أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - نوط الشجاعة















المزيد.....



نوط الشجاعة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 16:32
المحور: الادب والفن
    


بدأ كل هذا في سبت تشريني دافئ ، بأرض سلم الله قياد بشرها للذئاب المسعورة ، قبل جلائه منها نهائياً إلى غير رجعة .
دخل رائد الأمن ضمد مكتب مدير الأمن . سلم على ملازم الأمن خير الله التكريتي – سكرتير مكتب المدير – الذي لم يقف من جلسته له .
- السلام عليكم ، حضرة الملازم المحترم !
- و عليكم السلام . خير ، رائد ضمد ؟ لماذا أنت هنا ؟ سيادة المدير لديه اجتماع أمني في منتهى السرية مع أعضاء قيادة الفرع .
- و لكن سيادة المدير المحترم هو الذي طلب مني الحضور بنفسه .
- لم يخبرني بأي شيء . متى حصل ذلك ؟
- قبل دقيقة فقط . اتصل بي هاتفياً في مكتبي ، و طلب مثولي أمام سيادته فوراً !
- لا علم لي بذلك . الآن فقط أسمع منك باستدعائه لك . لا بد أنه قد أستعمل هاتفه الخاص المباشر . تفضل اجلس ريثما ينتهي الاجتماع .
- هل يمكن أن تحيط سيادة المدير المحترم علماً بحضوري ؟
- تفضل بالجلوس ، رائد ضمد . نحن نعرف شغلنا !
- صار ، ملازم خير الله !
جلس الرائد ضمد على الكرسي الوثير ، و هو يحرق الأرم . جال بنظره إلى سجادة الحرير الإيرانية الفاخرة الفستقية اللون ، و أحس بالأسى لأن غرفته غير المكيفة لا يغطي أرضيتها حتى حصير . ثم تفحص بحسرة بقية قطع الأثاث الفريدة لمكتب المدير الجديد لمديرية الأمن التي نقلوها قبل أسبوع من مكاتب الصناعي عبد الإله علوش إثر إصدار رئيس محكمة الثورة مسلم الجبوري حكم الإعدام عليه و مصادرة أمواله المنقولة و غير المنقولة . لم يسبق له أن رأى مثلها حتى في قصور السلاطين بإسطنبول . كلب حقير مدير الأمن الجديد هذا . لقد حرص على اصدار أمره الإداري الذي نصَّب نفسه فيه المشرف على مصادرة أموال الصناعي المريِّش المعدوم عبد الإله علوش كي يضمن الفوز بكل ثروته : المصانع الثلاثة ، القاصة المتخمة بالجواهر و رزم العملات الأجنبية ، أثاث المصانع و الدارين ، السيارتان الصالون من آخر طراز ، و قاطرة المرسيدس . أنا الذي أتعب و أشقى كي ألفلف أحكام الطقِّ بالدهن لأغنى أغنياء المدينة ، و إبن البارحة هذا يستأثر بثمار عملي . من الذي نجح في جعل عبد الإله يعترف بانتمائه لحزب معادٍ ؟ ألست أنا ؟ بقوا ستة شهور يعذبون به بلا نتيجة ؛ جربوا عليه أبشع طرق التعذيب بلا طائل ، حتى كادت مديريتنا أن تخسر شرف القضية كلها و معها رزق ثروته الطائلة . عندئذ جئت أنا إليه ، و وعدته بشرف الحزب و الثورة و بشرفي باستحصال عفو خاص له و إطلاق سرحه فوراً بمجرد التوقيع على الاعتراف ، فبلع القشمر الطُعم ، و وافق على التوقيع ؛ و كسبنا القضية في محكمة الثورة ، بلا أي تعذيب و لا من يحزنون ؛ و تم طقَّه بالدهن حسب الأصول . هكذا هو فعل ضباط التحقيق النوابغ من مثلي و أمثالي . نعم ! في الليلة الظلماء يُفتقد البدر . نعم ، على ضابط الأمن أن يعرف كيفية استثمار عقله في التحقيق بدراسة شخصية المتهم من كافة الجوانب حتى يكتشف الثغرة التي بها ينكسر . و لهذا فقد بلغ عدد من تم إعدامهم في القضايا الأمنية التي حققت فيها (1791) شخصاً في بحر أقل من سنتين ، و الحبل جرّار ؛ في حين لم يصل رقم أي ضابط تحقيق آخر حتى إلى ألف إعدام . أين عبقرتي الفذة هذه من غباوة مدير الأمن الجلف المستجد هذا الذي لا يعرف من أصول التحقيق الأمني غير تعليق المتهم و الضرب و الفلقة و الماء الحار و البارد و الصعق الكهربائي و الخوزقة و الاغتصاب ؟ و من أين له الفهم و العلم و قد كان مجرد شرطي أول تافه قبل الثورة ؟ جاءت الثورة ، فأصبح سفلة تكريت أسياد العراق بين عشية وضحاها . و كل ذلك بسبب البكر ، الخروف المسكين . سمح للشقي صدام بالركوب على ظهره ، فأطاح به أرضاً و أباده هو و كل أبناءه على مهل ، الواحد تلو الآخر ، مثلما أباد كل أعضاء القيادة القطرية من ذوي العقل و الرأي . أبقى منهم فقط الطراطير و البرابير و السَفَل . ثم حول نكرات العوجة و تكريت و العلم و بيجي إلى ضباط كبار لهم الحول و الصول في كل أجهزة الدولة الحساسة ، و منهم مدير الأمن الجلف الحقير هذا . لقد استأثر بكل ثروة عبد الإله المقبور لنفسه حتى قبل أن يمضي اسبوعان على نقله إلى مديريتنا ، حتى جهاز التلفاز الياباني الجديد بصندوقه الأبنوس الضخم الذي كنت قد نقلته أنا من مصنعه لبيتي و وضعه في غرفة منام إبني الوحيد وليد . لم يستح مني حتى و لو قيد شعرة . بل و لقد جعلني أتولى نقله بنفسي من بيتي لقصره ، و جعل أبني المسكين وليداً ينحب أمامي بعيون لوّامة مستنكرة ، و كل ذلك نكاية بي أمام أهل بيتي . له اللباب ، و لي القشور . لم يكلف نفسه حتى عناء إبلاغي مباشرة بأمر نقل الجهاز بنفسي إلى قصره ؛ بل كلف سكرتيره الحقير هذا بإبلاغي هاتفياً بذلك . و لم يفت هذا السكرتير الكسيف التأكيد علي بعدم نسيان جلب صندوق الأبنوس للجهاز و سماعتيه السوني الأصليتين ! آه من هذا السكرتير الحقير . اسمه هو بالعكس تماماً من فعله . من يحسب نفسه ؟ مجرد ملازم ثان حقير ، و لكنه يحكم مديرية الأمن برمتها ، كما لو كان هو المدير الحقيقي للأمن ، و ليس العميد فوزي التكريتي . لا تفوته شاردة و لا واردة . أنظر إليه : بعير طنطل طويل ، بلا أدنى إحساس و لا شعور . الحقير ! يستنكف حتى من الوقوف لي عند الدخول ؛ و أنا رائد ، و هو مجرد ملازم ثان حقير ! كما انه يمتنع عن استخدام كلمة "سيِّدي" معي . أين هو الالتزام بأحكام الانضباط العسكري لضباط الأمن ؟ و لكن ، ما مدى صحة الإشاعة التي نقلها لي سراً نائب ضابط الأمن ذياب بأن هذا السكرتير يسيطر على مدير الأمن بفضل عشق هذا الأخير هو و زوجته لقضيبه الحماري ؟ عوافي ! غير أنه أمر محيّر فعلاً . يمكن أن أصدق موضوع زوجته ؛ و لكنني لا أتصور أن فوزي التكريتي الجبار إنما هو فرخ بجلال قدره . كل شيء يحصل في هذا العالم العجيب . إذا سمع السيد مدير الأمن بهذه الإشاعة فسيدبغ جلود كل ضباط و أفراد مديرية الأمن من المتورطين بها ، بل و حتى من لم يسمع بها مطلقاً ؛ و سيكون إسمي برأس القائمة ، طبعاً . نعم ، لن يتورع عن رمينا بالرصاص جميعاً . مشكلة عويصة ! الستّار هو الله ! و لكن لماذا لا أبادر بنفسي لإخباره بها ، فأنال الحظوة عنده بفضلها ؟ كلا ، تلك هي فكرة بطّالة بالتأكيد . سأسقط صريعاً تحت العقب مع بقية الحشد ، بلا ريب . ألم يفعلها صدام بشريكه ناظم كزار عام 1973 ؟ قَتْلُ البشر عند التكارتة أحلى من لَهْمِ السُكَّر .
أوف من التكارتة ! عوافي عليكم ، عيني ؛ مَلَكتُمْ كل ثروات أرض السواد : أرضاً و بشر ! الله الستار .
- السلام عيكم سيِّدي ، قالها لسكرتير المدير العام شاب طويل عريض فور دخوله .
- و عليكم السلام . أنت ناظم أحمد حسين المُعيَّن جديداً ؟
- نعم ، سيِّدي .
- أجلس .
- شكراً ، سيِّدي .
- كيف تعينت في سلك جهاز الأمن ؟
- بواسطة السيد مدير الأمن العام ، سيِّدي .
- همم . و هل أنت قريبه ؟
- نعم ، سيِّدي . هو من أخوالي .
- من أي الأعمام أنت ؟
- من آلبو حمدان ، سيِّدي .
- وين أهلك ؟
- بالكرادة خارج ، سيِّدي .
- و أعمامك ، أين يسكنون ؟
- بالزاب ، سيِّدي .
- أنعم ، و أكرم .
- شكراً ، سيِّدي .
تفحَّص رائد الأمن ضمد القادم الجديد ، و تساءل مع نفسه : لِمَ يستدعيه مدير الأمن و هو مجرد شرطي مستجد ؟ هل بسبب قرابته من السيد مدير الأمن العام ؟ يجوز . يا له من شاب ضخم . بشرته خمرية و عيناه خضراوان و شعر رأسه أشقر أسبل . شاب وسيم بحق .
إنفرج باب مدير الأمن ، و خرج منه الرفاق تباعاً . كلهم شوارب كثّة مصبوغة ، و كروش منفوخة ، و وجوه كالحة .
- تفصل ، رائد ضمد - قالها السكرتير .
- شكراً جزيلاً ، ملازم خير الله .
بعد أن جلس على كرسي المداولة قبالة مكتب مدير الأم الزجاجي الفخم الجديد ، قال له الأخير .
- سأتداول معك اليوم بأمر مهم و خطير للغاية ، يجب أن يبقى سراً بيننا إلى القبر . أقسم بشرفك على ذلك !
- أقسم بشرفي أن كل ما يجري بيننا الآن يبقى سرّاً عندي حتى القبر ، سيِّدي .
- جيد . إسمع رائد ضمد . اليوم هاتفني سيادة مدير الأمن العام المحترم و أبلغني بأن السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله و رعاه قد قرر شمول ضباط التحقيق المتميزين بقانون قانون نوط الشجاعة رقم (14) لسنة 1981 .
- بشَّرك الله بالخير ، سيِّدي العزيز .
- أنت تعرف أن هذا القانون يقدِّم امتيازات ضخمة ، و أهمها سيارة الصالون أخت البلاش و من آخر موديل ، و وثيقة التأمين المجانية على الحياة .
- نعم ، سيِّدي .
- و لقد أشترط السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله و رعاه عدم ترشيح أي ضابط تحقيق أمني لنيل هذا الوسام الرفيع إلا إذا كان عدد من حكم عليهم بالإعدام في قضاياه التحقيقية قد وصل (2000) مجرماً ، أو تجاوز ذلك الرقم ؛ و المهلة هي شهر واحد فقط ؛ بعدها ، يتوقف الترشيح .
- سيِّدي ، عددي أنا وصل إلى (1791) اعداماً !
- معلوم . صحيح أنني قد أصبحت مديركم قبل شهر فقط ، و لكنني لست طرطوراً !
- العفو سيِّدي ، جنابكم سيد العارفين !
- إسمع : مديريتنا تواجه منافسة حادة من مديريات أمن الكاظمية و كركوك و البصرة و كربلاء و النجف و ميسان . و لكن رقمنا هو أعلى الأرقام ، و نحن في سباق رهيب مع الزمن ، و الزمن من ذهب .
- شكرا ، سيِّدي الجليل .
- كم تتوقع عدد من سيتم الحكم عليهم بالإعدام في القضايا الأمنية المحالة للمحكمة قبل نهاية هذه الشهر . لدينا أربع جلسات متبقية لمحكمة الثورة الموقرة .
- دعني أحسبهم ، سيِّدي .
- أحسب !
- سيِّدي ، أولاً ، لدينا مجموعة أبي عباس و عددهم (47) متهماً ، أتوقع أن لا يفلت من الإعدام منهم سوى متهم واحد هو غازي العمارتلي .
- و لماذا يفلت هذا الشروگي النتن من الإعدام ؟
- سيِّدي ، الاعترافات على هذا الجرو الحقير تبين أنه لم يتبرع لنزلاء قاطع حزب الدعوة المقفل في أبي غريب سوى بمصحف شريف واحد ، و هذه ليست جريمة ، مثلما تعلمون ، سيِّدي .
- همم . و هل يمكن أن يفلت غيره من حكم الإعدام في هذه القضية ؟
- مستحيل ، سيِّدي . كلهم متلبس بالتآمر على أمن الحزب و الثورة و التخطيط لتهريب نزلاء الأحكام الثقيلة في أبي غريب تحت تهديد السلاح ، سيِّدي .
- جيد . سأجمع الأرقام عندي هنا : لدينا أولاً (46) إعداماً .
- سيِّدي ، و (44) جماعة التنظيم المعادي في ناحية القاسم .
- هل أنت متأكد من الحكم بإعدامهم جميعا ؟
- أكيد ، سيِّدي .
- بارك الله فيك .
- شكراً ، سيِّدي الجليل . سيِّدي ، و (24) جماعة تنظيم المعلم حسين كاظم الموسوي . كلهم ، سيِّدي .
- ممتاز .
- سيِّدي ، و (11) جماعة تنظيم الشيخ ميران شويليه .
- كلهم ؟
- كلهم ، سيِّدي
- جيد. و بعد .
- سيِّدي ، و (6) جماعة تنظيم فاهم مرجان .
- ستة فقط ؟
- بقية الخمسة هربوا خارج العراق ، سيِّدي .
- جبناء ! لو كانوا رجالاً حقيقيين لسلموا أنفسهم لحكم القانون ! و بعد ؟
- سيِّدي ، و لدينا فقط الدكتور فياض الشيوعي .
- لوحده ؟
- نعم ، سيِّدي .
- هذا حرام ! اين بقية أعضاء تنظيمه ؟
- سيِّدي ،أسماؤهم سرية ، و محلات الإقامة مجهولة ، سيِّدي .
- هذه خسارة فادحة . هل سيقتنع رئيس محكمة الثورة الموقرة الأستاذ مسلم الجبوري بوجود تنظيم شيوعي لديه ، و هو وحيد ، فيحكم عليه بالإعدام ؟
- بالتأكيد ، سيِّدي !
- كيف ؟
- سيِّدي ، لأن مسؤوله سبق و أن صدر بحقه حكم الإعدام قبل سنة و نصف ، و قد تم التنفيذ به ، سيِّدي .
- إلى جهنم و بئس المصير . خائن و نجس ! هل هذا هو كل ما عندنا ؟
- نعم ، سيِّدي ، هذا هو كل شيء ، سيِّدي .
- هذه كارثة كبرى ! لدي ستة ضباط محققين تحقيقاتهم زفت و بقية ضباط الأمن عطالة بطالة . حرام عليهم راتب الدولة الشهري الذي يقبضون ! تصور أن ملازم محمد ليس لديه سوى (191) إعداماً في بحر سنتين . سمعتي كمدير أمن ستتمرغ بسببهم في الوحل !
- حاشاكم ، سيِّدي .
- المجموع لا يزيد على (122) اعداماً فقط ! هذه مصيبة كبرى ! ستتأخر ترقيتي إلى رتبة لواء حتى يوم يبعثون إذا بقي الحال على هذا المنوال ! ينطبق علي المثل : يريد ابنة الشيخ ، و سياقها نعجة .
- العفو ، سيِّدي ، بعد إذنكم ، الرقم الصحيح هو (132) ، سيِّدي .
- صحيح ؟ سأجمع على الحاسبة . همم . الحاسبة أفضل . المجموع هو ممم...( 132) إعداماً فقط . هذه خسارة لن تعوّض ، و مضيعة للجهد و الوقت الثمين ! و ماذا عن بقية القضايا الأمنية في المديرية ؟
- سيِّدي : البقية متهمون بجرائم القذف و السب و الشتم و التهجم ضد القيادة السياسية و الحزب و الثورة ، الطائفية ، كتابة الشعارات المعادية على الجدران أو سبورات الصف ، التستر ، إفتتاح مكاتب الاستنساخ و محلات الحلاقة بدون إجازة . أحكامها تتراوح بين السجن المؤبد و ثلاث سنوات ، مثلما تعلمون أحسن مني ، سيِّدي .
- معلوم . يجب تعديل قانون العقوبات ليحصل كل هؤلاء المجرمين على الاعدام . ما رأيك ؟
- اقتراحكم هذا جداً وجيه ، سيِّدي .
- سأقدمه لسيادة مدير الأمن العام ليرفعه لمكتب السيد الرئيس القائد صدام حسين مباشرة .
- سلمت يداك ، سيِّدي .
- طيب . لنجمع ، على الحاسبة لكي لا نخطأ : 132 زائداً 1791 ، المجموع هو : 1923 إعداماً . صحيح ؟
- صحيح ، سيِّدي .
- إذن ، ينقصنا (87) اعداماً حتى نحقق الرقم القياسي الذهبي (2000) اعداماً .
- بعد اذنكم ، سيِّدي : النقص هو (77) إعداماً فقط ، سيِّدي .
- ها ؟ دائماً أشتبه في جمع العشرات . و لكن الناقص خير من الزائد . أليس كذلك ، رائد ضمد ؟
- كيف ، سيِّدي ؟
- لأن ضابط التحقيق المضبوط يجب أن يبحث دوماً عن المزيد من الإعدامات لأعداء الحزب و الثورة . كلما زاد عدد المعدومين كلما ازدادت شهيته أكبر فأكبر للمزيد و المزيد . هل فهمت ؟
- نعم ، سيِّدي .
- ما هو القانون القدسي الذي يجب عليك تطبيقه هنا ؟
- هم ؟ بصراحة ، لا أعرف ، سيِّدي .
- لا تدخ ، يَوَلْ ! القانون القدسي هو : ألا هل امتلأت ؟ ألا هل من مزيد ؟ هل فهمت ما ذا يعني هذا القانون الرباني ؟
- نعم ، سيِّدي . يعني أننا يجب أن نسلط نار جهنم على أعداء الحزب و الثورة ، سيِّدي .
- عليك نور . إسمع : لقد احتطت لموضوع هذا النقص الفادح في عدد الإعدامات التي تحققها مديرية الأمن هذه ، فاجتمعت قبل مجيئك بأعضاء قيادة الفرع ، و أمرتهم بجلب على الأقل ثلاثمائة تقرير أمني خلال ثلاثة أيام ، و بعكسه سيعاد النظر في موقعهم الحزبي الحالي و ينزَّلون إلى مراتب أدنى بسبب عدم الكفاءة أو التخاذل في خدمة الحزب و الثورة .
- بارك الله فيكم ، سيِّدي . حسناً فعلتم : كلهم خدَّة و خدر و يحصلون على أضخم الرواتب الشهرية ، سيِّدي .
- مجموعة من البقر . الرفاق يصعِّدون للقيادة البقر ، و صدام يبتلي بهم أمام البشر ! و لقد أبلغتهم بوجوب حرصهم الشخصي على تسليمهم لمديرتنا باليد كل تقرير أمني وارد اليهم خلال ساعة واحدة فقط من تاريخ وصوله للفرع .
- أحسنتم ، سيِّدي . و الله أن صاحب أكبر شارب فيهم لا يكون سوى مجرد نكرة دايح لولا أفضال السيد الرئيس القائد الهمام صدام حسين ، حفظه الله و رعاه ، سيِّدي .
- أسمع ، ستتولى بنفسك التحقيق في كل القضايا الجديدة حتى نصل للرقم الذهبي خلال أسبوع . هل أستطيع الاعتماد عليك في إنجاز هذه المهمة العظيمة في الوقت المناسب ؟
- أنا عند عينيك ، سيِّدي .
- إسمع . أنت محجوز حجز ثكنة اعتباراً من بكرة و طوال الأسبوع القادم حتى تنجز المطلوب فترفع رأس هذه المديرية . مفهوم ؟
- أمرك ، سيِّدي . و لكن من يبقى عند عائلتي ، سيِّدي ؟
- إسمع ، هاك هذين التقريرين الأمنيين الدسمين الجديدين ، و ابدأ التحقيق بهما من صباح بكرة . كل ضباط التحقيق هم تحت إمرتك ، و معهم جميع أفراد الأمن للمديرية و آلياتها . كلهم محجوزون معك . واضح ؟
- واضح ، سيِّدي .
- و لا تنسى الالتزام بقسم الحفاظ على السر الذي رددته .
- تؤمر ، سيِّدي .
- و بخصوص عائلتك ، و لأنك ضابط التحقيق الوحيد الذي تسكن عائلته هنا ، فقد اخترت لك مراسلاً ممتازاً . شاب رياضي إسمه ناظم أحمد حسين ، حاصل على الوسام الأسود في الكاراتيه ليتولى حماية عائلتك على اربع و عشرين حبة . إنه موجود الآن في مكتبي . خذه معك عند خروجك الآن إلى بيتك حالاً ليقيم عندك طوال الشهور الثلاث القادمة قبل التحاقه بدورة تدريبية في ألمانيا الغربية . واضح ؟
- واضح ، سيِّدي . صار ، سيِّدي .
- إسمع ، شرطي الأمن المستجد هذا هو من أقارب السيد مدير الأمن العام المحترم . أريد منك أن تعامله بكل احترام و تقدير لأن الكلمة التي تخرج من فمه ستصل مباشرة لأذن السيد المدير العام . مفهوم ؟
- مفهوم ، سيِّدي !
- لديك إجازة من الآن إلى الساعة السادسة من صباح بكرة لترتيب أمور بيتك . ستجدني بمكتبي في حينها و في كل حين ؛ و سأنتظر أن توجزني مباشرة بكل تقدم حاصل أولاً بأول . شف شغلك !
**
كان جد ناظم تاجراً للماشية ، هاجر في بداية القرن العشرين من العمارة إلى بغداد ليشتغل هناك بعد شرائه سكلة و داراً له في الكرادة خارج . و مع نشوب الحرب العالمية الأولى و الاحتلال البريطاني لبغداد ، فقد كبرت تجارته ، و معها زادت ممتلكاته : بستانين و دارين و سكلة جديدة أكبر لبيع المواشي . لم يخلف سوى ابنه الوحيد "أحمد" الذي بدد كل ثروة والده في ارتياد الملاهي و لعب القمار و معاقرة الخمرة . و قد انتهى به المطاف أخيراً إلى افتتاحه محل مكوى بخاري . لم يرزق سوى بولده الوحيد "ناظم" . شب ناظم مراهقاً ضخم القوام في كل شيء . تدرب على رياضات رفع الأثقال و الملاكمة و الجودو و الكراتيه بانتظام في النادي الرياضي القريب من دارهم قبل إنهائه للمرحلة الابتدائية . في الصف الثاني للمرحلة المتوسطة ، أدمى وجه مدرس اللغة الإنجليزية بعد أن صفعه الأخير في الصف أمام كل زملائه و هو يعيّره : "شروگي مطي" لفشله في تصريف فعل غير قياسي . بعد تركه المدرسة المتوسطة إلى غير رجعة ، واضب على التدريب في النادي الرياضي من الصباح حتى المساء . هناك ألف اللواط و أساليب إغواء القاصرين . و ما لبث أن نال الأوسمة و الأحزمة الرياضية من مختلف الأصناف لفئته العمرية ، كما لاط بالعديد من زملائه و زميلاته المتدربات . و كانت آخرهن "إيمان" صديقة مدير الأمن العام ، التي تعشق الكراتيه ، و التي تبرعت بالتوسط لتعيينه في جهاز الأمن باعتباره أحد أقاربها من عشيرة آلبوحمدان ، ليتخلص بذلك من الخدمة الإلزامية في الجبهات الحربية ضد إيران ، و ليصبح قريباً منها حين الطلب . أخذت إيمان على عاتقها تلقينه تفاصيل أصله و فصله الجديد المطلوب لكي يتم قبوله في جهاز الأمن ، و رتبت له كل شيء بسرعة مذهلة . فجأة وجد ناظم نفسه و قد صدر أمر تعيينه بوظيفة شرطي أمن ، و أصبح نصيراً متقدماً في حزب لا يعرف عنه أي شيء .
**
عوت العاصفة الرعدية في الخارج ، و بدأت قطرات المطر تطرق على الشبابيك ، ثم تزايدت وتيرة الطرق الربيعي . راقب ناظم الهمل بنصف ابتسامة و راح يتفكر . على غير العادة ، كان قد أمضى ثلاثة أيام دون أن يتسنى له إشباع غريزته الجنسية . و لقد آن له الأوان الأن لإفراغ كل سمومه . إنه وحده في الدار مع أم وليد . منذ أول لحظة رآها فيها و هي تميس بقوامها الموصلي كنخلة بصرية في شهر حزيران ، و تميل كتفيها قليلاً إلى الخلف مستعرضة جسدها بزهو طاغ ، أدرك أنها ستكون فريسة سهلة و ضجيعة دافئة معطاء . و تساءل : أي الطريقتين أفضل للفوز بها : الغلاب لفتح الباب ، ام التمسكن للتمكن ؟ و قرر : عهده بالغزوات الغرامية يؤكد إن الغلاب أنجع ، لأنه يؤمن النتائج المضمونة أسرع . كان واثقاً أن كل شيء سيمر بسلام فيفوز بقطوف كل ثمراتها . تعرّى تماماً ، نزل من غرفته إلى الطابق الأرضي ، و دخل عليها غرفة النوم ، فوجدها واقفة تتزين أمام المرآة . أسرع لمعانقتها بقوة من الخلف هاصراً نهديها هصراً شديداً و هو يهمس لها بأذنها اليمنى داساً أنفه بشعرها الأشقر المصبوغ .
- لديك دقيقة واحدة لتخلعي ملابسك كلها !
استدارت إليه ، و نظرت إلى مزماره الجبار الغاضب ، فشهقت و هي تقول :
- أوف منك ، يا قاسي ! لماذا لا تخلعها أنت لي ؟
بعد حوالي الساعة ، عاد وليد من المدرسة للبيت . فتح باب الدار بمفتاحه الشخصي ، و أغلق الباب وراءه . ذهب للمطبخ فلم يجد أمه . إتجه نحو غرفة النوم ، فتح الباب ، و دخل . لدى سماعه صوت دخول وليد غرفة النوم ، توقف ناظم عن النط و اللط برهة .
- لا تتوقف ! واصل الشغل أقوى . قالت الأم و هي تدفع بوركيها إليه دفعاً .
زاد ناظم في قوة تعجيله .
- ماذا تفعل لأمي ؟
- أعطيها حقنة لعلاج مرضها .
- أنا أيضاً جوعان و مريض ، و أريد حقنة مثل أمي .
- إصعد إلى غرفتك ، و سأوافيك حال فراغي من علاج أمك . هرول !
**
انغمس الرائد ضمد خلال الأسبوع التالي في انتزاع و تحرير الاعترافات المزورة للمتهمين الجدد ، و من ثم هيكلة مرتسمات التنظيمات المعادية الوهمية لهم ، و استحصال مصادقة قاضي التحقيق الامني الطرطور عليها . و قبل انتهاء الأسبوع بيوم ، زار مكتب مدير الأمن في الساعة السادسة صباحاً لإيجازه بالنتائج .
- حققنا ، سيِّدي العزيز ، العدد المطلوب ، ناقصاً واحداً فقط . هذا الشيوعي رياض رفض الاعتراف حتى بعد أن جربنا كل شيء عليه ، سيِّدي !
- ما هذا الكلام العاطل ، رائد ضمد ؟ ها ؟ لماذا كل هذا التهاون مع أعداء الحزب و الثورة و أنت أول من يعلم بأننا يجب أن نرفع قضيته اليوم إلى محكمة الثورة بحيث تصل أوراقه التحقيقية قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً . أي خلال أقل من خمس ساعات من الآن . لماذا تجلس أمامي هنا بدلاً من إنجازك لواجبك ؟
- و الله سيِّدي أنا أقول الحق . استدعيه أمامك هنا بنفسك ، و ستجد جسده كله كتلة لحم زرقاء ، سيِّدي .
- هل تريد أن تقول لي أن تلك الكارثة الدهياء التي ستحيق بمديريتنا فنخسر السباق المصيري لنيل نوط الشجاعة إنما هي بسبب عناد هذا الشيوعي النذل الذي يرفض الاعتراف ؟ ألا تستحي من ترديد هذا الكلام العاجز أمامي ؟ كل هذا الفشل الذريع و تدعي أنك محقق أمني ناجح ؟ هل جربت تهديده بالاغتصاب ؟
- بصراحة ، لا ، سيِّدي .
- و تقول لي أنك جربت كل شيء عليه ؟ الا تستحي من الكذب أمامي ؟ جراب بن الجراب ! (يدق الجرس ، فيدخل سكرتيره و يؤدي التحية العسكرية ضارباً الأرض بقوة .)
- إسمع ، ملازم خير الله ، إذهب الآن فوراً مع الرائد ضمد إلى غرفة التحقيق . دع أفراد الأمن يسحلوا هذا الشيوعي الحقير رياض إلى التحقيق سحلاً ، عريه تماماً ، و هدده بالاغتصاب إن لم يعترف فوراً . دعه يتلمس قضيبك الطويل السمين الحار أولاً . و إذا ما أصر على عناده ، فشق جحره شقاً كالبطيخة بلا هوادة . أريد النتيجة خلال ربع ساعة من الآن . و لا تنس استدعاء قاضي التحقيق للحضور في الساعة الثامنة لتصديق أقواله . شوفوا شغلكم .
بعد عشرة دقائق ، دخل الملازم خير الله غرفة مدير الأمن ، و قفلها بالمفتاح خلفه .
- لقد اعترف رياض ، سيِّدي .
- بارك الله بك . هذا الشيوعي حمار كبير : لقد فضل الإعدام على جسة و رعشة الباطنية ، و هما ألذ شيء في الحياة ! أستدعي قاضي التحقيق حالاً ، و هيء سيارة اللاندكروزر لإيصال أوراق قضيته إلى مقر محكمة الثورة الموقرة في أبي غريب قبل الساعة العاشرة ، و أرسل معهم نسخة منها إلى مديرية الأمن العامة في الكرادة . و بعد انطلاق السيارة ، اتصل بهذا الجراب ضمد ، و امنحه اجازة أربعاً و عشرين ساعة اعتباراً من الساعة التاسعة صباحاً . غباء قوم عند قوم فوائد !
هرول خير الله حالاً نحو سيده الجالس . أنحنى عليه و عانقه ، ثم اشتبكا بقبلة فرنسية عصيرية طويلة . سمعا طرقاً على الباب ، فتوقفا . توجه الملازم خير الله نحو الباب ، أدى التحية العسكرية بأقوى ما يستطيع و هو يقول بصوت عال :
- تؤمر ، سيِّدي !
- شف من الذي طرق على الباب و أطرده كائناً من يكون ، و اصدر أوامرك بمنع دخوله مكتبك مرة أخرى منعاً باتاً ، و أعلمني باسمه كي أعاقبه .
أدى الملازم التحية مرة أخرى و بأقوى من سابقتها ، و هو يقول بصوت عال جداً :
- تؤمر ، سيِّدي !
أدار قفل الباب ، وفتحها ، و خرج . شاهد الرائد ضمد واقفاً إزاءه عند الباب ، ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة خبيثة .
- رائد ضمد ؟ كيف تتجاسر و تطرق على الباب المغلقة لمكتب السيد مدير الأمن المحترم ، و انت ترى أنني غير جالس في مكتبي ؟
- العفو ملازم خير الله . أردت فقط أن أزف له بشارة إعتراف المتهم رياض . هذا هو كل شيء !
- و ما شغلي أنا في هذا المكتب ؟ ها ؟ من الذي جعله يعترف ؟ أنا أم أنت ؟
- أنت .
- و ما دمت تقول أنا ، فما شأنك أنت بهذا الموضوع بعد فشلك المخزي فيه ؟ ثم ، هل استدعاك السيد مدير الأمن إلى مكتبه ؟
- لا .
- كيف إذاً تترك واجبك و تأتي إلى هنا بدون صدور أمر لك بذلك من المافوق ؟ هل نحن هنا في ولاية بطيخ أم في مديرية أمن محترمة تلتزم باللوائح و السياقات العسكرية حسب الأصول ؟ كيف تتجاسر على ترك مكان واجبك بدون أمر من المافوق ؟
- أنا أعتذر جداً على هذا الخطأ غير المقصود . أرجوك أن تتقبل اعتذاري المخلص . أنا ، أطلب منك العفو ، ارجوك .
- العفو ؟ تتجاوز أولاً ، لكي تطلب العفو ثانية ؟ ألا تستحي من نفسك على عصيانك للأوامر العسكرية ، و أنت ضابط قديم في هذا السلك الحيوي الشريف ؟ اسمك مسجل في سجل المذنبين لهذا اليوم . موعد مثولك أمام السيد المدير هو الساعة العاشرة . تفضل بالخروج من هنا فوراً من غير مطرود !
**
في الساعة الثامنة و النصف من اليوم العشرين لتنسيبه – حتى إشعار آخر – إلى دائرة أمن المسيب ، حلس الرائد ضمد في غرفته يضرب أخماساً بأسداس . لقد أتصل به هاتفياً قبل قليل سكرتير مدير الأمن ليبلغه بوجوب مثوله بين يدي مدير الأمن في الساعة العاشرة و النصف من صباح اليوم . رفض ذلك اللئيم إعلامه أي شيء بخصوص سبب أو موضوع هذه المقابلة . كل الذي قاله : "أمر السيد مدير الأمن مثولك أمامه في تمام الساعة العاشرة و النصف امن صباح ليوم و قد أرسلنا لك السيارة لجلبك للمديرية" و أغلق السماعة . يا له من كلب مسعور ، هذا السكرتير . لم يصغ البتة لكل توسلاته و تضرعاته إليه في ذلك اليوم الذي قدمه فيه مذنباً أمام مدير الأمن . رفض حتى السماح له بتقبيل يديه و رأسه لقاء الصفح عنه . خلع عنه رتبته الكتَّافية و النطاق و وضعهما في مجر مكتبه ، ثم قدمه مذنباً أمام مدير الأمن . آه كم كان قاسياً عليه . أما مدير الأمن ، فلم يدخر شتيمة و لا سباً و لا إهانة دون أن يوجهها إليه . بل و لقد بصق عليه أمام سكرتيره النذل ! حتى أحط أولاد الشوارع لم يسمعوا بألفاظ النعوت الوسخة و المستحدثة التي قذفها بوجهه مدير الأمن يومذاك ، و هو يقف أمامه صامتاً كالأسير . هدده أولاً بالنقل إلى زاخو ؛ بعدها ، نسبة للمسيب مع حجز ثكنة حتى اشعار آخر . الحقير !
**
عندما مثل رائد الأمن أمام مدير الأمن ، أبقاه الأخير واقفاً .
- سيِّدي الجليل ، أستصرخك لكي تصفح عني ! اقبل يديك !
- ذنبك كبير ، رائد ضمد ! أحمد الله أنني لم أقبل بإحالتك لمجلس تأديبي و تنزيل رتبتك .
- أرجوك سيِّدي أن تعفو عني . أقبِّل حذاءكم الشريف ، سيِّدي !
- كيف هو ناظم ؟
- عفواً سيِّدي الكريم ، لم تتسنى لي رؤيته ، لا هو و لا أم وليد و وليد منذ حوالي ستة و عشرين يوماً ، سيِّدي .
- اطمئن . ناظم هذا فحل ضابط لشغله و لا بد أن يكون قد أفلح في الترويح عن وليد و أم وليد الماجدة ليل نهار طيلة فترة غيابك .
- الفضل في ذلك يعود لكم ، سيِّدي المبجل .
- أسمع . لقد اتصل السيد مدير الأمن العام بي مرتين للتوصية بناظم . هل التزمت باحترامه و تقديره حسب الأصول ، أم عصيت أوامري إزاءه أيضاً ؟
- سيِّدي الجليل ، لقد خصصت له أكبر غرفة في الطابق الثاني من الدار بعد أن نقلت إليها أحسن الأثاث ، و أوصيت أم وليد الماجدة أن تعتبره فرداً من أفراد العائلة و أن تعامله أحسن معاملة ، سيِّدي الفاضل .
- همم . إسمع . لقد صدر البارحة المرسوم الجمهوري بمنح السيد مدير الأمن العام و جنابي و أنت الضابط العاصي أنواط الشجاعة . موعد التحرك إلى القصر الجمهوري لحضور مراسم التنويط هو الساعة الثانية عشرة اليوم . سأقلك معي بسيارتي المرسيدس . لديك ساعة زمنية واحدة فقط كي تزور أهلك و تعود إلى هنا لنتحرك إلى القصر الجمهوري . إنصراف !
**
فتح الرائد ضمد باب داره ، و توجه للمطبخ .
- أم وليد !
لم يجدها في المطبخ .
ذهب إلى غرفة النوم ، فوجد بابها مقفلاً من الداخل . طرق على الباب و هو ينادي :
- أم وليد ، أم وليد ! أم وليد ، إفتحي الباب . أبشِّرك ، لقد حصلت على نوط الشجاعة ، و سأتحرك في الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم لحضور مراسيم التنويط . لقد فزنا أخيراً بسيارة الكراون سوبر رويال .
كانت أم وليد منبطحة تحت ناظم ، الذي توقف عن الرز و اللز برهة .
- لا تتوقف ! واصل شغلك و بأقوى ما تستطيع . قالت الأم و هي ترفع وركيها إليه رفعاً .
زاد ناظم في قوة تعجيله .
- أم وليد ، إفتحي الباب . البارحة صدر المرسوم الجمهوري بمنحي وسام الشجاعة .
- ما الذي جاء بك في هذا الوقت ؟ ألا تراني مشغولة جداً الآن ؟ رُح ، و تعال بعد ساعة ! كلا ، بعد ساعتين ! أأأأوووه !
**
في طريق العودة من القصر الجمهوري إلى مديرية الأمن بعد الفراغ من مراسم التنويط التي تأخرت حتى الساعة السادسة من بعد الظهر ، سأل مدير الأمن الرائد ضمد :
- هل تتذكر قضية فاهم مرجان و جماعته ؟
- طبعاً سيِّدي ، لقد صدر حكم الإعدام على كل أفراد عصابته . كان مسؤوله المباشر هو الخميني الدجّال بنفسه . و للأسف ، فقد استطاعت المخابرات الإيرانية تهريب خمسة من زمرته .
- لقد ألقى الرفاق في الجيش الشعبي القبض عليهم جميعاً قبل يومين . داهموا وكراً للهاربين من الخدمة العسكرية بقبو في الكاظمية ، فوجدوهم متخفين كالجرذان فيه . سلموا أنفسهم طوعاً و بلا مقاومة ، و قد تم نقلهم اليوم جميعاً إلى مديرتنا للتحقيق . أوامر السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله و رعاه التي بلَّغني بها السيد مدير الأمن العام اليوم بنفسه تقضي بإحالتهم لمحكمة الثورة الموقرة خلال ثمان و أربعين ساعة . لقد أنهيت اليوم أمر تنسيبك للمسيب ، و عليك أن تباشر التحقيق معهم فور وصولنا للمديرية . أريد أوراقهم التحقيقية الموقعة و المصادقة عليها حسب الأصول جاهزة على مكتبي خلال أربع و عشرين ساعة . مفهوم ؟
- مفهوم ، سيِّدي . أنا خادمكم المطيع ، سيِّدي .
- عوافي عليهم الطقَ الفوري بالدهن ! هعهعهاااااايع !
**
في الساعة الرابعة و النصف من صباح اليوم التالي ، عاد رائد الأمن ضمد لداره بعد انتزاعه بالتعذيب الاعتراف و التوقيع المطلوب من آخر ضحية له ، حسب الأصول . وجد أم وليد و وليداً نائمين . يجب عليه الآن أن يرتب أمره مع ناظم بأي شكل من الأشكال كي يستعين به في الملمات عند خاله مدير الأمن العام . صعد السلم متبختراً بنوط الشجاعة لغرفة ناظم ، دخلها و أغلق الباب خلفه . رأى ناظماً واقفاً نصف عار أمام المرآة يمشط شعر رأسه أثر اغتساله مطولاً في الحمام بعد جولة الفجر مع أم وليد . تعجب من مدى تناسق و جمال عضلات ساعديه و صدره و دقة خصره .
- صباح الخير سيِّدي الكبير ، ألف مبروك على منح سيادتكم الغالية نوط الشجاعة الجميل اللائق عيك هذا ، سيِّدي . معاليكم يستحق عشرة أنواط شجاعة دفعة واحدة .
- مشكور . و لكنني جداً زعلان منك .
- الله أكبر ! أرجوكم سيِّدي العظيم ، أنا عبدكم و خادمكم المطيع ، و لا أرضى لنفسي أن تزعلوا علي بعد أن أغرقتموني بأفضالكم التي لا تحصى و لا تعد .
- كيف تعالج وليد و أم وليد بالحُقَن ، و تحرمني أنا منها ؟ ها ؟ لماذا أنت ناكر للجميل إلى هذا الحد ؟
- استغفر الله ! تالله أنا خادمكم ، سيِّدي العظيم . و سأثبت لك هذا الآن ، إخلع ، سيِّدي المبجل ، و جربني ، و سأعجبك !
- و لكن عدني أن تكون رفيقاً بي ، فقد مضت فترة طويلة على آخر مرة لي في كلية الشرطة . (يبدأ بخلع ملابسه .)
- سيِّدي الكريم : هذا الكلام لا يليق بجنابكم الغالي ، و لا بمقامكم السامي ، و لا بشجاعتكم المشهودة للجميع . أنا واثق أن سيادتكم قادر على الإثبات العملي لجدارتكم كرجل حقيقي و لا كل الرجال . نعم !
- صحيح ؟
- و هل في ذلك شك ؟ لا بد أن تفوزوا بالبطولة بشيله للعراوي بكل شجاعة و احتراف جسور ، سيِّدي العظيم . نعم ! أنتم قدَّها و قدود ، و لستم مثل المخنثين ، و لهذا فقد فزتم بنوط الشجاعة هذا اللائق عليكم بكل إباء و شمم !
- انت حلو ، و كلامك حلو !
- كل حلاوتي بخدمتكم يا أبا الأصول . ناولني قميص الكتَّافيات و نوط الشجاعة كي أعلقه بالشمعة فلا ينكمش ، و أكمل بسرعة الخلع الآن ، سيِّدي الكريم ، فأنت ابن الأجواد الأكرمين .
- أوف منك ! حمش و لذيذ ! توكلنا على الله !
- بارك الله بكم ! هاكم كأس الويسكي الملكي هذا للإحماء ، سيِّدي الجليل .
- أوووه . عَسَلْ !

3 / 11 / 2015



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقائق عن جورج أورويل / 13
- عفاريت لسع الخصى
- حقائق عن جورج أورويل / 12
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 5
- حقائق عن جورج أورويل / 11
- حقائق عن جورج أورويل / 10
- قصة حجب عصام الخفاجي لتعليقي
- حقائق عن جورج أورويل / 9
- حقائق عن جورج أورويل / 8
- حقائق عن جورج أورويل / 7
- حقائق عن جورج أورويل / 6
- حقائق عن جورج أورويل / 5
- حقائق عن جورج أورويل / 4
- حقائق عن جورج أورويل / 3
- حقائق عن جورج أورويل / 2
- حقائق عن جورج أورويل / 1
- فورة الواهس في اللغو اليابس : مالوم أبو رغيف نموذجاً
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 4
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 3
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 2


المزيد.....




- جرأة محفوفة بالمخاطر.. شهادات علنية لضحايا اعتداء جنسي تتحدى ...
- الفرانكو- جزائري يخرج عن صمته ويعلق بشأن -فضيحة حوريات-
- نافذة جديدة على العالم.. مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة ا ...
- شون بين يتحدث في مراكش عن قناعاته وتجربته في السينما
- تكريم مؤثر للفنانة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي في مهرجان ...
- بوتين يتذكر مناسبة مع شرودر ويعلق على رجل أعمال ألماني سأله ...
- على طريقة أفلام الأكشن.. فرار 9 سجناء من مركز اعتقال في نيس ...
- -الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي- في فرنسا لنجوان درويش
- الخنجر.. فيلم من إنتاج RT يعرض في مسقط
- ملف -القندورة والملحفة- الجزائري بقائمة اليونسكو للتراث غير ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - نوط الشجاعة