حسين كركوش
الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 14:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل نحو خمس سنوات انشغل المجتمع العراقي بفضيحة أخلاقية مدوية ذات أبعاد دينية شيعية.
الفضيحة بطلها رجل أسمه مناف الناجي ، ليس من عامة الناس. هو معتمد المرجع الشيعي السيد علي السيستاني ، في مدينة العمارة ، جنوب العراق.
عالم الدين الشيعي ، مناف الناجي ، كان يمارس الجنس سرا مع نساء متزوجات ولهن أطفال.
الوجه الآخر للفضيحة ، هو أن هولاء النسوة يدرسن العلوم الدينية في الحوزة العلمية في مدينة العمارة.
و ظل الناجي يصور ممارساته الجنسية السرية مع النسوة بكاميرا هاتفه المحمول و يحولها إلى أفلام يحتفظ بها لنفسه. الناجي فقد تلفونه النقال فعثر عليه شخص من المدينة وقام هذا الشخص بنشر بعض من الأفلام الجنسية المخَزنة مباشرة على الأنترنيت. وهنا بدأت الفضيحة.
قبل الاستمرار في كتابة هذه السطور أريد التأكيد، بإلحاح، على ما يلي:
المرجع السيستاني ليس مسوؤلا عن تصرف وكيله. و ما قام به وكيل المرجع لا يعني ، أبدا ، أن جميع وكلاء المرجعية مثله ، أو أن جميع علماء الدين الشيعة مثله ، أو أن الشيعة فاسدون بطبعهم ، كما قالت في حينها أوسخ منهولات التطرف الديني وأكثرها قذارة.
إذن، أنا أتحدث عن الدلالة الرمزية لما فعله عالم الدين الشيعي هذا، وعلاقته بالسياسة و بتجربة الحكم الذي تقوده الأحزاب الشيعية في العراق.
أسأل: لو كان الزمن قبل عام 2003 هل كان مناف الناجي، أو أي عالم دين شيعي بمنزلته وبمرتبته، يفكر، لا أن يصور فقط ممارسات جنسية يقوم بها، بل و يخزنها في هاتفه، ويحمل الهاتف معه ، آمنا مطمئنا ، أينما ذهب ؟
فعل كهذا يستوجب وجود يقين راسخ عند الفاعل بأنه فوق المسائلة والمحاسبة و فوق الاستجواب ، وأنه في مأمن من أي عقوبات.
فعل كهذا لا يقدم عليه أحد، خصوصا بمنزلة شخص مثل الناجي، إلا بوجود شعور من الاسترخاء النفسي و الاطمئنان الأمني والجرأة التي تفوق الاستهتار.
الناجي يدرك جيدا أن المجتمع العراقي، وخصوصا مجتمع مدينة العمارة الذي يتواجد وسطه هو، مجتمع محافظ و عشائري يقتل المرأة على الظن والشبهة.
فمن أين جاءت لعالم الدين الشيعي العراقي، الناجي، هذه الجرأة و هذه الطمأنينة، وهذا الاسترخاء النفسي، حتى يقوم بفعله، وكأنه على يقين بأنه فوق الجميع ؟
الجواب هو، أن العقل اللاواعي عند الناجي هو الذي جعله يفعل ذلك، مدفوعا بسيكولوجية الفرد (المنتصر) التي هي انعكاس أو امتداد لسيكولوجية (الانتصار) (الشيعي) الجماعي القائمة منذ 2003.
عالم الدين الشيعي العراقي ، مناف الناجي ، وهو يصور ممارساته ، كان لسان حاله يقول شيئا أشبه بقول يزيد بن معاوية أمام رأس الشهيد الحسين : (لَعبت هاشم بالمُلك فلا خبر جاء ولا وحي نزل).
عالم الدين الشيعي ، مناف الناجي ، كان يقلب رأسا على عقب ، بوعيه أو لا وعيه ، مقولة عمر بن العاص : (إنما هذا السواد / العراق بستان لقريش) ويجعلها : ( إنما هذا العراق بستان لي أفعل به ما أشاء).
أعرف أن البعض ستؤلمه هذه المقارنة. ولكنني هنا لا أقارن، إنما أتحدث عن الاستهتار المفرط وعن جنون العظمة اللذين تخلقهما نشوة السيطرة على الحكم. أتحدث عن الظروف التي تحول الضحية إلى جلاد.
لولا السلطة الحاكمة و جبروتها التي يستمد منهما عالم الدين الشيعي ، مناف الناجي ، شجاعته ، لما تجرأ أن يفعل ما فعله.
لو أن عالم الدين الشيعي ، مناف الناجي ، ظل يحتفظ بأخلاق (الحُسينية) وليس بأخلاق السلطة الحاكمة ، لما تجرأ على فعل ما فعله.
وجبروت السلطة هو الذي جعل رجلا شيعيا ، مثل المالكي ، يفترض أنه من الدُعاة إلى نشر تشيع الإمام علي ، أن يتصرف كما فرعون ، ويردد (ما ننطيها) ، ولا يتصرف كعلي بن أبي طالب ، ويقول (يا دنيا غًري غيري).
ولولا جبروت السلطة لما سمعنا بكل هذه الفضائح المدوية كالسرقات المالية والاختلاسات ونهب أموال اليتامى والأرامل والفقراء.
ولولا جبروت السلطة لما تدخل مراهق في تغيير مسار طائرة مملوكة للدولة، فقط لأن أباه وزير.
فيما مضى، كان الإباء، وهم يصطحبون أولادهم إلى الحُسينيات، حريصين على أن يحفظ أبنائهم عن ظهر قلب الدعاء المنسوب للإمام علي، لكي يتعلموا التواضع وهم صغار:
( مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد، أنت المالك وأنا المملوك، أنت العزيز وأنا الذليل، أنت العظيم وأنا الحقير، أنت القوي وأنا الضعيف، أنت الكبير وأنا الصغير، أنت السلطان وأنا الممتحَن، أنت الغالب وأنا المغلوب، أنت المتكبر وأنا الخاشع. )
دروس التواضع هذه اختفت منذ عام 2003 وظهرت بدلا عنها (أدعية) تقول : أنا الشيعي القوي الجبار لأني أحمل كلاشنكوف ، لأني أنتمي لمليشيا ، لأني أملك المال ، لأني أضع على رأسي عمامة (سياسية) تبطش أكثر ألف مرة من السيف.
إن أحلك فترة مر بها التشيع العراقي هي هذه القائمة منذ 2003 بقيادة الأحزاب السياسية الشيعية.
طوال قرون وحتى سنة 2003 راكم التشيع ( وأنا أتحدث عن العراق حصرا) رأسمالا ضخما من السمعة الطيبة. راكمه بالصبر والإناة والتضحيات وتطبيق المُثل العليا.
بعد سنة 2003 بدأ يتبدد ذاك الرأسمال.
بعد 2003 ربحَ التشيع السلطة السياسية لكنه خسر نفسه.
منذ سنة 2003 بدأ التشيع العراقي يخسر ولا يربح، ثم استمرت و تراكمت الخسائر وبدأ يأكل من الرأسمال.
وهذا كله حدث بجريرة الأحزاب السياسية الشيعية ومن يؤيدها.
هذه الأحزاب جاءت لتحكم، وجاءت لتبقى بأي ثمن. وهي كانت بحاجة لعباءة تغطي بها فسادها، في كل المجالات، فلم تجد غير (الحُسينية). فرحلت الحسينية إلى الدولة ، ورًحلت الدولة إلى الحُسينية.
ولكن الحُسينية عندما رُحلت للدولة فأنها رُحلت بدون أخلاقها وسلوكها ومبادئها. رُحلت شكلياتها فقط باعتبارها (عُدة شغل) تحتاجها الأحزاب السياسية الحاكمة ، أو باعتبارها عصا تتوكأ عليها الأحزاب الشيعية وتحقق بفضلها غايات آُخر.
ما رُحل للدولة من الحسينية هي ، الرايات السوداء الحُسينية توضع فوق المباني الرسمية ، وعمائم بيضاء وسوداء يعتم بها سياسيون محترفون ، وأسماء لائمة الشيعة ورجالاتها تُطلق على الشوارع والمدن ، ومواكب لطم تقوم بها قطعات من أجهزة الجيش والشرطة أمام كاميرات التلفزيونات ، و تعطيل لدوائر الدولة الرسمية في المناسبات الدينية الشيعية ... الخ.
وبالمقابل ، رُحلت الدولة بكل ميكافيليتها و مكرها ومؤامراتها و ثعلبيتها وبكل أساليبها الدنيئة إلى الحُسينية. و رأينا سياسيين شيعة يضعون عمائم فوق رؤوسهم يطالبون علانية وأمام كاميرات التلفزيون بقتل الناس ، مثل أي جلاد في أقبية الأمن في العهد الصدامي ، ويديرون ظهورهم لمقولة علي بن أبي طالب: (الناس صنفان . أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ورأينا هولاء يحيكون المؤامرات ويدلسون ويغشون ويسرقون وينافقون حتى تفوقوا على (أمير) ميكيافلي.
وسمعنا وشاهدنا بعض هولاء من يفتخر ، وهو على المنبر ، بأن له علاقات مع عمر سليمان المدير السابق للمخابرات المصرية.
ثم تمادى بعضهم في استهتاره فاستعان ب( العمامة) التي يضعها على رأسه لتصليح مؤخرته.
والنتيجة ؟
النتيجة هي ، لا الدولة تخلقت بأخلاق الحُسينية، وتلوثت الحُسينية بأخلاق الدولة.
النتيجة هي ، أن الناس بسبب غضبهم ضد طغيان وفساد رجال الحُسينية المعممين ، فأنهم رفعوا صور بعضهم ، وهم بالعمامة ، وظلوا يضربونها بالنعل ، ويرددون ضدهم شتائم لا يوجد أقذع منها:
( بوك يا مولاي بوك وأحنا حصتنا الضروك).
و هذا أمر لم يحدث في تاريخ التشيع العراقي، قط. تماما، مثلما أن ما فعله عالم الديني الشيعي مناف الناجي، لم يحدث في تاريخ التشيع ، قط.
والمطلوب ؟
المطلوب هو ، فك الاشتباك بين الدولة ، كمؤسسة مدنية يديرها مدنيون ، والحُسينية ، كدار عبادة ، ومكان للإرشاد والوعظ.
هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ التشيع من الورطة التي هو فيها في العراق.
وهذا هو الحل الأوحد لإنقاذ العراق من الورطة التي هو فيها.
#حسين_كركوش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟