محمد دامو
الحوار المتمدن-العدد: 4970 - 2015 / 10 / 29 - 08:33
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
عانت وتعاني مادة التاريخ في المناهج البيداغوجية الوطنية كثيرا من سوء الفهم حينا وسوء التقدير احيانا اخرى ،هذا على مستوى المنظومة التربوية ،اما على صعيد الاختصاص الجامعي فالامر اكثر تعقيدا ومأسوية ،ولا تتضح عقدته إلاّ بذكر الحقيقة الجلية ،والتي توضح ان الطالب الجزائري يحال على معهد التاريخ مرغما وليس مختارا، فالحاسوب الذي يتعامل بالارقام وتحديدا علامات الطالب ومعدَله العام في شهادة الباكالوريا، هو من يقرر إحالة من يحيل الى قسم التاريخ وليس الطالب من يختار استجابة لميوله ورغبته، بذلك تبدأ مأساة قصة غرامية من طرف ثالث ،تودي بطرفيها الطالب وعلم التاريخ كلاهما الى حالة من الإرباك ،لا تنتهي إلاّ بالشكل الذي باتت عليه في مدارسنا ومعاهدنا الوطنية.
لا شك ان الامر الاصعب من كتابة تاريخ بلادنا، هو تدريس اسفاره ورواية وقائعه على الاسماع ، فالتاريخ لا يلقّن تلقينا جامدا ،ولا يتلى تلاوة التبريك والتهليل ،ولا يلقى إلقاء القصائد العصماء في الحماسة والمدح والرثاء،.. ،بل يعامل التاريخ كما لو كان جسدا حيّا يخضع لعملية تشريح دقيقة ،لتحديد وظائف كل مكوَن من مجموعة مكوَناته الحيوية الفاعلة ، ولرسم خارطة مساره بدقة واتقان، مع ما تنطوي عليه من مطبّات ومنعرجات ،واسباب كل هذا وذاك دون نسيان اوإهمال. بعدها فقط ،تنبثق عصارة التاريخ من بين الزوايا والدوائر ،لتشكل في مجموعها فلسفة الصراع الابدي بين المتناقضات وحكمة الاباء المؤسسين في تجاوز الكروب وخوض الحروب ومعالجة ندوب المراحل والازمان.
على هذا فإن كل ما تردّد ويتردّد من حديث مسهب بخصوص اصلاح المنظومة التربوية ،لا بدَ وان يجد ترجمة له ،في إعادة الاعتبار لمادة التاريخ بالمدرسة الجزائرية ،تمهيدا لترقية البحث العلمي الجاد والمثمر في الجامعات والمعاهد الوطنية.
هناك امم صنعت تاريخها ،واخرى صنعها تاريخها ،أمّا الجزائر المحروسة ،فقد نالت شرف الحظوتين معا،وعسى ان تغتنمها فرصة لإصلاح منهاج التاريخ في مدارسها ومعاهدها ،وبذلك تتصالح الامة ـ أخيرا ـ مع تاريخها ،وـ تاليا ـ مع نفسها.
#محمد_دامو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟