أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟















المزيد.....

من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟


حسين كركوش

الحوار المتمدن-العدد: 4906 - 2015 / 8 / 24 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



حسين كركوش

من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم ( تدين ) الشيعة الجُدد ؟

اقترن التشيع منذ أيامه الأولى ، خصوصا في العراق ، بالجمع بين الزهد والورع والتقوى والثبات على المبدأ ومقاومة الطغيان السياسي ، من جهة ، وبين الإقبال على الحياة والتمتع بمباهجها ، من جهة أخرى. وظل التشيع هكذا قبل أن تحوله الأيدولوجيا إلى مجموعة من القوالب الخشبية الجامدة.
وليس غير الشعر وسيلة نحتكم عندها ، لأنه ظل الوسيلة التعبيرية الأكثر شيوعا.
وأفضل أن أبدأ بشاعر معاصر هو الحبوبي.
و الحبوبي الذي أعنيه هو محمد سعيد الحبوبي ( 1849-1915) . وأختاره لأنه يجسد تشيع الحياة وليس التشيع الأيديولوجي المتخشب ، ويمثل شيعة الحياة وليس شيعة القبر المصابين بمرض فوبيا الحياة.
أما لماذا الحبوبي ، من بين شعراء شيعة معاصرين كثيرين تغنوا مثله بالحياة ، فلأنه عالم دين و فقيه ومجاهد. ولم يُعرف عن الحبوبي ، كما الجواهري ، مثلا ، تأثره بأفكار غريبة عن بيئته المحلية أو أفكار أجنبية (مستوردة) من الغرب ، كما يسمي المتعصبون عملية التلاقح الثقافي الكوني.

و سأستشهد بقليل جدا من شعر الحبوبي ، بعضه معروف وشائع على ألسنة العامة.

يقول الحبوبي:

يا غزال الكرخ وا وجدي عليك كاد سري فيك أن ينهتكا
هذه الصهباء والكأس لديك وغرامي في هواك احتنكا
فاسقني كأسا وخذ كأسا إليك فلذيذ العيش أن نشتركا.
..
قد شربت ألخمر لكن كلُماك ما رأت عيني، ولا ذاق فمي
..
دب من صدغه على الخد عقرب كلما رامه المتيم يلسب
حاول الستر بالنقاب ولكن أحرقته أنواره فتلهب
فهو ما انفك مسفرا لعيون ان بدا مسفرا أو تنقب
..
يا قضيبا بقده ان تثنى وكثيبا بردفه ان ترجرج
..
قلت : يا أقضى المنى روحي فداك ما جرى ؟ قال : أما قبلتني ؟
..
كسرويات على دين المجوس
حاكمتنا ، فسبت منا النفوس
طالعتنا فحسبناها شموس
..
وافر الأرداف أبدت نقصًه بدقيق الخصر اذ رُجًت لديه
..
علق القُرط بأذنيه وثن ضل من صلى اليه وغوى
كم بذاك القرط ذو اللب افتتن اذ تجلى ( وعلى العرش استوى)

قلت إن الحبوبي فقيه ومجاهد ، ولهذا لا داع لأوكد أن الحبوبي لم يشرب الخمر قط. لكني أتحدث عن (لذيذ العيش) (المشترك) ، أي عن الحياة كما يصورها في شعره هذا الفقيه الشيعي المجاهد.
لذيذ العيش ، في كل زمان ومكان وعند البشر الأسوياء أينما كانوا ( لكن دعونا الآن نقول وفقا لأبيات الحبوبي السابقة ) ، يعني الانفتاح على الحياة ، ويعني الفرح والبهجة ، والألوان الزاهية الجميلة. ويعني المتع الحسية.
ومنطقيا ، يعني لذيذ العيش عذوبة النغم الموسيقي وحلاوة الصوت البشري.

و الحبوبي ليس الوحيد ولا الأول من بين أعيان وأكابر الشيعة ، الذي دعا الناس إلى التمتع بالحياة الدنيا و بمباهجها ، وتغنى بجمالها وأشار لجوانبها الحسية. إنه تلميذ مخلص لأسلافه الشيعة الأوائل.

لن اتحدث عن شعر الشريف الرضي (359-406 هجرية ) ، خصوصا في أشعاره التي تدعى الحجازيات ، التي يتحدث فيها عن جمال المرأة وعن الحب والصبابة. ولن أذكر قصيدته الشهيرة التي يقول مطلعها :

يا ظبية البان ترعى في خمائله ليهنك اليوم أن القلب مرعاك

ولن أذكر استحسان الشريف الرضي للغناء و للصوت الرخيم الآسر ونفوره من الغناء البارد ، وكيف كال الهجاء في أحدى المرات ، لمطرب لا يجيد الغناء ، فقال :

تغفي العيون إذا بدا وتقئ عند عنائه الأسماع.

وسأنسى القصة التي يرويها القيرواني في ( زهر الآداب) عن مجلس الشراب ، و وجود " كوران المغني" في مجلس الشريف الرضي وما دار بينهما من حديث.

و سأهمل ما نقله أبو الفرج الأصفهاني في (الأغاني) عن السجال بين سكينة بنت الحسين والشاعر الفرزدق ، وما دار بينهما من كلام.

سأتحدث فقط عن مثقفين كبار من "عموم" الشيعة عاشوا في عصور و أماكن مختلفة ، و بعضهم عاشوا في عصور كان التشيع فيها بمثابة تهمة تؤدي بصاحبها إلى التهلكة ، وليس وسيلة للتكسب والحظوة والجاه والنفوذ ونهب المال العام.
ورغم أجواء القمع فأنهم لم يهادنوا الطغاة و أخلصوا لعقيدة التشيع ودافعوا عن الشيعة.
لكنهم في الوقت نفسه عاشوا حياتهم ، لا طبقا لقياسات أصحاب ( المساطر الآيدولوجية ) في هذه الأيام ، وإنما عاشوا حياتهم ، كما كل البشر. عاشوا حياتهم وفقا لشروط العصور التي وجدوا أنفسهم فيها ، و البيئات الفكرية الثقافية التي عاشوا في وسطها وتأثروا بها وانسجموا مع أجوائها المتجددة و المتغيرة.
كانوا يفرقون بين العام والخاص. فمثلما كانوا شديدي الالتزام بمذهبهم النظري الفكري الشيعي ، فأنهم كانوا شديدي التعلق بالحياة. كانوا يعشقون النساء ويهيمون عشقا بالموسيقى وبالأغاني ويشربون الخمر ويترددون على مجالس الشرب و الطرب والأُنس.


فالشاعر دعبل الخزاعي (148- 264 ه) يعتبره الشيعة ، سوية مع السيد الحميري والكميت الأسدي ، من كبار شعرائهم الذين دافعوا عن التشيع. و لهم الحق. فليس هناك قصيدة في الدفاع عن أهل البيت أبلغ من قصيدة دعبل التائية التي يقول فيها :

مدارسُ آيات خَلت من تلاوة ومنزلُ وحي مُقفر العَرَصات
بنات زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفَلوات

وديوانه طافح بالتغني بفضائل أهل البيت و مدح الإمام علي والإمام الرضا ، ومحاربة الطغاة.

لكن لأن دعبل من البشر وليس كائنا أسطوريا خرافيا ، ولأن دعبل ليس (حاسوب) شيعيا تتم برمجته ايدولوجيا ، فأنه كان يجمع بين نضاله المبدأي المستميت ، وبين العيش ، وفقا لشروط عصره ، مثلما يفعل الأسوياء من بني البشر في كل زمان ومكان.

فكما كان دعبل مناضلا مبدأيا عنيدا (يحمل خشبته على كتفه ويدور بها عل من يصلبه عليها )، فأنه كان يعشق الحياة الدنيا ويغرف من متعها، و يتحدث عن مجالس الشراب ويهوى الغناء ويتغزل بالمرأة ، ويقول ما يعتبره المجتمع كلاما فاحشا يخدش الحياء.

يقول دعبل :



لما رأت شيباً يلوح بمفرقي صدت صُدودَ مُفارق متجمل
فظللتُ أطلبُ وصلها بتذلل والشيبُ يغمزها بأن لا تفعلي

وله في مجالس الشراب:

شربتُ وصُحبتي يوما بغمر شرابا كان من لُطف هواءَ
وزنا الكأسَ فارغة وملأى فكان الوزنُ بينهما سواء

ويقدم دعبل هذه النصيحة لشاربي الخمر :

لا تشرب الدهرَ صرفا فالصرف يُورثُ حَتفا
واجعل من الراح نصفا واجعل من الماء نصفا
فإنها بمزاج أشهى وأحلى وأصفى

وكان دعبل يعشق الصوت الرخيم وينفر من الغناء البارد :

ومُغن إن تغنى أورث النًدمان همًا
أَحسنُ الأقوام حالا فيه مَن كان أصما

أما شعر دعبل الهجائي فنجد فيه صور ومفردات ومشاهد جنسية صارخة قد لا نجدها عند أكثر شعراء الخلاعة تهتكا قديما وحديثا. وسنذكر شذرات منها ، نصا ، رغم أننا نجد حرجا في ذكرها :

لو كان لاستكَ ضيقُ صدركَ أو لصد رك رُحبُ دُبركَ كُنتَ أكحل مَن مَشى
...
أو ترى الأيرَ في أسته قُلتَ :ساق بمقطرة
أو تراه يلوكه قلتَ : زُبد بسُكره
أو تراه يشمه قلتَ : مسك بعنبره


و دعبل المجاهد العاشق لأهل البيت والذي لم يتردد أن يقول بعد موت المعتصم وتولي الواثق :

خليفة مات لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحد
فمر هذا ومر الشؤم يتبعه وقام هذا فقام آلويل والنكد

هو نفسه دعبل الذي يرسم هذا المشهد الجنسي الصارخ ، هاجيا جارية أسمها (برهان) :

وبُرهان باردةُ المطبخ و حَمًامها واسعُ آلمسلخ
وإنك لو نكتها نيكة لأفضيتَ منها إلى بَربخ
ولو كشفت لكَ عن فَرجها لأبصرتَ ميلين في فَرسخ
..
برهان لا تُطربُ جُلاسها حتى تريك الصدرَ مكشوفا (ديوان دعبل. جمعه وقدم له وحققه : عبد الصاحب عمران الدجيلي. النجف في: 1972).

ودعبل لا يخون نفسه عندما يجمع الشيء ونقيضه. التناقض ، أو قل التنوع والثراء الفكري الثقافي الحضاري ، كان في البيئة الحياتية الفوارة المتجددة التي ترعرع فيها هذا المثقف والمجاهد الشيعي.
أفكار دعبل وسلوكه اليومي ومواقفه ومفردات قاموسه اللغوي هي انعكاس للبيئة الحضارية الثرية والمتنوعة لمدينة الكوفة وقتذاك ، التي كانت تضم منتدياتها ومجتمعاتها العلماء والزهاد والعباد مثلما كانت تضم ذي الميول المتطرفة في الزندقة والمجون. أفكار دعبل كانت أيضا انعكاسا لبيئة بغداد الضاجة حينها بكل جديد.
لو كان دعبل يعيش في بيئة بدوية صحراوية منغلقة لا وجود فيها لأمرأة مثل (برهان) لما تجرأ على قول كل هذا.

ومثلما يحدث مع أصحاب النزعات التجديدية ، في كل زمان ومكان ، فأن دعبل و غيره من شعراء الشيعة دائما ما أُتهموا بالتحلل الأخلاقي و بالزندقة وتهديم عرى الإسلام وإفساد المجتمع ونشر الرذيلة ، وأنهم من الشعوبيين المنحرفين الذين ينفذون أجندات خارجية.
يتبع



#حسين_كركوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تغير المزاج الشعبي رأسا على عقب في العراق ؟
- التشيع الخضرائي
- إعصار ساحة التحرير يتقدم بسرعة قياسية
- تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) إلى ديكتاتورية (ما ننطيه ...
- تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) حتى ديكتاتورية ( ما ننطي ...
- تظاهرات ساحة التحرير: من (دستورية) الأخوند الخراساني حتى ديك ...
- قراءة في كتاب فالح مهدي : الخضوع السني والاحباط الشيعي. نقد ...
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (القسم الأخير)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (3/5)
- تمعنوا جيدا في هذه المواد الدستورية (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (1/5)
- ( النجف. الذاكرة والمدينة ) : مسح بانورامي للمدينة
- إيران تفجر قنبلة سياسية في العراق
- ماذا لو تجرع العراقيون السنة السم ؟
- مؤامرة، فلتسقط المؤامرة: على هامش الأحداث الإرهابية الأخيرة ...
- نفاق وانتهازية الأحزاب السياسية الإسلاموية في تعاملها مع الس ...
- شيعة الحياة وشيعة القبر
- هل أن أغنية لزهور حسين ، مثلا ، تُلهي عن ذكر الله ؟؟؟


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟