|
الجزائر بين إلزامية -التعريب- فرضا.. وضرورة -استعادة- الموروث اللغوي وجوبا
محمد دامو
الحوار المتمدن-العدد: 5014 - 2015 / 12 / 15 - 12:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيرا ما يطرح موضوع استقلال الجزائر عن فرنسا ،فترى الجزائريين ،يبادرون فرادى ومجموعين للتأكيد على "استعادة" استقلال بلادهم ،وليس مجرد استقلالها عن الفرنسي المحتل. لكنهم. ولكنهم ،عند طرح موضوع اللغة العربية في الجزائر، لا يجدون حرجا في الحديث عن "عملية التعريب"، التي انطلقت غداة استعادة الاستقلال الوطني. وكأنهم بذلك يوافقون القول ،ان دولة الجزائر الحديثة إنَما استعيدت من قبضة الاحتلال، ثمّ عمدت الى استيراد لغة غريبة عن تاريخ شعبها، لتحل محل لغة المستعمر. بذلك اصبح لوقع لفظة "التعريب" في الجزائر ،نفس وقع مصطلح "التتريك" في المشرق، حتى ليقال ، ان "التتريك" المنبوذ توغَل في حياة المجتمع المشرقي، بقدر ما فشل "التعريب" في اقتحام حياة الناس في الجزائر ،ثم ان عهد التتريك انتهى بانتهاء العهد التركي. في حين ،توسّع نفوذ اللغة الفرنسية في الجزائر طردا مع انتهاء زمن الاستعمار الفرنسي ، وقد يبدو هذا القول من قبيل المبالغة ،ولعلّه نكاية مقصودة لحقائق التاريخ الذي يشهد ان اللغة العربية وعلومها ،قد نمت وترعرعت في الجزائر وبقية الحواضر المغاربية ،تماما كما حدث وان تطوّرت وازدهرت في حواضر المشرق. قرار الامم المتحدة بادخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية التي يجري بها العمل في هيئات الامم المتحدة لم يصدر صدفة ولا تلقائيا ،وإنَما جرى التحضير له ،على مدى ربع قرن ،من خلال مبادرات متعددة قامت بها الدول العربية ،وتوصيات الحّت عليها هيئات ومنظمات دولية متعددة ومنها منظمة اليونيسكو.وعبر هذه الجهود المتعددة المتواصلة منذ العام 1954، تمكنت اللغة العربية اخيرا ،من الحصول على موقعها الرسمي والمشرف الى جانب اللغات الحية الاكثر انتشارا واستخداما في العالم ،وانطلاقا من صرح اكبر هيئة دولية، في تاريخ البشرية. في 18 ديسمبر عام 1973 ،صدر قرار عن هيئة الامم المتحدة باعتبار اللغة العربية ،سادس لغة معتمدة رسميا من الهيئة الدولية، وفي اكتوبر عام 2012 صادقت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، على توصية تقدمت بها مجموعة دول عربية بينها الجزائر ،باعتبار يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية ،ومنذ ذلك التاريخ تحوَل 18 ديسمبر من كل عام الى يوم عالمي للغة العربية ،تحتفل ارجاء واسعة من العالم بهذه المناسبة التاريخية، العزيزة على قلوب الناطقين بالعربية والباحثين المختصين بامهات اللغات الشرقية ،والمطَلعين على كنوز وذخائر العربية ،لغة، تاريخا ،وحضارة. وقد جرت العادة ان تقام بهذه المناسبة احتفالات فنية ومعارض ادبية ،وتظاهرات ثقافية، تحتضنها القاعات والمسارح في انحاء عديدة من العالم ،تتولى احياءها والاشراف عليها الهيئات والمؤسسات ذات العلاقة باللغة العربية ،سيرورتها وتطورها، عبر مراحل التاريخ ،قديمها وحديثها. ورغم اننا لا نعرف كيف ستسير الامور بهذه المناسبة في الجزائر ،إلاَ اننا نتوقع تكفَلا رسميا بالحدث ،يليق بلغة الضاد التي لم تكن يوما لغة غريبة عن الجزائر واهلها ،فلهجة قريش في مكة وجوارها ،لم تتحوَل الى لغة قومية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى إلاَ لحظة تهيأت لها الظروف الموضوعية لتكون كذلك ،لحظة نزلت اول سورة في القرآن باللهجة القرشية ،واختتم تنزيله بها ،ثمّ انتقل كما نزل الى ارجاء المعمورة، فكان لا بدَ من تأطيرها بقواعد النحو والصرف ،لتقوم بمهامها كلغة عالمية تتولَى حمل ونشر رسالة الاسلام، ومنها حفظ وتلاوة كلام الله. وقد بدأت عملية تأطير وتنظيم لهجة قريش باعتبارها لغة القرآن، انطلاقا من الكوفة ،وليس من المدينة المنوَرة ولا مكة المكرَمة ،وتوالت فصولا انطلاقا من مدارس: الكوفة، والبصرة ،وبغداد ،فالمدرسة المصرية تزامنا مع مثيلتها في منطقة شمال افريقيا العامرة بحواضرها الزاهرة، بما فيها حواضر الاندلس التي منحت اسمها للمدرسة المغاربية ،فقيل المدرسة الاندلسية. والملفت في العملية برمَتها ان الذين تولوا مهمة التأطير الفني والعلمي الاكاديمي ،اصحاب المدارس النحوية تلك ،كانوا في اغلبيتهم من الاقوام غير العربية ،لكنهم كانوا مثل بقية المؤمنين بالدين الحنيف ،يرون ضرورة تنزيه لغته من اللغو ومطبات اللحن واخطاء التفسير ، في غياب تأصيل قواعد النحو والتصريف على حدَ سواء، وبذلك انطلقت العملية لاول مرة في القرن الاول الهجري ،على يدي ابي الاسود الدؤلي ،واستمرت بشكل اكثر عمقا ودقة على إيدي علماء اجلاء من امثال: الفراهيدي، سيبويه، نفطويه ،الكسائي ،الفارسي ،وغيرهم كثير ،وكان آخرهم العلامة محمد بن عبد الله بن مالك الجياني، نسبة الى جيان شمال الاندلس ،والمعروف باعماله الخالدة في مجال احكام اللغة العربية وقواعدها ،وابرزها كتاب "الكافية الشافية" الشهير، وموسوعة "ألفية إبن مالك" الاشهر على الاطلاق. ولعله من المفيد هنا ان نشير الى تبادل التأثير بين المدرسة البغدادية التي شمل انتشارها بلاد الشام كاملة ،وبين المدرسة الاندلسية التي استقرت وتطورت في الحواضر المغاربية ،في حين غاب هذا التأثير بين المدرستين البغدادية والاندلسية من جهة والمدرسة المصرية من الجهة الاخرى ،وهي التي وجدت مجال نفوذها وانتشارها ،في اتجاه اليمن والجزيرة العربية عامة. وبقي الاختلاف بين المدرسة الاندلسية والمدرسة المصرية قائما حتى يومنا هذا ،بقدر ما تواصل التقارب بين المدرسة الاندلسية المغاربية والمدرسة البغدادية ،العراقية ـ الشامية ،حتى ليكاد ينعدم ،في وقتنا الحاضر. على هذا ،بات لزاما على الذين تولوا مسؤولية "استيراد" اللغة العربية بالشكل المتسرّع الذي تمت به في إطار "عملية التعريب" في الجزائر ،ان يصلحوا ما كشفه الزمن من عيوبها، او يخلوا مواقعهم لمن يتقن فعل الاصلاح ويحسن تسيير عملية "استعادة اللغة العربية" الى الجزائر، بهذا يأخذ الانسجام مع التاريخ والمنطق موقعه الطبيعي في نسق العملية برمتها ،والتي كانت ستجد طريقها الى الواقع العملي والتطبيقي في المشهد الجزائري ،من دون تعقيد او اشكال لو جرى التقيّد باحكام التاريخ والمنطق تلك.والدلائل تشير الى انّ الحال ليست من المحال ،إذا تمت مراجعة نقدية موضوعية للعملية التعريبية ،ومحو اثارها السلبية ،تزامنا مع الشروع في عملية استعادة اللغة العربية لمعقلها الجزائري ،باعتبارها حاضنة الموروث الحضاري الجزائري، وبما يسهم في استعادة ألق وحضور الجزائر في مشهد الفعل التاريخي والانساني المتحضر.
#محمد_دامو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصل في الصراع الأزلي بين الشرق والغرب
-
اتهام صنصال بالسرقة الادبية .. رواية الأعرج الأكثر رواجا وتس
...
-
التاريخ ..دراسة وتدريسا
-
آفة الحرف المسيئة و..ليلة القضاء على ماسح الاحذية
-
مزامير حروب الشرق و..الامر المحسوم سلفا
-
الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
-
هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
-
الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
-
-دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
-
العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية
المزيد.....
-
مراهقة تقوم بعمل بطولي وتساعد عائلات أثناء إطلاق نار مميت..
...
-
قائد الجيش الأوكراني: نواجه -واحدة من أقوى- الهجمات الروسية
...
-
-غزة اليوم- عام من تغطية الحرب.. فكيف كانت هذه المهمة؟
-
بعد مرور 4 سنوات على الحادثة.. فرنسا تحاكم 8 أشخاص اتهموا با
...
-
إسبانيا وجهودٌ مضنية للبحث عن جثث غرقت في وحلِ أسوء كارثةٍ ط
...
-
إسبانيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات وغاضبون يرشقون الملك
...
-
مرض يتسلل إلى جسمك قبل سنوات من اكتشافه!
-
عوامل وراثية تساعد في إبطاء شيخوخة الدماغ
-
الحرس الثوري الإيراني يؤكد حتمية -عملية الوعد الصادق الثالثة
...
-
لافروف: سندافع عن قيمنا وإرثنا الثقافي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|