أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - قلب الأدوار ..














المزيد.....

قلب الأدوار ..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 4977 - 2015 / 11 / 6 - 01:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عالم للخيال..انتصر فيه الخيال على الواقع ..والخواطر على الأفعال.. وزادت نفقات الحرية على العواطف وعلى النزوات وعلى الأهواء..وزاد الهروب من ألم الواقع ومن غياهب الحقيقة إلى عوالم اللامحسوس واللامرئي واللاواقعي ..هل أصبح الواقع مرا مريرا لا يكاد يطاق ليحابا عالم الخيال عليه ؟ أم أن تسارع المعرفة طغى على أنماط الحياة المعهودة وأساليب التواصل المألوفة ؟ أم أننا تحررنا كثيرا لدرجة الغياب وسكرنا كثيرا لدرجة الثمالة وخملنا كثيرا لدرجة البلادة !!!
لو قام إنسان من قبره كان قد عاش في العصر الحجري أو الزراعي وشاهد ما نلهو به الآن ..ورآى ما جاد به العلم والتقنية علينا لأغمي عليه من فرط الذهول ..ولأصابه البهت والهديان من غرابة المنظر ..ولصار كالأبله في وسط الزحام ..ولخيّل إليه في لحضة وجيزة أنما أدخل الجنة وسكر من وادها ..الطائرات تجوب عرض السماء..والبواخر تسبح في أعالي البحار ..والقطارات الخاطفة تمر من أمامه مرور السحاب ..والسيارات تقطع المسافات في لمح البصر ..والمذياع يتكلم والتلفاز يتحرك ..ولو رآى أحدهم يهاتف آخر ويسمع صوته ويرى وجهه لأغشي عليه مرة أخرى !! ولو سمع بالقنابل النيوترونية التي تشطر الأرض نصفين لما استفاق أبدا ..
إنه جالس الآن في غرفة الجلوس عند أناسي يحسبهم من عالم آخر لم يألف عليهم نظره ولم يخيل إليه قط أن الصدفة ستأتي به إلى هناك ليشهد ما وصل إليه بنو جنسه ..فهو كالعاقل الذي يرى المجانين ..وله عذره ..الفراش وثير والأريكة ناعمة وهو لم يشعر بذلك وهو جالس عليه ..فخياله شارذ في اللمبة التي تلمع أمامه ..وفي مكيف الجو الذي يبرده ..وسمعه مطنون بصراخ المارة وضجيج المركبات ..وبصره محلق في التلفاز ..هذا الصندوق العجيب الذي يأتيه بالعالم راكعا له..
إنه ساكت صامت تتقطع الحروف على شفتيه لا يجد لوصف ما يشاهد حيلة ولا سبيلا ..وكيف يتكلم وهو لا يجيد الكلام من الأصل ..ولا يعرف له طريقا ..هو يحرك شدقيه تلعثما ..إنه كالميت وقت احتضاره ..عيناه شاخصتان وحركته ساكنة راقدة ليس لها عقل يأمرها ولا قلب يوقضها ولا روح يستشف بها ..الكل سارح وهائم ومشغول في فك الشفرات ..وحل الألغاز ..وفك الطلاسم..
إن عقله مشدوه لأنه عاجز عن إدراك الغيب ..وقلبه متوتر لأنه خائف من وهج الضوء ومن تكلّم التلفاز ومن سرعة المركبة ..إنهم وحوش بالنسبة إليه ..اللامعقول ..المستحيل تخيله.. فكيف برؤيته ومعاينته ..
إن عقله عاجز عن فهم ذلك واستصاغته ..لأنه لم يتطور مع الزمن ..ولم تتسلسل بديهياته لتقوده إلى الفهم ..فهو لم ينتقل من مرحلة إلى أخرى ..ولم يصعد من درج أدنى إلى آخر أعلى ولم يذهب رويدا رويدا ..بل قذف به من حيث لا يدري وإلى حيث لا يدري ..لم يعش مرحلة انتقالية تخفف وطأ الذهول والإستغراب ..ولم يصعد الطابق تلو الطابق إلى أن يصل السطح ..
وهذا ما جعلنا نستصيغ ونتقبل هذا العالم من حولنا ..وهذا ما جعلنا نفك شفراته ونفهم لغته ونتعايش معه وبه ..وهو تراتب الأحداث وتطور السلسلات وتدرج البديهيات ..
ولو قدر لنا أن نتبادل الأدوار مع ذلك الذي عايش العصر الحجري لفهمنا طبعه ولقدرنا بهته ..ولو أُعيد بنا الزمان وأُدخلنا عصره لأخذنا البهت والشخوص والبلادة ولتوقفت حواسنا من وهج الواقع الجديد ولتشوش هوائي عقولنا من بُعد الطريق ..ولصرنا كالأفعى التي قطعت رأسها وكالصرصور المرشوش بالمبيد ..



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوادر الإنتقال الديموقراطي في المغرب ..وأفق التحديات الجديدة
- الحرب القادمة : قوى التحالف الجديدة..
- يوم في دوار الزاوية ..
- صور من الواقع..
- ضريبة الحرية المطلقة
- تأملات في الطريق..
- في الأحياء الراقية
- في عقوق الوالدين : قلب الأم
- أمريكا ..المارد !!
- نظرة في النفس والروح والجسد ..
- في الأحياء الشعبية..
- نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر
- مخالب النفس
- الإنسان والعقيدة !!
- في بيوت الله
- نساء الحداثة أو النساء الحداثيون !!
- طلبة المغرب بين الحق والواجب
- مسألة القيم الإنسانية !!!
- الفرد والمجتمع , أية علاقة !!
- النزعة الفردية المتطرفة!!!


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - قلب الأدوار ..