بير رستم
كاتب
(Pir Rustem)
الحوار المتمدن-العدد: 4855 - 2015 / 7 / 3 - 21:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يمكننا أن نعتبر معركة أو غزوة أحد ومقتل عم "الرسول" هي الإنعطافة الحقيقية في مسيرة العقيدة الجديدة وبداية مرحلة أخرى لها حيث إننا سنجد هناك تحول حقيقي في مسألة الدعوة للعقيدة بالكلمة الطيبة ومن قول الآية؛ "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(38). وبالتالي فإن المرحلة هذه _مرحلة الدعوة بالكلمة الطيبة والدعوة الحسنة_ سوف تنسى بالمرة وذلك عندما يعثر محمد على جثة عمه حمزة بن أبي طالب ممثلاً بها ومثخنة بعدد كبير من ضربات السيف وطعنات الرماح وليتوعد آنذاك بالثأر له حيث تقول إحدى الأحاديث "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ نَظَرَ إِلَى حَمْزَةَ وَقَدْ قُتِلَ وَمُثِّلَ بِهِ، فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مَنْظَرًا قَطُّ أَوَجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهِ وَلا أَوْجَلَ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَدْ كُنْتَ وَصُولا لِلرَّحِمِ، فَعُولا لِلْخَيْراتِ، وَلَوْلا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تَجِيءَ مِنْ أَفْوَاجٍ شَتَّى. ثُمَّ حَلَفَ وَهُوَ وَاقِفٌ مَكَانَهُ: وَاللَّهِ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ"(39).
وكذلك فقد أكد إبن هشام ذلك في سيرته عن محمد والرسالة وقد قالت كتب التفاسير بأن "نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَبْرَحْ بَعْدُ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)"(40) وذلك كنوع من الردع له عن عدم الذهاب بالثأر إلى النهايات الحدية القصوى، لكن كل ذاك لن يردعه عن الثأر والتنكيل بالمخالفين له حيث سيصل الأمر به وبجيوش المسلمين إلى تجويع الآخرين وذلك بقطع المؤونة والأكل عنهم كما حصل في "غزوة بني النضير" وذلك عندما قام المسلمون بقطع وحرق أشجار النخيل حيث تقول الروايات والمحدثات الإلامية نفسها؛ "..ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه جواب حيي بن أخطب كبر وكبر المسلمون معه ثم نهض صلى الله عليه وسلم لقتالهم ومناجزتهم فاستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وسار إليهم يحمل اللواء علي بن أبي طالب فلما وصل إليهم فرض صلى الله عليه وسلم عليهم الحصار فالتجأ اليهود إلى حصونهم وكانت نخيلهم وبساتينهم عوناً لهم في ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم بقطعها وتحريقها وفي ذلك أنزل الله ﴿-;-مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾-;-"(41) وقد ورد ذكر الحادثة في كل "السير النبوية" بما فيها سيرة إبن هشام الآنفة الذكر.
وإننا نلاحظ هذا الأمر أكثر في سورة البقرة والتي نعتقد بأنه _أي محمد بن عبد الله_ قد أسس ومن خلال هذه السورة القرآنية بنيان دولته الجديدة (الإسلام) حيث "..قد تم وضع مبادئ وأخلاق وعادات جديدة وتمحى تلك القديمة"(42). وبالتالي فليس مستبعداً أن يكون بسبب ذلك قد وضعت هذه السورة في مقدمة كتاب القرآن، وكما نرى بأنها ليست هي السورة الأولى في ترتيب الزمني لنزول الآيات والسور القرآنية، بل هي سورة مدينية وقد سبقتها الكثير من السور المكية والمدينية ومع ذلك جاءت كأول سورة قرآنية في الكتاب وبالتالي يمكن إعتبار هذه السورة هي بيان الحرب _أو بلاغ عسكري رقم واحد بلغة الإنقلابات العسكرية في التاريخ المعاصر_ حيث إننا سوف نلاحظ وإعتباراً من هذه الآيات، بأن العقيدة الجديدة بدأت تنادي وبصوت عال إلى محاربة وقتال الآخر وتؤكد على ذلك الآيات التالية والتي تقول: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ. فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ"(43).
وهكذا يفهم من هذه الآيات، بأن العقيدة الجديدة وصاحبها قد دخلوا لمرحلة جديدة _مرحلة الحروب والغزوات_ وإنهم بذلك تركوا مرحلة العمل السلمي والكلمة الطيبة خلفهم وبالمرة وذلك على عكس ما يذهب إليه الجلالين في تفسيره لهذه الآيات بأن "لَمَّا صُدَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة وَصَالَحَ الْكُفَّار عَلَى أَنْ يَعُود الْعَام الْقَابِل وَيُخْلُوا لَهُ مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَتَجَهَّزَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاء وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِي قُرَيْش وَيُقَاتِلُوهُمْ وَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالهمْ فِي الْحَرَم وَالْإِحْرَام وَالشَّهْر الْحَرَام نَزَلَ "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه" أَيْ لِإِعْلَاءِ دِينه "الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" الْكُفَّار "وَلَا تَعْتَدُوا" عَلَيْهِمْ بِالِابْتِدَاءِ بِالْقِتَالِ "إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ" الْمُتَجَاوِزِينَ مَا حَدّ لَهُمْ" لكن سنجد بأن هو نفسه _اي الجلالين_ سوف يقول: "وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ بَرَاءَة أَوْ بِقَوْلِهِ : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ"(44). وهكذا نجد بأن الآيات تدعو وبدون أي مواربة إلى محاربة الآخرين وقتلهم وإخراجهم من حيث أُخرِجوا أصحاب العقيدة الجديدة؛ ألا وهي مدينة مكة وهي إشارات قوية لحلم العودة وإستلام المدينة بحجة إقامة المناسك والشعائر الدينية.
وإن نظرنا إلى سبب نزول تلك الآيات سوف نجد بأنها جاءت بخصوص محاولة المسلمين الدخول إلى مكة وأداء مناسك الحج والعمرة وعندما يمنعهم قريش من ذلك في ذاك العام ويوقعون معاً على "صلح الحديبية"؛ على أن يعود المسلمين للمدينة ويعودون في العام القادم لأداء تلك المناسك وعندما يحين الموعد ويخاف المسلمون أن لا تفي قريش بوعدها فتأتي الآيات لتقول: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"(45). وهكذا فإن ثقافة الحرب والغزوات قد ترسخت بشكل تام في الفكر العقائدي للدين الجديد وها هو يخرق حتى العرف القبلي ودينها القديم وذلك في مسألة إحلال القتال حتى في (الشَّهْرِ الْحَرَامِ) حيث يتم الإفتاء بها وبإحلالها وبالتالي لم يعد من "حرج" على المسلمين في قتال الآخرين وفي كل الظروف والأوقات .. وإن هذا الخطاب الجديد سوف تؤسس لثقافة العنف كمنظومة فكرية ومؤسساتية كاملة.
الهوامش:
38- سورة النحل، (الآية 125).
39- موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد.
40- سورة النحل، (الآية 126).
41- موقع الألوكة الشرعية؛ غزوة بني النضير دروس وعبر.
42- د. رشيد الخيون، ص20.
43- سورة البقرة، (الآيات 190، 191، 192، 193).
44- تفسير الجلالين، سورة البقرة.
45- سورة البقرة، (الآية 217).
#بير_رستم (هاشتاغ)
Pir_Rustem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟