أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - مساهمة في نقد العقلية البعثية















المزيد.....

مساهمة في نقد العقلية البعثية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 1174 - 2005 / 4 / 21 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن مجرد إعلان السيد الرئيس بشار الأسد عن > التي سوف يمثلها مؤتمر حزب البعث القادم، وخصوصا بعد الإعلان عن قرب موعد انعقاده، حتى بدأ بازار الرهانات الداخلية والخارجية، حول ما سوف يمثله هذا المؤتمر بالنسبة لسورية والسوريين، وبالنسبة للعرب عموما، وكذلك بالنسبة للقوى العالمية ذات المصالح الكبيرة في منطقتنا، والتي يتفق الجميع على أن لسورية موقع هام فيها. وبين فريق المتشائمية الذين يرون استحالة التغيير في ظل السلطة الحالية، بالنظر لتاريخها الطويل في نهب البلد، وتعريض مواطنيه لكل أشكال الإذلال والقهر، خصوصا، وهي تدرك جيدا خطورة الأسئلة التي سوف تواجهها من قبلهم، عند أي انزياح لكابوس الاستبداد عنهم، وبين فريق المتفائلين الذين يرون أن السلطة ليس أمامها من مفر سوى أن تقدم على إجراء إصلاحات عميقة، وهي سوف تجري تحولا حاسما في هذا الاتجاه، والرهان هنا ينصب على قيادة الرئيس الشاب ذي الثقافة السياسية المختلفة عن ثقافة والده حسب رأيهم. أقول بين فريق المتشائمين، وفريق المتفائلين سوف أحاول أن أخذ موقعا وسطا، وأنضم إلى فريق المتشائلين. فمن جهة، لم تعد السلطة قادرة على الاستمرار بالطريقة السابقة، وإن الاستبداد إلى زوال. غير أنها، من جهة ثانية، سوف تخيب أمال المتفائلين، خصوصا لجهة جدية وعمق التحولات التي سوف تقدم عليها، فهي لا تزال تراهن على الزمن، وعلى احتمال المساومة مع القوى الخارجية الضاغطة عليها.
إن الباحث الجاد في تاريخ النظام البعثي في سورية، لا بد أن يدرك مدى نجاح البعث، ( بل قل للدقة، قيادته الحاسمة بعد عام 1970)، في ظروف دولية مواتية، في بناء سلطة أمنية استبدادية، لم تشهد لها سورية مثيلا في التاريخ. استخدم في ذلك، وبنجاح كبير، ما يسمى في علم السياسية، بسياسة الجزرة والعصا. فمن جهة تم تنمية جميع الغرائز المافيوية، وعلى جميع الصعد، في إطار ما أصبح يعرف بسياسة إفساد الكل للكل حسب تعبير السيد طيب تيزيني. لقد تحولت سياسة الفساد والإفساد إلى وسيلة رئيسة في إدارة المجتمع، والتحكم به. فأصبح للوظيفة سعر، وللمنصب سعر، ولتسيير معاملات الناس أسعار وأسعار..الخ.
ومن جهة ثانية تم بناء أجهزة أمنية متعددة، مجهزة بكل ما تحتاجه من امكانات مادية، ومن كوادر وعناصر، ومن حماية سياسية، وقانونية من أية مساءلة. في مثل هذه الوضعية الفريدة تم إطلاق يدها في الشأن الداخلي، فعاثت فيه قمعا، وإرهابا، لكل رأي مخالف، لكل من لا يرى ما تراه، وخصوصا لكل فعل سياسي، أو غير سياسي، ترى فيه تهديدا لسلطتها، أو لمصالحها. وأكثر من ذلك تحولت هي ذاتها إلى الحزب الحقيقي والفعلي للسلطة، ملحقة حزب البعث والأحزاب الأخرى المتحالفة معه بها، يؤدون دور أجهزة من أجهزتها.
في هكذا مناخ تشكلت العقلية البعثية، بعد أن قطعت مع نمط تفكيرها السابق الذي ساد في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها، بل بعد أن قطعت أيضا مع نمط تفكيرها الذي ساد في مرحلة الستينات. من سمات هذه العقلية أنها محورية التفكير بالسلطة، فهي بالنسبة لها القضية الجوهرية، ووحدة القياس الحاسمة، تضبط علاقاتها مع جميع القوى الداخلية والخارجية. وفي ضوء ذلك تعتبر نفسها المرجعية الوطنية الوحيدة، تتحدد بالعلاقة معها، مواقف وسلوكيات الآخرين الوطنية من غير الوطنية.
العقلية البعثية عقلية غير حوارية، لا تقبل بوجود الآخر، فالآخر أيا يكن فهو إما خائن، أو غير وطني، وبالتالي لا بد من قمعه ومحاربته.
العقلية البعثية عقلية أمنية، وبصفتها كذلك فهي عقلية شكاكة، حتى بحلفائها، بل حتى بأفراد حزبها، فمن ليس معها فهو إما متآمر، أو عميل..الخ.
العقلية البعثية عقلية محكومة بثنائيات قطعية، إما مع، وإما ضد، إما وطني، وإما غير وطني..الخ، لا تقبل بين الأبيض والأسود بأية فسحة رمادية.
العقلية البعثية عقلية ديماغوجية، وبصفتها كذلك فهي تعيش ازدواجية فعلية بين القول والفعل، بين الشكل الذي تقدم نفسها فيه، وبين حقيقتها الفعلية.
العقلية البعثية عقلية تبريرية، لا تستطيع التعلم من أخطائها، بل لا تعترف في الغالب الأعم بارتكابها أخطاء، وفي الحالات النادرة التي تعترف بها بوقوع أخطاء، فإنها تعزيها إلى الآخرين، أو إلى الظروف..الخ.
العقلية البعثية عقلية غير قانونية، تخيفها فكرة القانون، وبصفتها كذلك فهي عقلية غير مؤسساتية، بل جهازية، وثمة فرق كبير بين العقل المؤسساتي، والعقل الجهازي.
وأخيرا، وليس آخرا، العقلية البعثية عقلية جامدة، تخيفها الحركة، لأنها تولد أسئلة، تبحث عن أجوبة، تتطلب التغيير..الخ.
هذه بعض سمات العقلية البعثية كما بدت لي من خلال معايشتي للبعث من الداخل، خلال فترة من حياتي السياسية، أو كما تبدو لي الآن بصورة أوضح، كباحث في الشأن السياسي السوري. السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: كيف يمكن لهذه العقلية أن تتغير، وأن تقود عملية الإصلاح الشامل والعميق في حاضنتها الجهازية التي بنتها ورعتها خلال نحو أربعة عقود خلت؟ بكلام أخر كيف يمكنها أن تقبل بتحويل سلطتها الأمنية الجهازية إلى سلطة مجتمعية ديمقراطية، بما يعني ذلك من تهديد لفكرة محورية السلطة لديها؟. كيف يمكنها أن تقبل بوجود تعددية سياسية، وبالتالي بوجود معارضة، وانتخابات حرة، وتداول للسلطة، إلى غير ذلك من متطلبات الدولة الديمقراطية الحديثة..الخ؟. أسئلة كثير يمكن طرحها، دون أن تجد جوابا قطعيا لها، بل أجوبة احتمالية ترجيحية، سوف سنحاول مقاربتها.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن العالم قد تغير، وتغيرت بالتالي أنماط التفكير التي كانت سائدة خلال مرحلة الحرب الباردة، والتي كانت تولد طلبا كبيرا على الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية. لقد أصبح العالم في الفترة التالية للحرب الباردة أكثر تقبلا لفكرة الحرية والديمقراطية، في ظروف أصبحت الرأسمالية أقرب للتماثل الداخلي، تعيش تناقضات وصراعات تطورية، وليس بنيوية. بكلام آخر لقد استعادت الرأسمالية العالمية تناقضاتها وصراعاتها التقليدية على الموارد، وعلى الأسواق، بما تفرضه هذه التناقضات، وهذه الصراعات من تحالفات وتكتلات واستقطابات..الخ، ومناخات ملائمة. فإذا كانت الرأسمالية التقليدية قد جعلت من حرية العامل المؤشر الأبرز على انتصارها الداخلي، فإنها في مرحلتها العالمية سوف تجعل من حرية الشعوب وديمقراطيتها العلامة الأبرز على انتصارها العالمي. ويجب أن يكون واضحا أن الحرية، أو الديمقراطية، أو حقوق الإنسان..الخ، وغيرها من المفاهيم، والقضايا التي تعنيها الرأسمالية هي تلك التي ترسم حدود المناخ العامل لاشتغال رأسمال.
غير أن المناخ السياسي العالمي بدأ يولد طلبا مباشرا على الحرية، والديمقراطية، في الدول العربية والإسلامية، خصوصا بعد الحادي عشر من أيلول، لأسباب إضافية، تبدو للوهلة الأولى مختلفة، ولا علاقة لها بالتحولات الجارية في بنية الرأسمالية العالمية. هذه الأسباب أصبحت معروفة تحت عنوان مكافحة الإرهاب. وربما من سوء حظ المنطقة أن القوة الدولية الحاسمة في ذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لما سوف تتطلبه من تكاليف إضافية، بالنظر للقيمة الانفعالية السلبية للولايات المتحدة الأمريكية في الوعي السائد، لدى العرب والمسلمين، بالنظر لعلاقاتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني في فلسطين، ودعمها الطويل للأنظمة الاستبدادية في المنطقة. بكلام آخر ينظر العرب إلى الولايات المتحدة كعدو، أو في الحد الأدنى فاقدة للمصداقية، خصوصا بعد الذي جرى في العراق، والديمقراطية الطائفية التي تعمل عليها هناك.
في هذا المناخ الدولي الذي أخذ يحاصر، ويضغط على النظام السوري، جاء التمديد للحود بضغط من سورية، وخصوصا اغتيال السيد رفيق الحريري، لتكمل القوى الدولية حصارها للنظام السوري، وتجبره على الانسحاب من لبنان، وهي مستمرة في ضغطها عليه لتجبره الانفتاح، واتخاذ خطوات جدية على صعيد الإصلاح الداخلي. بطبيعة الحال، وهذا منطقي إلى حد كبير، تبغي القوى الدولية من ضغطها على النظام السوري تحقيق مصالحها الخاصة، وليس بالضرورة مصالح سورية والسوريين،بل قد تكون متعارضة معها جوهرياً، خصوصا في تلك الجوانب المتعلقة بإسرائيل. مع ذلك، وهذا من سخرية القدر، أن يجد السوريون نوعا من التوافق الموضوعي بين مطالبهم في الحرية والديمقراطية، والمطالب الأمريكية في تغير الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لصالح أنظمة ديمقراطية على الطريقة الأمريكية.
ومما يؤسف له أن النظام السوري، الذي راهن الكثير من السوريين عليه في عهده الجديد، كان يصم أذانه باستمرار عن المطالب الوطنية بضرورة الإصلاح، تحوطا ومنعا للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وتمتينا لوحدته الداخلية في وجه التدخلات المحتملة، والتي كنا في أكثر من مناسبة قد نبهنا إلى جديتها وخطورتها، وأنها أخذت في التحول من وضعيتها الاحتمالية إلى وضعية التأكيد. مع ذلك لا يزال أمام النظام السوري فرصة، أكاد أجزم بأنها الأخيرة، أعني بذلك المؤتمر العاشر لحزب البعث المرتقب. وبهذه المناسبة، وربما كنداء أخير، فإن على السلطة البعثية في سورية أن تغير نمط تفكيرها، وهذا لن يكون إلا إذا وضع في إطار شروط وظروف جديدة تعيد تشكله بصورة مختلفة. وإذا كان جزء من شروط وظروف البيئة الاستبدادية في سورية، أعني الشق الخارجي قد أخذ يتغير، فإن على السلطة، وعلى القوى الوطنية والديمقراطية السورية، أن تعيد تشكيل الظروف والشروط الداخلية المولدة والداعمة للاستبداد. ومما لا شك فيه أن السلطة السورية تتحمل مسؤولية خاصة في هذا المجال، فهل تتحمل مسؤوليتها كاملة، وتخرج من مؤتمرها القادم بعقلية جيدة. الشعب السوري لم يعد يؤخذ بالوعود، بل يريد أفعالا حقيقية، تعيد للمواطن حريته، وكرامته، وحقه في حياة سياسية طبيعية. انه يتطلع إلى ما يؤسس لدولة الحق والقانون، دولة المؤسسات، لا الأجهزة، دولة ديمقراطية نصنعها بأنفسنا، تشكل خيارنا الوطني، وليس خيارا مفروضا علينا. ثمة معالم على الطريق، نرجو أن لا يخطئها النظام هذه المرة.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية وحذلقة المثقفين
- بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر
- حتى لا يخطئ أحد في قراءة التحركات الشعبية
- نحو حزب بلا تاريخ-ضروراته وهويته
- مبروك للشعب المصري
- حرية المرأة من حرية الرجل
- اغتيال الحريري:اغنيال لمشروع العلاقات المميزة
- حول محاضرة نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السيد عبد الح ...
- كيف ستبدو سورية بعد الانسحاب من لبنان
- مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
- ملاحظات على البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي السو ...
- ملاحظات حوا البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي 2
- ملاحظات على مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماع ...
- حول الإصلاح في سورية: رؤية من الداخل
- الديمقراطية ذات اللون الواحد
- هواجس لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي في سورية
- القوانين الاستثنائية في سورية
- نحو وحدة وطنية قائمة على التنوع
- نحو رؤية وطنية ديمقراطية للإصلاح
- لجان إحياء المجتمع المدني في سورية والمسؤولية التاريخية


المزيد.....




- اكتشاف ثعبان ضخم من عصور ما قبل التاريخ في الهند
- رجل يواجه بجسده سرب نحل شرس في الشارع لحماية طفلته.. شاهد ما ...
- بلينكن يصل إلى السعودية في سابع جولة شرق أوسطية منذ بدء الحر ...
- تحذير عاجل من الأرصاد السعودية بخصوص طقس اليوم
- ساويرس يتبع ماسك في التعليق على فيديو وزير خارجية الإمارات ح ...
- القوات الروسية تجلي أول دبابة -أبرامز- اغتنمتها في دونيتسك ( ...
- ترامب وديسانتيس يعقدان لقاء وديا في فلوريدا
- زفاف أسطوري.. ملياردير هندي يتزوج عارضة أزياء شهيرة في أحضا ...
- سيجورنيه: تقدم في المحادثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - مساهمة في نقد العقلية البعثية