أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - بين أزمير وياس خضر














المزيد.....

بين أزمير وياس خضر


ستار جبار سيبان

الحوار المتمدن-العدد: 4901 - 2015 / 8 / 19 - 01:44
المحور: الادب والفن
    


بين ازمير وياس خضر
( 1 )

كما هي الدنيا تحتضن بيديها من جاءها وليداً باكياً بعد أن لفظته ظلمات ثلاث ، وهناك من هم بانتظاره تسعة أشهر أو ربما سنين ، يستقبلونه بفرح غامر وسعادة لاتوازيها سعاده ، وكما نودّع من عاش معنا بعد ان اطبق الصمت على جوارحه ، ونحن نشيّعه جثة هامدة بدموع تترك اثار حرقتها وألمها على جدران القلوب ، كذلك هي صالة المطار التي وطأتها قدميّ لأول مرة بعد أن تجاوزت العقد الرابع من عمري ، متطلعاً الى نهايات تشعرني بشئ من الطمأنينة والراحة .
تدور أشرطة بلاستيكية عريضة أمام جمع من المسافرين المحتشدين وهم ينتظرون لحظة الأنقضاض على حقائب لهم ، كبيرة ومتوسطة الاحجام تضم بداخلها عطور وفساتين وكتب وذكريات واشياء اخرى ، ترفعها أكفهم بفرحٍ مستبشرة بأيام قد تطول سعادتها حتى الساعات الاخيرة من العمر ، وهم يحتضنون وجوه وأجساد أعياها الانتظار القاتل .
بخطى ثقيلة كمن يحمل اثقالاً على كاهله ، تركت خلفي صالة المغادرة ، متوجهاً مع الاخرين الى الباص الذي يقلنا الى الطائرة التى بسطت جناحيها على ارض المدرج ، كنسر وثب على فريسته بعد ان غرز مخالبه في جسدها ، منتظراً لحظات لاستعادة انفاسه ، حتى يركل الأرض بكعب اقدامه ويحلق بعيداً وهو يبقر بطن السماء ، باحثاً عن مقر ومستقر ليهنأ بطعامه وشرابه ، شعرت وانا ارتقي سلّم الطائرة كم كنت صغيراً وهيناً ومبعثراً في داخل هذه الكتلة التي تحملني على ارض الوطن ، ماهي إلا لحظات حتى يغلق باب الطائرة ويجلسن المضيفات الجميلات اللائي يوزعن ابتساماتهن الرقيقة بالتساوي للمسافرين ، ويودعن في نفوس المنكسرين الطمأنينة والثقة المفقودة ، قد اكون الوحيد على متن هذه الطائرة الضخمة الذي يشعر بالخيبة والانكسار ، خيبات وانكسارات متوالية ورثتها عن ابائي واجدادي ، ولااملك مفاتيح سر وجودها وديمومتها ، تركت انكساراتي وخيباتي تتساقط عني وانا ارتقي سلّم الطائرة العملاقة ، يملأني الأمل بحياة تحفظ ماتبقى للأنسان من كرامة . كعين نبع صاف يتدفق في داخلي صوت ياس خضر وهو يبضع بمشرطه بعناية وخفّة جراح محترف ، آثار ذكرى مؤلمة قد التئمت منذ سنين ، ( مسافرين .. وروحي يطويها الدرب غربه وملامه ) ، يشدني الحنين الى مدينتي ، حين عدت من الديوانية هارباً عبر السياج من وحدتي العسكرية ، حيث لم أحصل على اجازة لمدة يوم او أثنين للاطمئنان على حالة والدي الصحية التي ساءت في الآونة الأخيرة ، ونقل على اثرها الى مشفى متخصص بأمراض القلب في بغداد ، وصلت الكراج الساعة الثالثة بعد الظهر ، كان الباص الأخير نوع سكانيا المتواجد في مكان السيارات المتوجهة الى بغداد ، انطلقت السيارة وقد اسدلنا ستائر النوافذ ، ودارت نسمات هواء المكيف في تلك الظهيرة التي احرقت شمس تموز القائظ المدينة ومن فيها ، كنت استرق النظر من بين الستارتين على النافذة الى المساحات الشاسعة للاراضي الزراعية ، وصوت ياس خضر يملأ جوف الباص الممتلئ بالمسافرين ( مسافرين وعيني مشدوده لدربكم .. را يحين وااخ لو عندي گلبكم ) ،
بدأ بعض ركاب الطائرة بفك احزمتهم والتحرك من اماكنهم ، بعدما اخرجت غازاتها ونفاياتها من مؤخرتها على جبين الوطن ، وهي تنظر اليه باستخفاف وكبرياء ، انها نظرة الاستخفاف التي رمقني بها عريف الانضباط ذو الشوارب الكثة في سيطرة الحله ، حين قلت له ( اني نازل مساعده ) ، والحّ علي بطلب نموذج الاجازة ، من أين آتي لك بالنموذج ، ياصاحب الشوارب المقدسة التي مرغَتها بالوحل اهانات من هم اعلى منك درجة ورتبة ، انزٓ-;-لَني بقوة من الباص ولم تنفع توسلات بعض المسافرين الذين كانت لديهم بعض من شجاعة ، وطلب من السائق بالتحرك وعدم الكلام الزائد الذي لايجدي نفعاً ، كل اعذاري وقصة والدي المريض الذي قد يموت ان لم يكن قد مات ولم احضر وفاته لم تجدي مع هذا الوحش اي نفع ، طلب مني خمسون الف دينار مقابل اطلاق سراحي ، وانا لا املك اكثر من عشرة الآف ، كانت كفه التي نزلت على رأسي بعد ان حاول صفعي على خدي ودفعتها بيدي ، كحجر كبير تهاوى من قمة جبل واكتسح كل شئ في طريقه حتى كرامتي . ماذا تشرب ياسيدي هذا ماقالته المضيفة الجميلة ، التي تشبه الى حد كبيرعارضات الأزياء الفرنسيات ، سأشرب من يديك كل شئ فيه كرامة ايتها الجميلة ، قد لا احصل على فرصة كهذه ، واقتل ظمأي لجمال ساحر كجمالك ، وانا ارتشف من عينيك سحر الحياة وبهجهتها ، ربما لن احظى بمثل هذه الفرصة ، من السهل جداً لواحد مثلي يرافقه حظه السيئ اينما حل أن يكون صيداً سهلاً ولذيذاً لاسماك البحر بين ازمير والجزيرة اليونانية ، الموت لايعني لي شيئاً كثيراً ، ليس هناك من عاش بالقرب من حتفه اكثر مني ، توسلته كثيراً أن ينقضّ عليّ ويقطع انفاسي ويجعل مني حراً ليس لاحد عليّ سلطان ، خصوصاً اولئك اولاد البغايا ، وهم يكيلون لي السباب واللكمات في السجن الذي انتقلت اليه بعد ان ارسلوني مخفوراً من سجن الانضباط العسكري في الحارثيه الى سجن معسكر الغزلاني في الموصل .



#ستار_جبار_سيبان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنما نقاتلهم لوجه الله
- هسه يجي بابا البطل
- اكتب بأسم ربك
- في طريقي اليك ..
- كولا مقدسه
- بدريه
- البوابه
- حبة الحظ .


المزيد.....




- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - بين أزمير وياس خضر