|
الملكية الفكرية او..أكسير الخلق والابداع
محمد دامو
الحوار المتمدن-العدد: 4940 - 2015 / 9 / 29 - 04:30
المحور:
الادب والفن
يذكر المرحوم دكتور عبد الله الركيبي، حادثة جرت معه في الايام الاولى لاستقلال الجزائر ،فقد حاول هو ومجموعة مثقفين تأسيس جمعية تحت اسم "منتدى الفكر"، فطلبوا لقاء مع المسؤول المعني قصد الحصول على الاعتماد ،فكان لهم ذلك. وبعد الاطلاع على الطلب ،ابتسم المسؤول ،ثم سأل زوَاره باستغراب: منتدى الفكر؟..ماذا تقصدون؟..فراح كل من واتته المقدرة على الشرح والتفسير ،يسعى لان يشرح للسيد المسؤول ،معنى "منتدى الفكر"، والقصد من وراء انشائه ،.. في النهاية، نظر المسؤول الى الحضور واعلن لهم بوضوح: فهمت قصدكم يعني باختصار ،ان مهمتكم ،ستكون ببساطة، الاجتماع بمقر المنتدى ،وليس لكم من عمل سوى التفكير،..مهنة غريبة فعلا،..وهكذا ،خرج الشبان الجزائريون المتحمسون وقتذاك ،وغادروا مكتب المسؤول بخفي حنين ،بعد ان تأكدوا من استحالة اقناعه بفكرة تأسيس نادي ،لا شغل لاعضائه ومرتاديه سوى الجلوس في رحاب المنتدى ،احتساء القهوة والشاي ،ومن ثمة،...التفكير. لطالما كان مفهوم "الفكر والتفكير" غامضا في المجتمع الجزائري ،ومازال كذلك حتى يومنا هذا ،وعليه فان الحديث عن معنى ومغزى فعل "الفكر" واشتقاقاته ،بقيت مبنية للمجهول ،إن لم يكن للإشتباه والتخوين وحتى التكفير ،بالنظر لتزايد اعداد المشعوذين وتجار الدين الذين يزحفون ،بتؤدة ولكن بإحكام ،على كل فضاءات عقولنا ومنابع تفكيرنا. فهل بقي بعد هذا ،مجال للحديث عن قضايا متعلقة بحقوق "الملكية الفكرية"، واستيعاب جدواها واهميتها في اطوار تنمية الخلق والابداع التي لا غنى عنها في عملية التطور المادي والذهني والحضاري عموما ،والرفع من مستوى مقدرة الوطن على المنافسة وتعزيز حظوظه في شغل موقعه اللائق داخل حدود "القرية الكونية"، التي بدأت ملامحها تاخذ شكلها النهائي ،فيما لا زلنا نعتبر الحديث عنها ،مجرد تخاريف من انتاج الخيال العلمي ،الذي يستحيل تحقيقه على ارض الواقع؟. كان الفرزدق، الشاعر الاموي الشهير ،كثير التردد على سوق المربد ليس لحاجة التسوق او التسكع والتنقَل بين حلقات الشعراء للاستمتاع والمؤانسة وحسب ،بل ارضاء لحاجة في نفسه ، فقد كان يسعى الى السطو على بنات افكار المبدعين ايضا ،ويستمرئ الاستحواذ عليها ونسبتها لعبقريته الفذَة بطبيعة الحال. ويذكر ابو الفرج الاسفهاني صاحب موسوعة "الاغاني" في هذا المجال ،قصصا عديدة ،تتحدث في مجملها عن إغتصاب صور وابيات من ابداعات الشعراء القليلي الحظ في الشهرة والجاه ،من طرف الاكثر شهرة وصيتا في اوساط الخاصة والعامة ،ولم يكن بوسع صاحب المخيال الاصلي، اي مجال للاحتجاج او استعادة شرف ابوة فكرته وابداعه ،إذ من يجرؤ وقتذاك على اتهام شاعر في قامة الفرزدق ،اوجرير ،اوالاخطل ،..باغتصاب بنات افكار غيرهم من الشعراء المغمورين ،دون ان يعرَض نفسه لعقوبة القذف وانتهاك شرف الفحول من الشعراء الكبار؟. كثيرا ما نسمع من اخبار البلدان المتقدمة ،عن محاكمات تحت عنوان "الانتحال والسطو الفكري"، ويحدث ان يصدر الحكم بتغريم المنتحل ومغتصب الفكرة ،بالتعويض المادي ورد الاعتبار والحقوق كاملة لصاحب الفكرة ومبدعها الشرعي، وقد يحدث ان بعض المحاكمات كانت تخصنا بالاساس ،كأن يكون المنتحل والضحية من ابناء جلدتنا ،واحيانا تكون الفكرة او التحفة الابداعية من تراثنا ،ولا يكون لصاحبها المدعي سوى فضل إعادة إخراجها بذات الشكل والمضمون ،لكن القانون الذي يحكم بشانها والبلد الذي يتولى ادارة المحاكمة وتنظيم جلساتها ،هو البلد الاجنبي الذي يحترم ويعترف ويقدر "الملكية الفكرية"، ويضمن حقوق صاحبها. وعشاق فن الغناء الجزائري ،يذكرون حوادث من هذا النوع ،كذلك عشاق الفنون الادبية والفنية العالمية ،ومتتبعو اخبار الشركات العملاقة المختصة بتطوير وانتاج وتسويق الاختراعات المذهلة في مجال التقنية الجديدة للمعلوماتية والاتصال،..اصلا ،قصص الجوسسة الصناعية وسرقة الابتكارات العلمية ،باتت اغرب من الخيال العلمي ،في زمننا المعاصر ،وهذا جانب آخر من موضوعة الاعتداء على الملكية الفكرية ،يتجاوز موضوعة القانون الخاص بحمايتها في اطار المجتمع الواحد والبلد الواحد ،والعدالة القائمة في ربوعه. في الجزائر ،لم نعد نفاجأ بأخبار السطو على الافكار والإبداعات الفنية ،فقد باتت الصحافة تذكرها على سبيل التشويق والتنكيت، وليس من باب الادانة او الاستنكار ،وهي جرائم منكرة تتجاوز حرمة القصيدة والمقال الصحفي والبرنامج التلفزي ،لتصل الى حدَ استنساخ كتاب بأكمله ،او لحن اغنية وكلماتها، ومواضيع البرنامج التليفزيوني بحذافيرها، ومن ثمة تقديمها للناس باعتبارها انجازا شخصيا يستحق صاحبه المنتحل، نيل الجوائز والتكريم من الجمهور ومن المؤسسات المعنية في الداخل والخارج على حدَ سواء. نعم ،هناك قوانين ،واجراءات مطلوبة لتطبيقها ،تبدأ بتسجيل براءة الاختراع ،وايداع النص الابداعي لدى السلطات المعنية ،الى آخر الاجراءات الادارية المرهقة ،لكن اهميتها تبقى في نهاية الامر ،مرهونة بالنتائج ،قبل الحكم على فاعليتها من عدمها، ومن المؤسف ان الذي يحكم في القضايا المختلف حولها بهذا الشأن في بلادنا، يعود دوما للعدالة الاجنبية. وهذا ليس تلميحا لفقر ترسانتنا القانونية ،ولا تقليلا من جدية منظومتنا القضائية ،إنَما هو توصيف لواقع الحال ،بقصد التنبيه الى ضرورة الدعوة لتفعيل الفاعل من هذه وتلك.
#محمد_دامو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيئة الامم ..سلبا وإيجابا
-
الهلال الخصيب في..زمن عقوق ونكران بني الانسان
-
-دياسبورا- الهلال الخصيب و..متطلبات الشرق الاوسط الجديد
-
العربية في..اسفار المأساة اللغوية الجزائرية
المزيد.....
-
بيسكوف: الإهانات الموجهة لبوتين -جزء من الثقافة الأمريكية-
-
تفجير برايتون: مؤامرة تصفية تاتشر
-
وُصفت بأنها الأكبر في الشرق الأوسط..نظرة داخل دار أوبرا العا
...
-
بسرعة نزل قناة سبيس تون الجديد 2024 وخلي عيالك يتفرجو على أج
...
-
فيديو.. نشيد مصر الوطني باللغة الإنجليزية يثير ضجة كبيرة.. ف
...
-
رحيل الأديب والكاتب الأردني المبدع فخري قعوار في عمان، عن عم
...
-
نجل قديروف يدعو مقاتلي الشيشان للتخلي عن موسيقى -البوب MMA-
...
-
زاخاروفا: الغرب يلتزم الصمت المطبق تجاه نشاطات مغني الراب ال
...
-
شركة طيران تعتذر لعرض فيلم مصنف للبالغين على كل الشاشات خلال
...
-
اليونسكو تعلن الرباط عاصمة عالمية للكتاب عام 2026
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|