أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قصي الصافي - العقلاني واللاعقلاني بين الخطاب العربي والأوروبي















المزيد.....

العقلاني واللاعقلاني بين الخطاب العربي والأوروبي


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4444 - 2014 / 5 / 5 - 10:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية من تمزق في نسيجها الإجتماعي ، وإنحسار المشتركات الوطنية لصالح الهويات الفرعية وخاصةً الطائفية منها، وما نشهده يومياً من مجازر بوحشية القرون الوسطى، انما يشير بوضوح إلا إنسداد آفاق الوعي العربي والتمترس خلف اللاعقلاني من اليقينيات الغيبية والنزعات الغريزية والعصاب الفكري.
اللاعقلاني أو ما يدعونه الصوفيون العقل المنفعل هو كل ما ينتج في أعماق اللاشعور من ارهاصات وجدانية وإنفعالات نفسية وميول غالباً ما تكون في خصومة مع المنطق العقلي، إذ يغذيها الخيال والإسطورة والتفكير الحالم. رغم تمرد اللاعقلاني مع أصول المنطق إلا أنه يتماهى معه لصياغة قرارات وأحكام العقل وتشكيل المفاهيم والتصورات والمواقف الفكرية باتجاهين متباينين، فتظهر تجلياته في أنسنة العقل ورفده بنفحات جمالية وروحية كما في الشعر والفن وماينسجه الخيال الشعبي من قصص تمجد الشخصيات الوطنية والتأريخية أو حكايات ملهمة لتكريس قيم التضامن والتشارك مما يعزز الحس بالمواطنة، وفي الجانب الآخر يتمظهر اللاعقلاني في صيغ تدميرية تفضي إلى الإحتراب والكراهية كالطائفية والعصبية القبلية أو العنصرية والإستعلاء القومي.

ثمة مفارقة تبدو جليةً عند مقارنة الخطاب العربي مع نظيره الأروبي، فقد تشربت العقلية العربية حتى النخاع باللاعقلاني من نزعات غريزية وايمانية ميتافيزيقية وأسطرة فكرية افقدت خطابنا الفكري قدرته على التواصل مع العقل الكوني، وعلى عكس ذلك فإن الخطاب الأروبي قد أتخم بالعقلانية حتى أن مدرسة فرانكفورت قد حذرت في نقدها لفكر التنوير زاعمةً أن غائية العقلانية الأداتية قد تسببت بإهدار إنسانية الإنسان وتقويض حرياته على الرغم مما انجزته رحلة أوروبا مع العقلانية من تقدم علمي وإزدهار إقتصادي وديمقراطية سياسية، وقد جاء هجوم نيتشة ومفكري ما بعد الحداثة أكثر قسوةً في التشكيك بكل البنى الفكرية والمنظومات الأخلاقية والقيمية للحضارة الأوروبية.
كانت أوروبا قبل التنوير تعيش عصر الخرافة والشعوذة والمقدس الديني، عصر الأمراض وحرق الساحرات ومحاكم التفتيش والقلاقل الداخلية والحروب الطويلة - حسبنا أن نذكر حرب المئة عام بين فرنسا وبريطانيا و 30 عاماً من الحروب الدينية -، أما انظمتها السياسية فقد كانت ملكية تستمد مشروعيتها من النسب والتفويض الإلهي وتحكم قبضتها بالتحالف الثلاثي بين الملك والكنيسة والنبلاء. من هذا المستنقع الآسن بالتخلف سجل مشروع ديكارت بدايات فكر التنوير فكان منهجه قائماً على الشك بكل اليقينيات والثوابت الناشئة عن الحواس وإن الذات المفكرة هي وحدها من يحتكر القدرة على الكشف المعرفي عبر التحليل والإستنباط بما يشبه التحليل الرياضي ، وفي بريطانيا كان مشروع فرانسيس بيكون قائماً على الإستقراء والتجريب، ففي تصوره أن الحقائق لا يمكن قبولها ما لم يزودنا العقل بالدلائل والبيانات التجريبية كبراهين قاطعة على صحتها .
منحت مكتشفات العالم وعضو البرلمان البريطاني إسحق نيوتن إضافة إلى الإختراعات العلمية دفعاً كبيراً لمسار العقلانية فساد الإعتقاد أن عقل الإنسان ليس قادراً على كشف أسرار الطبيعة فحسب بل الكشف أيضاً عن أسرار الحياة وحركة المجتمع والتأريخ، وقد إتسع فكر التنوير في القرن الثامن عشر ليشمل كافة مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والقانونية، وأخذت الحركة على عاتقها هدم العالم القديم بكل منظومته الأخلاقية والقيمية ومؤسساته الإجتماعية والسياسية، الا أن العقلانية الخالصة للتنوير قد واجهت الكثير من الصدمات على مستوى التأريخ والفكر. تجلت الصدمات التأريخية له بإرهاب روبسبير والعبودية وحروب نابليون التوسعية وإستعمار الشعوب والحربين العالميتين . وعلى الصعيد الفكري كان ماركس قد وجه الصدمة الأولى بإكتشافه أن العقل لا يعمل بحياد وإستقلالية بل هو محاصر بنزوع لا عقلاني يتحدد بطبيعة العلاقات الإقتصادية والموقع الطبقي، ثم ظهرت نظرية داروين صدمةً أخرى بإعلانها أن الإنسان سليل الحيوان مما يعني وراثته بعض غرائز الحيوان التي لا يمكن تجاهلها في الية التفكير. أما الصدمة المدوية فقد كانت على يد فرويد حين أثبت أن هناك عقلاً خفياً يختزن من غرائزنا ومكبوتاتنا وعواطفها ما يتماهى مع عقلنا الظاهر في تحديد سلوكياتنا وطبيعة مواقفنا . أما نيتشة فقد أطلق عاصفةً وضعت كل منجزات العقل الإنساني موضع التشكيك ، ففي تصوره أن العقل هو ليس منشأ افكارنا وإن الدوافع الغريزية و" إرادة القوة " هي المحرك الأساسي للفرد والمجتمع والتأريخ ، فالإنسان لا يؤمن بما يمليه عقله بل بما يريد وما يتساوق مع رغباته تقوده بذلك نزعة الهيمنة على الأخر، ولكي نحيا دون قيود وأقنعة زائفة علينا أن نطلق العنان لعالمنا الغريزي المكبوت. وهكذا إستبدل نيتشة إرادة الحياة لشوبنهاور بإرادة القوة. ألهم نيتشة في الستينات فوكو وتولوز وجاك دريدا وباقي مفكري ما بعد الحداثة إلا أن هوبرماس والفلاسفة الفرنسيين الجدد قد تصدوا لهذا التوجه بقوة دفاعاً عن فكر التنوير منوهين إلى الجانب التدميري والرجعي في فلسفة نيتشة. قرون طويلة هي رحلة العقل لمعرفة كنه ذاته، فهل هو المسؤول الأول عن نتاجنا الفكري كما يقول أنصار التنوير أم أن اللاعقلاني والقوى الغريزية هي الموجه لفكرنا كما يقول نيتشة؟.

يكاد يكون الفكر العربي في معزل عن هذا الصراع ، فبإستثناء بعض الحركات النخبوية في تأريخنا بقي الفرد العربي مفتوناً بالأسلاف وأسطرة التأريخ والتأويلات الدينية والمقدسات اللاعقلانية ، يسعده بناء مرقد لولي صالح أكثر من بناء مصنع ينتشل أبناء مدينته الفقراء من البطالة أو بناء مدرسة تنشئ جيلاً قادراً على التواصل مع العصر الحديث . قد يحلو للبعض - مشدوداً إلى التأريخ العربي والإسلامي - أن ينقب عن مساحات مضيئة فيه فيزعم اننا سبقنا الغرب في التنوير، فالمعتزلة قد سبقوا توم الأكويني في عقلنة الدين حين قالوا بأولوية العقل على النقل ، وأن إبن رشد دعا إلى فصل الفلسفة عن الدين وكرس جل جهده لشرح أرسطو ، كما أن أوربا قد ترجمت إبن رشد وأبن سينا وغيرهم، وهذا كله صحيح، إلا أن أصحاب هذا الرأي يظهرون الأمر وكأن أوروبا قد سرقت ثمار مازرعنا، ومن هنا أجد صعوبةً في قبول هكذا موقف.فهو موقف يضمر نزوعاً ماسوشياً في باطنه وسادياً في ظاهره، إنه موقف الضعيف المصدوم الذي يعالج صدمته بتضخيم الذات عبر إنكار منجز الآخر بل ونسبه إلى نفسه، وهو موقف يغض الطرف عن الكثير من الأسئلة الملحة. لماذا بقيت تلك الحركات الفكرية نخبويةً فلم تستطع مد جذورها عميقاً في تربة الفكر العربي ولم تترك بصماتها في نمط التفكير السائد بل سادت سلفية الأشعري وتكفيرية إبن تيمية والقول بزندقة المناطقة؟. لقد كان ربيع الإعتزال إبان حكم المأمون لأنه كان معتزلياً، أي أن الإعتزال قد فرض من أعلى هرم في السلطة، وما إن فقد دعم السلطة حتى أصبح المعتزلة ضحايا لسيوف و إرهاب الحنابلة.
تبدأ الحضارة حسب أرنولد توينبي بمشروع فكري تنجزه أقلية مبدعة تحيا في حالة عزلة واغتراب في مجتمعاتها، ثم تروج لمشروعها حتى تتبناه الأكثرية التي تمكن الأقلية المفكرة من قيادة المجتمع وإنجاز مشروعها الحضاري. إلا أن هذا التحليل يترك الجواب على سؤالنا سائباً، فما الذي يجتذب الأغلبية لتكون حاضنةً شعبية لمشروع الأقلية المفكرة؟. يجمع المهتمون بدراسة فكر التنوير أنه كان مشروع البرجوازية الأوروبية الناهضة والتي أخذت على عاتقها زعزعة دعائم النظام الإقطاعي وأنهاء مؤسساته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتأسيس لنظامها الرأسمالي الجديد بمفاهيمه وقيمه الجديدة، وهذا ما إجتذب الجماهير التواقة إلى التحرر من قبضة الإقطاع وإنسداد أفاق المستقبل والإنطلاق في فضاءات الحرية النسبية التي وفرها النظام الرأسمالي الجديد { لا يستند هذا التحليل إلى جبرية إقتصادية أو ارثوذكسية ماركسية بل يتبناه حتى خصوم الماركسية }، ومن هنا يمكن القول أن حركات التنوير في التأريخ العربي والإسلامي بقيت فوقية نخبوية لأنها لم تجد الطبقة الإجتماعية الحاملة لتجلياتها الفكرية وإن عامة الناس كانت متساوقة ومنسجمة نفسياً وفكرياً مع النظم الإقتصادية والإجتماعية السائدة، وليس بعيداً عن الحقيقة القول أن فكراً تنويرياً لا ترافقه تحولات جذرية إقتصادية وإجتماعية وقانونية، توفر له حواضن مؤسساتية، سيكون فوقياً سائباً لا يتجاوز كونه فكراً نخبوياً حالماً.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النزعة السايكوباثية للقانون الجعفري
- حق المرأة بالتصويت... الصراع المرير
- الثورة التي أدهشت العالم -الحلقة الثانية
- الثورة التي أدهشت العالم-الحلقة الأولى
- المثقف النخبوي بين إختراع الطباعة والإنترنت
- الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة
- الإنتفاضات العربية ونرجسية المثقف
- المقدس بين الدين والعلمانية
- -الثائر- آكل لحوم البشر
- الحرية والإنسان بين دستوفسكي وايريك فروم
- دستويوفسكي مفكراً
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قصي الصافي - العقلاني واللاعقلاني بين الخطاب العربي والأوروبي