أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس كما هي في الشهادت4














المزيد.....

القدس كما هي في الشهادت4


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4886 - 2015 / 8 / 3 - 13:33
المحور: الادب والفن
    


من القدس إلى برلين

زرت برلين أوّل مرّة في العام 1975. كنت خارجاً من السجن الإسرائيلي بسبب نشاطي السياسي ضدّ الاحتلال. بشكل أدقّ، كنت مبعداً من وطني بموجب قرار اتخذته سلطات الاحتلال ضدّي، أي أنني لن أعود قادراً على العودة إلى القدس.
كان الجيش الإسرائيلي قد احتلّ الجزء الشرقيّ من القدس بعد هزيمة 1967 ، وبعد ذلك بأسابيع اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتوحيد القدس. بعد ثماني سنوات من الاحتلال، لم يعد لي مكان في المدينة الموحّدة بسبب قرار جائر. فالوحدة التي تخفي في طيّاتها احتلالاً لا تبشّر بأي خير لي أو لشعبي.
آنذاك، حينما زرت برلين كانت المدينة مقسّمة. نزلت في برلين الشرقية في بيت صديق فلسطيني مقيم هناك، وكان عليّ أن أجتاز سور برلين كلّ يوم، لكي أشارك في مؤتمر دولي للمسرح عقد في برلين الغربية. كانت تأشيرة المرور الممنوحة لي من سلطات برلين الشرقية لا تتجاوز مدّتها أربعاً وعشرين ساعة، ما يعني أنني مضطرّ للعودة كلّ مساء إلى برلين الشرقية والحصول على تأشيرة مرور جديدة، أتمكّن بموجبها من اجتياز السور، والتوجّه إلى برلين الغربية للمشاركة في المؤتمر في النهار، والعودة في المساء إلى برلين الشرقية. كانت إجراءات العبور بين شطري المدينة المقسّمة تبدو لي غير طبيعية على الإطلاق.
مع ذلك، استمتعت بالتجوال في شطري برلين، وكنت أدرك أن شعباً واحداً يعيش مقسّماً بسور أملته ظروف سياسية معقّدة فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية واندلاع الحرب الباردة بين الشرق والغرب. وكنت وأنا في برلين، أحدّث أصدقائي العرب والألمان الذين تعرّفت إليهم في تلك الزيارة، عن القدس التي ولدت فيها ثم حرمت من العيش فيها. كانت برلين المقسّمة آنذاك تسبّب الأسى والحزن لكثيرين من الألمان على جانبي السور، وكانت القدس الموحّدة تسبّب لي ولشعبي ولملايين العرب والمسلمين والمسيحيين على امتداد العالم معاناة، ما زالت ماثلة في الواقع وفي الأذهان حتى الآن.
شاركت في شهر أيلول من العام 2008 في مهرجان ثقافي في مدينة ستافنجر النرويجيّة، مكرّس للبحث في الأسوار التي تقسّم المدن أو البلدان، مثلما تقسّم البشر وتعزلهم عن بعضهم بعضاً حينما تنتقل هذه الأسوار من على الأرض، لتصبح ماثلة في العقول وفي الأذهان. وقد شاركت في ندوة حول الأسوار أنا والكاتب الألماني ثوماس برسيغ الذي كتب عن سور برلين، والكاتب الإيرلندي جلين باترسون الذي كتب عن سور بلفاست.
تحدّثنا في تلك الندوة عن الأسوار: عن سور برلين، سور بلفاست، وسور القدس. وتحدّثنا عن الضرر الناشئ عن إقامة مثل هذه الأسوار، وعن العقليّة التي تقف وراءها وترتضيها كما لو أنها أمر طبيعي لا غبار عليه، في حين أنها غير طبيعية بالمرّة وهي منافية للعقل السليم وللتفكير السليم وللعلاقات الطبيعية التي يجب أن تظلّل حياة البشر، ثم إنّ فيها اعتداء على المدن نفسها، على جمال العمران فيها، على انسياب الحياة الطبيعية فيها، وعلى منطق الحياة السويّة التي تكره كلّ ما يعيق الحركة والتواصل والانسجام.
تحدّثت في حقيقة الأمر عن سورين اثنين يحيطان بمدينة القدس. السور التاريخي الذي يحيط بالقدس القديمة، والذي بني قبل آلاف السنين وأعيد ترميمه قبل خمسمائة عام في زمن العثمانيين حينما حكموا القدس. هذا السور يعتبر امتداداً طبيعياً للمشهد العمراني في المدينة، ويشكّل الآن أثراً تاريخياً مهمّاً فيها، في حين كان في الماضي يحميها من الغارات الخارجيّة والغزوات.
أما السور الثاني، فهو الذي شرع حكّام إسرائيل في بنائه قبل بضع سنوات، حول القدس الشرقية وعلى امتداد الضفّة الغربية، ويبلغ طوله ما يقارب سبعمائة كيلومتر، وهو مكرّس لاقتطاع مساحات واسعة من أراضي الضفّة الغربية الفلسطينية المحتلة، ولضمّها إلى إسرائيل، وكذلك لعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني وضمّها نهائياً إلى إسرائيل باعتبارها مدينة يهودية. يجري ذلك في تجاهل تامّ للحقيقة التي تقول إنّ القدس مدينة عربية إسلامية ذات امتدادات مسيحيّة، وفي تجاهل تامّ لحقيقة أنّ غالبية الدول في عالمنا المعاصر ترفض تهويد القدس الشرقية وضمّها إلى إسرائيل.
وأنا أكتب عن برلين الآن، فإنني أتطلّع بشوق إلى التجوال في شوارعها وساحاتها إبّان انعقاد المهرجان الثقافي فيها، لكي أتذكّر زيارتي الأولى لها حينما كانت مقسّمة، ولكي أكون على مقربة من ثقافتها المكرّسة للحبّ والتسامح والتواصل بين البشر على أسس من الاحترام المتبادل وصيانة كرامتهم الوطنية وحقوقهم.
وسأظلّ أذكر وأنا في برلين الموحّدة، أنّ الفلسطينيين ردّوا وما زالوا يردّون على المقولة الإسرائيلية الإقصائيّة: قدس يهودية موحّدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل، بمقولة فلسطينية أكثر استجابة لمنطق العصر ولحاضر المدينة ومستقبلها: قدس موحّدة وعاصمة لدولتين مستقلّتين جارتين.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس كما هي في الشهادات3
- القدس كما هي في الشهادات2
- القدس كما هي في الشهادات1
- القدس كما هي في المشهد اليومي26
- القدس كما هي في المشهد اليومي25
- القدس كما هي في المشهد اليومي24
- القدس كما هي في المشهد اليومي23
- القدس كما هي في المشهد اليومي22
- القدس كما هي في المشهد اليومي21
- القدس كما هي في المشهد اليومي20
- القدس كما هي في المشهد اليومي19
- القدس كما هي في المشهد اليومي18
- القدس كما هي في المشهد اليومي17
- القدس كما هي في المشهد اليومي 17
- القدس كما هي في المشهد اليومي16
- القدس كما هي في المشهد اليومي15
- القدس كما هي في المشهد اليومي 14
- القدس كما هي في المشهد اليومي 13
- القدس كما هي في المشهد اليومي12
- القدس كما هي في المشهد اليومي11


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس كما هي في الشهادت4