أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الثورة التي أدهشت العالم -الحلقة الثانية















المزيد.....

الثورة التي أدهشت العالم -الحلقة الثانية


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 11:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الميزات التي يتمتع بها كل من هو شي منه وفو جياب قد أغنت التجربة الفيتنامية واكسبت الثورة طابعاً مميزاً .فقد كان هو شي منه يتمتع بالحنكة والمرونة السياسية، وكما اسلفت في الجزء الأول أنه توسم بمؤتمر فرساي أن يدعم إستقلال بلاده، كما حاول لقاء الرئيس الأمريكي ولسن لنفس الغرض، وقد تحالف مع كل القوى الوطنية الفيتنامية، ولم تعترض علاقاته مع الكومنتانغ الصينية أية موانع ايديولوجية ، وبجانب تلك المرونة كان يمتلك من الثبات المبدئي ما يستفز اعدائه ، وكان الشعب يروي الحكايات عن شجاعته بطريقةٍ لا تخلو من المبالغات و الأسطرة، وهو أمر طبيعي لشعب يفخر بقائده. حين توفي والده أصر على العودة إلى فيتنام، فاعتقله الفرنسيون ليعرضوه إلى شتى أنواع التعذيب، وفي إحدى جلسات التعذيب تظاهر أنه فقد الحياة ، وهو يعلم أن جثث الموتى ترمى بعيداً في أكياس بلاستيك، وكان قد حدث ماتوقع تماماً، فمزق الكيس واستطاع الهرب والعودة إلى جنوب الصين. أما فو جياب فقد كان قد بدأ نشاطه في حزب ( فيتنام الجديدة ) وهو في الرابعة عشرة من عمره ، وسجن في التاسعة عشرة من عمره بتهمة تنظيم الإضرابات ألطلابية ، فقضى في السجن ثلاثة عشر شهراً ، بعدها أكمل دراسة القانون في جامعة هانوي، ألا أنه كان مولعاً بالتأريخ وخاصة العسكري منه فأختار أن يكون مدرساً للتأريخ. تشاء الأقدار أن يلتقي في الجامعة مع شخصية سيكون لها شأن أيضاً في تأريخ فيتنام ، الا وهو (نغو دييم) وهو قومي يميني, يقضي جياب -الإشتراكي الفابي آنذاك- معه ليال طوال في مناظرات ونقاشات لم تحسم ، ويبدو أنها لم تحسم ألا عسكرياً،حين يصبح جياب في المستقبل المخطط الستراتيجي العسكري للثورة و يصبح (نغو دييم ) عدو الثورة الأول كرئيس معين من قبل أميركا لفيتنام الجنوبية. المفارقة الثانية أن دييم هذا قد ألقي القبض عليه مرةً من قبل الثوار لتعاونه مع الفرنسيين في ملاحقة الشيوعيين، وأرسل إلى هو شي منه الذي ناظره لساعات، ثم عرض عليه الإنضمام إلى الثورة ضد الإحتلال الفرنسي مؤكداً له ( لتتخذ قرارك بحرية ولتعلم أنك حر طليق مهما كان قرارك ) فرفض العرض وأطلق هو شي منه سراحه، وسافر بعدها إلى أميركا ليستقر هناك حتى يحين دوره.
أرسل جياب من قبل الحزب الشيوعي إلى جنوب الصين، ليلتقي لأول مرة بهو شي منه ، ومن هنا تبدأ رفقتهما النضالية الطويلة، والتي يكشف خلالها جياب لا عن ثقافة سياسية عالية فحسب، بل عن قدرات كبيره في التخطيط العسكري، فرغم أنه لم يدرس العلوم العسكرية اكاديمياً ، إلا أنه كان موسوعياً في هذا المجال حتى قيل أنه كان يحفظ خطط نابليون عن ظهر قلب، وقد أثبت مواهبه في التخطيط الستراتيجي في حرب العصابات مع اليابانيين والفرنسيين ومن ثم الأميركان ، حتى صار الغرب يلقبه بنابليون الأحمر.
احتلت اليابان فيتنام عام 1940، فكلف جياب بتنظيم ميليشيا من المتطوعين لمقاومة الإحتلال الجديد، وقد إستطاع تعبئة أعداد كبيرة من المقاتلين وخاصةً من الفلاحين. وقد لقيت المقاومة دعماً كبيراً ليس من الصين والإتحاد السوفيتي فقط ، بل من قبل كل دول التحالف. استمرت المقاومة حتى سقوط الإمبراطورية اليابانية أثر قصفها بالقنابل النووية من قبل الولايات المتحدة ، فانسحب الجيش الياباني وسارع هوشي منه بقواته إلى هانوي ليعلن إستقلال بلاده وإنتصار الثورة، وقد كان البيان الذي ألقاه يتضمن اقتباسات حرفية من إعلان إستقلال أميركا الذي صاغة (جفرسون )، وكأنه أراد تذكير الإدارة الأمريكية بالقيم التي قامت على اساسها جمهوريتهم، والتي لم يكفوا عن ترديدها والتفاخر بها، متوسماً بهم دعم إستقلال بلاده. إلا أن الفرنسيين قد عادوا بجيوشهم لتبدأ حرب الهندالصينيىة الأولى بين الثوار الفيتناميين من جانب، والفرنسيين وقوات الإمبراطور (باو داي) في الجانب الآخر. في المرحلة الأولى من الحرب كانت القوات الفرنسية متمركزة في المدن الكبرى، وبفعل الضربات الموجعة لها من قبل الثوار، فكر الفرنسيون بالإنتشار في القرى بقصد وأد المقاومة في منابعها وبؤر انطلاقاتها، وقد كانت النتائج عكسية تماماً بحكم شعبية الثوار وتعاضد الفلاحين معهم، والذين كانوا يزودونهم بكل حركات وسكنات القوات الفرنسية. لقد كانت معركة (ديين بيين فو ) عام 1954 هي المعركة الحاسمة التي فقد فيها الفرنسيون أي أمل في إستمرار احتلالهم لفيتنام ليجنحوا بعدها إلى المفاوضات، ففي تلك المدينة الواقعة في وادٍ عميق بين الجبال انشأ الفرنسيون قاعدةً عسكرية كبيرة، استجلبوا إليها عشرات الآلاف من العسكريين، وجهزوها بأضخم المعدات. حسب خطة فو جياب حفر الثوار انفاقاً بين الجبال، نقلوا عبرها معداتهم ومنها الثقيل نسبياً كمضادات الطائرات، وزحفوا سراً على سفوح الجبال، حتى حاصروا القاعدة ، وقد إختار جياب موسم العواصف ورياح المونسون، والتي يصعب فيها تحليق الهليكوبترات ، وهكذا حوصر الفرنسيون دون سبل للإمدادات ودون حماية جوية، فقتل في المعركة ما يقارب 15000 عسكري فرنسي قبل استسلامهم . وصف المؤرخ العسكري (مارتن وندرو )تلك المعركة قائلاً " لأول مرة بتأريخ حركات التحرر أن تتطور حركة من مستوى حرب العصابات إلى مستوى أداء الجيوش النظامية بالغة التنظيم”. بعد تلك المعركة عقد مؤتمر جنيف بحضور ممثل عن الحزب الشيوعي الفيتنامي وفرنسا والإتحاد السوفيتي والصين وبريطانيا والولايات المتحدة. أصر الثوار على إستقلال فيتنام كاملةً بتأييد الإتحاد السوفيتي والصين بينما أصر الغرب وأميركا على إنسحاب الثوار أولاً من المناطق المحررة وأجراء إنتخابات. عرض ممثل الصين (شو إن لآي) حلاً وسطاً بتقسيم فيتنام إلى شمالية يحتفظ بها الشيوعيون ، وجنوبية يحكمها الأمبراطور إلى حين الإنتخابات. إنتهى المؤتمر بالإتفاق على عرض الصين ولم توقع أميركا لإصرارها بعدم السماح ببقاء الحزب الشيوعي في الحكم ، كما أن هو شي منه كان غاضباً من أقتراح الصين ، ألا أن شو إن لآي برر ذلك بأن الكفاح يكون على مراحل ومازال أمام الثوار خيار ألإستمرار بالقتال حتى تحقيق الوحدة والإستقلال الكامل ، وهنا قال هو شي منه قولته الشهيرة " يبدو أن الصينين مستعدون للقتال حتى آخر فيتنامي ".
على أعقاب المؤتمر شب الخلاف بين الفرنسيين الذين ارادوا أن يحكم فيتنام الجنوبية الإمبراطور (باو داي) وبين الأميركان الذين يفضلون (دييم) الذي ذكرناه سابقاً، وقد حسم الخلاف بإجراء إستفتاء شعبي بينهما. إقترح الكولونيل جوزيف لاندسيل أن تكون للإستفتاء بطاقة حمراء تمثل (دييم) وأخرى خضراء تمثل الإمبراطور، فاللون الأحمر حسب المعتقدات الفيتنامية مجلبة للخير، بينما الأخضر نذير شؤم ،وهكذا يأمل الأميركان أن الفيتناميين سيختارون (دييم). على أية حال فقد أجبر الناخبين على وضع البطاقات الحمراء حسب آلاف الشهادات ، وكانت النتيجة أشبه بإستفتاءات الحكام العرب 98,3% لصالح المرشح الأمريكي دييم ، وقد نصحه الأميركان بإعلان النسبة 73% لتكون قابلة للتصديق، إلا أنه أصر على إعلان نسبته ليفتح أبواب السخرية منه في العالم.
تميز عهد دييم بعزلة السلطة عن الشعب إذ لم يتمتع بأي دعم شعبي عدا مؤازرة اليمين والإقطاع له. ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:
1. المسألة الزراعية : حين أعلن هو شي منه إستقلال فيتنام الشمالية عام 1945 كان الإصلاح الزراعي أول خطواته، فأسس التعاونيات الحكومية على الطريقة السوفيتية في البداية، إلا أن ذلك قد أثار الفلاحين الصغار الذين فقدوا ارضهم ، مما دعاه إلى أعادة أراضي الفلاحين الصغار وأعادة نظام القرية الفيتمامية القديم الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى، وحول الإقطاعات الكبرى فقط إلى تعاونيات حكومية. كتب لهذا المشروع النجاح ، فطبقه في المناطق التي حررها الثوار في فيتنام الجنوبية أيام الحرب مع الفرنسيين ، إلا أن دييم عندما حكم الجنوب ألغى الإصلاح الزراعي وأعاد الملكية للإقطاعيين مما جعل الفلاحين يفقدون أراضيهم.
2. المسألة الإجتماعية: في حربه ضد الفيتكونغ عمل دييم بسياسة تهجير الفلاحين من قراهم إلى قرى أخرى، أملاً بقطع صلاتهم بالشيوعيين في المناطق المجاورة، وقدسور القرى ووضع الحراسات العسكرية لمنع دخول عناصر غريبة إليها، وبهذا أصبح الفلاح لا يشعر بغربته في قرية غير قريته فحسب ، بل يشعر بانه أصبح سجيناً داخلها. وأذا ما علمنا قدسية العلاقة بين الفيتنامي وقريته ، ندرك مدى الإنعكاسات النفسية والإجتماعية الناتجة عن تلك السياسات.
3. المسألة السياسية : كان (دييم) دكتاتوراً متهوراً فهو لم يكتف بإعتقال وقتل الشيوعيين فقط بل كل من يهمس بإنتقادٍ لحكمه وإن كان بسيطاً . كما أنه ألغى الإنتخابات التي تم الإتفاق عليها في مؤتمر جنيف. ومن الجدير بالذكر أن دييم كان يعيش متنعماً في اميركا عندما كان الثوار يقاتلون الفرنسيين لثمان سنوات، وهذا ما لم يكسبه أي شعبية ، كما أن التدخل الأمريكي الكبير والمتزايد لتثبيت حكمه يجعل عزلته عن الشعب أشد على إعتباره ذنباً أستعمارياً.
4. المسألة الدينية : كان الكاثوليك يستأثرون باغلبية المناصب، والكنيسة هي المالك الأكبر للاقطاعات ، بينما لا يشكل الكاثوليك حسب إحصاء 1960 أكثر من 10%. وقد كان لإنتحار مجموعة من رجال الدين البوذيين حرقاً في شارع بسايجون صدًى مدوياً ليس في فيتنام فحسب بل في العالم.
عزلة دييم وعدم شعبيته اكسبت الثوار قوةً ووفرت لهم دعماً شعبياً كبيراً، فلم يستطع الأميركان حماية حكمه حتى وصل تعداد قواتهم 450000 عسكري أميركي. وفي عام 1963 شعرت الإدارة الأمريكية أن دييم آيل للسقوط ولا سبيل لحمايته وأنهم استدرجوا إلى مستنقع حقيقي، فبادرت المخابرات المركزية الأمريكية بتدبير إنقلاب ضده،خطف فيه وقتل. توالت بعده حكومات عسكرية لم تكن أفضل حالاً، حتى قرر الأميركان بفعل ضربات الثوار وأزدياد احتجاجات الشعب الأمريكي أن تسحب قواتها تدريجياً والدخول في مفاوضات سرية في باريس مع حكومة هانوي تحققت بعدها الوحدة في 1975. مما يؤسف له أن هو شي منه لم يشهد هذا الإنتصار فقد توفي عام 1969.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى
- المثقف النخبوي بين إختراع الطباعة والإنترنت
- الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة
- الإنتفاضات العربية ونرجسية المثقف
- المقدس بين الدين والعلمانية
- -الثائر- آكل لحوم البشر
- الحرية والإنسان بين دستوفسكي وايريك فروم
- دستويوفسكي مفكراً
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الثورة التي أدهشت العالم -الحلقة الثانية