كيف تشكلت دولة تونس

محفوظ أبو كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 15:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هذه المقالة واحدة من سلسلة مقالات تبين لنا مكونات دول العالم العربى من خلال إستعراض أزمنة وملابسات وكيفية تشكلها. محاولين التعرف على دوافع أهالى بعض هذه الدول فى المطالبة بتغيير نظم الحكم إلى فيدرالية أو كونفيدرالية أو إلى نظم دستورية ديموقراطية. كى نتحقق من خلفية هذه المطالبات أهى مؤامرات دولية شريرة أوهى دوافع مشروعه تتيح للسكان تقرير مصيرهم والحياة فى كيانات سياسية ونظم حكم تتوافق مع رغباتهم وتعبرعن مجتمعاتهم التى أدمجت قصرا، مشكلة غالبية الدول المتواجدة حاليا. وفى هذا المقال سنحاول الإجابة عن سؤال كيفية تشكل وتطور دولة تونس.
الجمهورية التونسية، هي دولة تقع في شمال أفريقيا يحدها من الشمال والشرق البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب الشرقي ليبيا ومن الغرب الجزائر.عاصمتها مدينة تونس. وتبلغ مساحتها 163,610 كم2. وبلغ عدد السكان فى إحصاء 2012 10,777,500نسمة. وقد لعبت أدوارا هامة في التاريخ القديم منذ عهد الفينيقيين والأمازيغ والقرطاجيين والوندال والرومان. ويُعدّ قدوم الفينيقيين سنة 1101 ق.م. لغايات تجارية بداية دخول المنطقة فترة التاريخ. أما تأسيس قرطاج سنة 814 ق.م. فيٌعدّ البداية الحقيقية لدخول شمال إفريقيا القديم في صلب التاريخ وذلك لأن تأسيس قرطاج كقاعدة عسكرية لحماية الموانئ التجارية على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط. وعلى إثر الإضطرابات التي نشبت في فينقيا قامت مجموعة من التجّار بالفرار إلى قرطاج المدينة والإستقرار فيها. وبعد أن ضعفت الإمبراطورية التجارية الفينيقية فى شرق المتوسط ورثت قرطاج أمجادها ومستعمراتها، وقامت بتوسيع رقعتها لتشمل جزءا كبيرا من سواحل البحر الأبيض المتوسط،، وشكل التوسع القرطاجي خطرا على مصالح ونفوذ الإغريق ودخلت روما حلبة الصراع منافسة قرطاج، الشيء الذي أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب إبتداء من عام264 ق.م. إنتهت بهزيمة قرطاج وزوالها وقيام الرومان بإنشاء مقاطعة "أفريقيا" عام146ق.م والتى كانت أول مقاطعة رومانية بإفريقيا وأعطت إسمها للقارة فيما بعد. وقد أعاد الرومان بناء قرطاج وأصبحت عاصمة للولاية الرومانية الجديدة، وامتدت على كامل البلاد التونسية الحالية وطرابلس وجزء من شرقي الجزائر . وإزدهرت واحتوى المجال التونسى خلال العهد الروماني على أكثر من 200 مدينة رومانية . وقد تميزت من بين هذه المدن قرطاج بإعتبارها عاصمة الولاية و ثالث مدينة في العالم الروماني بعد روما و القسطنطينية من حيث الحجم و عدد السكان. وفى عام492 عبر الوندال (قبائل جرمانية سكنوا شبه الجزيرة الأيبيرية) مضيق جبل طارق وسيطروا على قرطاج حيث اتخذوها عاصمة لهم. وقد عاملهم السكان بإعتبارهم برابرة وثاروا عليهم فقام الوندال ضدهم بحملات قمع واسعة كماشنو الحروب على الممالك الأمازيغية المتاخمة للدولة إلى ان إنهزموا عام 530، مما شجع الإمبراطرية البيزنطية على القدوم لطردهم وحل محلهم. وهجرأغلب شعب الوندال قسرا إلى الشرق ومن تبقى منهم أصبحوا عبيدا أو عمال فى مزارع القمح،
إستقر الإسلام في المنطقة فى أواخر القرن السابع الميلادى بعد العديد من المعارك التى إستمرت لعشرات السنين وسط مقاومة كبيرة من الأمازيغ بينما لم تُعَرّب شعوب المنطقة إلا بعد ذلك بقرون طويلة. ويسمى المؤرخون الأروبيون هذه المرحلة بالقرون الوسطى إذ تقع في نظرهم بين العهد الإغريقي الروماني المزدهر من ناحية و النهضة الأوروبية الكبرى من ناحية أخرى. في هذه الفترة الزمنية الممتدة من منتصف القرن السابع إلى بداية القرن السادس عشر إعتنقت بلاد المغرب و من ضمنها تونس الدين الإسلامي بصورة نهائية و تعربت بصورة متفاوتة حسب الجهات. وتمكنت في مراحل معينة من الحصول على إستقلالها السياسي وتحقيق قدر من الإزدهار مثل مراحل الدولة الأغلبيه بين عامى800-910 والدولة الفاطمية 910-973، الدولة الزيرية 973 وحتى منتصف القرن الحادي عشر، والدولة الحفصية حوالي 1230- 1574. لتدخل تونس بعد ذلك العهد التركي بعد مرحلة من الحروب والإضطرابات وعدم الإستقرار تمكن العثمانيين من الإستيلاء على العاصمة القيروان بقيادة خير الدين برباروسا ( أشهر قراصنة غرب المتوسط، وأصبح لاحقا قائد الأسطول العثمانى بعد إعتناقه للإسلام )، واستتب لهم الأمر فى عام 1574. وأصبحت تونس إيالة عثمانية يحكمها باشا يولّيه عليها الخليفة في إسطنبول لمدّة معيّنة. ولما كانت تتميّز إدارياّ عن جارتيها إيّالتي الجزائر و طرابلس وتسلك سبيلها الخاص في التطوّر وتتميّز بكيان تونسي مستقل . أصبحت وجاقا ثم سنجقا ذوطابع عسكري عسكر بها بصفة دائمة ما بين 3 آلاف و 4 آلاف من عساكرالإنكشارية. وقد كان وجاق تونس حصنا منيعأ فى التصدى لضربات الأساطيل المسيحية فى مواجهاتها مع الإمبراطورية العئمانية آنذاك . وكان للعساكر الإنكشارية مهام أخرى في السنجق أهمّها فرض النظام على فسيفساء من القبائل غير الراضية على التواجد التركى. بعد فترة من القلاقل تمكن الدايات ( وهم ضبّاطا من أصل تركي ) من الإستيلاء على السلطة بفضل عساكر الإنكشارية.وقد وصلوا للحكم بعد ثورة 1591التى قامت بسبب الأزمة السياسية و المالية التي كانت تتخبّط فيها إسطنبول والغضب المتفشّي بين الرّعايا وأعادوا الأمن والإستقرار للبلاد التونسية بفضل عنفوانهم و شدّتهم و تحوّل أعيان المدن التونسيين لمستشارين و مقرّبين لأصحاب السلطة. وحرص الدّايات على إسترضاءعلماء الدّين, مما زاد سلطانهم شرعية. . واستمرّ حكمهم إلى أوائل القرن السابع عشر, حيث تمكن مراد باي عام 1613 من تأسيس أسرة البايات المرادية التي حكمت تونس حتى عام 1957. و قد فرضت فرنسا بعد إحتلالها للجزائرعام 1830معاهدة إقتصادية ظالمة على البلاد التونسية ثمّ ما لبثت أن غزتها فى عام 1881 , وقد لاقت القوات الغازية مقاومة شرسة من القبائل التونسية , لكنها إنتصرت فى النهاية ، وأُرغمت الباي على توقيع معاهدة, فرضت بموجبها فرنسا الإحتلال على تونس و سمّيت بمعاهدة الحماية وذلك في 2 مايو 1881, وساعدت الظروف العالمية فى مرحلة الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945) الحزب الحر الدستوري الجديد على تدعيم موقفه (مسفيدا من المبادئ الولسنية خاصة حق الشعوب في تقرير مصيرها ) فى مواجهة فرنسا التي خرجت من الحرب قوة إستعمارية ضعيفة متراجعة شأنها شأن إنجلترا. فعندما اندلعت الثورة المسلحة التونسية في 18 يونيو 1952، واعتقل الزعيم الحبيب بورقيبة وزملاؤه في الحزب إضطرت فرنسا للإفراج عنهم وعادوا إلى تونس في 1 يونيو 1955فاستقبل بورقيبة إستقبال الأبطال وتمكن من تحريك الجماهير، لتوقع فرنسا في 3 يونيو 1955 المعاهدة التي تمنح تونس إستقلالها الداخلي. وهي الإتفاقية التي عارضها خصومه السياسيون وأتهموه بالتهاون والتخاذل، كما شهدت معارضة من اليمين المتطرف الفرنسى الذى يناصر الإستعمار. ورغم تلك المعارضة تم في 20 مارس 1956، توقيع وثيقة الإستقلال التام وألف بورقيبة أول حكومة بعد الإستقلال.وفى خلال العشرين سنة التالية وقعت أحداث وتطورات كبرى يمكن إجمال أهمها فى :
* يوليو 1957 : إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بخلع الملك محمد الأمين باي وتم إختيار الحبيب بورقيبةأولرئيس للجمهورية.
* 3مارس 1965 : الرئيس الحبيب بورقيبة يدعو اللاجئين الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالعاطفة وإلى الإعتراف بقرار التقسيم لسنة 1947 مع إسرائيل في خطابه التاريخي في أريحا، مما أوقعه فى خصومة سياسية مع القوميين العرب وعلى رأسهم الرئيس عبد الناصر.
* 27 ديسمبر 1974: تعديل الدستور وإسناد رئاسة تونس مدى الحياة إلى الرئيس بورقيبة.
* 26 يونيو 1978: وقعت أحداث 26 يونيو إثر خلاف بين الحكومة ونقابة العمال، سقط فيهامئات القتلى.
* 3 يناير 1984 : حدثت ثورة الخبز التي سقط خلالها الضحايا بالمئات. وشهدت صراعات دموية حادة بين المواطنين ورجال الأمن بسبب زيادة في سعر الخبز واستخدمت فيها القوة ضد المتظاهرين ولم تهدأ تلك الثورة إلا بعد تراجع الحكومة عن الزيادة بعد يوم واحد فقط من إقرارها، واستدعي زين العابدين بن علي من وارسو ليشغل منصب مدير عام الأمن الوطني.
* 7 نوفمبر 1987 قام الوزير الأول زين العابدين بن علي بازاحة بورقيبة من الحكم وأعلن نفسه رئيسا جديدا للجمهورية فيما عرف باسم تحول السابع من نوفمبر.
واستمع التونسيون لأول مرة عبر موجات الإذاعة لصوت الرئيس بن علي وهو يقرأ نص بيانه الذي تضمّن مُعظم تطلعات التونسيين ونُخبتهم، بعد أن أشرف النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي على الإنهيار الكامل، ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس في دورة جديدة حيث فتح الرئيس بن علي لأول مرة قصر قرطاج في وجه الأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستوري الحاكم منذ إستقلال البلاد عن فرنسا في مارس 1956.ولكن سرعان ما اندلعت المواجهة بين السلطة وحركة النهضة الإسلامية، فكان ذلك إيذانا بنهاية سريعة لفُسحة نادرة. وفي عهد بن علي تحكم في الإقتصاد 3 عائلات "الطرابلسي" وبن عياد" وبشكل ضئيل "بن يدر" وجميعها متصاهرة ولديها ميليشيات خاصة تتجسس على المواطنين، كما أن شركات الإتصالات والإنترنت والسياحة ومساحات زراعية شاسعة تملكها أصهار الرئيس وقد مكنه ذلك من حكم البلاد إقتصاديا بقبضة من حديد. ويؤاخذ الكثير من الحقوقيين سياسة إغلاق جميع الأبواب أمام التونسيين لمعرفة الحقائق. وقد صنفت جماعات حقوق الإنسان الدولية وكذلك غالبية الصحف الغربية النظام الذي يترأسه بن علي بالإستبدادي وغير الديموقراطي. . وقد صنفت تونس في مؤشر الديمقراطية للإيكونومست لسنة 2010 في الترتيب 144 من بين 167 بلدا شملتها الدراسة. ومن حيث حرية الصحافة فإن تونس كانت في المرتبة 143 من أصل173.
فى يوم الجمعة 17 ديسمبرعام 2010 قام الشاب محمد البوعزيزي بإحراق نفسه تعبيراً عن غضبه على بطالته ومصادرة عربته التي يبيع عليها ومن ثم قيام شرطية بصفعه أمام الملأ، مما أدى في اليوم التالي لإندلاع شرارة المظاهرات وخروج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الإجتماعية وإنعدام التوازن الجهوي وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. تحولت هذه المظاهرات إلى إنتفاضة شعبية شملت عدة مدن في تونس وأدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وقد أجبرت الانتفاضة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لإنتخابات الرئاسة القادمة، لكن الثورة توسعت وإزدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس على التنحي عن السلطة والهروب من البلاد خلسةً, حيث توجه أولاً إلى فرنسا التي رفضت إستقباله خشية حدوث مظاهرات للتونسيين فيها, فلجأ إلى السعودية وذلك فى 14 يناير 2011. وقدكانت الثورة التونسية الشرارة التى أطلقت ثورات الربيع العربى. ورغم حدة التوترات وعنف الأحداث التى يتسم بها الصراع السياسى والإجتماعى والثقافى الدائر فى تونس الآن إلا أنه طبقا لكثير من المراقبين والمفكرين يعتبر من أرقى أشكال الصراع التى تنشأ فى العادة عقب الثورات الشعبية التى عرفتها البشرية وحققت فى النهاية طموحات شعوبها.

#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات