منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 10:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في لقاء الثلاثاء ما قبل الماضي كان الموضوع الثقافي الذي شغل سهرتنا الدورية مع عدد من المشتغلين في الحقل الثقافي والعلمي والطبي في اللاذقية هو محاولة البحث عن جواب للسؤال: سورية إلى أين؟. وكالعادة لم يكن هناك من جواب واحد، بل أجوبة، ربما بعدد الحاضرين، وهذا شيء طبيعي، بل صحي أيضاً. السؤال ذاته لا يستدعي جوابا واحدا، بل أجوبة، لكون الجوانب التي يستهدفها كثيرة وغير واضحة المعالم. غير أن اللافت في حوراتنا في تلك السهرة الطابع الجدي الزائد عما اعتدنا عليه، بل الزائد عن حده المنطقي،الذي خيم على حواراتنا وعلى سهرتنا بصورة عامة. حتى أولئك الأصدقاء الذين اعتادوا أن يحسموا أعقد القضايا بتعليق ساخر، أو دعابة، أو مثل من هنا أو هناك، كانوا هم أنفسهم جديين، بل قلقين أيضا كما كان حال الجميع.
لأول مرة يواجه شعبنا تحديات بهذا الحجم وهو عاجز عن التفكير بها بهدوء، وعاجز أكثر عن الرد عليها، وذلك بسبب الضغوطات الهائلة التي تمارس عليه إعلاميا، وسياسيا ونفسيا واقتصاديا..الخ، من قبل القوى الخارجية الأجنبية والعربية، وتواطؤ حكامنا معها بصمتهم، بسلوكهم اللامبالي سياسيا وإعلاميا، بإعادة استنفار أمنهم لإحصاء أنفاس المعارضين لنهجهم، حتى طال ذلك أنفاس بعض محازبيهم. وفي خضم هذه الأجواء وما فيها من بلبلة وضياع، بات العارف وغير العارف، السياسي وغير السياسي، على حد سواء يتقبل ما تروجه بعض الأصوات، وبعض وسائل الإعلام من سيناريوهات للتغير، بقي الشعب في جميعها غائبا دورا ومصلحة، أقول في خضم ذلك جاء انتحار(أو اغتيال) اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السوري ليزيد الأمور بلبلة وتعقيداً، ويزيد في خوف المواطن السوري مما يدبر له دون أخذ رأيه، أو حتى إعلامه به. كل ذلك حصل ويحصل بفضل السياسات "الحكيمة"، التي قضت على الروح السياسية في المواطن السوري، لتنعش فيه الروح البيولوجية الغرائزية بحيث لم يعد يهتم أو يبالي بما يرسم له ويخطط لبلده، يلاحق لقمة عيشه التي لا يجدها إلا بشق النفس.
حتى النخب السياسية والثقافية لم تفلت من كماشة الحيرة والإرباك الممزوجتين بالخوف والقلق من المجهول. ثمة أسئلة كثيرة تترد في أوساط النخب السياسية والمشتغلين في الشأن العام، هذه الأيام،لا يخف طابعها الاستنكاري، من قبيل:
هل يعقل بعد أربعة عقود من حكم البعث، وهو الحزب الذي ادعى الثورية والتقدم، أن تكون حصيلة حكمه في سورية مزيدا من الفقر(5.3مليون شخص يعيش كل منهم بأقل من دولار في اليوم)، مزيدا من تدهور التعليم والقضاء، مزيدا من اليأس وعدم الثقة بالمستقبل..الخ.
هل يعقل بعد أربعة عقود من حكم البعث وهو الحزب العلماني كما يدعي، أن يزداد الشعب السوري تمزقا وانقساما تتوزعه الأطر والو لاءات الطائفية والمذهبية والاثنية حتى باتت تهدد وحدته في عيشه المشترك.
هل يعقل هذا الانتشار الواسع للفساد في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، حتى بات المجتمع كله يدار بالفساد وبآلياته وأدواته، بل أصبح في الفترة الأخيرة أكثر وقاحة في علنيته وفي ابتزازه للمواطنين.
هل يعقل وبعد نحو ثلاثة عقود من وجود سورية في لبنان، بكل ما يعني هذا الوجود من نفوذ سياسي وغير سياسي، وبعد كل التضحيات التي دفعها الشعب السوري لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، أن يتم إخراج سورية بهذا الشكل المذل والمهين، وان ينقلب عليها حلفاء الأمس. من هو المسؤول عن ارتكاب الأخطاء الفادحة في لبنان، بدء من عدم سحب قواتنا العسكرية في الوقت المناسب من لبنان، وانتهاء بدعم التمديد للجنرال لحود في رئاسة الجمهورية اللبنانية؟
ثم لماذا لم تستطع سورية، رغم هذا الوجود الطويل والمستمر، أن تغير في دور وفعالية الطائفية السياسية في المجتمع اللبناني، مع أن ذلك منصوص عنه في اتفاق الطائف، وكان ممكنا في بعض مراحل تطور الأوضاع للبنانية. وبدلا من ذلك أصرت على دعمها للبنى الطائفية والمذهبية، وللزعامات الإقطاعية السياسية بحيث باتت أقوى مما كانت عليه قبيل الحرب الأهلية اللبنانية
لماذا يتباطأ حزب البعث بتطبيق ما وعد فيه المجتمع من إصلاح وتغيير، بل لماذا يتباطأ في تنفيذ توصيات مؤتمره القطري الأخير، مع أن تطبيق بعضها، مثل إلغاء المرسومين رقم 6 ورقم 4 وكذلك القانون 53، لا يحتاج أكثر من إصدار مرسوم لإلغائها..
أسئلة كثيرة تتردد في الوقت الراهن في أوساط النخب السياسية السورية تستهجن فيها نهجا لم يفضي على مدى أربعة عقود إلا إلى مزيد من التخلف والضعف والتمزق الداخلي واليأس والعزلة العربية والدولية..الخ.
غير أن أخطر الأسئلة الراهنة هو ما يتردد عن دور مزعوم لسورية في اغتيال رجل الدولة اللبناني الشهيد رفيق الحريري، حليف سورية الاستراتيجي، وحليف السلطة حتى الأمس القريب. ثم لماذا تعاملت السلطة بهذه الطريقة المستخفة وغير المنطقية مع الحدث، واضعة نفسها في دائرة الاتهام الأولى، مما سهل على الآخرين اختراق الوعي العام السوري حول جدية الاتهام، وحول خطورة النتائج التي يمكن أن يتمخض عنها تقرير ميلتس، والثمن الذي يمكن أن يدفعه الشعب السوري إذا ما قرر المجتمع الدولي معاقبة سورية.
ومع أننا كنا في حينه، بُعيد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، قد نفينا بالتحليل السياسي، وليس من خلال الوقائع والأدلة، تورط سورية في حادثة الاغتيال، لأنها ببساطة هي التي سوف تدفع الثمن الأكبر، وقد دفعته، دون أن تجني فائدة واحدة. غير أن انتحار السيد اللواء غازي كنعان وهو رجل السلطة الأبرز، والحاكم بأمره في لبنان خلال نحو عشرين عاما، في هذا الوقت الحرج والعصيب، جاء ليلقي بظلال كثيفة من الشك على صلة حادثة الانتحار بتحقيق ميلتس، وبدأت فورا فبركات الأخبار تعرض السيناريوهات المختلفة التي جاءت حادثة الانتحار في سياقها، أو سوف تفضي إليها، من قبيل أن الانتحار جاء ليقطع خيوط التحقيق، أو أنه، في فبركة أخرى، جاء ثمنا لصفقة مزعومة بين السلطة السورية وأمريكا، أو أنه في فبركة ثالثة، جاء كرد فعل لرجل حساس على اتهامه من قبل بعض وسائل الإعلام اللبنانية، بالتورط في الفساد المالي والإداري في لبنان..الخ. وفي خضم هذه السيناريوهات الإعلامية، ربما ضاع السبب الحقيقي للانتحار، أو الاغتيال لا فرق، وهو المتعلق بالصراع المحتمل داخل السلطة ذاتها، خصوصا وقد تسربت بعض الأخبار عن خلافات بينه وبين بعض أركان السلطة المقربين، البعض وضعها في إطار التنافس، والبعض الآخر وضعها في إطار اختلاف وجهات النظر المتعلقة بعملية الإصلاح ذاتها، إذ قيل في حينه أن السيد اللواء غازي كنعان رجل إصلاح وانفتاح، و مناصر لضرورة إجراء تغيرات عميقة في نهج السلطة تفضي إلى تغيير طابعها الأمني، وكان على حد بعض المزاعم ضد التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود..الخ. في حين ظل الآخرون يصرون على اعتماد الأساليب الأمنية في إدارة الدولة والمجتمع، رغم كل النتائج المأساوية التي أفضى إليها هذا النهج بعد أربعة عقود من تطبيقه.
إن انتحار السيد اللواء غازي كنعان في هذا الظرف العصيب الذي تمر فيه سورية، الذي تخيم عليه مناخات الترقب المرتبطة بتقرير ميلتس، قد قدم مادة خصبة لكل أنواع التكهنات والسيناريوهات. واللافت في هذا المجال الاستسهال الملحوظ لدى وسائل الإعلام، وللأسف لدى بعض السوريين، بربط حادثة الانتحار بتقرير ميلتس المنتظر، وما يمكن أن يفضي إليه من مزاعم حول تورط سورية، أو سوريين، بجريمة اغتيار رفيق الحريري، مستبقين نتائج التحقيق ذاتها، متناسين خطورة ذلك على الشعب السوري ذاته، وعلى سورية الكيان السياسي. بل وبسذاجة سياسية لافتة لا يخفي بعض المعارضين أمنياتهم بتورط سوري رسمي بجريمة الاغتيال، وهم يعلقون أمالا على تقرير ميلتس بأن يأتي واضحا وجازما بهذا الخصوص، وكأن النظام وحده هو الذي سوف يدفع ثمن ذلك في حال أدانه تقرير ميلتس؟ ألا يكفي ما يتعرض له الشعب السوري من ضغوطات نفسية، بل مادية أيضا، تمارس عليه من وسائل الإعلام المختلفة، ومن غير وسائل الإعلام، حتى بات يحشر مع نظامه في خانة واحدة. ألا يكفي ما يعانيه الشعب السوري من ضغط نظامه المستمر عليه، والذي لم يكلف نفسه عناء، لإزالة بعض التشويش والبلبلة التي يعاني منها من جراء تداعيات حادث اغتيال الحريري، والتي جاءت حادثة انتحار غازي كنعان لتزيد في بلتها طيناً؟.
إن حادثة انتحار اللواء غازي كنعان في الغالب الأعم ليس لها أية علاقة بجريمة اغتيال الحريري، ولا بنتائج التحقيق الدولي بهذا الخصوص، بل بمشكلات داخلية صرفة، ربما تزيل غموضها الأيام القادمة.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟