محفوظ أبو كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 10 - 11:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إبراهيم عبد العزيز أبو المجد (1255 م - 1296)، ولد ونشأ وعاش وتوفى بمدينة دسوق بشمال غرب الدلتا في عهد الملك عز الدين أيبك أول سلاطين دولة المماليك، ولقب بالدسوقي نسبة إلى مدينته. وهوإمام صوفي سني مصري، وآخر أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية، وإليه تنسب الطريقة الدسوقية.. لقبه أتباعه بالعديد من الألقاب، أشهرها برهان الدين وأبا العينين. وتقول المصادر الصوفية أن علماء الأنساب أجمعوا على أن نسبه ينتهي من جهة أبيه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. وجده لأمه السيدة فاطمة، هو أبو الفتح الواسطي خليفة الطريقة الرفاعية في مصر، ولذلك عاش فى أجواء الصوفية منذ صغره، كذلك تأثر بأفكار أبو الحسن الشاذلي، وكان على صلة بالسيد أحمد البدوي بمدينة طنطا الذي كان معاصراً له. وقد تولى منصب شيخ الإسلام في عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري.
يُنسب له العديد من الكرامات الخارقة للعادة، كجميع أقطاب الطرق الصوفية . وقد انتشرت طريقته في مصر والسودان ، بجانب بعض الدول الإسلامية والأوروبيّة، وتفرعت من طريقته 9 طرق، أشهرها: البرهامية، والشهاوية البرهامية، والدسوقية المحمدية في مصر، والبرهانية الدسوقية الشاذلية بالسودان، وهي طريقة محظورة في مصر لتكفير الأزهر لها.
وقد سطع نجمه في العلوم والمعارف وانتشرت طريقته حتى وصل صيته إلى كل أرجاء البلاد، وعينه السلطان الظاهر بيبرس البندقداري شيخاً للإسلام لما له من علم وتفقهه وكثرة أتباعه والتفاف الكثيرين حوله، ، فشغل المنصب وقام بمهمته، وكان يهب راتبه من هذه الوظيفة للفقراء ، وظل الدسوقي يشغل منصب شيخ الإسلام حتى توفي السلطان بيبرس، فقداعتذر عن المشيخة ليتفرغ لتلاميذه ومريديه. وقد حدث صِدام بين الدسوقي والسلطان الأشرف خليل بن قلاوون بعد توليه حكم مصر، بسبب اثقاله بالضرائب على كاهل الناس ، فبعث له الدسوقي رسائل ينصحه فيها ويزجره ويطلب منه الرحمة بالناس وإقامة العدل فساءت العلاقة بين السلطان والقطب، وتمتلئ كتب الصوفية بعشرات المعجزات التى تمكن بها الدسوقى من إبطال مؤامرات السلطان وأتباعه وقادة جنده اتى أستهدفت قتله، مما حدا بالسلطان فى نهاية المطاف بأن يسافر إلى دسوق ليتعذر للدسوقي عما بدر منه، وعرض عليه ما شاء من العقار والمال كترضية، إلا أن الإمام رفض ان يطلب شيئاً لنفسه، ولكنه طلب من السلطان أن يوقف نصف جزيرة الرحمانية المواجهة لدسوق للفقراء ينفقون منها على مصالحهم، فأوقفها السلطان. وفى هذه الزيارة بشره الشيخ بالنصر على الصليبيين في عكا وبلاد الشام. ويحتفظ خلفاء الطريقة، بنصوص يقولون أنها كتابات من السلطان إلى الدسوقي، بعد رجوعه منتصرا من عكا عام 1291، يوقعها بعبارة "مملوكك خليل".
ويقوم فكرالطرق الصوفية بصفة عامة على اعتباران الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه، وللدسوقي رأي واضح فى هذا الشأن، مفاده "أن مكنون الصوفية الحقيقي عبارة عن تدرج روحاني للوصول إلى حقيقة الله ذاته، فلا حاجة إلى لبس الصوف الخشن لإنسان قد وصل إلى مقامات اللطافة وخرج من مقامات الرعونة، وعاد ظاهره الحسي إلى باطنه الإلهي، فيكون بذلك قد وصل إلى حقيقة التصوف بالتدرج والترقى". وكان دائماً ينصح مريديه بضرورة صفاء نفوسهم وتجردها من كل الأوصاف الدنيئة. ويعتقد الصوفية أن قبضة من نور الله انتقلت إلى علي بن أبي طالب ثم إلى ابنه الحسن، وانتقلت من قطب إلى قطب حتى ظهر القطب الدسوقي، فحلّ فيه ذلك النور أو الحقيقة كما حلّت في النبيين من قبل، ولكنها اتخذت اسماً جديداً، فأصبح من يحل فيه ذلك النور يُسمّى قطباً، وسيدنا أبراهيم الدسوقى هو آخر الأقطاب ورئيسهم.
ويبدى الأزهر تأييداً واضحاً للطرق الصوفية بشكلٍ عام، فقد تقلد مشيخة الأزهر عدد من الصوفية مثل الإمام الأكبر عبد الحليم محمود، كما يبدومن خلال اللقاءات الودية المستمرة بين شيخ الأزهر وشيخ مشايخ الطرق الصوفية. وتتفق فتاوى دار الإفتاء المصرية مع فتاوى الأزهر ، فدار الإفتاء لا ترى غضاضة في التصوف البعيد عن الخرافات ومنها الطريقة الدسوقية، وأفتت الدار برفض هدم أضرحة مشايخ الصوفية وعدم الاعتداء عليها. وعدت الفتوى عشرة أضرحة شهيرة بمصر، من أهمها ضريح إبراهيم الدسوقي.
أما سائر الجماعات السلفية فإنها تناصب الصوفية العداء لأنها تصرف المسلمبن عن الجهاد، ففي فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز - مفتي الديار السعودية الراحل-، حذّر فيها من إتباع خطى الطريقة الدسوقية أو البرهانية، وجميع الطرق الصوفية.
وبمكننا القول ان فهم المصريين وتعايشهم التاريخى مع الدين الإسلامى ارتكز على محورين أساسين: أولهما إنطواء غالبيتهم تحت الطرق الصوفية التى يقوم فكرها على اعتبار الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه، وعلى كل فرد ان يقويها ويرقيها بمعرفته، كما قامت انشطتها على الأشعار والغناء وحلقات الذكر "التى تعتبر فى حقيقتها نوع من انواع الرقص الشعبى الذى يشارك فيه النساء والرجال"، ولم تقم الطرق الصوفية عبر التاريخ بأى أنشطة دعوية دينية أو سياسية أو اصلاحية أو جهادية. المحور الثانى الذى أرتكز عليه اسلام المصرين هو حرية أختيار الأفراد تطبيق أى من المذاهب الأربعه يختارونة فى التعامل مع اى موقف فى حياتهم حسب رغبتهم ومصالحهم في كل موقف. وعاش المصريون فى سلام ووئام مع هذا الفهم الذي يتناسب مع حضارتهم وثقافتهم القائمة على التعدد والتنوع والتعايش المشترك، والذى أطلق عليه بعض الرحالة والإخباريون "الإسلام المصرى". ولا يمكن تجاهل أن الطرق الصوفيةمن أكبر الدعامات التاريخية للإسلام المصرى السمح.
ويمكن النظر للدسوقي" فى هذا الاطار" بإعتباره قائدا شعبيا محليا مُسلماً طيباً مُباركاً، كان نبوغه ظاهراً للجميع منذ الصغر، كما أن تفقّهه على المذهب الشافعي وعدل أحكامه وحسن سلوكه أبان توليه منصب شيخ الإسلام أيام السلطان الظاهر بيبرس. وشجاعته وتمسكه بالحق ووقوفه فى جانب الفقراء أيام السلطان الأشرف خليل بن قلاوون ، جعلت العامة يفتنون به واصبحوا من مريديه ونسجوا حوله الأساطير ونسبوا اليه المعجزات احتماءً بسلطته الروحية واستقواءً بها فى مواجهة السلطة الزمنية القاهرة المستبدة. وبنى مريدو سيدى ابراهيم الدسوقى له، خلوة بدسوق مكان ضريحه الحالى. ويُقام له في المدينة احتفالان سنوياً، أحدهما في شهر أبريل يُسمى بالرجبية، والثاني في أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذي يُعد من أكبر الاحتفالات الدينية في مصر، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من مليون زائر في المتوسط خلال أسبوع من داخل مصر وخارجها. كما ان مكانتة وطريقته كانتا من الأسباب الهامة لتصبح دسوق عضواً في منظمة العواصم والمدن الإسلامية.
#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟