أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى















المزيد.....

الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




فارق الحياة الثائر الفيتنامي الكبير فو جياب في الرابع من أكتوبر هذا العام. ووفاءً لذكراه سيكون هذا المقال محاولة متواضعة للبحث في الأصول الإجتماعية والتأريخية لثورات الشعب الفيتنامي، و الكشف عن سر نجاحها في الإنتصار على أكبر الإمبراطوريات، كالإمبراطورية الصينية والفرنسية والأمريكية.

يمتد تراث المقاومة لدى الشعب الفيتنامي إلى قرون في عمق التأريخ ، فقد عانى من الإحتلال الصيني لما يزيد على الألف عام ، لم يهنأ خلالها التنين العملاق بالإستقرار، ولم تتوقف التمردات والثورات الشعبية ضده إلا بهزيمته، وإستقلال فيتنام ، وتأسيس امبراطوريتها ( التنين الصغير )، وقد كان الإرث العريق في مقاومة المحتل ملهماً للشعب الفيتنامي في مقاومته للإحتلال الفرنسي ومن ثم للتدخل الأمريكي. تسلل الفرنسيون إلى البلاد في البداية على شكل بعثات تبشيرية لنشر المسيحية، ولم يكن للأباطرة في بداية الأمر أي إعتراض، طالما أن الفرنسيين يزودونهم بالسلاح بما يكفي لقمع ثورات الفلاحين، ألا أنهم في فترات إستقرار نسبي شعروا أن تحول الناس عن أديانهم ومعتقداتهم سيقوض شرعية الإمبراطور، فالكونفوشيوسية وعبادة الأسلاف وغيرها من المعتقدات السائدة كلها توصي بفروض الطاعة للإمبراطور على إعتباره ولي الأمر الأكبر ، وليس في المسيحية شئ من هذا، ولذا شن الإمبراطور حملة اعتقالات ضد التبشيريين، الأمر الذي وفر للفرنسيين ذريعةً لإرسال حملة تبشيرية مع جيش عسكري، وهكذا بدأ إحتلال البلاد تدريجياً حتى أصبحت فيتنام بكاملها تحت سيطرتهم عام 1885.

من الطبيعي أن أي محتل يرغب بتحويل مستعمراته إلى مصادر لإنتاج الثروة، فماذا وجدت فرنسا في فيتنام، وماذا كان عليها أن تحدث من تغيرات ليكون احتلالها لفيتنام صفقةً مربحة؟.
عدم الإستقرار في الريف والثورات المستمرة جعلت نشوء الإقطاعات الكبرى غير ممكن ، فلا أحد يجازف بشراء مساحات كبيرة من الأرض، وإن فعل فمن المستحيل ادارتها ، لذا كانت أراضي القرية مقسمة إلى حصص صغيرة، تزرع فيها كل عائلة محاصيل منوعة بكميات تحقق اكتفائها الذاتي، وتسود القرية علاقات تعاونية، ويحتكم أهلها إلى الأكبر سناً من الشيوخ. بالطبع مثل هذا النمط من الإنتاج لم يكن مناسباً للإنتاج التجاري الذي يتطلب إنتاجاً واسعاً ، فأستخدم الفرنسيون سياسة ضم الأراضي وبيعها على شكل اقطاعات كبيرة لزراعة الرز، كما ادخلت عليها التكنولوجية المتطورة لإنتاج الرز بكميات تجارية لغرض التصدير. وقد نفذت هذه السياسة في الجزء الجنوبي بشكل خاص نظراً لإنبساط اراضيه مقارنة بالشمال الجبلي. وهكذا خسر معظم الفلاحين أراضيهم، منهم من بقي بلا عمل، ومنهم من تحول إلى أجير زراعي. أما في المدينة فقد كان النظام الإداري قائماً على الأسس الصينية القديمة، فرجال المندرين الذين درسوا الكونفوشيوسية واجتازوا امتحانها هم الذين يشغلون الوظائف، وبالطبع لم يكن هذا النظام مناسباً في ظل التطور الصناعي والتجاري، فقد تم أستبدالهم بموظفين فرنسيين في البداية ، إلا أن تشغيل الفرنسي كان مكلفاً، مما دعا الفرنسيين إلى فتح المدارس والجامعات للفيتناميين . خسر رجال المندرين وظائفهم ، كما أن المتعلمين الجدد كانو أكثر بكثير من الوظائف المتاحة، خاصةً أن المناصب المهمة لا يشغلها ألا الفرنسيون. أما التجارة فقد هيمن عليها الصينيون لخبرتهم العريقة في التجارة، ولوفرة المال لديهم. يبدو أن الفرنسيين قد انتجوا احتياطياً بشرياً كبيراً للثورة ضدهم من الفلاحين والمتعلمين الجدد، ورجال المندرين، أي معظم فئات الشعب. لم تتوقف الإحتجاجات والتمردات المسلحة التي قابلها الفرنسيون بقسوةٍ غير مسبوقة، وقد ظهر في تلك الفترة فان بوي تشاو، وهو من رجال المندرين، وقد فاز بثقة وتأييد الطبقة الوسطى فأسس حركة " إذهب شرقاً " عام 1905, وهي حركة تدعو الفيتناميين إلى السفر إلى اليابان للدراسة وتعلم التكنولوجيا الحديثة ، كي يقودوا بلادهم إلى مصافي الدول المتقدمة ، وبهذا لن يكون للفرنسيين ذريعة باحتلال البلد تحت إدعاء أنهم يحملون رسالة إنسانية، تتمثل في نقل التكنولوجيا وقيم الحضارة الأوروبية. كان فان بوي تشاو يدير حركته من اليابان، إلا أن ضغوط فرنسا أجبرت اليابان على ترحيله إلى الصين ، وهناك أسس حركة " التحديث" التي ركزت كذلك على المطالبة بالتعليم للجميع ، وبالإنتقال السلمي للسلطة إلى الفيتنامين ، وقد لقيت الحركة دعماً كبيراً من حركة الكومنتانغ القومية الصينية بقيادة صن يات صن. كانت الحركة سلمية إلا أن العنف الفرنسي والقمع المستمر لأعضائها اجبرها على العمل المسلح. فاتخذت مواقعها جنوب الصين لمقاومة الإحتلال، إلا أن الحركة لم تؤمن بالثورة الشاملة ،بل بضربات الإستنزاف أو الإنقلاب العسكري الذي جربوه عبر أعضاء الحركة من الضباط الفيتناميين الصغار في الجيش الفرنسي فكان إنقلاباً فاشلاً. تم خطف فان بوي تشاو من قبل عملاء للفرنسيين وحكم بالإعدام ، إلا أن الحكم لم ينفذ لتمتع الرجل بشعبية كبيرة، فوضع تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته. أما طبقه الإقطاع الجديدة فقد شكلت الحزب الدستوري، وهو حزب يدعو إلى بقاء الإستعمار الفرنسي مع فتح الأبواب لدور سياسي وأداري أكبر للفيتنامين ، أي أنهم بالحقيقة يبحثون عن دور أكبر لهم وليس لعموم الشعب. بقي أن نتحدث عن محرك الثورة الرئيسي الذي إستطاع أن يحشد أغلبية الفلاحين وأبناء الطبقة الوسطى ألا وهو الحزب الشيوعي الفيتنامي، وهل يمكن الحديث عن الحزب الشيوعي دون أن نذكر القائد الفذ هوشي منه ورفيقه فو جياب!.

نشأ هوشي منه ضمن عائلة ناشطة ضد الإحتلال الفرنسي، وكان شاباً ذا ثقافة عالية وتجربة غنية في معايشة الفلاحين والإنغماس في معاناتهم وتعليمهم. ومع ذلك لم يشأ أن يشكل رؤياه الفكرية ألا بلقاء العالم وجهاً لوجه، وأغناء تجاربه بالسفر، مما دعاه إلى ترك وظيفته والعمل كمساعد طباخ في السفن الفرنسية. أتاح له ذلك العيش في نيويورك وبوسطن ثم لندن وأخيراً إستقر في باريس مع مجموعه من الناشطين الفيتناميين الاشتراكيين ، وقد عمل صحافيا في الصحف المحلية حيث كرس معظم مقالاته لحق الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق استقلالها. بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى توجه مع مجموعه من الناشطين الفيتناميين والاشتراكيين الفرنسيين إلى مؤتمر فرساي مطالبين بإستقلال فيتنام ، فلم يجدوا إذناً صاغية. ثم توجه إلى أميركا لمقابلة الرئيس ولسن الذي أصدر حينها لائحة الحقوق ذات البنود الأربعة عشر والتي تتضمن حق الشعوب بتقرير المصير، وبالطبع لم يفلح في ذلك، فالرئيس ولسون قد أصدر بيانه بحق الشعوب في تقرير مصيرها لسببين ، الأول : لغرض التنافس أخلاقياً مع لينين الذي تركزت سياسته على دعم الشعوب في نضالها لتحرير بلدانها ، وثانياً : كانت الولايات المتحدة تريد أن تعتق أوربا بعض مستعمراتها وتكسر احتكارها للتجارة معها، لتفتح لأميركا أبواب التجارة والإستثمار فيها ، وكان التركيز على دول أمريكا اللاتينية وليس الفيتنام. لم يكن هوشي منه قد إعتنق الماركسية آنذاك ، وإنما كان متأثراً بسياسات الإتحاد السوفيتي في دعمها للدول النامية وهذا ماشجعه على التوجه إلى موسكو ، فأعجب بالتقدم الصناعي المتسارع الذي انجزته الثورة، إضافةً إلى ما حققته في مجال المساواة والعدالة الإجتماعية . عاد من موسكو ماركسياً بعد أنهاءه دورة دراسية مكثفة في الفلسفة والإقتصاد. ومن الجدير بالذكر أنه قبل وبعد أن أصبح ماركسياً لم يعرف التعصب والإنغلاق الاديولوجي ، بل كان قائداً براجماتياً حر التفكير. محطته التالية ستكون في جنوب الصين حيث أسس في عام 1925 منظمة الشبيبة الثورية الفيتنامية ( الفيت من ) بالتنسيق مع فان بوي تشاو وباقي القادة الوطنيين ، وهي منظمة تعني بتثقيف الشباب وتدريبهم على فنون القتال وحرب العصابات، وقد كانت الحركة القومية الصينية بقيادة تشانغ كاي تشيك الداعم الرئيسي للحركة ( قبل أن ينقلب القوميون الصينيون على الحزب الشيوعي الصيني ).

الأزمة الإقتصادية العالمية في عام 1929 وماتلاها كان لها تأثير كبير في إنخفاض أسعار المنتجات الزراعية مما إنعكس على الفلاحين في فيتنام فهبوا في ثورةٍ عارمة ضد ملاك الأراضي، ليقابلهم الفرنسيون بالعنف والتنكيل . كان موقف الحزب الشيوعي ساعتها محرجاً ، فلم يتهيأ الحزب عسكرياً لمواجهة مباشرة مع الجيش الفرنسي، فعدم التكافؤ يصفه هوشي منه بالقتال بين النمر والفيل ، فإذا وقف النمر مواجهاً الفيل سيسحقه الفيل لضخامة حجمه ، أما إذا هاجم النمر الفيل بصولات سريعة، فتسبب له بالجراح المتكررة سينهك تدريجياً حتى يخر أرضاً ( إشارة إلى حرب العصابات )، ومن جانب أخر فإن عدم إشتراك الحزب وترك الفلاحين يقتلون سيفقد الحزب مصداقيته. قرر الحزب الإشتراك بالثورة وكانت النتائج كارثية إذ قتل آلاف الشيوعيين وأعتقل الآف آخرون، إلا أن شعبيته قد تعاظمت وإكتسب تعاطف وثقة معظم فئات الشعب، مما أتاح للحزب إمكانية تأهيل تنظيماته السياسية والعسكرية بسرعة قياسية وخاصةً بعد التحاق الشعب فو جياب بهوشي منه، وهذا ماسنتحدث به في الحلقة الثانية.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف النخبوي بين إختراع الطباعة والإنترنت
- الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة
- الإنتفاضات العربية ونرجسية المثقف
- المقدس بين الدين والعلمانية
- -الثائر- آكل لحوم البشر
- الحرية والإنسان بين دستوفسكي وايريك فروم
- دستويوفسكي مفكراً
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى