أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة سلمان عبد الرسول - الأيقونة الافريقية -سنغور-















المزيد.....

الأيقونة الافريقية -سنغور-


سميرة سلمان عبد الرسول

الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 21:34
المحور: الادب والفن
    



يقول ليوبولد سيدار سنغور :
«ان الصورة لا تأثير لها على الافريقي اذا لم تكن ايقاعية. فالإيقاع هو الذي يكمل الصورة بتوحيدها مع الاثارة والحس، ومع الروح والجسد».

هذه الخاصية ميزت شعر سنغور، اذا استثنينا المرحلة الاخيرة بعدما اصبح رئيساً. وكما يقول الناقد وليم اوكسلي، فإن سنغور لم يكن يبحث عن الاثارة، بقدر بحثه عن الرموز المكتنزة بالإرث الافريقي، والمشحونة بالصورة والايقاع. وهذا ما يفتقد اليه، حسب رأيه، الشعر الانجلو ـ اميركي. ان الشعر، عند سنغور، يجب ان يسمع كما الموسيقى، فهو ميت على الورقة ما لم تبعثه الاصوات الى الحياة، تماماً مثل الموسيقى. وهي خاصية افريقية بامتياز. فما أن «تسمي شيئاً في افريقيا، حتى ينبعث المعنى المختبئ تحت الاثارة».
سنغور... ذلك الرجل الذي بقي وفيا للطالب الافريقي الذي لم يغادره حتى بعد أن صار شاعرا مرموقا ووجها ثقافيا بارزا في باريس وأول رئيس شاعر للسينغال المستقلة. وحكاية سنغور الطالب الافريقي بدأت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي حيث أنه لم يذعن لثقافة الآخر ولم يتخل عن نغمات تلال بلاده أو نباتات أرضه المتسلقة ليذوب مفتونا بالأنوار وبوجوه الفرنسيين الشديدة البياض ولم تنسه مقاهي باريس الجميلة أنه فتى من «جوال» السينغالية المستعمرة وانه مدان في لونه وفي هويته. فما كان منه إلا ان شمر عن روح الجد ووضع يده في يد الطلبة الآفارقة وجندوا أصابعهم السوداء للكتابة والنضال في نشريه لم يجدوا لها عنوانا أجمل أو أصدق من عنوان «الطالب الأسود» وفيها عبر سنغور ورفاقه عن رفضهم للعنصرية وقدموا أنفسهم سفراء للون الأسود الذي لم يمنعهم من رؤية جمال أمهاتهم ولا من أن يقعوا مغرمين بجدات ناعومي كامبل.
وتلك «النشرية» التي كانت بمثابة الموقد الذي يجعل للالتفاف معنى وجدوى، نقلت الثورة العاصفة بوجدان سنغور فكتب وكثيرا ما كان يقول «الأبيض لا يستطيع البتة أن يكون أسود لأن السواد هو الحكمة والجمال». إنها شعرية السواد وفلسفته التي كي يعيها الآخر وينفذ إلى مقولاتها وقصائدها المنثورة في أعماق التلال المستديرة، لا بد ان يتوفر له دليل خاص جداً يمكنه من قراءة شفرات ما تحت اللون وما بعد اللون. طبعا لا شك في أن أول من قال بالزنوجة هو "ايميه سيزار" الذي يعود أصله الى جزيرة المرتنيك، إلا ان المتفق عليه هو أن ليوبولد سيدار سنغور هو فيلسوفها. ومن خلال فلسفة الزنوجة، طالب الشاعر الرئيس الراحل بعدم الأخذ بالتمثل الفكري الذي خنق الشخصية الزنجية مع إعادة التباهي بأفريقيا عن طريق شرح العادات والأغراض والمؤسسات القبلية وتزكيتها وتمجيد الأبطال الافريقيين. ولولا تعدد اللهجات عند الأفارقة السود لحقق مشروع تصدير قيم الزنوج من أجل دمجها ضمن القيم الحضارية الأخرى نتائج سحرية الوقع والتحقق. وبذلك يكون سنغور قد تفطن باكرا إلى قيمة المعطى الثقافي في الصراع بين الحضارات وخبر بفضل الشاعر الساكن فيه ان لا شيء يمسح الفرد من الوجود مثل زوال هويته او طحن ذاكرته من أقدام لا تملك سوى الغزو طريقة في المشي! ومثل هذا النضال كان أبعد ما يكون عن ترف يمارسه شاب افريقي في باريس الساحرة، ولم يكن مجرد شطحة من شطحات إيقاع «التام تام» الافريقي، بل كان أشبه ما يكون بالسير فوق الإبر والمسامير في ظرف نشدت فيها العنصرية أوجها فدخل السجن في ألمانيا وأقام محاطا بالقضبان الشاهقة مدة سنتين وهي مدة كانت كافية جدا كي يتعتق حب سنغور للزنوجة وكي يفعل فيه الحنين الويلات المحببة مما جعل للألم طريقا أيسر وأسرع وأكثر تلقائيا ساعة شعوره بالأذى، فتمكن من طي المسافات الفاصلة عن الصدق وأطلق العنان للألم وللغضب ليمتزجا بموهبة شاعر فذ وزنجي مفتون بزنجيته فكتب قصيدة قاسية في نيويورك عندما زار حي الزنوج بها ووجد أبناء جلدته يعانون التهميش والإقصاء حتى العنق، وفي هذه القصيدة الطويلة والقديمة يقول:
" نيويورك ...
اسمعيني يا نيويورك
دعي دمي يجري في دمك
عساه يزيل الصدأ
عن مفاصلك الصليبية
كأنه زيت الحياة
فيكسب جسورك استدارة التلال
ومرونة النباتات المتسلقة
انظري... ها هي الأزمنة الغابرة تعود مرة أخرة
وتستعاد الوحدة والرفاق بين الأسد والثورة والشجرة
وترتبط الفكرة هنا بالعمل والأذن بالقلب والإشارة بالمعنى. وكل ما جاء في دواوين سنغور الثمانية يدور حول عشقه الجارف لأفريقيا وهو المحور المسيطر في مجموعته الأولى «أغاني الظل» وكل المحور في مجموعتي «قرابين سوداء» و«ليليات» الشيء الذي أكسب شعره طابعا عالميا ما كان ليحققه لو سلم مفاتيحه لثقافة الآخر لتحوله إلى جندي هزيل يقف في آخر طابور الجنود الفرنسيين. وبالرغم من أن قصيدته المناضلة تنطق بلغة موليار فإن سنغور عرف كيف يتمسك بما هو عصي على التفريط، فكتب في مقدمة ديوانه «حبشيات» بأن القصيدة التي يطاردها هي عبارة عن «رقصة حب» زنجية يحضر فيها إيقاع الروح الزنجية ومعانيها الاصيلة مضيفا في نفس المقدمة نفسها بان الشعر ليس مونولوجا ولكنه حوار مادته الحقيقة. ومن فرط هوسه بأفكاره لم يكتف سنغور بالتعويل على «نشرية الطالب» أو على مدونة شعره الغزيرة التي تتغذى من موروث الأساطير بل سخر قسطا من جهده وعمره لنشر أربعة كتب تحت عنوان «حرية» تناول فيها فلسفته وأفكاره بالتحليل وبالاسترسال.
ومن أجل كل هذه الاعتبارات لم يمح منصب الرئاسة الذي تولاه سنغور في سنة 1960 وجلس عليه إلى غاية 1980 صفة الشاعر عن الرجل بل انه لم تتوقف فيه كينونة الشاعر التي دفعته إلى أن يكون اول من يضفي الديمقراطية على الحياة السياسية في بلاده ولأنه الشاعر الرئيس حققت السنغال كل النقلة التي حققتها. وبلغ به الوفاء (سنغور الشاعر) أن يتخلى عن السلطة قبل أن تفكر في التخلي عنه فبقي شامخا في الأذهان والوجدان لأنه عرف كيف يخرج بمثل الهيبة التي دخل بها عالم السلطة.
إن سنغور الذي مات عن سن تناهز 95 سنة تكمن قوته في أنه لم يقو على تمزيق صورة الطالب الزنجي فيه فنما كشجرة السنديان بمطر حقيقته، إذ انه لو كان رجلا مزيفا لمات فيه الشاعر أول ما تسلم مقاليد الحكم ولتوقف عن إبداع البؤساء ولأنتظر سقوط آخر أسنانه أمام السينغاليين. مات سنغور الذي لم يكن رئيسا شاعرا بقدر ما كان الشاعر الرئيس، مكتفيا بالعيش معنا أقل من سنتين في قرن تتعارض مقدماته مع إنسانية سنغور وحكمته المعروفة عنه.
لكن من الغبن ان نحصر سنغور في مشروعه "الزنوجي" التحرّري وفي نضاله وهويته السياسية. فهو شاعر اولاً وأخيراً وشاعر ذو مراس فريد في اللغة الفرنسية وذو جذور تضرب في عمق التربة الافريقية والذاكرة الجماعية والتراث الشفوي واللاوعي العام. واستطاع سنغور عبر شعره اولاً وعبر مواقفه السياسية والثقافية ان يكون بمثابة الجسر بين حضارتين أو ثقافتين: الثقافة الافريقية والثقافة الفرنسية، الثقافة الحديثة والثقافة التقليدية او الشعبية... وهكذا كان سنغور واحداً من رواد "الحوار" الحضاري الحقيقي القائم على الاحتجاج والرفض والسجال وليس على الإذعان والمماثلة. فهو إذ اعتمد لغة الآخر او المستعمِر فإنما ليكتب فيها ما يمثل حال القطيعة معه، وما يجسد أفكاره هو الذي كان طوال سنوات ضحيّة من ضحايا الآخر. لقد مثلت تجربة سنغور الطويلة ذلك اللقاء الثقافي الحقيقي، بل ذلك "المفترق" كما يحلو له ان يقول، "مفترق من يعطي ويتلقى"، مفترق التعدد و"التهجين". لا يخفي سنغور تأثره بالشعر الفرنسي الحديث الذي كان دأب على قراءته منذ الفتوة مثلما لا يخفي تأثره بالتراث الشعري الشفوي الذي كان يتناقله الرواة والمغنون والشعراء الأفارقة ولم يتوان في احيان عن اعلان هؤلاء نماذج يحتذيهم. وربما من هنا، من هذا الأثر العميق، تنبع غنائية سنغور التي تمثل الطابع اللافت في شعره. والغنائية هذه قد تكون نتاج ذلك اللقاء بين الثقافات، فالضمير المتكلم الأنا كما يقول الناقد الفرنسي جان لويس جوبير ليس معهوداً في الشعر الافريقي. وقد استخدمه سنغور مرسخاً نزعته الغنائية المنطلقة من "الذات" نحو "الآخر" القريب أو المختلف. والقصائد التي كتبها سنغور في باريس الثلاثينات تعبّر عن احوال العزلة والقلق التي كان يعيشها الشاعر الشاب الذي كان لا بد لمدينة عظيمة مثل باريس من ان تصدمه. وعندما جمع سنغور اعماله الشعرية وضع قصيدته الشهيرة In Memoriam في مستهلها وهي اصلاً القصيدة الأولى في ديوانه الأول "اغنيات الظل". ويقول سنغور في مطلعها: "انه الأحد. أخاف هذا الحشد، حشد اشباهي ذوي الوجوه الحجرية. من برجي الزجاجي الذي تسكنه آلام الصداع، والأسلاف المتلهّفون، أتأمل السقوف والتلال يغطيها الضباب...". وفي وسط تلك الغربة لم يكن له إلا ان يستعيد بلاده الأولى التي يصفها بـ"الجنة"، "جنة الطفولة" أو "المملكة" التي، كما يعبّر، عاش فيها واستمع الى الكائنات الخرافية وهي تتحدث عبر الأشياء والعناصر. بدا ديوان سنغور الأول "أغنيات الظل" أشبه بالاحتفال بـ"مملكة الطفولة" في ما تضمّ من طقوس وأغنيات وأناشيد وسهرات قروية ورواة وسحرة وأطياف هي أطياف الآباء والأجداد الذين يحضرون بشدة اصلاً في شعر سنغور. اما الحكمة التي يمكن استخلاصها من ذلك الديوان فهي "التحسّر على البلاد السوداء، البلاد الأولى التي مهما ابتعد الشاعر منها تظلّ في نبضة "
*(شاعر الزنوجة والالتزام و"الرئاسة" / جريدة الحياة / مقالات)
*(أورفيوس الأسود.. إيقاع أفريقيا الصاخب في قلب أوروبا)



#سميرة_سلمان_عبد_الرسول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولادة اخرى/ شعر فروغ فيرخندة / شعر مترجم
- الفن الثامن
- الشاعرة الايرانية فرانغ فرغ خوردة
- التطبب بالأدب والفن
- مقال مترجم/ ابنة اللورد بايرون و الكومبيوتر
- سر تعلم أي شيء : نصيحة ألبرت اينشتاين لولده
- الأعمال الروتينية للأدباء ومشاهير الكتاب في العالم
- الاقزام الرماديون قصة لمن لا زال نبضهم يشع صبا وشبابا
- مقال مترجم / عاطل عن العمل ؟ ليس عليك ان ترضى بأي فرصة
- فن الدوغما او السهل الممتنع


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة سلمان عبد الرسول - الأيقونة الافريقية -سنغور-