أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهار حسب الله - الوصية ما قبل الأخيرة.. قصة قصيرة














المزيد.....

الوصية ما قبل الأخيرة.. قصة قصيرة


نهار حسب الله

الحوار المتمدن-العدد: 4890 - 2015 / 8 / 8 - 17:56
المحور: الادب والفن
    


عاش أيامه بين جدران غرفته الاربعة.. وأكتوى بنار الوحدة واستنشق رمادها ودخانها خوفاً وغربة..
كان يمارس حياته على نحو تقليدي لا يتجاوز رتابة الواقع اليومي.. وفي إحدى الليالي تملكه خوف لم يستطع الافلات منه..
خوف تسلل سريعاً لأعماق روحه..
اعتقد للوهلة الاولى ان احساسه يشكل علامة من علامات الموت القريب.. احساس حاول ان يوريه التراب خلال ساعات الليل.. حاول جاهداً تحرير نفسه من ذلك الكابوس المخيف، مثلما حاول التظاهر بالهدوء قدر المستطاع، ولكنه شعر بأن أحشاءه تكورت على بعضها لتصبح قطعة واحدة، وان أطرافه بدأت تهتز كأنها ورقة وحيدة على غصن شجرة..
نهض من فوق سريره بعد ان شعر بان العرق يتدفق من مسامات جسده ليرتمي بضجة على الاريكة المصابة بجميع أمراض الشيخوخة.. ليخرج منها تراب الزمن العالق بداخلها.
لم يكن يعاني من مرض مزمن معين.. كانت صحته جيدة، غير انه كان يشم رائحة الموت وهي تقترب منه تدريجياً.. رائحة يجهلها جميع الأحياء إلا هو..
بدد عتمة الغرفة بعد أن أنار مصابيح الغرفة كلها، محاولاً طرد مخاوفه ولو لأجل مؤقت.. غير ان محاولاته باءت بالفشل، وظل يصارع نفسه حتى الغسق.
وردت الى رأسه فكرة ان يدون آخر لحظات حياته، وتطورت الفكرة حتى تحولت الى كتابة وصية..
كتب حروفه بخط مرتبك مرتجف على ورقة سمراء ودفنها تحت رأسه بعدما استلقى على الاريكة وذاب في نوم لا يخلو من الحذر..
ضجيج الناس في الحي الشعبي الذي يسكن فيه لم يسمح له بالنوم طويلاً.. حيث تسللت أصوات المارة وأبواق السيارات الى اذنيه ونبهته باطلالة صباح جديد.. ومن دون ان يفتح عينيه تلمس جسده وتفقد نبضات قلبه وتأكد من استمرارية حياته، فأبحرت المرارة واستنفدت الدموع واصبح الاسى شفافا لدرجة كان يصعب تفريقه عن البهجة المؤلمة بسخريتها..
قبل ان يغادر تابوت الليلة السابقة، فوق أريكته العجوز، مزق وصيته كونها لم تعد سارية المفعول، واستعجل استبدالها بورقة اخرى تناسب التوقيت الصباحي..
تحمم وتعطر بعطر محلي الصنع وارتدى ثيابه المتواضعة، وكتب وصية جديدة بخط اقل ارتباكاً من الليلة الماضية وبتفصيل أكثر عن حياته، وعن شبح الموت الذي يرافقه.. وعمل على طي الورقة أكثر من مرة ووضعها في جيب قميصه..وانطلق يجول بانتظار قدره الشؤم..
ربما غير الموت نظرته تجاهه، أو تجاهله أو انشغل بانجاز مهام أكثر عجلة من روحه، لانه قضى صراعا مع الحياة ورائحة الهلاك التي تمسح عطره المحلي لأكثر من خمسة أيام متواصلة..
كان يعيد كتابة وصيته أكثر من مرتين في اليوم الواحد، ويؤرخ فيها آخر التغيرات والمستتجدات..
ومع دخوله في اليوم السادس بدأ يشعر بالانهاك النفسي والجسدي.. وبدأ يمني نفسه بأن تنتهي محنته في أقرب وقت حتى ولو بموته، لدرجة انه تثاقل من كتابة وصية جديدة، بعدما لمس عدم جدية الموت تجاه روحه المنتظرة.. لكن القدر كان حاسماً صباح ذلك اليوم.
يبدو ان الموت كان يخطط ويرسم له موتاً يليق به.. لدرجة انه اسقط جثته بهدوء على الرصيف وكإنما أراد سحب روحه من جسده من دون ألم.. حتى بدا وكأنه خيط شفاف أفلت من سنارة.
تجمهر الناس حول جثته الهامدة وحاول احدهم كشف هوية الجثة مفتشاً عن البطاقة الشخصية او عنوان السكن..
إلا ان أحداً لم يجد سوى ورقة سمراء كان قد كتب فيها وصيته قبل يوم من رحيله.. والتي تثاقل من تجديد محتواها..
فتحها وقرأها بصوت عال:
انتظر الموت، ربما هو أصعب من أي موت، هذا ما أدركته بعد خمسة أيام من القلق..
آسف جداً لمن يقرأ رسالتي السمراء هذه لانه لن يجد ما ينفعه في جيوبي الخاوية، بعد ان جاهد عناء التفتيش، ولكني اعدك بالتعويض، خذ ساعة اليد التي ارتدي على الرغم من كونها لا تساوي شيئاً، وخذ حذائي وتقبل اعتذاراتي لانني لم اطله منذ زمن.. وامنح قميصي لم تحب ما لم يكن ملطخاً بالدم..
وان سأل الناس عن أسمي ابلغهم بان اسمي هو يوسف.. اخبرهم بأنني لا أحمل اي وثيقة تعريفية لاني كنت لا اخشى السير في مناطق الاقتتال الطائفي.. ولكني مع الاسف اجهل كيفية موتي..
سوف تجد في جيوبي مبلغاً رمزياً.. امنحه لأي فقير تختاره انت..
بحث في جيوبه عن المبلغ المذكور ولكنه لم يجد شيئاً.. غير ان صوت احد المتجمهرين قاطع بحثه:
- لقد سمعت ما كنت تقرأ، وتأكد من أنك لم تجد شيئاً مهما كنت قد بحثت عنه لانه كان قد انفق ما لديه مساء امس، عندما زار مطعمي المتواضع وطلب طبق فاصوليا مع التمن ولم يكن المبلغ كافياً ولكنني تقبلته على مضض.



#نهار_حسب_الله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت والحياة .. أحياناً! / قصة قصيرة
- قصص قصيرة جداً (وطن خرافي، انحناء، عزلة الحب)
- بيت السيدة العجوز.. قصة قصيرة
- قبر فوق السحاب.. قصة قصيرة
- قصص قصيرة جداً (غرف غائبة ملاحقة)
- قصص قصيرة جداً (أنا وبول كلي أنا وشيشرون)
- قصص قصيرة جداً (أنا وألبرت أينشتاين أنا وبول فاليري)
- ينقصنا شيء ما...
- قصص قصيرة جداً (أشلاء من السماء الموت لمرة واحدة رقصة المو ...
- قصص قصيرة جداً (أنا وأنديرا غاندي، أنا وهيلين كيلر)
- قصص قصيرة جداً (أنا وفيكتور هوغو ، أنا وشوبنهاور)
- قصص قصيرة جداً (أنا وبيرل باك، أنا ومارلين مونرو،أنا وبتي سم ...
- قصص قصيرة جداً (أنا ومارتن لوثر، أنا وكونفوشيوس، أنا وألبير ...
- أنا وأصحاب الحكمة.. قصص قصيرة جداً
- أنا والأسماء.. قصص قصيرة جداً
- اشتعالات.. ق.ق.ج
- أنا والكبار.. قصص قصيرة جداً
- أنا والآخر.. قصص قصيرة جداً
- أنا وهنَ.. قصص قصيرة جداً
- أنا وهُمْ.. قصص قصيرة جداً


المزيد.....




- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس
- ترامب يقول إن هوليوود -تحتضر- ويفرض رسوما بنسبة 100% على الأ ...
- حرب ترامب التجارية تطال السينما ويهدد بفرض الرسوم على الأفلا ...
- وفاة الفنان المصري نعيم عيسى بعد صراع مع المرض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهار حسب الله - الوصية ما قبل الأخيرة.. قصة قصيرة