أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قصي الصافي - دستويوفسكي مفكراً














المزيد.....

دستويوفسكي مفكراً


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4092 - 2013 / 5 / 14 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


دستويوفسكي مفكراً
الإنسان الصرصار نموذجاً

كان دستويفسكي مثقلاً بالأسئلة الفلسفية عن ماهية الوجود وطبيعة الإنسان ، وكان يورط شخصياته في أحداث ومواقف قاسية كي يكشف عن صراعاتها النفسية والفكرية ويزيل الأحجبة عن عوالمها الداخلية بكل متناقضاتها وتشوهاتها الوجدانية .
منحه انشتاين لقب عبقري القرن التاسع عشر، وقال عنه نيتشة : "إن كنت قد تعلمت شيئاً في علم النفس فإن دستويفسكي هو معلمي الوحيد "، وإعترف فرويد أنه لم يشتغل على ظاهرة نفسية لم يكن دستويفسكي قد تعرض لها في إحدى رواياته. كان لينين يكرهه كرهاً شديداً بسبب رواية الشياطين لكنه يقر له بعبقريته الفذة، أما ستالين فقد منع رواياته عقوداً وسماه عدو الشعب.

كتب دستويفسكي رواية الإنسان الصرصار "أو رسائل من باطن الأرض " رداً على رواية "ما العمل ؟" لنيكولاي تشرنشفسكي والتي تروج لنظرية التفاؤل العقلاني و مفادها : أن الإنسان أناني بالطبيعة مما يجعله يتخذ كل قراراته لتأمين مصلحته الشخصية، وهو أيضا عقلاني بالفطرة، ولذا فقراراته يحسبها وفق قواعد المنطق وحسابات العلم بقدر ما يمكنه رصيده المعرفي، وبالتالي فإن نتائج عمله من أجل مصالحه ستكون بالضرورة متسقةً مع مصالح المجتمع ورافداً للتقدم الحضاري . كانت تلك الصورة المثالية للإنسان والتفاؤل المفرط هو المزاج السائد في أوربا بسبب النجاحات الكبيرة للثورة الصناعية والإنجازات المتواترة للعلم، فجاءت رواية الإنسان الصرصار كإنذار مبكر يبدد نشوة انتصارات ومنجزات الإنسان الأوروبي، مما جعلها هدفاً للإتهامات بالسوداوية والتشاؤم أو أنها تمثل خطراً على الفكر الإنساني. إستمر ذلك حتى إندلاع الحرب العالمية الأولى بمجازرها وبشاعاتها لتكون بمثابة الصدمة التي دعت إلى مراجعة تلك الصورة المثالية عن الإنسان.

العقل - بالنسبة لديستوفسكي- ليس هو المنتج الوحيد للفعل الإنساني، فهو يمتثل إلى مؤثرات عالم خفي شديد التعقيد ومليء بالمتناقضات والأضطرابات الوجدانية :

" وقد يصل حقدي إلى حد أن يظهر الزبد على فمي، إلا أنك تستطيع أن تجعلني مطواعاً هادئاً ذا أعطيتني لعبة لألعب بها، أو قدحاً من الشاي فيه قطعة من السكر، بل قد تفلح بذلك في مس أوتار أعماقي. إلا أنني، بعد ذلك، أصر على أسناني وأظل ساهراً الليالي الطوال أعاني من الخجل."
إنه يهرب من عجزه إلى اليأس، ويحتمي بالأنين من الألم، ويشعر بلذة الاستكانة في الحالتين :
"الاستمتاع العجيب حتى في الصفعة، الاستمتاع باليأس طبعاً، ويمثل اليأس أقصى درجات الاستمتاع، خاصة حين يدرك الإنسان تماماً أنه في موقف ميئوس منه. أما حين يتلقى الانسان
صفعة على وجهه – فإنه يشعر بالانسحاق والتضاؤل"....."إن هذا الأنين يعبر في البداية عن لاهدفية الألم، الأمر الذي لا يرضى به إدراكك "
يشغل الجزء الأول من الرواية مونولوج، يكشف فيه البطل عما يعتمل في داخله من صراعات ومشاعر متناقضه وتوترات نفسية، لتكون مدخلاً لفهم الطبيعة اللاعقلانية للإنسان، والسخرية من نظرية العقلانية المتفائلة على أنها قدرية تجرد الإنسان من حرية الإرادة، فالإنسان أسير قوانين الطبيعة وهو ليس سوى رقم في معادلاتها ألحسابيه وعليه أن يقبل ما تمليه القواعد الصارمه للعلم والمنطق وإلا:
"سيصرخون بوجهك لا فائدة لنكرانك أن 2+2=4 ، كما أن الطبيعة لا تتوقف لتسألك رأيك، أو لتعنى برغباتك الخاصة، أو لتهتم بما إذا كنت تميل إلى قوانينها أو إذا كنت تكرهها، وعليك أن تقبل الطبيعة كما هي، ولذلك عليك أن تقبل كل نتائجها أيضاً. وهكذا ترى أن الجدار جدار.. وهكذا .. وهكذا."......." إن مجرد التفكير بأن 2+2=4 أمرٌ مهينٌ جداً، يشبه شخصاً بذيئاً
سليط اللسان يقف معقود الذراعين عقبة كأداء في طريقك، ويبصق وهو ينظر إليك."
لم يعط دستويفسكي إسماً لبطل الرواية، ربما ليوحي للقارئ إنه يشبه أي واحدٍ منا ، أنت أو أنا أو هي فسمه ما شئت . كما أنه قدمه كرجل عالي الثقافة والتحصيل العلمي، ربما ليقول لأصحاب التفاؤل العقلاني ها هو برغم قدراته العقلية الفذة ، سيتعرى امامكم فيكشف عن صورة الإنسان الحقيقية لا ما صورته لكم احلامكم ...نعم هو يبني كي يدمر ولا يتوانى عن سفك الدماء :
"إن الانسان يميل إلى إنشاء الطرق والخلق والابتكار، وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن لماذا يملك مثل هذا الميل والاندفاع الشديد إلى الدمار والفوضى أيضاً؟"
"انظروا فقط إلى كل ما حولكم: الدم يتدفق في جداول، وبكيفية تدل على منتهى المرح والجذل فكأنه شمبانيا."..."أن أشد الناس حضارة هم أمهرهم في الذبح والسفك؟"

ومن الرموز الرائعة التي يوظفها المؤلف في الرواية : القصر البلوري للمعارض في لندن، وقد كانت تعرض فيه الصناعات الثقيلة من شتى أنحاء العالم، وكان رمزاً لعظمة الثورة الصناعية:
"أنتم تؤمنون بقصر من بلور لا يمكن تهديمه – قصر لا يمكن أن يسخر منه أحد أو يحتقره أو يهزأ به،
ولعل هذا هو الذي يفسر خوفي من هذا البناء ، إذ أنه من البلور ، ولا يمكن تهديمه، ولا يستطيع أحد أن ينكر وجوده أو يسخر منه"
إنه قصر شفاف يكشف عن كل من بداخله، فينتهك خصوصية الإنسان ويمتهن فردانيته التي تمثل جوهر كينونته الإنسانية، كما أنه يشمخ فوق إرادة الإنسان فلا يستطيع حتى أن ينتقده أو يسخر منه .

يطول الحديث عما تزخر به روايات دستوفسكي من نفحات فكرية وبراعة في التحليل النفسي قبل عقود من شيوع مدرسة التحليل النفسي على يد فرويد ويونج ، إنه مفكر الأدباء بحق.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قصي الصافي - دستويوفسكي مفكراً