أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الثانية















المزيد.....

الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الثانية


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 11:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجمهورية الرومانية
مقدمة:
بهدف الترابط العضوي للموضوع سأعمد إلى إعادة المقدمة في كل حلقة.

يعمل النظام السلطوي على مبدأ القوة الطاردة المركزية التي تلقي بعامة الشعب على هامش الفعل السياسي والإجتماعي والثقافي،بينما تبقي على حفنة من السياسيين في مركز صناعة القرار لتحتكر عملية البناء والتخطيط والإدارة، مما ينتج عن اعتلالات بنيوية خطيرة، تتمثل في هشاشة المؤسسات وتوتر الصراع بين الطبقات والفئات الإجتماعية والكيانات الثقافية،وقطيعة أو شبه قطيعة بين الأمة والدولة. بالمقارنة تعمل الديمقراطية بصيغتها المثالية على مبدأ الاحتواء لا الإقصاء، فهي تخلق فضاءات واسعة لمشاركة وتفاعل الجميع للوصول إلى حلول وسطية، من شأنها خلق حالة توازن بين مصالح الطبقات والمكونات الإجتماعية والثقافية، وبهذا تنتج مجتمعاً متماسكاً، وتفتح قنوات تواصل فعالة بين الأمة والدولة.
من نافل القول أن الأنظمة الديمقراطية هي الأمثل في إدارة الحكم وبناء المجتمعات، إلا أن فجوةً واسعة تجدر دراستها بين صيغتها المثالية والواقع الحقيقي للتجارب الديمقراطية، منذ مهدها الأول في أثينا إلى الديمقراطية المعاصرة التي تخفي ملامح شيخوختها خلف ماكنتها الإعلامية العملاقة، فبينما تعد الديمقراطية بتساوي الفرص للجميع ، يظهر جلياً أن البعض أكثر تساوياً من الأخرين حسب تعبير جورج أرويل الساخر.
إذا كان ماركس قد اشاد بالديمقراطية على اعتبارها مشروعاً حضارياً رائداً، فإنه لم يتوقف عن نقد الطبقة الحاكمة في تسخير آلياتها لشرعنة استغلالها وتغليب مصالحها على حساب عامة الشعب.

الجمهورية الرومانية:
في كتابه " السياسة " يحدثنا أرسطو عن ثلاثة أنواع من أنظمة الحكم ، النظام الديمقراطي وهو الأفضل برأيه لولا صعوبة تحقيقه ، والأوليغاركي وهو النظام الأسوأ والذي تحتكر فيه الحكم حفنة من الأغنياء وتوظفه لمنافعها وأطماعها، والنظام الأرستقراطي وهو برأيه جيد وممكن التحقيق، وتدير فيه الحكم نخبة من ذوي المعرفة والخبرة، و يخبرنا في موضع آخر أن المعرفة والخبرة تندر حيازتها من قبل الفقراء، فلا قدرة لهم على دفع تكاليف التعليم، كما أن الخبرة تصقلها التجارب في إدارة الأرض وأعمال التجارة ومايتخللها من علاقات وتخطيط.. بهذا المنظور يبدو أن أرسطو لم يترك لنا مجالاً للتمييز بين النظام الأوليغاركي الذي يصفه بالأسوأ، ونظيره الأرستقراطي الذي يسمه بالجيد ،ففي النظامين يحتكر الأغنياء إدارة الحكم.
إرتباط المعرفة بملكية الفرد وبالتالي بأهليته للمشاركة الديمقراطية سيبقى ملازماً لكل النظم الديمقراطية حتى منتصف القرن التاسع عشر .( ففي أميركا كان التصويت يقتصر على من يملك مالايقل عن 20 هكتار من الأرض أو مايعادلها، وقد ألغي شرط الملكية عام 1850م ليستعاض عنها بضريبة تسجيل عالية ، والتي الغيت هي الأخرى عام 1964م ).

يبدو أن مدينة روما قد اختارت النموذج الأرسطوطاليسي - أي النظام الأرستقراطي - في بناء جمهوريتها في القرن الخامس ق.م . ورغم تعقيد البناء المؤسساتي للجمهورية الرومانية ، إلا أنها بقيت نموذجاً لبناء الديمقراطية التمثيلية ، ونواةً تطورت على اساسها الديمقراطيات الغربية.


كان من اهم أسباب نشوء الديمقراطية في أثينا - كما ورد في الحلقة السابقة- هو إتساع الجيش والبحرية وإنضمام أبناء الفقراء اليهما ، مما اكسب العامة نفوذاً كقوة ضاغطة، وسيكون لهذا العامل تأثير مضاعف في تشكيل النظام الجمهوري في روما. النهج العسكري لروما وكثرة حروبها الدفاعية والهجومية لم تمنح الطبقات الشعبية نفوذاً لدورهم العسكري فيها فحسب ، بل لدورهم في دعم الجيش ، بأموال الضرائب والمواد الغذائية من المزارعين والأسلحة والبضائع من الحرفيين والصناع والتجار.
بدأت قصة الجمهورية بالإطاحة بآخر الملوك بثورة شنها الارستقراط بمساندة العامة عام 509 ق.م ، وبوعدٍ من الارستقراط بمشاركة الطبقات الشعبية في الحكم ، فلم يبروا بوعدهم ولم ينل العامة سوى مشاركة صورية بعد نجاح الثورة، مما جعل الصراع بين الفقراء والأغنياء يتخذ أشكالاً عنيفة من الثورات والعصيانات إبان القرون الثلاثة الأولى من عمر الجمهورية، وقد أسهم ذلك الصراع في تطور الديمقراطية تدريجياً.
يقود الجمهورية فعلياً قنصلان يمتلك كل منهما حق الفيتو ضد الآخر، ويقود القنصلان مجلس الشيوخ المؤلف من 300 عضواً ، ويشترط أن يكون العضو من عائلة أرستقراطية، ويمتلك أرضاً لا تقل قيمتها عن 100 ألف ديناري ، ويستمر في المجلس مدى الحياة. يتخذ مجلس الشيوخ قراراته وخططه فيما يخص الحياة المدنية والعسكرية والدينية ، ثم يدعو القنصلان المجلس المئوي ( وهو من الارستقراط أيضاً ) للإجتماع، لتصديق أو رفض مقررات مجلس الشيوخ دون مناقشتها، ويخدم المجلس المئوي لسنة واحدة فقط.

في الفترة الأولى من الجمهورية، ساءت أحوال العامة أكثر مما كانت عليه في ظل الحكم الملكي، فالقنصلان ومجالس الأرستقراط انفردوا في تشريع قوانين مجحفة، تعتصر الفقراء لزيادة أرباح الأغنياء،،وقد استولوا على الأراضي المشاعية، والتي كان الفقراء يستزرعونها مؤقتاً ، ويرعون فيها مواشيهم لسد الرمق،كما أنهم سرحوا أعداداً كبيرة من الفلاحين العاملين في اقطاعاتهم، مستبدلين اياهم بما غنموا من أسرى كقوة عمل مجانية.

أجج الظلم الواقع على العامة صراعاً برزت خلاله قيادات ناشطة، قادت سلسلة من الثورات والعصيانات ساهمت تدريجياً في تطور الديمقراطية وتوسيع مشاركة العامة، وقد كان من أهمها الإضراب العام سنة 287 ق.م حين غادر الفلاحون المزارع والحرفيون والصناع أعمالهم والجنود مواقعهم، وتجمعوا في منطقة نائية عن المدينة،حتى تنازل الارستقراط بمنح العامة ألحق في ترشيح ممثلين إثنين لمجلس الشيوخ، لا يحق لهما حضور المجلس، ولكنهما يمتلكان حق الفيتو ضد أي تشريع يرونه مضراً بمصالح الفقراء، وقد أجبر العامة مجلس الشيوخ أيضاً على نصب مسلة القوانين الإثني عشر في الشوارع ، وقد كانت قبل ذلك تعلن شفوياً مما يسمح بتسويفها والتلاعب بها.
ممثلا العامة قد تحولا بفعل المال والسلطة إلى جزء من الاوليغارك الأرستقراطي، مما دعا العامة إلى مواصلة كفاحها ضد هيمنة الارستقراط، حتى تكلل نجاحها بإنتخاب مجلس العموم الذي لا يضم سوى العامة ، والذي إكتسب تدريجياً مشروعيته مرغماً مجلس الشيوخ على إعتماد تشريعاته ومقترحاته .
تظهر تجربة الجمهورية الرومانية مرة أخرى أن التطور التراكمي للديمقراطية، ومدى مشاركة الطبقات الشعبية فيه، انما يتحدد بطبيعة الصراع بين الطبقات والقوى الإجتماعية والمجموعات الثقافية، وهو حصيلة للتوازن في نفوذها ودورها في المجتمع.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ
- الانترنيت في القرن السابع عشر
- دور البيرة في تطور حضارات سومر
- عن الطائفية وأزمة العراق وتنبؤات توفلر
- الحب من منظور فلسفي
- العقلاني واللاعقلاني بين الخطاب العربي والأوروبي
- النزعة السايكوباثية للقانون الجعفري
- حق المرأة بالتصويت... الصراع المرير
- الثورة التي أدهشت العالم -الحلقة الثانية
- الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى
- المثقف النخبوي بين إختراع الطباعة والإنترنت
- الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة
- الإنتفاضات العربية ونرجسية المثقف
- المقدس بين الدين والعلمانية
- -الثائر- آكل لحوم البشر
- الحرية والإنسان بين دستوفسكي وايريك فروم
- دستويوفسكي مفكراً
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- هيفا وهبي بإطلالة -الشورت- والجوارب الشبكيّة
- المكسيك.. أغاني مدح وتمجيد عصابات المخدرات تثير الجدل
- -النووي الإيراني سيصل أوروبا-.. وزير دفاع إسرائيل الأسبق يعل ...
- غالانت لـCNN: أعدنا برنامج إيران النووي سنوات للوراء.. وأمام ...
- السبب الحقيقي لاندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران
- دونيتسك.. ارتفاع ضحايا القصف الأوكراني إلى 14 بينهم نساء وأط ...
- الجيش الإسرائيلي: حيدنا قيادة الطوارئ العسكرية الرئيسية لإير ...
- مسقط.. القبض على شبكة لممارسة أعمال منافية للآداب
- قطر: الأمن الإقليمي لا يتحمل مزيدا من الأزمات والتصعيد
- -نوستراداموس الحي- يتنبأ بمصير -مثير للجدل- لزواج هاري وميغا ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الثانية