بديع خير: شخصية من مصر

محفوظ أبو كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 13:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بديع عمر خيري (17 أغسطس 1893 - 1966)، كاتب مصري ساخر، ولد في حى المغربلين أحد أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، ودخل الكتاب وحفظ القرآن ثم انتقل إلى مدرسة أم عباس الإبتدائية، ثم مدرسة الحلمية الثانوية، وأخيرا المعلمين العليا، تزوج من السيدة روحية عبدالمعطي إبنة خالته و توفيت قبله، أنجب منها أبنائه الثلاثة مبدع ويعمل محام، نبيل تخرج في معهد السينما، وعادل خيري الذي أصبح ممثلًا مميزًا. عمل أول حياته في هيئة التليفونات المصرية بعد تخرجه من مدرسة المعلمين العليا وتم فصله من العمل فعمل بعدها كمدرس للغة الإنكليزية.
يُعد بديع خيرى واحداً من أبرز كتاب المسرح المصري في القرن العشرين، وأول من كتب للسينما المصرية، وتميز بمواهبة المتعددة، فهو زجال وشاعر غنائى وكاتب صحفى وكاتب مسرحي وسينمائى وسيناريست. وقد كان رائدا ومجددا فى كل هذه المجالات. كتب الزجل في سن مبكر من عمره ، أثناء فترة التعليم عشق كتابة الشعر، فكتب أول قصيده له وهو في الثالثة عشرة من عمره وكانت باللغة العامية تحت إسم مستعار هو “ابن النيل” وأخذ في كتابة القصائد في صحف “الأفكار” و”المؤيد” و”الوطن” و”مصر” ، وبدأ “ابن النيل” مشواره الفنى من خلال الإنضمام إلى جمعية “التمثيل العصري” التي كانت تقيم العديد من الندوات والحلقات الدراسية حول المسرح الفرنسي، فكتب أول مسرحياته بعنوان “أما حتة ورطة” عام 1908م، كما كتب أول مقطوعاته في “المونولوج”. وارتاد المسارح باستمرار وقرأ كثيرًا، فأتقن وتبحر فى اللغة العربية. صنع ثورة في عالم الزجل حين أصبح يكتب في القصيدة الواحدة عدة بحور شعرية بدلًا من النظام التقليدي الذي كان سائدًا وهو نظم الزجل على بحر شعري واحد. ، وكان يريد أن يكون ممثلًا فتقدم إلى زكي طليمات وجورج أبيض ولم ينجح في اختبارات الأداء، فصدم ولكنه أسس فرقة ، في عام 1917م إسمها المسرح الأدبي، وقدم المسرحية التاريخية “محمد علي وفتح السودان” التي نال عنها الجائزة الثانية من وزارة الأشغال. كما أسس فرقة سماها (المصري للتمثيل العصري) وكان يكتب لها إقتباسات عن مسرحيات أجنبية، حيث تفجرت لدية موهبة الكتابة وانصرف عن التمثيل، وكانت الفرقه تمثل في مسرح (L Egyptien) تعرف أثنائها على نجيب الريحاني وكانت فرقة الريحانى وقتئذٍ بدون كاتب يرضى عنه، فكتب بديع لنجيب الريحاني مسرحيتين بإسم مستعار هو (جورج شفتشي) نجحتا للغاية، وكانت هذه بداية لتعاون طويل وصداقة عمر امتدت حتى نهاية حياتيهما، أنشآ معا فن الأوبريت الراقص عام 1916، وكان أول عمل من هذا النوع هو “الجنيه المصري”، ومن أبرز الأوبريتات التي قدمها، “العشرة الطيبة و”البرنسيس” و”أيام العز” و”الفلوس” و”مجلس الأنس” و”لو كنت ملك” الليالي الملاح” وأوبريت “الشاطر حسن”.كما قدما معًا أعمالًا من أهم ما قدم للمسرح والسينما المصريين، وآخر أعمالهما معًا كان فيلم(غزل البنات) حيث توفي بعده نجيب الريحاني. كما عمل أيضًا مع سيد درويش الذى كان قد الأقى به فى عام 1912، وكون معه ومع نجيب الريحاني، ثلاثي قدموا معًا عدة مسرحيات مثل (رِن) و(إش إش) واستعراضات مثل (ولو) وهي أعمال فقد الكثير منها، ومن الأعمال التي قدموها أوبريت (العشرة الطيبة)، التي أخرجها (عزيز عيد) للمرة الأولى والتي كان ضمن أحداثها سخرية من الأتراك فترتب علي ذلك غلق مسرح الريحاني وسفره إلى لبنان لبعض الوقت، كما تم إغلاق مجلة (ألف صنف التي كان يصدرها بديع خيري) ولكنه لم ييأس وأصدر مجلة آخرى بعنوان الغول أغلقت أيضًا، فأصدر مجلة ثالثة هي (النهاردة) استمرت لثمانية عشر يومًا فقط، لأنه هاجم فيها إلغاء دستور 1923،.... ومع سيد درويش كوّنا معادلًا غنائيًا وموسيقيًا لثورة 1919 يفور بالوطنية والحماسة، فكانت أغانيهما معًا أحدى جذوات الثورة فقد كان وفديًا مخلصًا. وتعرف على طلعت باشا حرب عندما فاز بالجائزة الأولى فى مسابقة لكتابة قصة باللغة العربية نظمها طلعت حرب وكان من ضمن لجنة تحكيمها، طه حسين وعباس العقاد. وأصبح بينهما نسبًا بعد تعارفهما وصداقتهما بسنوات.
وإلى جانب الكتابة المسرحية والأوبريتات، بدأ “بديع خيري” عام 1918، في الكتابة للسينما المصرية، فكان أول من كتب لها سواء في عهد السينما الصامتة أو الناطقة من خلال تأليفه للحوار والقصة والأغاني ومن أفلامه الصامتة، “المندوبان”. وهو من كتب جميع أفلام الريحانى العشرة. ومن أفلامه أيضا، انتصار الشباب، ورد الغرام، لهاليبو، حسن و مرقص و كوهين، ، وفيلم العزيمة الذى يعد من أهم علامات السينما المصرية، وكاد طلعت حرب – منتج الفيلم - أن يوقف انتاجه لأن قصتة ليست على الطراز الأمريكي الرائج وقتئذ. ولكنه إقتنع برؤية بديع: " أننا لا نستطيع منافسة الأفلام الأمريكة في لونها السينمائي، بل يجب أن يكون لنا طابعنا الخاص لمعب عن حياة الناس وهذا هو ما نستطيع فعله للمنافسة" .... وقد كان هذا الفيلم باكورة مدرسة مصرية للسينما الواقعية. ويعد أول من كتب سيناريو للرسوم المتحركة في مصر، فقد كتب سيناريو أفلام الإخوة فرانكلين للرسوم المتحركة في الثلاثينيات.
ومن ابدعاته أيضاً كتابة الأغاني، فالعشرات من الأغاني التراثية التي لحنها وغناها سيد درويش هي من كلمات بديع خيري ومنها، قوم يا مصري، شد الحزام، الحلوة دي قامت تعجن فى الفجرية، الوارثين، القلل القناوي، سالمة يا سلامة. كما غنى له كبار المطربين آنذاك مثل أم كلثوم واسمهان ومنيرة المهدية وصالح عبد الحى وابراهيم حموده ونجاة على ورجاء عبده وآخرين.. كما كتب لمحمد فوزي وليلى مراد كلمات الدويتو الشهير في فيلم شحّات الغرام. ومن اشهر اغانيه « بطلوا ده واسمعوا ده ياما لسه نشوف و ياما، الغراب ياوقعة سودة جوزوه أحلى يمامة » التى غناها عزيز عثمان فى فيلم لعبة الست (1946). استهوته كتابة الأغاني والأعمال الكوميدية بشكل خاص، وكان يقول: "الضحكة هي اللي فيها الدوا، أنا بحب أضحك الناس عشان من ضحكهم بحس إني عايش". وكان يحرص على توثيق كل الأحداث السياسية الدائرة بشِعره الغنائى، وبسبب الشعركاد أن ينفى إلى (مالطا) أكثر من مرة!
من المواقف المعبرة عن ثقافة المجتمع ، انه بعد سنوات من الصداقة المقربة، لم يعرف نجيب الريحاني أن صديقه بديع خيري مسلمًا وليس مسيحيًا، إلاحينما ذهب مع صديقه المقرئ محمد رفعت ليعزياه فى وفاة والدته جُلفدان هانم !. ومن اقواله‏:‏ "إن كنت صحيح بدك تخدم مصر وتقدمها لا تقول لي نصراني ولا مسلم، يا شيخ اتعلم، اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ماتفرقهم‏". وفي يوم 3 فبراير من عام 1966 توفي بديع خيرى عن عمر يناهز الـ73 عاماً بعد أن كان المرض قد أقعده لعدة سنوات على كرسى متحرك، تاركاً لنا تراثاً مسرحيا وسينمائيا وشعرياً خالدا.

#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات