|
أزمة حقيقية أم تمثيلية محكمة؟ من يلعب بالنواب والحكومة؟
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 22:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إحساس غامض يدهمك عندما تنظر فى الأزمة المثارة بين مجلس النواب والحكومة، تشعر للوهلة الأولى أنها تمثيلية أريد بها أن تكون محكمة، لكن فلت زمامها، أو أن الطبخة ربما "شاطت" على نار من حاول تسبيكها أكثر من اللازم، أو خانته محاولات تذاكيه فخرجت منه محروقة يصعب استساغة طعمها. محصلة الأمر أنك لا تصدق المشهد كما تراه أمامك، ولايمكنك أن تحسبه فى إطار التفاعل السياسى بين نواب إستبد بهم الحماس لإثبات جدارتهم بالكراسى، يحاولون أن يبعدوا شبهة أن بعضهم مصنوع على عين الدولة وتسهيلات أجهزتها، فإنتهزوا الفرصة لتحدى الحكومة بدعوى كف يديها عن ماإعتادته من توغل على أعمال وإختصاصات السلطة التشريعية، وفى نفس الوقت ينفضوا عنهم أنهم يمكن أن يكونوا نواباً مدجنين، كل همهم هو التحالف من أجل دعم الدولة والرئيس وتعديل الدستور وتمثيل مصالح اليمين الرأسمالى فى نسبته الغالبة على تشكيل المجلس، وهو أمر يمكن إعتباره فى إطار المناورة السياسية الهادفة إعطاء إنطباع جيد عن مجلس نواب لن يفرط فى حقوق من انتخبوه ليكون رقيباً على الحكومة لا تابعاً لها محققاً مشيئتها، مستجيباً لإرادتها إذا ماتصادمت مع صلاحيات النواب والبرلمان وحقوقهم. كانت الفرصة مواتية إذ بدى أن وزير مجلس النواب والشئون القانونية المستشار مجدى العجاتى تعسف فى إستخدام السلطة ضد أمين عام مجلس النواب اللواء خالد الصدر، الرجل الكفء القادم من هيئة الأمن القومى والذى دفعه الوزير لكتابة إستقالته بعد أن أدى دوراً مشهوداً فى إعداد المجلس وهيكلة العاملين به وتطوير أدائه وتحديث آليات عمله، وأحسن استقبال نواب المرحلة الأولى، ووجدوا فى أدائه تمايزاً وإيجابية وتقارب وتفاهم وتعاون لم يكن موجوداً من قبل، لا من أمين مجلس الشعب الماضى المستشار سامى مهران، ولا من أمين مجلس الشورى السابق المستشار فرج الدرى. إنه إذن رجل مختلف، فاهم ومميز، على الأقل بطبيعة تكوين الجهة القادم منها. كان من الممكن أن يمر الأمر فى إطار أن دولتنا دائماً ضد الأكفاء والمميزين, وأن حكوماتنا دأبت على إضطهاد الكفاءات، وأن الوزير لم يحتمل وجود خالد الصدر بشخصيته القويه ودرجته الوظيفية العالية "على درجة وزير" إلى جواره، فآثر التخلص منه بعدما أنجز ماطلب منه وزيادة. لكن فى تقديرى أن هناك من دخل على الخط لإشعال الموقف، وقام بتسخين الطرفين، الحكومة والنواب، وصور الأمر على أنه إختبار قوة، يكسبه من يبادر "بذبح القطة" للآخر. إذ ليس طبيعياً أن تقدم حكومة على تحدى مجلس النواب الذى ستتقدم له ببرنامجها وأوراق إعتمادها خلال أسبوعين ليقرر إستمرارها من عدمه. ثم الوزير مجدى العجاتى يعرف قبل غيره أن تعيين الأمين العام لمجلس النواب يتم بتسمية من رئيس المجلس وترشيح من هيئة المكتب ويعرض فى جلسة عامة للإحاطة، وهذا أمر قانونى حتماً يعرفه الوزير، ثم فى غيبة البرلمان يشرف رئيس الوزراء بتفويض من رئيس الجمهورية القائم على سلطة التشريع مرحلياً على أعمال المجلس الإدارية، وسواء فوض الوزير فى ذلك أو مارسه رئيس الوزراء بنفسه، فلاينبغى له أن يصدر قرارات جوهرية بإعتبار أن ولايته مؤقته وتشكل فترة ريبة إدارية مؤقتة، وإلا أعتبر أساء إستخدام السلطة. ثم هل من اللياقة القانونية والموائمة السياسية أن يعين مجدى العجاتى مستشاراً رفيع القدر فى موقع هو يعلم بعد إعتراض السادة النواب أنهم قد لايبقوا عليه فى موقعه بعد أسبوعين؟، وهل لايعلم الوزير وهو القاضى الأريب، أنه منذ ترك منصة القضاء لم يعد قاضياً وإنما يشغل موقعاً سياسياً يخضع لمعطيات السياسة من بناء التوافقات والمفاوضات والمواءمات، وليس إصدار أحكام لارجوع فيها؟. الأمر إذن وراءه حبكة أخرى، وهناك من دخل على الخط وأربك المشهد عن عمد أو ربما بسبب عدم الكفاءة، وربما أصابع تلعب لتحقيق أهداف أخرى، والأمر يثير عدداً من الأسئلة تمتد خطوطها تصاعداً متجاوزاً شريف إسماعيل رئيس الوزراء الذى إنحاز لصف وزيره، وصولاً إلى رئيس الجمهورية الذى سبق أن أصدر فى ديسمبر 2014 قراره بندب خالد الصدر، فهل قدم للرئيس مشروع قرار لم يراعى لائحة المجلس فى شروط شغل الوظيفة؟ وهل فجأة إكتشف الوزير أن الصدر لايحمل ليسانس حقوق؟ وهل أمن الوزير ألا يحرج الأمين العام الذى عينه "المستشار أحمد سعد" بإصرار هيئة المكتب بعد تشكيلها على إزاحته، وإعادة اللواء الصدر؟ إلا إذا كان يعلم من هو رئيس مجلس النواب القادم، وضمن رضاءه عن المستشار سعد وسيقوم بتثبيته. وهنا نكون أمام عدم حصافة وضعف كفاءة، إذ يصبح الأمر مكشوفاً ويسبب حرجاً للدولة والحكومة والنواب، ونكون أمام مسرحية عبثية، لا إجراءات قانونية ومراسم بروتوكولية مرعية فى دولة تحترم مؤسساتها، وخصوصاً سلطتها التشريعية. هل هى تمثيلية حبكت خيوطها فى مكان ما بالدولة، ليبدو معها رفض مجلس النواب إستمرار الحكومة وتغييرها أمراً له مايبرره، ويرفع الحرج عن رئيس الجمهورية الذى كلفها بتقديم برنامجها وبيانها لمجلس النواب، ولما إكتشف بالممارسة ضعف أدائها وترديه، فتكفل بعض النافذين بتدبير هذا السيناريو الركيك لإقالتها. أم هو عمل يأتى ضمن صراع أجنحة فى الحكم أو أجهزة قصد إحراجها مع الرئيس والحكومة والنواب؟ فى كل الحالات، فهذا إستهلال غير جيد، بل هو خطر على دولة نحاول جميعاً العمل على تثبيت أركانها ودعائمها، ويتلاعب بمقدراتها من أشعل الفتيل وأوقد النار بين النواب والحكومة، وإذا صح ذلك فهو تهديد لكيان الدولة ومؤسساتها، لاتحمد عواقبه ونحن فى مرمى فوهة مدافع الإرهاب وتربص الخارج وتهديدات الداخل، ومطالب الشعب وطموحات الناس وآمالهم المحبطة. مصر لاتحتاج منا اللعب بالنار، وعلى الرئيس والنواب أن يحاكموا مشعلى الحرائق والمتحذلقين فى مؤسسات الدولة والمتذاكين بلاكفاءة أو أفق أورؤية. ولا تنسوا أن تذاكى أحمد عز فى مثل هذه الظروف أطاح بنظام مبارك ودفع ثمنه الجميع ولاتزال آثاره تطاردنا حتى اليوم. ولايصح بعد أن أنجزنا إنتخابات حرة شفافة، وحققنا مفاهيم المواطنة التى كانت غائبة، ونجح إخواننا الأقباط والمرأة والشباب فى الإنتخابات الفردية، مما يعد نقلة موضوعية فى محيطنا السياسى العام الذى ينبغى أن نحافظ على صحته ومناعته وعافيته ونزاهته، ولا نعرضه لألاعيب رخيصة، وتمثيليات مكشوفة، سواء بسبب نقص الكفاءة وسوء الإدارة أو التذاكى فى غير موقعه.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر والسعودية والمشهد الدولى المرتبك
-
من أنشودة مالك بن نبى إلى حملة أولاند : ياجنرال لست فى الميد
...
-
باريس: موهبة النور ومحنة الظلام
-
هواة فى مواقع السلطة
-
الكاتب المأزوم والأفكار -العميطة-
-
روسيا تحت قصف البروباجندا الأمريكية
-
فلا تكونوا شوكة فى خاصرة الوطن
-
السيسى والسفر عبر الزمن
-
الإتحاف والإنباء عن الحكومة والوزراء- السيسى فى اجتماع الجمع
...
-
البرادعى يقود الهوسبتاليين الجدد وينعق من جديد
-
نخبتنا العاجزة: الدولة لاتصنع السياسة
-
التفكير: فريضتنا السياسية الغائبة
-
لا أخلاقية السياسة الأمريكية
-
إشكاليات الثقافة والإدراك فى العلاقات المصرية الأمريكية
-
فى كامب ديفيد .. الشيطان يعظ ويصلح الساعات
-
عن الحمقى والمغفلين
-
إستهداف ملكة الحد الأوسط: مصر يصعب أن تكون تابعاً
-
الأرض لما بترمى ف سنبلة بشاعر نبيل الأبنودى: عمر من النضال و
...
-
الأزهر ومحاكم التفتيش
-
الثورة ليست وجهة نظر
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|