أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - مَن يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟















المزيد.....

مَن يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟


حسين كركوش

الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 12:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




2

الشاعر السيد الحميري (105- 173ه) مدافع باسل عن آل البيت . و فضل أن يهجر والديه ويخاصمهما ويصبح، بالضد منهما، مواليا لعلي بن أي طالب. وعندما سؤل كيف فعل ذلك بينما والداه ليس كذلك، قال ( غاصت عليً الرحمة غوصا). و ظل السيد يردد حتى يوم وفاته ( تجعفرت بآسم الله والله أكبر وأيقنت أن الله يعفو ويغفر).
و كان السيد لا يناور ولا يداهن ولا يُخفي أرائه ولا يتستر عليها ، وما كان يتبجح بها.
ما كان السيد بحاجة ، لكي يُظهر تشيعه ، لمحابس يضعها في أصابعه و لحية يشذبها بعناية وقطعة قماش خضراء يتوشح بها ، وقدر هريسة يحركه أمام الكاميرات ، حتى إذا توقفت الكاميرات عن الدوران عاد يتحصن داخل قصوره وقلاعه يراجع داخلها حساباته المصرفية.
السيد كان يدافع عن أرائه بأيمان راسخ وبثقة عالية بالنفس ، ويهاجم خصومه بروح اقتحامية استشهادية تُخيف أقرب الناس إليه حتى تجنب الآخرون رفقته و (هجره الناس تخوفا وتراقبا) ، كما يقول مؤرخو الأدب.
وكان السيد أعزلا من أي سلاح ما خلا سلاح الفكر. كان يدافع عن أفكاره بالحجة والبينة النظرية ، لا بواسطة الكلاشنكوف والتهديد باستخدام مليشيا.

لكن جهاد السيد الحميري والتزامه المبدأي لم يمنعاه أن يعيش حياته الخاصة على طريقته الخاصة ، مثل جميع الأسوياء من البشر. فقد كان يمتاز بالظرف وحلاوة المعشر ، والشجاعة في اتخاذ القرارات الذاتية العاطفية في علاقاته مع النساء.
وكان ، رغم نضاليته ورفضه للنجومية وابتعاده عن الصالونات الأدبية الاستعراضية ، كثير الاعتداد بالأنا وبالتفرد عن الآخرين ، و كثير الأعتزاز بإبداعه الشعري ، و رفض ثقافة القطيع.
مرة كان هذا المثقف الكبير يلقي شعره في وسط من الناس ، ولما سمعهم يَلغَطُون و في شغل عنه ، و أدرك أنهم يتظاهرون بالثقافة ، و لا يفقهون من الشعر شيئا فأنه لم يتردد من تعريتهم:

قد ضًيع الله ما جًمعتُ من أدب بين الحمير وبين الشًاء والبقر
لا يسمعون إلى قول أجيءُ به وكيف تستمع الأنعامُ للبشر
أقول ما سكتوا إنس فأن نطقوا قلتُ الضفادعُ بين الماء والشجر


ورغم أن السيد كرس شعره للدفاع عن آل البيت وأوقف حياته كلها دفاعا عن التشيع، ألا أنه كان يحترم حق الإنسان في الاختيار الفكري، وكان يرى أن الحب الإنساني بين البشر كفيل بالتغلب على الخلاف المذهبي. فقد تعرف السيد في أحدى المرات عن طريق الصدفة على امرأة ليست من عشيرته وليست من مذهبه (كانت إباضية). و أظهرت له المرأة أعجابا و عبرت عن رغبتها للاقتران به، لكنها خشيت أن لا يتم ذلك بسبب الاختلاف المذهبي بينهما. لكن رد السيد ، الذي أوقف حياته كلها دفاعا عن التشيع ، كان بعيدا عن التعصب الطائفي أو المذهبي ، واعتمد على (الحب) والتفاهم كوسيلة للارتقاء والتسامي على الخلاف المذهبي ، قائلا لها : ( بحسن رأيك فيً تسخو نفسك ، ولا يذكر أحدنا سَلَفا ولا مذهبا).
و يجمع رواة الأصفهاني في (الأغاني) على أن السيد كان مولعا بشرب الخمر. وكان خصومه من أنصار الحكومة (السلطان) ، المتأسلمون المداهنون الانتهازيون ، يحرضون ضده ويؤلبون الناس عليه قائلين : (لا تجالسوا هذا فإنه مشهور بشرب الخمر).
لكن هذا المثقف الشيعي المناضل ما كان يعير وزنا لهولاء لأنه يعرف زيف تدينهم ، ويعرف أنهم يهاجمونه بسبب أفكاره ومعتقده. ولهذا فأنه هدد أحدى المرات أحد خصومه قائلا :

سأحلق لحيته إنها شهود على الزور والمنكر

ولكي يجسد التزامه بمذهبه الديني وعشقه للحياة في آن واحد ، فأن السيد الحميري لم يجد غضاضة أن يتحدث في قصيدة واحدة عن مناقب الإمام علي وعن جمال المرأة الجسدي الشهواني :

أقسم بالله وآلائه والمرء عما قال مسؤول
إن علي بن أبي طالب على التقى والبر مجبول

و بعد أبيات و في القصيدة نفسها يتحدث بشهوانية جسدية وبشبق جنسي عن حبيبته ويصف جمال ردفيها وثقل عجيزتها (رداح) وطيب مذاق لُعابها :

ريا رَدَاح النوم خمصانة كأنها أَدماءُ عُطبول
يَشفيك منها حين تخلو بها ضم إلى النحر وتقبيل
وذوقُ ريق طيب طعمه كأنه بالمسك معلولُ
في نسوة مثل المَهَا خُرد تَضيق عنهن الخلاخيلُ


وبالطبع ، لم يسلم السيد الحميري من كيل الاتهامات ضده ، بالمروق على الدين ونشر الأفكار الهدامة و شرب الخمر و خرق النظام العام والتحريض ضد السلطة السياسية. وكان أزلام السلطة السياسية يؤلبون القضاة ضده ، حتى دبر له أحد القضاة تهمة السرقة ليقطعه.


أما الشاعر ابن الحجاج البغدادي ( 330-391 ه) فيوصف بأنه المدافع الشرس عن الشيعة. و هو القائل:

يا صاحب القبة البيضاء بالنجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم تحظون بالأجر والاقبال والزلف

لكن شعر البغدادي ، وقبل ذلك حياته ، لا يختصرها موقفه الفكري الأيماني. الفكر أو العقيدة هي غصن واحد من شجرة الحياة الخضراء متعددة الغصون. وهناك فرق بين الدين كتعليمات محددة ثابتة لا تتغير هابطة من السماء ، وبين (الحضارة) التي يخلقها بشر مختلفون ومتنوعون ، والتي تزخر بكل شيء والتي تتغير من زمن لآخر.
وكانت الفترة التي ولد فيها البغدادي وترعرع وشب و وكبر ، صاخبة وفوارة بكل جديد. كانت فترة الرفض و التمرد والثورات ، وفترة (العيارين) الثوريين ، الذين كانوا يتصرفون بأي طريقة تثبت تمردهم ضد السلطة الحاكمة ، حتى أنهم أباحوا ، تقريبا ، شرب الخمر.
كان البغدادي ابن عصره ، وكان يحيا حياته طولا وعرضا ، باسترخاء ذهني ونفسي وعاطفي وجسدي ، كأي فرد حر يفكر ويقول ويعمل ما يراه عقله صحيحا ، لا ما تراه التقاليد والعادات والعرف الاجتماعي صحيحا.
كان البغدادي يسير عكس التيار الاجتماعي الأخلاقي ، وبطريقة متطرفة. ولهذا فأن مؤرخي الأدب (الرسميين) يحتقرونه ، ويسمونه (سفيه الأدب) ، و (ناظم القبائح) و (مضرب المثل في السخف والمداعبة والأهاجي).
لكن ابن الحجاج ليس قبيحا وإنما القبيح هو عصره الذي عاش فيه ، عصر زيادة الفوارق الطبقية ، و عصر الربح السريع والجاه الزائف ، حتى لو كان الربح على حساب المبادئ.
وكان ابن الحجاج يرى هذا الظلم الطبقي ويعيشه :

مقيما أروح إلى منزلي كقبري وما حضرت منيتي

وكان يسمع و يشاهد كيف يستمتع الحكام وأصحاب الثروات بالجواري الجميلات ، بينما يعاني هو من الكبت والحرمان الجنسي.
قال مرة يداعب امرأة صدت عنه لفقره وعدم وسامته:

فصارت تصد إذا أبصرت مشيبي وتغضب من صلعتي
على أنني قلت يوما لها وقد أمضت العزم في هجرتي
دع عنك ما فوقه عمتي فأن جمالي ورا تكتي
هناك أير يسر العيون طويل عريض على دقتي
..
بياض الشيب تكرهه الغواني ويعجبها سواد في الشباب
وشيب لحى الزناة فدتك نفسي ضراط في اللحى عند القحاب
..
جاءت إلي وجوفها يغلي ولا قدر الزبيب
فسلقت بيضي في آستها وشويت في حرها عسيبي

كان ابن الحجاج يحب ويعشق ويمقت ويشتم ، مدمرا بشدة التابو الاجتماعي.
ولأن ابن الحجاج لم يكن يخفي أرائه ولا ينافق أبدا في سلوكه فأن مبغضيه يعتبرونه شاعرا خليعا وفاسقا ، بينما مريدوه والمدافعون عنه و عشاق شعره الشيعة يبررون له أفعاله ، و يغفرون له أقواله و يُسمونه تحببا (أمير الفحش).
وكان الشيعي ابن الحجاج مولعا بالخمر أي ولع. وكان يجاهر بشرب الخمر علانية ولا يخشى لوم اللائمين بعد أن أوكل أمره إلى الله وحده (يسامحه إذا وضع الحساب):

إذا حضر الحساب أعدت ذكري وتنساني إذا حضر الشراب
أجبني بالقناني والمثاني ووجهك إنه نعم الجواب
وكلني في الحساب إلى إله يسامحني إذا وضع الحساب

يتبع



#حسين_كركوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟
- كيف تغير المزاج الشعبي رأسا على عقب في العراق ؟
- التشيع الخضرائي
- إعصار ساحة التحرير يتقدم بسرعة قياسية
- تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) إلى ديكتاتورية (ما ننطيه ...
- تظاهرات ساحة التحرير: من (المشروطة) حتى ديكتاتورية ( ما ننطي ...
- تظاهرات ساحة التحرير: من (دستورية) الأخوند الخراساني حتى ديك ...
- قراءة في كتاب فالح مهدي : الخضوع السني والاحباط الشيعي. نقد ...
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (القسم الأخير)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (3/5)
- تمعنوا جيدا في هذه المواد الدستورية (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (2/5)
- الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (1/5)
- ( النجف. الذاكرة والمدينة ) : مسح بانورامي للمدينة
- إيران تفجر قنبلة سياسية في العراق
- ماذا لو تجرع العراقيون السنة السم ؟
- مؤامرة، فلتسقط المؤامرة: على هامش الأحداث الإرهابية الأخيرة ...
- نفاق وانتهازية الأحزاب السياسية الإسلاموية في تعاملها مع الس ...
- شيعة الحياة وشيعة القبر


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين كركوش - مَن يقضي على التشيع : (خمر) الحبوبي أم (تدين) الشيعة الجُدد ؟