غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 23:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهادة مواطن لم يكن من بطانة الرئيس
في معركة الكرامة ارتسم ياسر عرفات في وجداني ومخيلتي فارسا وزعيما استثنائيا نهض في فاصلة تاريخية, بعد هزيمة النظام العربي في العام 1967, وسقوط سيناء والجولان, وكامل التراب الفلسطيني في قبضة الاحتلال الاسرائيلي.
فاجأتني النكسة طالبا جامعيا في الاسكندرية, لذت به وبالثورة, وعشت أريج الوطن مع نسائم الانتصار, وبت على يقين أن ثورة على رأسها صاحب الكوفية هي الطريق لخلاصي من وصمة اللجوء, فانتميت الى حلمي بالعودة إلى بيت ينتظرني في عسقلان, خرجت منه رضيعا على صدر امي في الهجيج الكبير عام 1948.
قابلت ياسر عرفات لأول مرة, مع وفد اتحاد الكتاب في الضفة الغربية وغزة, بعد قدوم السلطة في مرحلة غزة اربحا اولاً, استمع لنا باهتمام بالغ, ووزع نظراته نحونا بثقة وفرح, أشعرنا انه يهمس لكل واحد فينا على حده ويكلفه بمهمة خاصة, تواصلا مع دوره في الكفاح منذ تفجرت الثورة, وحملنا مسؤولية القادم في مارثون الصراع فالتزمنا.
دار نقاش حول دورنا كاتحاد كتاب فلسطين, ودور المثقف والكاتب بعد أوسلو, وأبلغناه بقرارنا في الاتحاد أننا نكتب لفلسطين كل فلسطين, ونتعامل مع الهدف الاستراتيجي للعودة الكاملة, وعاهدناه أن نكون كتيبته الأولى في إدارة الصراع القادم مع العدو.
وأبلغناه برفضنا المشاركة في مؤتمر سيعقد في نابلس دعا له وزير الثقافة, سيشارك فيه كتاب اسرائيليون, ونعتبر أن الأمر أحد صور التطبيع, وأننا في الاتحاد والمؤسسات الثقافية سنحرض على مقاطعة المؤتمر.
لم يظهر امتعاضا او رفضا لموقفنا, وبحنكته طلب منا مناقشة السيد الوزير في الأمر.
عرضنا على السيد الوزير أن يعقد المؤتمر في غزة, لأن السلطة لم تكن قد تسلمت الضفة الغربية, وأن يبايع الوفد الاسرائيلي وعلى مختلف أطيافه, الرئيس ياسر عرفات شريكا في عملية السلام ورئيسا لدولة فلسطين, وبعد نقاش مستفيض, ابلغنا الوزير أن التحضير للمؤتمر قد تم, وأن الدعوات قد وزعت, وأطلعنا على البيان الذي سيصدر عن المؤتمر, فوجدناه لا يتجاوز الخطوط الحمراء من وجهة نظرنا, وبقينا على موقفنا بعدم مشاركة الاتحاد في المؤتمر, والتزمنا بوقف التحريض الاعلامي على المؤتمر في وسائل الإعلام.
جاء موعد الانتخابات الدورية لاتحاد الكتاب والأدباء في غزة والضفة الغربية بعد وصول السلطة بعدة شهور, وتم انتخاب هيئة ادارية جديدة برئاسة الروائي الراحل عزت الغزاوي, ونُشر الخبر في الصحف ووزعته وكالة الانباء الفلسطينية وفا, وكانت اول انتخابات للاتحاد,تجرى في ظل السلطة الفلسطينية.
قابلنا السيد الرئيس وتقدمنا بطلبات عاجلة اقتصرت على صرف موازنة الاتحاد التشغيلية وتسديد إيجار المقرات, واستيعاب عدد من الكتاب العاطلين عن العمل في مؤسسات السلطة, فاستجاب على الفور لكل الطلبات.
وعند عودة الأمين العام لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين إلى غزة, طرحنا السؤال المؤجل حول نقل مقر الامانة العامة للاتحاد الى الوطن, كرمز راسخ للسيادة الوطنية, وكذلك موقع اتحاد الكتاب واتحاد الصحافيين في الضفة وغزة وهل هما فروع, ام اتحادات مكملة للاتحاد العام الذي تشكل خارج الوطن؟
كان الامر في غاية الحساسية عند بعض الكتاب العائدين والذين شغلوا مناصب رفيعة في الاتحاد وفي وزارات السلطة, ولم ينتسبوا الى اتحاد الكتاب واتحاد الصحفيين في الوطن, وعملوا على تسويف القضية كل لحاجة في نفس يعقوب, لكن القائد العام ياسر عرفات, والآمين العام للاتحاد استشرفا الحالة فانحازا إلى نقل مقر الاتحاد الى أي جزء محرر في فلسطين. وبدأ سجال حول اعادة هيكلة الاتحاد والفروع ما زال مستمرا حتى الآن.
عندما اصبحت مطبعة مركز رشاد الشوا الثقافي تحت ادارة السلطة, تبنى اتحاد الكتاب مشروع دعم الكتاب الشباب الذين يتصدرون المشهد الادبي في قطاع غزة, ولم يتحقق ذلك دون دعم مكتب الرئيس الذي ساهم بطباعة المنشورات دون قيد ولجميع الاطياف دون تحفظ او تدخل.
في زمن ياسر عرفات شهدت الساحة الثقافية والأدبية حراكا ثقافيا لافتا, حيث اصدرت وزارة الاعلام قانون حرية التعبير والنشر, ولم يٌحجر على فكر أو توجه سياسي, ولم يُحاصر رأي ولم يصادر كتاب, وقد كتبت وأنا احد كوادر وزارة الثقافة العديد من القصص القصيرة, والمقالات الصحفية في نقد الظواهر السلبية ونشرتها في مجلات وصحف السلطة, وكتبت وثلاثة روايات حول اتفاقية اسلوا ولم اتعرض لسؤال او مراجعة وكذلك غيري من الكتاب والباحثين.
كان الرئيس ياسر عرفات بدرك اهمية دور الثقافة والأدب, ويعتبرها الجبهة الاهم والموازية للجبهات السياسية والعسكرية, وكان حريصا على جميع الاطياف في اطار منظمة التحرير, وإتاحة الفرص للرأي الآخر دون مصادرة.
ظهرت في عهده صحيفة الايام التي شكلت منبرا فلسطينيا حراً يقوم على اصول وأساسيات عمل المؤسسات الراقية, وكذلك صحيفة الحياة الجديدة كانت منبرا مفتوحا للجميع.
وبرعاية وبتمويل من مكتب الرئيس ظهرت مجلة مشارف في حيفا وترأس تحريرها الكاتب الكبير اميل حبيبي واستقطبت دورية مشارف كتابا لهم وزنهم على الساحة العربية والدولية, مع اهتمام بإنتاج الكتاب الاسرائيليين الذين ينحازون للحق الفلسطينيين في الحياة وإقامة دولتهم المستقلة.
في عهده تأسس بيت الشعر الفلسطيني, وكان البيت الثاني في العالم العربي بعد بيت الشعر في تونس, وأصدر بيت الشعر الفلسطيني مجلة الشعراء وكانت منبرا عربيا في مجال الشعر والأدب, استقطبت العديد من الاقلام الوازنة, وأصدر بيت الشعر مجلة اقواس التي تبنت واكتشفت عشرات المواهب التي فعلت المشهد الثقافي وسجلت علامات فارقة.
لم يكن لمثل هكذا مشاريع الاستمرار دون الدعم السخي من مكتب الرئيس, ومبادرة كوادر ادارية خلاقة في مجال ادارة المشاريع الثقافية.
في زمن ياسر عرفات تم تشكيل اتحاد الناشرين الفلسطينيين, وتم تسجل معرض فلسطين الدولي للكتاب, واستقطب مئات الناشرين العرب والأجانب, ورأى النور مشروع دار الكتب والمكتبة الوطنية, ووضعت الخطة الاستراتيجية اللثقافة الفلسطينية, التي باتت دستور فلسطين الثقافي.
كانت الجبهة الثقافية رغم عيوب التنفيذ ومراهقة الطامعين, جبهة مساندة تحتاج إلى مخلصين لوجه الله والوطن, خلف قائد غني في تقشفه, شبعه في جوعه وصيامه, زاهد في خدمة قضيته وشعبه.
غادرنا شهيدا في لحظة غامضة فاضحة ملتبسة:
اختلفنا معه ولم نختلف عليه, لكنا لم نستوعب دروسه ووصاياه.
لم نستوعب المواجهة في انتفاضة الاقصى, لم نر محمد الدرة مرسوما بين عينيه الذاهلتين, لم نر دموعه وهو يودع الشهداء ورفاق السلاح, لم نستشف بواكير الانقسام في غزة, ولم نرصد تسلل المتربصين.
قضى شهيدا وسكننا رمزا
ماذا تبقى منه فينا بعد الانقسام
وماذا يحق لنا فيه بعد مشاوير التيه
في غزة الامر مختلف على الجبهة الموازية
الكتاب في القطاع ما زالوا يغنون ويرسمون ويكتبون لفلسطين
كتاب فلسطين يرفضون الانقسام, يناضلون ضد المشاريع الهجينة, ويعيشون المقاومة من جديد ولا ينكصون عن دعم الشرعية التي اختارتك وأكملت بك الطريق.
خالد يا سيدي لا تغيب كما الوطن.
ليس لدي ذكريات خاصة معك ولكن لي منك نبراس الطريق.
" غريب عسقلاني"
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟