محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 02:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
25.08.2015
في شهر تموز من العام المنصرم ( ٢-;-٠-;-١-;-٤-;-) كتبت مقالة سياسية تتعلق بالربيع العربي ، وأرسلتها للنشر في أحد المواقع الإلكترونية ، وفوجئت برد بعثه إلي أحد الذين استشارهم الموقع في إمكانية نشر هذه المقالة من عدمه ، بوصفه أحد معارفي والقريبين مني . لقد كان مضمون رد هذا الرفيق هو الاعتذار عن نشر المقالة في الموقع المعني ، ذللك أنها (المقالة) تدور حول " الربيع العربي " الذي نعتبره نحن ( والكلام للصديق ) " ربيعا صهيونيا " (!!) .
لقد كانت إجابة ذلك الصديق مفاجئة وصادمة ، بل وغريبة ، وبما أنني كنت وما زلت أحترم ذلك الصديق، وأحترم ال " نحن " التي حشدت الإمبريالية (أمريكا وبريطانيا خاصة) قوتها العسكرية التدميرية الهائلة للقضاء عليها ذات يوم ، فقد وضعت تلك الإشكالية التي تضمنها جواب الصديق على جدول أعمالي اليومي بحثا عن جواب مقنع لها . هذا ويمثل عنوان هذه المقالة ، الجواب الأوّلي الذي أمكنني الوصول إليه للوقوف على الأبعاد الحقيقة لجواب ذلك الصديق في وصفه ل " الربيع العربي " ب " الربيع الصهيوني " . إن ثورات الربيع العربي التي افتتحتها تونس عام 2011 ، لايمكن لبشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر وعبد الملك الحوثي وقاسم سليماني ، أن يقرأوا على قبرها سورة " الفاتحة "، ذلك أن جذورها غائرة في أعماق التاريخ العربي والوعي العربي ، القديم منه والحديث ، " شاء من شاء ، وأبى من أبى " .
1. يعتبر من أبرز نتائج الحرب العالمية الأولى ، فيما يتعلق بالوطن العربي ، أولاً ، تجزئة هذا الوطن ( سايكس - بيكو ) وتحويله من دولة واحدة إلى أكثر من عشرين دولة ودويلة ، وإخضاعها للانتداب والاحتلال وبالتالي لهيمنة الدول المنتصرة في الحرب ، ولا سيما الدول الرأسمالية الكبرى منها . وثانياً ، تنفيذ إنكلترا وعدها للصهيونية العالمية ( وعد بلفور ) بإنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين ، والذي كان واقعياً مشروعا امبريالياً عامّاً وليس بريطانياً خاصّاً . حيث مثل الكيان الصهيوني في فلسطين " مسمار جحا " النظام الرأسمالي العالمي في الوطن العربي ، من حيث تحويل هذا الكيان ، إلى ثكنة عسكرية كاملة التجهيز والتسليح ، وظيفتها الحيلولة دون أن يخطر ببال أي عربي إمكانية العودة إلى ماقبل سايكس - بيكو ، سواء فيما يتعلق بالوطن العربي عامة ، أو مايتعلق بفلسطين خاصة .
2. لقد ترتب على قيام الوحدة السياسية بين سورية ومصر ( جمال عبد الناصر ) عام ١-;-٩-;-٥-;-٨-;- انقسام الفكر الأيديولوجي في سورية على نفسه حول مسألة الأولوية بين الوحدة والحرية ( الديموقراطية ) ولا سيما أن الدول الرأسمالية التي باتت توصف بالدول الديموقراطية ، والتي تعتبر الكيان الصهيوني واحداً منها ، أصبحت هي حامية التجزئة (سايكس - بيكو)وحامية الأنظمة العسكرية والقبلية والطائفية ( الديكتاتورية / اللاديموقراطية ) التي انبثقت عن هذه التجزئة ، والتي تلاعبت الدول المنتدبة بالحدود الجغرافية لها بما يتلاءم مع مصالحها الاستعمارية ، ويرسخ تبعية هذه الكيانات القطرية الجديدة لها ، حتى بعد أن تتحول إلى دول مستقلة ( ذات سيادة !! ) .
3. إن الديموقراطية الحقيقية ، عادة ماتستلزم كلّاً من التعددية و التبادلية ، وكلاهما يتناقض مع الاستبداد والديكتاتورية ، أي مع حكم الحزب الواحد ، والقائد الواحد ، والأسرة الواحدة ، والقبيلة الواحدة ، والذي هو تطبيقياً شكل من أشكال ( الأحكام العرفية ) وتهميش لدور الشعب ، وذلك بغض النظر عن كون هذا الديكتاتور ( المستبد ) عادلا أو غير عادل . لا شك أن حكم " المستبد العادل " ينطوي على بعد ديموقراطي نسبي ( حكم الحزب الواحد يختلف عن حكم الفرد الواحد )،وعلى بعد أخلاقي نسبي ( العدل والنزاهة) ، ولكن ذلك لايغير من أمر تهميش الشعب ومؤسسات المجتمع المدني كثيراً، حيث تبقى الجماهير تشعر بالغبن وبالتهميش ، أمام حكم / تحكم الأقلية ( الحزب الواحد ، الأسرة الواحدة ، القبيلة الواحدة ، القائد الواحد ... الخ ) والتي ربما تكون مخترقة من الدول الإمبريالية ،التي تظهر لها مالا تبطن .
4. لقد شهدت سورية في المرحلة التاريخية مابعد الحرب العالمية الثانية ،( مابعد الاستقلال 1946) إشكالية جديدة مثلثة الأبعاد : البعد الإسلامي ، البعد القومي العربي ، البعد القطري ، وهي أبعاد متداخلة ومتمايزة في آن واحد ، الأمر الذي ترتب عليه نوع خاص من الصراع السياسي والاجتماعي ، أدّى إلى تجذر وتعمق البعد القطري على حساب البعدين الآخرين ( الإسلامي والقومي العربي ) ، بل إن الدولة القطرية نفسها بدأت تتمايز داخلها الأقوام ( عرب ، كرد ) والمذاهب ( إسلام ، مسيحية ) والطوائف ( سنة ، شيعة ) والرؤى الفكرية ( العلمانية ، الدينية )، بعد أن غيب ( وإن بدرجات متفاوتة) البعد القطري الجديد
( التجزئة )، البعدين التوحيديين السابقين ( الإسلام والعروبة ) ، وذلك بالمعنى السياسي و الأيديولوجي في آن واحد .
لقد شهدت مرحلة مابعد رحيل الجيش الفرنسي وانتهاء الانتداب ، ظهور اربعة تيارات سياسية وأيديولوجية رئيسية هي : التيار القطري ( الحزب القومي السوري ، الأحزاب والجماعات الليبرالية ) والتيار القومي العربي العابر للقطرية ( حزب البعث ، القوميون العرب ، الناصريون ) وتياران أمميان عابران لكل من القطرية والقومية معاً هما : التيار الديني ( جماعة الإخوان المسلمين ) ، والتيار الماركسي اللينيني (الحزب الشيوعي) . وبما أن الرأسمالية هي بدورها نظام عالمي عابر بدوره للقطرية والقومية ( كالتيارين الديني والماركسي ) ، فقد اعتبرت هذين التيارين العالميين ، المختلفين معها سياسيا وأيديولوجيا ، العدوّين الرئيسيين لها . حيث استطاعت أن تسقط الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن المنصرم ، وهي اليوم تضع كافة إمكانياتها المادية والمعنوية في محاربة كل من الفكر والتيارالإسلامي ، و الفكر والتيار القومي ، وقد تجلّى ذلك في العراق عام 2003 ( الغزو الأمريكي ـ البريطاني) وفي مصر عام 2013 ( انقلاب السيسي على مرسي ) ، وفي فلسطين بعد اتفاق أوسلو (التنسيق الأمني بين سلطة محمود عباس وإسرائيل ) حيث تعاونت الأنظمة العربية والحكام العرب مع الغزو الخارجي ضد أبناء جلدتهم في العراق وفي فلسطين ، ومع الديكتاتورية ضد الديموقراطية في مصر ، ومع الأقلية ضد الأكثرية في سوريا .
5. إن ثورات الربيع العربي إذن إنما جاءت لتصويب اتجاه البوصلة العربية ، وتصحيح مسارها ، وهو ماأثار حفيظة الغرب وإسرائيل ، ومعهم عدد من الأنظمة العربية ، ودفعهم إلى " التحالف " ضد هذا الربيع ، ولكن بعد استبدال تعبير الربيع العربي بتعبير " الإرهاب".إن محاربة الإمبريالية العالمية لثورات الربيع العربي بعد عام 2011 ، إنما هي في حقيقتها ، من جهة حرب ضد التيارين الإسلامي والشيوعي في الوطن العربي ، ومن جهة أخرى حرب استباقية ضد التيارالقومي العربي، الذي يمكن أن يكون البديل الموضوعي للتيار الإسلامي في الوطن العربي ، في مرحلة لاحقة من مراحل ثورات الربيع العربي .
لقد أخذت محاربة الغرب ( أمريكا خاصة ) لكل من التيارين الإسلامي والقومي في دول الربيع العربي ،عدة أشكال ، تراوحت بين استخدام القوة الغاشمة في العراق عام 2003 في فترة بوش الإبن، والقوة الناعمة ( الجزرة وأخواتها ) بمصر بزمن أوباما ،وأيضاً مابين هاتين القوتين من الكذب والتضليل واللعب بورقة البنية الاجتماعية للدول المعنية ( الأقلية والأكثرية )، والبنية الأيديولوجية ( الليبرالية مقابل التمسك بالتراث ) والتظاهر الكاذب بالحرص على الديموقراطية وحقوق الإنسان ، وبالذات حقوق المرأة والطفل ، الأمر الذي فضحه و يفضحه ، الصمت المطبق ( لاعين رأت ولا أذن سمعت !! ) على مجازر بشار الأسد في سوريا ولا سيما مجازر الأطفال والنساء في الغوطتين !! .
6. إن وصف صديقنا الذي أشرنا إليه أعلاه ، الربيع العربي بالربيع الصهيوني ، إن هو على مايبدو ، وعلى مانأمل ، ليس أكثر من ( كبوة فارس ، ونبوة سيف ) ، أعرف من جهتي أسبابها البعيدة والقريبة ، وأعرف بعدها الأخلاقي عند ذلك الصديق ولكن ، ومع ذلك ، لايمكنني إلاّ أن آخذها منه على محمل الجد . فلو كان الربيع العربي ربيعاً صهيونياً ، ـ أيها الصديق ـ لما جندت الصهيونية العالمية مافوقها وما تحتها للقضاء عليه ، ولما عادت الولايات المتحدة الأمريكية ، بقوتها الخشنة والناعمة إلى العراق اليوم ،( بعد طردها منه ) لتدافع عن نظامه الطائفي ، ولتحميه من لهيب ثورات الربيع العربي . إن سكوت الغرب على الدور الإيراني في العراق وسورية واليمن ، إنما هو ـ من وجهة نظرنا ـ واحد من أشكال التآمر الغربي على ثورات الربيع العربي ، التي يخشون أن يمتد لهيبها إلى الدول العربية العميلة لهم ، والتي تقع تحت حمايتهم . كما أن تعاملهم (الرمادي) مع ظاهرة " الدواعش " في سورية والعراق ، إنما هو جزء لايتجزأ من موقفهم الحقيقي من خلق وتأجيج الصراع المذهبي والقومي والطائفي ، وبنوعيه ( السلمي والمسلّح )، وإطالة مدته ماأمكن . لقد مثلت ثورات الربيع العربي بشعاراتها الوطنية المخرج الديموقراطي الآمن من هذا المأزق التاريخي ، الذي وضعت ( بضم الواو ) بلادنا بعد الحربين العالميتين فيه ، الأمر الذي أقضّ مضاجع الإمبرياليين وعملاءهم في المنطقة ، وسارعوا إلى دمغ هذا الربيع العربي ومماهاته بالإرهاب ، والإرهاب منه براء .
لقد عكست ثورات الربيع العربي موقف الجماهير الشعبية عامة ، وموقف جماهير الشباب خاصة من الآستبداد والفساد والهيمنة ، هذا الموقف الذي جسده شعار شباب بيروت يوم أمس والموجه للسياسيين اللبنانيين : " طلعت ريحتكم" ، وهتاف شباب البصرة في ساحة التحرير : " إيران برا برا بغداد تبقى حرة " ، و هتافات شباب سوريا في كافة المدن والقرى : " الموت ولا المذلة " ، " سورية بدها حرية " .
ـــــــــــــــــــــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟