كيف تشكلت دولة لبنان

محفوظ أبو كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4441 - 2014 / 5 / 2 - 17:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هذه المقالة واحدة من سلسلة مقالات تبين لنا مكونات دول العالم العربى من خلال إستعراض أزمنة وملابسات وكيفية تشكلها. محاولين التعرف على دوافع أهالى بعض هذه الدول فى المطالبة بتغيير نظم الحكم إلى فيدرالية أو كونفيدرالية أو إلى نظم دستورية ديموقراطية. كى نتحقق من خلفية هذه المطالبات أهى مؤامرات دولية شريرة أوهى دوافع مشروعه تتيح للسكان تقرير مصيرهم والحياة فى كيانات سياسية ونظم حكم تتوافق مع رغباتهم وتعبرعن مجتمعاتهم التى أدمجت قصرا، مشكلة غالبية الدول المتواجدة حاليا. وفى هذا المقال سنحاول الإجابة عن سؤال كيفية تشكل وتطور دولة لبنان: الجمهورية اللبنانية تقع جنوب غرب آسيا. تحدها سوريا من الشمال والشرق، وإسرائيل من الجنوب، وتطل من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحتها 166,000كم مربع. نظامها السياسى ديمقراطي جمهوري طوائفي، وهي غنيه بتعدد ثقافاتها وتنوع حضاراتها. هاجر وإنتشر الكثير من أبناءها حول العالم على مر العصور، وعدد اللبنانيين المهاجرين يقدر بضعف عدد اللبنانيين المقيمين الذى قدر عددهم في عام 2011 من مواطنين وأجانب بنحو 4,259,000. وقد قامت الدولة اللبنانية على تعددية متشابكة ومتوازنة من الطوائف الدينية والعرقية، علما بأنه لم تنشر نتائج رسمية لأى إحصاء سكانى منذ عام 1932وقد أظهرت نتائج هذا التعداد أن عدد السكان فى حينه بلغ 785,542 نسمة وجاءت نسب التوزيع السكانى لطوائف الشعب اللبنانى طبقا لإحصاء 1932 كالتالى :
= المسلمون السنة : نسبتهم 36,6% من إجمالى عدد السكان، وقد أستوطنوا لبنان عندما جاءت قبا ئل عربية مع الفتح الإسلامى ومابعده، وأثناء الحملات الصليبية خلال القرن الثانى عشر حيث أستقدمت الدول والجماعات المتحاربة شعوب لتستوطن المنطقة لتحقيق مصالحها، وسكنوا فى مناطق الساحل والبقاع وبعض مناطق الشمال.
= المسلمون الشيعة : نسبتهم5,1 % من إجمالى عدد السكان، وفدوا أثناء الفتنة الكبرى فرارا من إضطهاد الأمويين، كما وفدت قبائل عربية شيعية أثناء الدولة العباسية فرارا من إضطهاد العباسيين للشيعة. و قد أستوطنوا جبل عامل والبقاع فى الجنوب والضاحية الجنوبية فى بيروت.
= الدروز : نسبتهم 6,8من إجمالى عدد السكان، وقد أستوطنوا لبنان فى القرن الحادى عشر عندما وفد اليها " هروبا من بطش الفاطميين" أصحاب الديانة الجديدة من أتباع الحاكم بامر الله الخليفة الفاطمى الذى إختفى فجأة بجبل المقطم بالقاهرة ونكلت السلطات بأتباعه،وقد استوطنوا وادى التيم وجبل لبنان واستقطبوا الأهالى إلى المذهب الدرزى.
= الموارنة : نسبتهم 28,8% من إجمالى عدد السكان، وقد وفد إلى لبنان أتباع القديس مارون من شمال سوريا عام 451 هروبا من بطش أتباع كنسية أنطاكيا التى أتهمتهم بالهرطقة، وأستوطنوا جبل لبنان.
= روم أرثوزكس : نسبتهم 9,7% من إجمالى عدد السكان. وهم طائفة من سكان الشمال إنتسبت إلى الكنيسة البيزنطية خلال القرن الخامس، ومازالوا يستوطنون بعض المناطق الشمالية.
= روم كاثوليك : نسبتهم7,5% من إجمالى عدد السكان، وفدوا فى القرن الثانى عشر مصاحبين للحملات الصليبية، ويتفرقون فى العديد من المناطق.
= أرمن أرثوزكس : نسبتهم 6% من إجمالى عدد السكان، وقد نزحوا إلى لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، تنفيذا لفرمانات الإمبراطورية العثمانية بتهجير الأرمن من وطنهم "أرمينيا" فيم عرف تاريخيا بمذابح الأرمن، وقد أستوطنوا بعض نواحى البقاع وشمال بيروت.
هذه هى الطوائف السبعة الكبرة بالإضافة لنحو إحدى عشرة طائفة صغيرة أخرى شكلت الشعب اللبنانى وشملها التعداد الأول والأخير للتركيبه السكانيه عام 1932، الذى بنى على أساسها النظام السياسى للدولة القائم على الحصص بهدف تحقيق التوازن بين الطوائف وضمان الحقوق السياسية لكل طائفة . وقد وفدت إلى لبنان طوائف جديدة بعد التعداد وإستقلال الدولة واستقرار نظامها السياسى، مما حدا بالسلطات السياسية عدم منحها الجنسية اللبنانية وحرمانها من أى حقوق سياسية أو إجتماعية ويمكن حصر هذه الفئات فى الآتى :
أولا : الأكراد ويقدر عددهم حاليا ب 120,000 نسمة، وقد هاجروا من جنوب شرق تركيا، أوائل المهاجرين جائوا في زمن الإنتداب الفرنسي وحصلوا على الجنسية اللبنانية. وجاء الآخرون بعد 1961, و هؤلاء يحملون إذن إقامة وليس جنسية. ويتمركزون فى بيروت وصيدا وطرابلس ووادى البقاع.
ثانيا : الفلسطينيون ويقدر عددهم حاليا ب 544,000نسمة، يعيش معظمهم في مخيمات للاجئين بدون جنسية، وهم يحملون فقط وثيقة سفر خاصة لللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ثالثا : السوريون ويتجاوز عددهم المليون لاجئ وقد بدأ لجوئهم مع الثورة السورية ومازالوا يتوافدون حتى الآن، ويعيش معظمهم فى مخيمات للاجئين تديرها المم المتحدة.
وتستند المعطيات الحديثة إلى تقديرات غير دقيقة تكون فى الغالب طبقا لأهواء مصدرها . إلا ان بعض المصادر الرصينة قد قدرت النسب المؤية للتركيبة السكانية الطائفية كالتالى : مسلمين سنة 26,44% - مسلمين شيعة 26,06% - دروز 5,63% - علويين 0,79% - موارنه 22,19% - الروم الأرثوذكس 7,86% - الروم الكاثوليك 5,2% - الأرمن الأرثوزكس 3,01% - بعض الطوائف الصغيرة 2% . (قدرت النسب بعد إستبعاد غير اللبنانيين. المصدر )http://www.aljazeera.net/coverage/pages/8cd1d3d0-f5c5-422a-8322- )c001fbc45e1e0
و بالنظر إلى التغيير الذى حدث خلال 80 عام منذ إحصاء 1932 وحتى التقديرات الأ خيرة سنجده يتركز فى الزيادة النسبية الهائلة لطائفة الشيعة، وإرتفاعها من 5% إل 30% تقريبا والتى أتت خصما من نسبتى السنة والموارنة،و يرجعهاعدد من المؤرخين وعلماء الإجتماع السياسى إلى الثراء الذى أصاب الطائفة من جراء التحويلات النقدية الهائلة التى جاءت من الشيعة المهاجرين بكثرة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية هربا من الإضطهاد العثمانى وحققوا هناك نجاحات كبيرة، مما مكن قيادات الشيعة من تنظيم الطائفة تنظيما إجتماعيا محكما، وتنظيما سياسيا نشطا وفعال فى ظل تنامى أجهزة الدولة وسيادة القانون وإنشار قيم حقوق الإنسان، نتج عن كل ذلك تخلى الشيعة عن التقية والإعلان عن حقيقة إنتمائهم المذهبى.
وقد بدأت تتشكل هذه التركيبة السكانية التى كونت الشعب اللبنانى فيما بعد إعتبارا من القرن الخامس الميلادى مع بدايات الدولة البيزنطية في سنة 395 حيث تبعتها منطقة لبنان حتى الفتح الإسلامى سنة 636، وخلال الحكم الأموى والعباسى والفاطمى أصبحت لبنان ملجأ للمضطهدين من كافة أرجاء الإقليم. وفي عام 1516 سيطرت جيوش السلطان سليم الأول على لبنان وعلى المناطق الجبلية من سوريا وفلسطين، وتبعت هذه المناطق الإمبراطورية العثمانية وعهدوا بإدارتها إلى عائلات محلية ظلت تتصارع مع بعضها البعض ومع العثمانيين فى ظل الإضطرابت والإنتفاضات والثورات الفلاحية والطائفية، ففي الشوف بجبل لبنان كان الفلاحون خليطا من الدروز والموارنة، أما الإقطاعيون فكانوا من الدروز، وبدأ الفلاحين الموارنة بإنتفاضة على الإقطاعيين الدروز بقيادة لجنة سرية في دير القمر في مايو 1845، ولكن الإنتفاضة شملت عامة الدروز ولم تنحصر في الإقطاعيين فبدأت موجة من المذابح والمذابح المعاكسة بين الطائفتين، ووقف الباب العالي العثماني إلى جانب شيوخ الدروز، وامتدت الإنتفاضة إلى شمال لبنان ضد الطبقة الحاكمة في الشمال وعمت جميع لبنان وأخليت العديد من القرى الدرزية والمارونية، ولكن الثورة قمعت قبيل خريف 1845، ووضع نظام جديد للحكم بمشاركة القناصل الأجانب، وتعيين وكلاء للقائمقام في القرى بحيث يمثلون كافة الطوائف بالقرية، وتم تشكيل مجلس يشارك القائمقام الحكم ويكون له وظائف قضائية ويملك الحق في الإشراف على توزيع وجباية الضرائب، ويتكون من عشرة اشخاص يمثلون الطوائف بواقع إثنان من كل من المارونيين والدروز والسنة والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك. وكانت هذه بداية التمثيل الطائفى فى مجالس وهيئات الحكم. و رغم وجود هذه المجالس إجتاحت كافة أرجاء لبنان وأجزاء من ولاية دمشق خلال عامى 1858-1860 موجة من الإضطرابات والإنتفاضات الشعبية ضد الإقطاعيين والحكام إنتهت بمذابح طائفية إتخذت شكل حرب أهلية بين المسيحيين والمسلمين بلغ ضحاياها أكثر من 12,000قتيل. فقامت فرنسا التى كانت تعتبر الموارنة من رعاياها بشن حملة عسكرية لإعادة المسيحيين الذين هاجروا قصرا من القرى الدرزية إلى قراهم، وقامت باعتقال عدد من الدروز ونفيهم إلى أماكن خارج لبنان، وبالاتفاق مع السلطنة العثمانية أقر بروتوكول 1861 الذي يقضي بتقسيم جبل لبنان إلى قائم قاميتين واحدة درزية والأخرى مارونية الأمر الذي سبب مشاكل لصعوبة الفرز كون الكثير من القرى مختلطة، فأنشأ العثمانيين بالاتفاق مع الدول الأوروبية الكبرى الست: بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا. منطقة ذاتية الحكم سميت بمتصرفية جبل لبنان. وفيه إقتصرت حدود لبنان على سلسلة جبال لبنان الغربية وبعض المناطق المجاورة في البقاع، ويقضى نظام المتصرفية بتعيين متصرف مسيحي من رعايا الإمبراطورية العثمانية من خارج لبنان، ويعاونه مجلس المتصرفية الذي يتكون من دروز وموارنة. وإنتشر الوعي والعلم والثقافة بين اللبنانيين، وذلك لأسباب عديدة منها: إنتشار المدارس في جميع القرى والبلدات والمدن، وافتتاح جامعتين كبيرتين ما تزالان من أقدم جامعات الشرق الأوسط وأعرقها، ألا وهي الكليّة السورية الإنجيلية، التي أصبحت الجامعة الأمريكية فى بيروت، وجامعة القديس يوسف. كذلك تميز عهد المتصرفية ببداية الهجرة اللبنانية إلى مصر ودول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية، حيث أصاب عدد من المهاجرين نجاحًا كبيرًا، وقد ساهم كثير من هؤلاء المهاجرين فى إحياء اللغة العربية والأدب العربي بعد جمود إستمر سنين طويلة، وساهموا في إذكاء الروح القومية العربية والوعي السياسي لدى العرب سواء في لبنان أو في دول الجوار.
أستمرنظام المتصرفية حتى عام1918 حيث أعلنت عصبة الأمم فرض الوصاية على البلاد التي انتزعت من الدولة العثمانية فيما عرف بالانتداب. وكان هدف الإنتداب مساعدة الدول على النهوض وتأسيس القوانين لإنشاء دول حديثة. وانتدبت فرنسا للاشراف على منطقة سورية والتي شملت لبنان. وفى سبتمبر من عام 1920 أعلنت فرنسا قيام دولة لبنان الكبير معلنة بيروت عاصمة لها. وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. وسميت باسم لبنان الكبير بعد أن ضمّ إليه ولايتى بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيد وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار )، والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا)، فاتسعت مساحته من 3500 كلم مربع إلى 10452 كلم مربع. وازداد سكانه من 414 ألف نسمة إلى 628 ألفاً، وبلغ عدد طوائفه 18 طائفة رسمية معترف بها ، وفي 23 مايوعام 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية التي تعتبر أول جمهورية عربية، كما تعتبر بداية التاريخ الحديث للبنان. وخلال الحرب العالمية الثانية تمكن الحلفاء في شهريوليوعام 1941 في حملة عسكرية كبيرة من طرد قوات المحور من الشام. وفى عام 1943 انتزع اللبنانيون حقهم بالاستقلال من فرنسا وتم جلاء كل الجيوش الأجنبية في عام 1946. منذ الاستقلال شهد لبنان حربًا أهلية واحدة، ونزاعًا كاد أن يتطور لفتنة طائفية، وكان هذا النزاع قد وقع في عام 1958 وكان سببه الداخلي هو رفض تمديد ولاية الرئيس كميل شمعون. أما السبب الإقليمي فتمثل بمعارضة إنشاء حلف بغداد ومطالبة اللبنانيين المسلمين بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة. بينما كانت الحرب الأهليةعام 1975 نتيجة صراع داخلي بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين والمسلمين واليساريين من جهة أخرى. وتطور النزاع بأشكال مختلفة خلال 15 سنة وكان من أهم محطاته الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومحاصرة بيروت والتي أدت إلى خروج القوات الفلسطينية والسورية. وفرض الإسرائليون إتفاقًا مع لبنان عرف بإتفاق 17مايو الذي رفضه مجلس النواب وأدى إلى انتفاضة عام 1984 التي أعادت السوريين إلى لبنان بعد العديد من المعارك الداخلية بين الحلفاء مثل حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي ومسلحي المخيمات الفلسطينية. إنتهت الحرب بإتفاق الطائف عام 1989، الذي كرّس التوزيع الطائفي للحكم، وقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، لحساب رئيس الوزراء السنى. ومنذ إغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى وإنقسام اللبنانيين إلى فريقى8 و14 مارس تعيش لبنان حالة من الصراع السياسى الطائفى الذىتسيطر عليه أجواء العنف التى تعصف به نحو تشكيل المليشيات الطائفية والإغتيالات والإشتباكات المسلحة والحروب الإقليمية داخل لبنان وخارجه. إن المرء لتنتابه الحيرة عندما يتفحص فى التاريخ السياسى للبنان فيجد إن هذه الطوائف التى أستوطنته هروبا من الإضطهاد فى أوطانها الأصلية فشلت فى أن تبنى نظاما سياسيا يمكنها من العيش معا فى سلام، وقد تكرس هذا الفشل وتقنن عندما تدخلت الأطراف الإقليمية والعالمية لتبنى دولة يحكم نظامها السياسى المحاصصة السياسية، ظناً منها إنها تحمى الطوائف التى تساندها بمثل هذا النظام. وعلى عكس غالبيه مجتمعات العالم التى أدى الصراع السياسى والإجتماعى داخلها إلى النمو والتطور، نجد الصراع فى المجتمع اللبنانى يسير بشكل حلزونى ويصيب الدولة بالشلل. إن المرء ليصيبة الأسى لهذا الشعب الذى يشع حيوية وتألق أفادت وساهمت فى تطور الكثير من شعوب الإقليم والعالم.

#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات