بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 4869 - 2015 / 7 / 17 - 16:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هكذا وبعد أن أعاد صاحب الرسالة؛ (محمد بن عبد الله) جمع قواته العسكرية ودعمه بالمزيد من الملتحقين والمتطوعين الجدد للدفاع عن العقيدة والدين الجديد وشعر أن قواته العسكرية باتت قادرة على الدفاع والحفاظ على الوجود الإسلامي في وجه الأعداء والكفرة والمشركين، فإنه بادر إلى تغيير منهجه وسياسته القديمة والقطع مع الماضي حيث كانت "الكلمة الطيبة" كأسلوب وأداة مع الأعداء .. وبالتالي التأسيس لخطاب ومرحلة جديدة تماماً، قائمة على تربية ونشىء المسلمين والأتباع من مريديه على ثقافة وسيكولوجيا مغايرة عما كانت عليها البدايات والنشوء حيث ثقافة المحبة والتسامح والتي كانت تحمل الكثير من ملامح الثقافة المسيحية متأثراً في ذلك بأستاذه ومعلمه حيذاك؛ القس (ورقة بن نوفل) حيث سنلاحظ بأن المرحلة الجديدة سوف تبدأ مع آخر السور القرآنية وقضية البراءة والتوبة.
إذاً فالمرحلة الجديدة ستكون فيها الكلمة للسيف وحده في علاقته مع "الآخر" _الكافر والمشرك_ وإذا نظرنا إلى سورة البراءة "التوبة" وهي آخر سورة قرآنية، فإننا سوف نجد بأن صاحب الرسالة يتنصل من كل وعوده السابقة مع "الآخرين" ويمهلهم أربعة أشهر كمهلة زمنية وذلك لتحديد العلاقة والمصير؛ فإما الإستسلام لهم وإعلان إسلامهم أو يكون المواجهة والحرب وإخضاعهم بحد السيف والقتال وها هي الآيات تقول: "بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ. فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ. وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"(60).
وهكذا نتحقق بأن الرجل _محمد بن عبد الله_ كان يُحضّر ويتحضر لهذه المرحلة التاريخية في محاربة "الأعداء" من الكفار والمشركين وقد وصل الأمر به أن يتلو الآيات الأخيرات _أي سورة التوبة_ من دون "البسملة" وذكر إسم الإله ويقول الجلالين في ذلك؛ ((سُورَة التَّوْبَة [مَدَنِيَّة إلَّا الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَمَكِّيَّتَانِ وَآيَاتهَا 129 نَزَلَتْ بَعْد الْمَائِدَة] وَلَمْ تُكْتَب فِيهَا الْبَسْمَلَة لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر بِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذ مِنْ حَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم وَأَخْرَجَ فِي مَعْنَاهُ عَنْ عَلِيّ أَنَّ الْبَسْمَلَة أَمَان وَهِيَ نَزَلَتْ لِرَفْعِ الْأَمْن بِالسَّيْفِ وَعَنْ حُذَيْفَة (إنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا سُورَة التَّوْبَة وَهِيَ سُورَة الْعَذَاب وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ الْبَرَاء أَنَّهَا آخِر سُورَة نَزَلَتْ)). ويضيف ((هَذِهِ "بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله" وَاصِلَة "إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" عَهْدًا مُطْلَقًا أَوْ دُون أَرْبَعَة أَشْهُر أَوْ فَوْقهَا وَنَصّ الْعَهْد بِمَا يُذْكَر فِي قَوْله: فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ))(61).
والملاحظ أنه قد ذهب البعض إلى تسمية تلك الآيات والسورة القرآنية بالتوبة؛ بمعنى فرض شرط التوبة على الآخرين، بل لقد أسماها البعض بأسم "سورة العذاب" ومن خلال التدقيق نلاحظ كذلك بأن هناك قطع كلي مع الخطاب السابق الدعوي؛ حيث تقول الآيات: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ"(62). وهنا الدعوة صريحة إلى مقاتلة وقتال الجميع، ليس فقط الكفار والمشركين وكذلك النصارى واليهود من أصحاب الكتاب وبحجة "تحريف الدين والآيات" ورسالة أنبيائهم ورسلهم .. وبالتالي التأسيس لخطاب ووعي وثقافي جديد في الإسلام قائمة على محاربة الجميع وبأن "الدين عند الله الإسلام" ولا غيره من الأديان الأخرى وهو قطع كلي مع الماضي القريب حيث حرية العقيدة والإيمان ومسألة "لكم دينكم ولي ديني"، فهنا لا يقبل غير الإسلام ديناً عند محمد وربه الجديد والذي يذكرنا برب موسى وإله الحرب في اليهودية.
إن سورة التوبة وهذه الآيات، وكما يقول الجلالين في تفسيره، كانت قد نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وحينها كان محمد قد ركز دعائم دولته وجيشه إلى درجة كبيرة ومع ذلك كان يتمهل في فتح كل الجبهات وذلك مثل أي قائد عسكري وسياسي محنك ولذلك نجده يتنكر لبعض مواثيقه وعهوده مع مع عدد من المخالفين والمناوئين و"الأعداء" لسياساته، بينما يحافظ على البعض منها إلى أن يحين دورهم أيضاً. وكان يلزمه قضيتان أساسيتان في هذه المرحلة؛ زيادة عدد جنوده وعساكره ومقاتليه ولذلك كان نداءه لأولئك الذين يقدرون على تحمل مشاق الطريق والوصول من مكة إلى المدينة للإلتحاف بالقوات المقاتلة للمسلمين. والنقطة أو القضية الثانية: كانت في مسألة إمتلاك قاعدة إقتصادية قوية للإعتماد عليها في تمويل مشاريعه المستقبلية وإدارة شؤون المسلمين وقواته العسكرية حيث أن "الجيوش تمشي على بطونها" وهذه _أي إمتلاك المال والإقتصاد_ بالتأكيد كان يمكن أن تتوفر فقط عن طريق الغزوات والنهب للقوافل التجارية وكذلك الإستيلاء على بلدان الآخرين وفرض الجزية والخراج عليهم ولذلك فقد سمح لغير العرب، من أصحاب الكتاب، البقاء على دينهم _"الغير صحيح" بنظر الإسلام_ وفرض الجزية عليهم؛ مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى.
وقد جاء تأكيد ذلك في كتاب القرآن نفسه حيث تقول الآية (29) من سورة التوبة؛ "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". وجاء تفسير الجلالين بالتالي: (("قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر" وَإِلَّا لَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله" كَالْخَمْرِ "وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ" الثَّابِت النَّاسِخ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَان وَهُوَ دِين الْإِسْلَام "مِنْ" بَيَان لِلَّذِينَ "الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب" أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى "حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة" الْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِمْ كُلّ عَام "عَنْ يَد" حَال أَيْ مُنْقَادِينَ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُوَكَّلُونَ بِهَا "وَهُمْ صَاغِرُونَ" أَذِلَّاء مُنْقَادُونَ لِحُكْمِ الْإِسْلَام)) (63). وهكذا جاء التأكيد من النص والتفسير لما ذهبنا إليه؛ بأن الإسلام بدأ بمرحلة جديدة قائمة على ثقافة الغزو والقتل وإكراه الآخرين.
الهوامش:
60- سورة البراءة "التوبة"، (الآيات 1، 2، 3، 4، 5).
61- تفسير الجلالين سورة البراءة (التوبة).
62- سورة البراءة"التوبة"، (الآيات 28، 29، 30).
63- سورة التوبة أو البراءة (الآية 29) مع تفسير الجلالين.
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟