بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 00:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن قضية الخراج والجزية لم يكن يقبل كشرط سلام وأمان للمشركين، بل كان ذاك الشرط فقط لأصحاب الكتاب وما يعرف بالديانات السماوية. أما المشركين فكان مخيرين بين؛ الرضوخ والإستسلام وترك عقيدتهم ودينهم القديم والإلتحاق بالدين الجديد وهذه بالضد من حرية الرأي والعقيدة وتنفي عن الإسلام التسامح العقائدي مع الآخر، أو كان عليهم الدفاع عن عقائدهم ومبادئهم وقيمهم الدينية، مما كان يفرض عليهم شروط الحرب والمواجهة مع المسلمين وهذه ليست فقط ضد حرية الرأي وإنما نفياً وإلغاءً لوجود الآخر؛ حيث يمكن أن تكون سبباً لفقدان الآخر لحياته أيضاً وها هي الآيات تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ. وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(53).
وهكذا فإننا نلاحظ بأن محمد بن عبد الله هنا يدعو أتباعه للوقوف في وجه الكفار والمشركين وهذه تؤكد على قضية أن الإسلام بدأ ينتقل _رويداً رويداً_ من مرحلة الدفاع والتأسيس من خلال التبشير بالكلمة إلى الهجوم وفرض العقيدة الجديدة بقوة السيف والإرهاب فها هي الآيات تقول: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .. وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ .. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ. الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(54). ولكن رغم ذلك كان ما زال الواقع الإسلامي لم يبدأ مرحلة الهجوم الكلي والقطيعة مع الماضي تماماً، بل كانت قد دخلت مرحلة الدفاع عن النفس بالسيف بدل الكلمة كما كانت في بدايات العهد بها حيث تؤكد عليها الآية التالية: "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(55).
إننا نلاحظ هنا كيف يطلب محمد بن عبد الله من أصحاب العقائد والأديان الأخرى ترك عقائدهم السابقة والإلتزام والإيمان بربه ورب والده الذي كان يؤمن به؛ أقول رب والده كون "الله" الذي يعبد اليوم لدى المسلمين كان أحد أرباب الكعبة مع عدد آخر من الآلهة الكعبوية _نسبةً إلى الكعبة_ وقد كان والد محمد تابعاً وعبداً له (لله). وهكذا نلاحظ بأن صاحب الرسالة وفي هذه السورة بدأ يؤسس لفكرة الغزوات والحروب ونشر العقيدة بالسيف وإرهاب الآخر حيث وعلى الرغم أن الآية (61) من سورة الأنفال تدعو إلى "الجنوح للسلم" إلا إنه يعود ويحرض الأتباع من "المؤمنين على القتال" .. إذاً هو القتال والقتال بحيث تصل لقناعة بأنهم _أي العرب والمسلمين_ لم يكن يعلمون غير الحروب والغزوات وهي كانت حقيقة وجزء من واقع الحياة القبلية الصحراوية. وبالتالي فإن العقيدة الجديدة لم تخرج عن ثقافة البيئة التي تكونت وتشكلت في حضنه الإجتماعي الثقافي ومن الجهة الأخرى ولكون وجود عدد من المهاجرين ويشكلون عبأً مالياً على الأنصار من أهل المدينة فكان لا بد من بعض الغزوات والهجوم على القوافل التجارية لسلبها وتوفير بعض القوة والمعونة للأتباع وخاصةً بعد أن تشكلت لديهم بعض التشكيلات العسكرية المقاتلة.
وهكذا ورغم كل ما تقدم فإن محمد بن عبد الله أبقى على بعضٍ من سياسة اللين كجزء من منهجه السياسي وسلوكه العملي البراغماتي في جذب المزيد من الأتباع والمريدين وذلك بأقل الخسائر الممكنة حيث يقول في الآيات التالية: "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ"(56) وهو بذلك كان يُحيّد أصحاب الكتاب _جيرانه من يهود المدينة_ لكي يتفرغ لمحاربة الكفار والمشركين. وإننا سوف نجد بأن محمد بن عبد الله قد ألتزم بنصيحة أحد أتباعه وهو (سراق بن مجدل) وذلك عندما نصحه أن يحافظ على وعده مع بعض القبائل العربية والتي كان قد وقع معهم على إتفاقية السلم والأمان، على الرغم من أن بعض تلك القبائل كانت قد رجعت عن الإسلام وذلك بعد أن هزم المسلمون في معركة "غزوة أحد" وبالتالي كانوا يعتبرون مرتدين وعلى محمد والمسلمين أن يحاربوه بحكم "المرتد يقتل" ولكن ونتيجة ضعف المسلمين حينذاك فقد ألتزم محمد بنصيحة سراق بعدم معاقبتهم وليس لقناعة له بحرية الآخر في قتاعاته الدينية والفكرية. (وإنني أحيل من يريد التوسع في الموضوع إلى سورة النساء الآية ثمانين وما بعدها وإلى تفسير الجلالين لتلك الآيات).
لكن محمد بن عبد الله وبعد هزيمة أحد حاول إعادة تأسيس قواته المقاتلة ولذلك دعى أتباعه من الذين كانوا ما يزالون في مكة إلى الإلتحاق بإخوتهم المهاجرين الأوائل، وعلى الأخص الشباب منهم، بحيث يمكننا القول بأنها دعوة للنفير العام للإلتحاق بالقوات العسكرية المسلمة في المدينة حيث يقول في الآيات التالية" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا"(57). طبعاً ومن خلال هذه الدعوة ووصول دفعات وموجات جديدة من المهاجرين، وعلى الأخص الشباب منهم كما أسلفنا، فإنه سوف يحقق عدد من النقاط والقضايا؛ أولاً سوف يرفع من معنويات مقاتليه مع وصول دفعات جديدة من المقاتلين وبالمقابل يضعف من معنويات أعدائه والشيء الآخر سوف يدرك حجم قوته وقوة أعدائه ووفق ذلك يمكنه ان يرسم خططه العسكرية والإستراتيجية. والنقطة أو القضية الأخرى فهو عندما يجلب قوة الشباب للمدينة "كقوة منتجة" ويترك العجائز "كقوة مستهلكة" وعالة على المجتمع القريشي فهو يضعف به إقتصاديات مكة وهنا يبرهن مرة أخرى _الشخصية المحمدية_ على الذكاء الفطري وحنكة القائد السياسي والعسكري.
وكذلك ورغم كل الإجراءات السابقة ولكي يشد من إرتباط الأتباع والمريدين بالعقيدة الجديدة فهو _أي محمد_ يهددهم بالآية التالية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"(58). وهكذا فإن التهديد هنا ليس فقط على المستوى الفردي الشخصي، بل على المستوى الثقافي المجتمعي؛ حيث يهددهم _يهدد العرب؛ كونهم حينذاك الوحيدين من الأتباع المسلمين والآية موجهة لهم_ بأن الله سوف يعاقبهم ويبدلهم بقومٍ آخر يحبهم ويحبونه وذلك إن خذلوه وتركوه دون مناصرة ودفاع عن العقيدة الجديدة. وهكذا ولكي يزيد من حماسهم ويرفع من معنوياتهم للأتباع والمريدين فإنه يقول في آية أخرى ما يلي: "وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"(59). فهنا التأكيد على أن المسلمين هم المختارون عند الرب وقد خصهم بنعمته، لكن إن خذلو "نبيه محمد" فسوف يبدلهم بقوم وملة أخرى .. وقد كان له ما أراد؛ حيث المنعة والمساندة ومن ثم الفتوحات والغزوات.
الهوامش:
53- سورة الأنفال، (الآيات 15، 16، 17).
54- سورة الأنفال، (الآيات 39، 60، 65، 66).
55- سورة الأنفال، (الآية 61).
56- سورة آل عمران، (الآيات 20، 21، 22).
57- سورة النساء، (الآيات 97، 98، 99).
58- سورة المائدة، (الآية 54).
59- سورة النساء، (الآية 104).
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟