آنٍ معا. فكلكامش، ملك أوروك كانت أمه إلهة خالدة، بينما كان والده بشراً فانياً، وبمعنى آخر أن ثلثيه إله، وثلثه الباقي بشر، وبما أن الآلهة قد استأثرت بالخلود فإنها قدّرت الموت والفناء للبشر، وهذا هو السؤال الفلسلفي الأول الذي دفع كلكامش، بوصفه بشراً، لأن يبحث عن سرّ الخلود ويضع قارئ النص أمام ثنائية البقاء والفناء.
سبقت هذه الملحمة حتى الآن، ما لم يظهر دليل دامغ ينسف هذه الحجة، غيرها من الملاحم أو الأجناس الأدبية في تناول فكرة الاستبداد فكلكامش كان يستبيح نساء أوروك ويدخل عليهن قبل أزواجهن، كما كان يسخِّر الناس لبناء سور أوروك العظيمة، أي بمعنى أن ثنائية القامع والمقموع قد وجدت طريقها إلى هذا النص الخالد، هذا إضافة إلى سمات استبدادية أخرى يمكن تلمّسها بين تضاعيف هذه الملحمة.
ما من مُستبِد في العالم إلاّ وله ندّ أو نظير لذلك أقدمت الآلهة "أورورو" على خلق أنكيدو، الكائن البشري الذي يمتلك صفات حيوانية أتاحت لنا أن ندرس ثنائية الهمجية التي تمثلت بأنكيدو والمدنية التي تجسّدت بكلكامش، كما تُحيل هذه الثنائية إلى القوة العضلية والقوة الذهنية. لا بد أن تحضر المرأة في هذه الملحمة بأشكال متعددة كما هو الحال مع الإلهة أورورو أو مع شمخات التي أغرت أنكيدو وروّضته إيروسياً قبل أن تحيطه علماً بالمعطيات الحضارية التي جعلت منه لاحقاً نداً لكلكامش وصديقاً حميماً له. ستحضر المرأة بقوة عن طريق عشتار التي رفضها كلكامش وأهان أنوثتها، وصاحبة الحانة سيدوري، وزوجة أوتنابشتم التي التمست من بعلها أن يدلّه على عشبة الخلود التي ستسرقها الأفعى لاحقاً حينما يغط في نوم عميق.
يتجسد الصراع بكل أشكاله في هذا الملحمة سواء بصراع كلكامش مع أنكيدو أول الأمر أم صراعه مع خمبابا والثور السماوي، أم تجشّمه عناء السفر الطويل عبر بحار الموت كي يصل إلى أوتنابشتم الخلود ليكتشف أن الخلود قد يتجسد في العمل وما يخلفه من آثار فكرية أو عمرانية أو ثقافية. هل أحبت الذاكرة الجمعية الفكر والثقافة والفنون فأضافتها إلى هذه الملحمة، أم أنها أحبت الصراع بين القامع والمقموع فأبرزته بهذه الطريقة التي تستجيب لتطلعات الكائن البشري في كل ركن من أركان المعمورة؟
لا شك في أن الموت هو المهيمنة الفلسفية الأبرز في هذه الملحمة لكن النصحية التي يقدمها النص الملحمي مفادها أن الإنسان عليه أن "يملأ بطنه، ويبهج زوجته، ويحضن ولده، وينظف جسمه" مع الأخذ بنظر الاعتبار إعمال الذهن، والولوج إلى غابة السؤال الفكري والفلسفي، وما ينجم عنهما من تلبية للشؤون الثقافية والفنية.
وفي خاتمة المطاف لا بد أن نترك للقارئ الكريم الطريقة التي يراها مناسبة في قراءة النص وتأويله، ففي كل لوح أو فصل من فصول هذه الملحمة هناك مشاهد لا تستطيع أن تلمّها إلا عدسة الكاميرا السينمائية التي ترصد الشخصيات والأحداث الممتدة عبر فضائها الزمكاني الذي لا تستوعبه إلاّ الملحمة بما تنطوي من خوارق وأعاجيب أسطورية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفلام الطبيعة
- هل الفنان الغرافيتي مُشوّه للجمال؟
- موت السلطة اللاهوتية في العقل الجمعي العراقي
- معاناة المسلمين الأيغور
- فيلم امرأة من ذهب لسايمون كيرتس
- الخامسة علاوي ومقترح الأدب الجغرافي
- -الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- الولد الشقيّ الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
- انهيار الجلاد وانتصار الضحية في ثاني أفلام المخرجة أنجلينا ج ...
- تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد
- فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
- الرحيل تحت جنح الظلام 1
- حُب وعنف في المتاهة الملحيّة
- بناء القصة السينمائية
- امرأة صينية تدجِّن شراسة الصحراء
- أطفال كورد يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود في المحار المك ...
- اصطياد اللقطات اللونية المدهشة في صحراء نيفادا
- التطرف الفكري في رواية -الأشباح والأمكنة- لذياب الطائي
- تكريس الدعاية الرأسمالية في فيلم-صُنع في الصين- لكيم دونغ-هو
- الرسم بالضوء لاصطياد اللحظات الهاربة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - ديمومة الملاحم في الذاكرة الجمعية