أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - آفاق وملامح عن ثورة 1920 في العراق















المزيد.....



آفاق وملامح عن ثورة 1920 في العراق


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن أية ظاهرة في الوجود تكمن وراء ظهرها أسباب وعوامل تؤدي إلى إفراز النتائج التي تكون الغاية والهدف لتلك الظاهرة، وعندما نتكلم عن ظاهرة ثورة العشرين في العراق فلابد من المرور بمسألتين الأولى ظهور البورجوازية وتطورها والثانية استغلال البورجوازية إلى ظاهرة الروح القومية التي خلقتها الطبقة البورجوازية واستثمرتها واستغلتها لمصلحتها.
إن التاريخ يعتبر سلسلة من الصراع والتنازع الطبقي المحتوم منذ أن وجد الإنسان ونشأ وترعرع في الوجود إلى يومنا هذا يجاهد ويناضل ضد الطبيعة وضد أخيه الإنسان. وإذا عممنا المنهج المادي العلمي على التاريخ حسب المفهوم المتداول القائم على التشكيلات المتعاقبة (المشاعية البدائية ونظام الرق والعبودية والإقطاع والبورجوازية والاشتراكية). إن أية تشكيلة من هذه التشكيلات المتعاقبة تولد فتولد معها بذرة موتها فحينما ولدت المشاعية البدائية ولدت معها بذرة موتها فولدت من رحمها الطبقة الإقطاعية فولدت من رحمها الطبقة البورجوازية التي هي بذرة موت الطبقة الإقطاعية وحفارة قبرها. وبما أن موضوع بحثنا هو الطبقة البورجوازية وتطورها إلى نظام رأسمالي إمبريالي استعماري.
كانت التجارة في المرحلة الأولى لنشوء البورجوازية والصناعة في المرحلة الثانية، مع مرور الزمن حصل تطور تاريخي في نمو وتطور البورجوازية من خلال ظهور ظاهرة (المانيفاكتوره) وهي شكل من أشكال الإنتاج نشأ في أواخر المرحلة الإقطاعية وانحلالها في مرحلة تطور التجارة وازدياد الطلب على المنتجات الحرفية البسيطة التي كانت شائعة في عهد النظام الإقطاعي، فكان التجار يشترون من الصناع الحرفيين منتجاتهم ويعرضوها للبيع في المدن الأخرى وحتى في المناطق البعيدة عن مدنهم، ثم أخذ التجار حينما يذهبون إلى المدن الأخرى القريبة والبعيدة يجلبون معهم المواد الأولية التي كان الحرفيون يحتاجونها في صناعة السلع والحاجيات. مع مرور الزمن أخذ التاجر (البورجوازي) بجمع عدداً من الحرفيين تحت سقف واحد وفي مكان واحد ويقدم لهم المواد الأولية وأدوات الإنتاج البسيطة أيضاً وقد سميت هذه الظاهرة بـ (المانيفاكتوره) لقد أدت هذه الظاهرة إلى انقلاب الرأسمال التجاري إلى رأس مال صناعي كما تحول الصانع الحرفي إلى عاملٍ بأجور ليس لديه ما يمتلكه سوى قوة عمله يبيعها للرأسمالي ويعمل مع زملائه تحت إشرافه في المانيفاكتوره مما أدى إلى ظهور الطبقة البورجوازية التي تمتلك وسائل الإنتاج مما أدى إلى توطيد سلطة الطبقة البورجوازية وأصبحت تنهج مختلف السبل في عملية اقتصادية لاستدرار الكسب والثراء وظهور ظاهرة التراكم البدائي لرأس المال وعملت على الاستحواذ والسيطرة على الأسواق والأراضي الزراعية بعد أن أزاحت عنها أصحابها الحقيقيين. إن العملية البدائية لتراكم رأس المال تعتبر عملية تاريخية استطاعت بها الطبقة البورجوازية أن تفصل صغار المنتجين عن وسائل الإنتاج فصلاً كراهياً شاملاً وجرت هذه العملية في بلدان أوربا الغربية في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر من حيث الأساس، وتعتبر عملية التراكم البدائي لرأس المال يقظة الانطلاق في نشوء الإنتاج لأسلوب رأس المال وظهور مالكي وسائل الإنتاج من جهة والعمال المأجورين البائعين لقوة عملهم والمحرومين من ملكية وسائل الإنتاج. إن عملية فصل صغار المنتجين والفلاحين بشكل خاص عن وسائل إنتاجهم فصلاً كراهياً (الأرض وأدوات الإنتاج) هي بمثابة نهضة الرأسمالية وهذا يدلل على أن الرأسماليين لم يظهروا كنتيجة لتغيير فئة من الناس كما يزعم البعض من الاقتصاديين، وإنما التاريخ الفعلي يبين أن ظهور الرأسمالية كانت ثمرة عمليات اقتصادية فعلية وكانت تحدث في أحشاء المجتمع الإقطاعي كالمنافسة وخراب صغار منتجي السلع وقد تسارع هذا الظهور عن طريق استخدام أشرس الوسائل العنفية والنهب، حيث ظهرت أكثر وسائل تراكم رأس المال البدائي كلاسيكية في انكلترا عندما استولى اللوردات على أراضي الفلاحين المشاعية وطردوهم منها وقد باع الإقطاعيون الأراضي المغتصبة من الفلاحين إلى الرأسماليين من مربي الأغنام والماشية كمراعي، وأخرى استغلت في ممارسة الإنتاج الزراعي المستخدم كمواد أولية في معامل الرأسماليين.
ولجأت الطبقة البورجوازية الوليدة إلى وسائل عديدة لاغتصاب الأراضي الزراعية من الفلاحين كالاستيلاء الاحتيالي على أراضي الدولة ونهب أملاك الكنيسة. مما أدى أن تتحول جماهير الشعب الواسعة المحرومة من مصدر رزقهم ومعيشتهم إلى متسولين ومشردين وقطاع طرق، كما سنت سلطة الدولة البورجوازية قوانين ضد الذين صودرت أراضيهم سميت (التشريعات الدموية) وعن طريق التعذيب والجلد بالسياط والختم بالحديد الساخن عززت الدولة البورجوازية نظام العمل المأجور ودفعت بالفقراء والمشردين والجياع إلى العمل في المؤسسات الرأسمالية بالقوة، كما قلصت مبالغ الأجور وأطالت يوم العمل إلى اثنتي عشرة ساعة أو أكثر وقد رافق خراب صغار المنتجين وتمويلهم إلى عمال أجراء كما ازداد تراكم ثروة كبار الملاكين بعد أن تحولوا إلى رأسماليين.
بدأ التزاحم والصراع بين الدول الرأسمالية الأوربية كل منها تبغي لنفسها أكبر قسط من الأرباح فطمعت في خيرات القارات غير الأوربية ودفعها طمعها هذا إلى القيام بمغامرات توسعية واستعمارية فبنت الأساطيل التجارية والحربية كي تحتل تلك القارات وتنهب من أراضيها المواد الأولية لصناعة معاملها من السلع والبضائع ثم ترسل ما تنتجه مصانعها إلى أسواق الدولة التي استعمرتها فبرزت في البداية كل من أسبانيا والبرتغال ثم بريطانيا وفرنسا التي جعلت من تجارتها أساساً لسياستها الاستعمارية وانطلقت ثورة الانكليز على البحار وأخضعوها لمراكبهم وامتدت تجارتهم إلى أقاصي المعمورة يقايضون ويتقايضون مع سكان الأقطار المستعمرة أحياناً بشرف وأحياناً بالاغتصاب والقرصنة مما أدى إلى قيام صراعات ونزاعات ومبارزات حامية في هذا المضمار بين انكلترا وفرنسا كل منها تسعى للتفوق على الأخرى في استثمار واستعباد الشعوب في البلدان المستعمرة ووضعها تحت حمايتها.
كان طبيعياً أن يرافق العصر الرأسمالي الاستعماري تقدم في العلم والصناعة والاختراعات لكي تزدهر الرأسمالية ويصبح بإمكانها أن تتوسع وتربح وتستعمر وتسود عليها وأن تخلق وتبني الصناعات وتسهل المواصلات بين الأقطار البعيدة والقريبة وتؤسس شركات وتكتلات استثمارية وتصنع لها قواعد تنسجم مع مصالحها الاستعمارية.
المسألة الثانية التي رافقت وتزامنت مع ظهور الطبقة البورجوازية ظهور الدولة القومية. كانت بداية ظهور الطبقة البورجوازية التجارة في العصر الإقطاعي الذي كانت فيه الدولة مقسمة إلى مقاطعات وكل مقاطعة تحت سلطة أمير أو إقطاعي يقوم بزراعة الأرض ويقسم إنتاجها بينه وبين الخزينة الملكية من قبيل الجزية عما تخوله إياه السلطة الملكية من حق التحكم بالجماعات البشرية القاطنة في إقطاعيته. كان التجار ينقلون بضاعتهم من السلع الحرفية وغيرها إلى المدن والمقاطعات الأخرى فكانت هذه البضائع تفرض عليها الضرائب عند مرورها في المقاطعة التي يملكها الأمير أو الإقطاعي مما يؤدي إلى أن تتحمل البضاعة نفقات إضافية كلما تذهب وتعبر من مقاطعة إلى أخرى مما جعل البضاعة تتحمل خسائر كبيرة يتكبدها التاجر. كما ساد في النظام الإقطاعي ظاهرة الرق والعبودية في القرن السادس عشر حتى نهايته في القرن الثامن عشر فظهرت أفكار متنورة وتقدمية بين المثقفين في تلك المرحلة الإقطاعية كانوا يدعون إلى إلغاء نظام الرق والعبودية وحرية الإنسان كما كانت تلك الجماعات يقودون ويتزعمون الحركات الثورية وتعبئة جماهير الشعب الواسعة للنضال ضد استبعاد الإنسان وإطلاقه من العبودية والرق والقنانه وهذا يعني أن الطبقة البورجوازية كانت تمثل مرحلة تقدمية امتدت إلى القرن الثامن عشر حينما انتهى عصر الإقطاع وحل محله عصر البورجوازية الذي تزامن معه توسع مفهوم التكوين القومي الذي أدى إلى توحيد المقاطعات ودولة المدن والكيانات الصغيرة مما جعل الطبقة البورجوازية أن تلج عالماً أوسع هو عالم الأمة وتكوين الدولة القومية التي من خلالها تم تكوين السوق القومية والتكامل الاقتصادي البورجوازية مما جعل تلك المرحلة بداية متقدمة وصاعدة تاريخية لعصر الرأسمالية الاستعمارية، لقد أفرزت تكوين الدولة القومية ظاهرة بروز النعرة القومية الشوفينية والتعصب القومي لدى الشعب الذي استغلته الطبقة البورجوازية في استعمار الدول الأخرى حينما كانت تؤجج النعرة القومية وتعتبر السيطرة على الدول الأخرى واستعباد شعوبها نصر قومي للدولة المحتلة.
كان كارل ماركس مفكراً عبقرياً يستقرأ التاريخ ومن أقواله التاريخ يعيد نفسه مرة على شكل كوميدي (مهزلة) ومرة أخرى على شكل تراجيدي (مأساوي). من خلال نشوء البورجوازية في العصر الإقطاعي حيث الدولة كانت مقسمة إلى مقاطعات ودويلات وكانت البورجوازية في بداياتها تمارس الأعمال التجارية فكانت تلك المقاطعات تفرض على القوافل التجارية التي تعود إلى البورجوازية ضرائب دخول أو مرور (ترانسيت) مما كانت تلك الضرائب تسبب خسارة كبيرة للبورجوازية فعمدت إلى توحيد ودمج تلك المقاطعات وبناء الدولة القومية ذات المركزية للدولة والسوق الواحدة. والآن حينما نشاهد الواقع الملموس في أكثرية دول العالم وخاصة العراق وأمثاله من الدول المتآخرة التي غزتها واجتاحتها العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة فدمرت الإنسان والطبيعة وهذه المرحلة المتوحشة تمثل الاستعمار الاقتصادي الذي يعتبر أعلى مراحل الاستعمار الذي أشار إليه العبقري الفذ (لينين) فنلاحظ أن الدول الاستعمارية التي اقتضت مصالحها في بداية نشأتها بتوحيد المقاطعات والدويلات وبناء الدولة القومية. والآن نلاحظ العكس أي تفتيت الدولة القومية إلى مقاطعات وكتل فئوية وقومية وطائفية بما تقتضيه مصلحتها في تهديم الحدود وحرية الدخول والخروج لرأس المال والبضائع ومن هب ودب من البشر حسب مفهوم فلسفتها الجديدة (الحرية الليبرالية) (دعه يدخل ودعه يخرج) لماذا تسعى الآن الدول الاستعمارية تفتيت الدولة القومية ؟ حتى لا تستطيع تلك الدويلات والمقاطعات الضعيفة المتفرقة الوقوف في وجه الكابوس والهجمة الاستعمارية الاقتصادية (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) ومن هذا المنطلق الجهنمي المدمر للإنسان والطبيعة تغزو بسلعها وبضائعها تلك الأسواق فتقضي على المشاريع الإنتاجية والرأسمال الوطني لأن الوطن حينما يتفتت تزول ظاهرة الاكتفاء الذاتي من حيث كل منطقة ومقاطعة تمتاز بطابع معين من الزراعة والمواد الأولية المعدنية وغيرها وبذلك تصبح الصناعة والبضاعة والسلع التي تنتجها الدول الاستعمارية هي الممول الرئيسي لتلك الأسواق في الدول السائدة فيها القاعدة الاستعمارية الاقتصادية الجديدة (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) وأسواق العراق أكبر دليل على ذلك في الوقت الحاضر.
كان الاستعمار البريطاني قد تسرب سلمياً إلى العراق منذ القرن الثامن عشر عن طريق الشركات العملاقة التجارية كشركة الهند الشرقية وشركات الملاحة كشركة (بيت لنج) وعن طريق المقيمين الانكليز في العراق والجاليات التبشيرية والجواسيس كما ظهرت ألمانيا على المسرح السياسي كمنافس لبريطانيا وفرنسا وروسيا القيصيرية وقد استطاعت أن تفوز بامتياز مد سكة حديد بغداد – برلين الذي كان يشكل تهديداً كبيراً على مصالح وأطماع بريطانيا في العراق.
لقد حاولت بريطانيا الطامعة ولديها مصالح السيطرة على العراق لموقعه الاستراتيجي المهم استغلال الحركة القومية في العراق ضد السلطة العثمانية التي كانت تستعمر العراق وتوسلت لذلك بشعارات وأساليب مختلفة وقد استطاعت أن تحقق نجاح في بعض الأحيان وفي بعض الظروف وخاصة قبل وخلال الحرب العالمية الأولى. وجدير بالذكر أن الحركة القومية في العراق الذي كان شعبه يرزخ تحت حكم العثمانيين كانت تتصل اتصالاً وثيقاً بما كانت تسمى بـ (المسألة الشرقية التي كان من مهامها وأهدافها استغلال الحركات القومية من قبل الدول الاستعمارية المتنافسة التي نصبت نفسها وصية عليها كمحررة للشعوب وبالرغم من ذلك كانت تلك الدول الاستعمارية تخاف أن تنقلب الحركة القومية ضدها بعد اضمحلال (الرجل المريض) الدولة العثمانية وتقاسم الدول الاستعمارية أملاك تركيا.
وفي القرن التاسع عشر تم تصفية بعض مواضع المسألة الشرقية بعد أن انفصلت بعض الأقطار من تركيا الأوربية ثم تقاسمت الدول الاستعمارية بعض الأقطار في شمال أفريقيا وآسيا كما تمت التسوية والتوافق بين انكلترا وفرنسا وروسيا القيصيرية على اقتسام الممتلكات العثمانية بمعاهدة لندن عام / 1915 ثم انضمت بعض الدول الاستعمارية وانتهت المساومات إلى اتفاق (سان ريمو عام / 1920) بين بريطانيا وفرنسا. وبالرغم من تلك الاتفاقيات السرية والعلنية فإن التسوية العملية لأطماع الدول الاستعمارية اقتضت خوض حرب استعمارية ضروس هي الحرب العالمية الأولى عام / 1914 – 1918 وكان العراق من حصة الاستعمار البريطاني وفقاً لاتفاق سايكس بيكو وتنفيذاً لأطماعهم القديمة أنزل الغزاة الانكليز قواتهم في مدينة الفاو العراقية في 6/ تشرين الثاني / 1914 وانتهوا من احتلال العراق في سنة / 1918 بما في ذلك كردستان العراق فكانت أرض العراق طوال تلك السنوات ساحة حرب بين الأتراك والانكليز وقد حاولت كل من تركيا والانكليز جر العراقيين لخوض الحرب إلى جانبهم وكانت محاولة الأتراك تجري تحت شعارات (الجهاد والأخوة الإسلامية) ومحاولة بريطانيا تحت شعارات (الفتح والتحرير) كما زعم الجنرال الانكليزي مود وسائر المحتلين البريطانيين والفرنسيين للبلاد العربية. وقد استطاع الانكليز الاعتماد على الشريف حسين لمساعدتهم في حمل شعارهم وتعريبه مخدوعاً بوعدهم، كما سار آخرون من العرب مع الأتراك تحت شعار (الأخوة الدينية) ولكن إلى حين انكشفت المؤامرة التي كانت نهايتها احتلال الدول العربية واستعمارها واستعباد شعوبها لقد كان من المفروض على الوطنيين والقوميين أن يستفيدوا ويستغلوا التناقض والصراع القائم بين الدول الاستعمارية من ناحية والتناقض والصراع بين الدول الاستعمارية وأطماعها في (الدولة المريضة) تركيا من أجل ليس فقط استقلال وحرية الدول العربية وإنما وحدتها القومية، إلا أن ما يؤسف له أن العرب أنفسهم انقسموا إلى ثلاث فئات الأولى اصطفت بجانب تركيا باعتبارها دولة إسلامية تحارب الكفر المتمثل بالدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها والفئة الثانية اصطفت مع الشريف حسين في محاربة تركيا بناء على الوعود التي قدمتها الدول الاستعمارية للشريف حسين بحرية واستقلال الدول العربية بعد الانتصار على تركيا التي كانت تستعمر الدول العربية والفئة الثالثة كانت تدعوا إلى محاربة دول الاستعمار وتركيا من أجل استقلال دولها لأن بريطانيا وفرنسا وتركيا ذات وجه واحد لعملة واحدة. لابد من استعراض تلك الأحداث. لقد تطوع الكثير من الضباط العسكريين العرب وخاصة من العراق في جيش شريف مكة الذي ثار على الأتراك عام / 1916 بعد أن كانوا يقاتلون في الجيش التركي ضد الانكليز في بداية الحرب العالمية الأولى، كما انضم إلى جيش الشريف حسين متطوعون من أقطار المشرق العربي، ومن ناحية أخرى كانت عشائر عراقية وعربية وكردية ومتطوعون من قوميات أخرى عراقية وغير عراقية قد رفعوا راية الجهاد الديني المقدس ضد الغزاة الانكليز وساروا جنباً إلى جنب مع الجيش التركي لمقاتلة الانكليز في معركة الشعيبة في البصرة، والفئة الثالثة ظهرت في بعض المدن والمناطق العراقية فاتخذت مواقف العداء الحازم والصريح تجاه العدوين المتطاحنين الانكليز والأتراك واتخذت طابع النضال المسلح. حيث ثارت مدينة النجف الأشرف على الأتراك بعد ستة أشهر من إعلان الحرب وطردتهم من المدينة وأقامت حكومة محلية استمرت لمدة عامين. وحينما ظهرت طلائع الغزاة الجدد (الانكليز) رفضت تلك المدينة الباسلة الاستسلام وقاتلت ضد الاحتلال وفعلت مثلها مدينة الكوفة ومدينة أبو صخير.
حينما احتلت القوات البريطانية العراق ووطأت أقدامه أرض الوطن جوبه الشعب العراقي بحكم أجنبي أشد خطراً من سالفه الحكم العثماني وكان أشد ضراوة وشراسة وغدراً وأكثر جشعاً في الابتزاز والاضطهاد، حيث قامت سياسة المستعمرين الطغاة على سلب جميع الحقوق القومية والحريات العامة والشخصية وفرضت الضرائب الباهضة والعمل الإجباري (السخرة) على الناس. لقد جوبه الشعب العراق بما يتناقض مع العهود والوعود التي قطعها الانكليز للعرب وللعراقيين (أنهم جاؤوا محررين لا فاتحين). فكان الاحتلال بديلاً عن الاستقلال والاضطهاد عوضاً عن الحرية ووعد بلفور المشؤوم حل محل وعود مكماهون في عام / 1917. والوعود المعسولة للرئيس الأمريكي ويلسون عام / 1918 الذي طبلت وهللت له الدعاية الاستعمارية كثيراً والذي قال فيه (أن القوميات الأخرى التي هي الآن تحت سيطرة السلطات التركية يجب أن تضمن لها الفرصة للتطور الذاتي). لم يكن هذا الكلام والتصريحات الأخرى سوى للتضليل على الشعوب كما أطلقت بريطانيا وفرنسا تصريح عام / 1918 قالتا فيه (إن الهدف الذي رسمته فرنسا وبريطانيا لقيامها بالحرب التي جرتها إليها ألمانيا مطامعها التي كانت وراءها في الشرق، وإن حربنا قامت من أجل تحقيق الحرية التامة والنهائية للشعوب المستبعدة والمضطهدة من قبل الأتراك وإقامة حكومات وطنية وإدارات تستمد سلطاتها من إرادة السكان الأصليين الحرة واختيارهم). كما أن القائد العام البريطاني أذاع في تشرين الثاني / 1918 خطاباً باسم الحاكم الملكي البريطاني العام على جمهور من أهالي بغداد قائلاً (أن بريطانيا بعد أن انتصرت ستشرع في الحال في الوفاء بوعدها للعراقيين). وحسب الخطة المرسومة والمنهج المحدد الذي وضعه الاستعمار البريطاني أعلن في شهر حزيران / 1920 عن فرض الانتداب البريطاني على العراق وفقاً لمعاهدة الصلح بين الدول الاستعمارية لإسباغ الشرعية على الحكم الاستعماري الغاصب. كما استطاع المستعمرون إيجاد ركيزة رجعية عليه تستند نظام الاحتلال وتقف في وجه حركة التحرر الوطني، فكان الإقطاعيون أفضل الركائز الرجعية فعمدوا في الحال إلى سياسة شراء طاعة وتأييد بعض كبار الإقطاعيين وتأييدهم قيام نظام إقطاعي وإنعاش الحياة العشائرية والقبلية فشرعت سلطات الاحتلال البريطاني إلى سن قانون يعزز فيه النظام الإقطاعي والعشائر سمي (بنظام دعاوى العشائر المدني والجزائي) وسارت السياسة الاستعمارية على دعم سلطة نفوذ شيوخ العشائر من أولئك الذين أبدوا استعدادهم للتعاون مع سلطات الاحتلال وتحويلهم إلى ملاكين زراعيين ومنحتهم آلاف الدونمات مجاناً بعد أن كانت الأرض الزراعية ملكاً مشاعاً للقبيلة وقد سن فيما بعد قانون تسوية الأراضي هذا فضلاً عن بذل الهبات والعطاءات الجسيمة إليهم وإعفائهم من الضرائب وغض النظر عن جرائمهم وجشعهم في استغلال وسحق الفلاحين (انظر كتاب النظام الإقطاع في العراق بقلم الاقتصادي الكبير المرحوم الدكتور إبراهيم كبه والذي ذكر فيه أن عشرات الملاكين الزراعيين والإقطاعيين يستحوذون على ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية مما جعل العراق يصبح تحت سلطة الاحتلال البريطاني فيما بعد شبه مستعمر وشبه إقطاعي حتى قيام ثورة 14 تموز عام / 1958).
وهنا لابد من نبذة نستعرض فيها كيف نشأ وتكون النظام الإقطاعي في العراق :- كانت الأراضي الزراعية قبل الاحتلال البريطاني للعراق مشاعة بين رجال العشيرة من الفلاحين وكان آنذاك لا يوجد شيخ عشيرة أو إقطاعي وإنما كان هنالك في العشيرة رجل يمتلك المعرفة والتجربة والموهبة والأحكام العقلية من كبار السن يطلق عليه اسم (العارفة) يحترمه ويطيعه رجال العشيرة كما كان هنالك بعض أفراد العشيرة من يمتلك الثروة المادية أو القوة والنفوذ عن كثرة عدد أبنائه وأقاربه في العشيرة فكانت هذه الفئات الثلاثة تمتلك الطاعة والاحترام والنفوذ في العشيرة وعندما وقع الاحتلال البريطاني للعراق سعى من خلال سياسة ودبلوماسية في التقرب من أصحاب النفوذ واحتوائهم وربطهم بعجلته الاستعمارية وبسط نفوذه واستعماره للعراق، وكانت البداية هي نصب أعمدة لخطوط التلفونات بين البصرة ومدن العراق الأخرى التي يتواجد فيها مراكز الاستعمار البريطاني وكانت هذه الأعمدة تنصب وتقام في الأراضي الزراعية التي تعود للعشائر فأخذ رجال الاستعمار البريطاني يبحثون عن أصحاب النفوذ في العشيرة فلم يكن هنالك سوى هذه العناصر الثلاثة أصحاب القوة والنفوذ والاحترام والطاعة لدى أبناء العشيرة، فكان رجال الاستعمار البريطاني يستدعون أصحاب النفوذ ويطلبون منهم مقابل مغريات كبيرة من المال والمساندة والنفوذ بنصب عامود لخطوط التلفون في أرضهم كما يطلبون منهم بعض أفراد من العشيرة بحراسة ذلك العامود وخطوط التلفونات وبهذه الطريقة المغرية الجهنمية توطدت العلاقة بين الاستعمار البريطاني وتلك النخب الثلاث من أصحاب النفوذ ومن خلال دعم الانكليز إليهم برز منهم شيخ العشيرة والإقطاعي الكبير الذي أغدق عليهم الاستعمار البريطاني المال والأراضي الزراعية والدعم المادي والمعنوي كما تبين من خلال الموضوع.
إن السياسة الانكليزية الاستعمارية التي قامت على دعم ومساندة البعض من أصحاب النفوذ في العشيرة أوقدت نار الحقد والفتنة والتذمر لدى بعض الشيوخ من أصحاب النفوذ الصغار والفلاحين عامة فضلاً عن بعض كبار الشيوخ من أصحاب النفوذ في العشيرة الذين رفضوا التخلي عن كرامتهم الوطنية. كما أن الدعوة والروح الإسلامية التي كان الأتراك يبشرون بها ويثيرون همم ومشاعر المسلمين إلى جانبهم في حربهم ضد الكفار الانكليز كان لها تأثير على نفوس الناس وبشكل خاص في الأوساط الدينية من خلال سلطة الحكم الذي اختلف فيه الحاكمون عن المحكومين في الدين الذي لم يألفوه من قبل الذي كان يختلف عن الحكم التركي الذي كان يحكم العراق باسم الخلافة الإسلامية والأخوة الإسلامية مما أثار الكره والبغضاء لدى كثير من أبناء الشعب العراقي الذين لم يجدوا مسوغاً لقبول حكم الكفار الانكليز.
قبل أن يتم احتلال العراق بأكمله من قبل قوات الاستعمار البريطاني، قامت وانتصرت في روسيا عام / 1917 ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ضد النظام الرأسمالي الذي يقوم باستعباد الشعوب واستغلالها وامتصاص دمائها، فكان لها دور مؤثر وفعال في يقظة الشعوب المظلومة والمقهورة والمحرومة وشعاع أمل ورجاء إليهم، ومنها شعبنا العراقي الذي ابتلي بكابوس الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدور العراقيين. وللحقيقة والتاريخ تعتبر ثورة أكتوبر العظمى هي أول ثورة في العصر الحديث قضت على سبات وخنوع الجماهير الكادحة التي استمرت قرون من الزمن لشعوب الشرق المضطهدة فكانت الشرارة التي أشعلت جذوة النضال والكفاح ضد الامبريالية العالمية، حيث أتاحت الفرص ونورت الشعوب وأضاءت لها دروب النضال والكفاح في الخلاص من الظلم والاضطهاد والاستعباد نحو المستقبل المشرق السعيد وقد ساعد على ذلك النداءات التي وجهتها الدولة السوفيتية التي تمثل العمال والفلاحين والكادحين إلى شعوب الشرق وتدعوهم إلى الثورة ضد الحكم الاستعماري الاستغلالي والاستعبادي، كما أعلنت الدولة السوفيتية إطلاق الحرية وحق تقرير المصير للشعوب التي كانت ترزخ تحت الحكم الروسي القيصري قبل قيام ثورة أكتوبر عام / 1917 ومنها شعوب آسيا الوسطى الإسلامية وفي منطقة البلقان وغيرها. كما أصدرت الأممية الشيوعية بياناً تضمن نداء إلى الجماهير المستعبدة في بلاد فارس وأرمينيا وتركيا وإلى الشعب العراقي نشرته جريدة الرافدا الناطقة باسم الحكومة السوفيتية الجديدة في 20/7/1920 وكان موجهاً إلى فلاحي العراق قالت فيه : (يا فلاحي بلاد ما بين النهرين، إن الانكليز قد أعلنوا عن استقلال بلادكم إلا أنه يوجد ثمانون ألف من جنود الاحتلال على أرضكم يعملون فيكم سلباً ونهباً وقتلاً ويستبيحون أعراضكم). وقد كانت تلك النداءات السوفياتية وتدابيرها العملية في هذا الشأن تجرى في أحاديث وعلى ألسنة قادة الثورة العراقية كالخالصي والشيرازي وغيرهما.
لقد أنزلت ثورة أكتوبر العظمى ضربة قاصمة بالامبريالية العالمية حيث أقامت نهضة ثورة بين الغرب المستعمر والشرق المستعبد في جبهة متحدة وجديدة من الانتفاضات من خلال الطبقة العاملة والكادحين في دول الغرب الاستعماري مروراً بالثورة البلشفية الروسية إلى أمم وشعوب الشرق المضطهدة في جبهة وتحالف مصيري ضد الامبريالية العالمية وهذه الظاهرة الأممية بين المظلومين والمضطهدين في الدول المستعمرة والدول المستعبدة قد سددت ضربات وهزات وارتباك إلى مؤخرات الامبريالية في المستعمرات والدول التابعة لها وهكذا يسرت الثورة العملاقة من خلال الشرارة التي تحولت إلى لهيب ونور ونار لإنجاز التحرر المشترك من خلال النضال الظافر ضد الامبريالية. وقد قامت الدولة السوفيتية الفتية بفضح كل مؤامرات المستعمرين المنافقة والمناقضة لعهودهم الكاذبة للشعوب المستعمرة حينما نشرت جميع ما كان لديها من وثائق ومستندات لوزارة الخارجية الروسية القيصرية قبل ثورة أكتوبر البلشفية، وكان من جملة هذه المستندات والمعاهدات السرية (سايكس – بيكو) (ومعاهدة لندن عام / 1915 بين انكلترا وفرنسا وروسيا القيصيرية والتي انضمت إليها إيطاليا لاقتسام ممتلكات (الرجل المريض) الدولة العثمانية). وقد حاول المستعمرون عبثاً وكذباً تكذيب ما نشر من قبل دولة الاتحاد السوفيتي من وثائق مدعين زوراً وبهتاناً أن الشيوعيين هدفهم من نشر هذه (الأكاذيب) إثارة الخلاف بين دول الحلفاء ..!!. لقد افتضح زيف شعار الاستعماريين المعروف بكلام الجنرال مود (جئنا محررين لا فاتحين) ..!!. بالرغم من كل التشويهات والأكاذيب فقد تركت ثورة أكتوبر العظمى آثارها في حركة ونضال الشعب العراقي رغم ظروف ذلك العهد وظروف الحصار الحربي التي عزلت الاتحاد السوفيتي عن العالم، إن التأثير انتقل إلى العراق عن طريق إيران ومن بعدها تركيا لأن شعاعها الذي ألهبته شرارة الثورة العملاقة لا يستطيع إطفاءه لو تجمع ظلام الامبريالية وجبروته لأنه يمثل الحقيقة التي هي حتمية التاريخ. كما أن الشعب العراقي العظيم الذي ناضل وجاهد ضد الاستعباد والاستعمار العثماني لا يمكن أن يتساهل ويسكت عن الاستعمار البريطاني الجديد كما أن الأسباب والعوامل التي مر ذكرها كانت بواعث وجذوة نضالية شديدة نحو ثورة ضد الغزاة، كما أن عملية الغزو الانكليزي والاحتلال وما رافقتهما من ردود أفعال كانت تحمل في أحشائها عوامل وأسباب الثورة، وكان ذلك واضحاً في صمود مدينة النجف الأشرف عام / 1917 بوجه الانكليز وحذت حذوها مدينة الكوفة وأبو صخير، كما كانت الانتفاضات مستمرة في النجف الأشرف والحلة وكربلاء وطويريج ومن ثم في السليمانية والعمادية وغيرها وكانت المظاهرات والانتفاضات تطالب بريطانيا بتنفيذ الوعود التي قطعتها للشعوب في فترة الحرب والاحتلال تشتد وتتزايد في حين كان الانكليز يتهربون ويناورون بأساليب من الكذب والنفاق والخديعة وفي حين آخر كانوا يلجئون إلى العنف بالحديد والنار. وكانت البورجوازية الوطنية من مثقفين وتجار متنورين ومعهم رجال دين وملاكين وشيوخ عشائر لم يدنسوا نفسهم وكرامتهم في الخنوع والخضوع للاستعمار البريطاني تقود النضال الوطني للتحرر من الاستعباد والاستعمار البريطاني كما لعبت في ذلك دوراً مهماً (جمعية العهد) في العراق والشام والضباط العراقيون الذين قاتلوا مع الشريف حسين إلا أن ما يؤسف له أن إغراءات الانكليز لرجال هذه المنظمة كان كبيراً فهجر أكثرهم (من البورجوازية) في أحرج الظروف الثورة بعد أن وعدوا بالمناصب الحكومية أو قطع الأراضي الواسعة، إلا أن جمعية (حرس الاستقلال) لعبت دوراً ثورياً كبيراً. وكانت أصدق وأوسع نفوذاً بين جماهير المدن إلا أن هذه الجمعية انجرفت أيضاً وانحازت إلى أنصار (جمعية العهد) وكان أبرز قادة هذه الجمعية من أهالي بغداد. وبالنظر لظروف الاحتلال القمعية وانعدام حرية الكلام والنشر فقد لجأ الوطنيون المخلصون والجماهير الشعبية الواسعة إلى الجوامع يقيمون الاحتفالات الدينية والمواليد النبوية. وكانت الخطابات والقصائد التي كانت تلقى في تلك الاحتفالات تلهب الجماهير الواسعة حماساً ووطنية وتزيدهم حقداً وكرهاً على المحتلين وتحفزهم للثورة عليهم في 17 / حزيران / 1920 أصدرت الحكومة البريطانية صك الانتداب على العراق الذي جاء فيه : حيث أن حكومة جلالته قد تقررت وكالتها في خصوص العراق، فتتوقع جعل العراق مستقلاً تضمن استقلاله جمعية عصبة الأمم، وتكليف الحكومة البريطانية بالمسؤولية عن حفظ السلم الداخلي والأمن الخارجي، وبعد انقضاء الإدارة العسكرية سنعطي السلطة للسير بيرسي كوكس لتنظيم مجلس شورى تحت رئاسة عربي. لقد كشفت بريطانيا عن وجهها القبيح وأهدافها الخبيثة وكذبها في صك الانتداب وجاء استفزاز للشعب العراقي وقبل عام من انفجار ثورة العشرين في 30 / حزيران قام الشعب الكردي في العراق بثورة عارمة ضد الانكليز كانت درساً قاسياً لهم وكشفت عن مدى ضعفهم وإفلاسهم وبالرغم من أن تلك الثورة فشلت إلا أنها كانت محفزاً كبيراً لثورة العشرين في وسط وجنوب العراق. وقد كانت الثورة الكردية التي ابتدأت بانتفاضة مدينة السليمانية في 20/ مايس/ 1919 فكانت أول حركة قومية كردية مسلحة ضد الاستعمار الحديث، كما أن تخاذل قوات الاحتلال البريطاني في مدينة (دير الزور وتلعفر) أمام المتطوعين العرب في سوريا كشف عن مدى الضعف الذي يعانيه المحتلون الانكليز وألهب الشعور الثوري الوطني في بغداد والفرات الأوسط. وفي عشية الثورة التي كانت تدنو مسرعة، كانت الاجتماعات المحتشدة تتعاقب سراعاً في المساجد والجوامع وتخرج بجماهير واسعة وغاضبة في مظاهرات في بغداد والحلة وكربلاء وغيرها وكانت الفتاوى والمضابط تنتشر بين جماهير الشعب كألسنة الشرر. كما كانت الاجتماعات والمؤتمرات وخاصة بين زعماء الدين ورجال العشائر وكانت الاتصالات والمشاورات والتبليغات بين مختلف الجهات وبين مختلف المدن العراقية والأرياف وكانت سلطات الاحتلال من جهة أخرى تزداد ارتباكاً واضطراباً وهستيرية وتعسفاً فكانت تقتل وتسجن وتنفي خارج الوطن وتهدد كما كانت تتفنن بأساليب الخداع وشراء الذمم.
في يوم 12 / آب / 1920 أصدر القائد العام الانكليزي بياناً جاء فيه : (اعتاد بعض المفسدين أن يعقدوا المواليد لتهييج أفكار الناس ضد الحكومة وبث روح الاختلاف والكراهية .. وقد أساءوا استعمالها وإن المحركين يضللون الناس ضلالاً مبيناً بجسارتهم ومذكراتهم، فلهذا وجب علينا أن نعلن أن انعقاد المواليد ممنوع وإن انعقاد الاجتماعات لمجالس سياسية تعرض القائمين بها لأشد العقاب، وقد شكل مجلس عرفي للنظر في هذه الجرائم التي تقع ضد الأمن العام).
وفي مساء يوم 17 / آب / 1920 أعدمت السلطات الاستعمارية البريطانية ستة من أقوى وأشجع المناضلين الذين كانوا على رأس الجماهير يغذونها بالصلابة والجرأة والصمود والإقدام في معركة الحق ضد الباطل والمطالبة بالاستقلال والسيادة والشهداء هم : (سلمان بن أحمد وحسين بن أحمد ومحمد بن سلمان وصالح بن محمد وأحمد بن عبد الله وشامي بن محمود).
كانت جماهير الشعب قدمت مذكرة إلى سلطات الاحتلال البريطاني تتلخص بما يلي :
1) الإسراع في تأليف مؤتمر يمثل الأمة العراقية ليعين مصيرها ويقرر شكل إدارتها في الداخل ونوع علاقتها بالخارج.
2) منح الحرية للمطبوعات ليتمكن الشعب من الإفصاح عن رغائبه وأفكاره.
3) رفع الحواجز الموضوعة في طريق البريد والبرق بين أنحاء القطر أولا وبينه وبين الأقطار المجاورة له والممالك الأخرى ثانياً.
فكان رد فعل القوات البريطانية المحتلة حملة اعتقالات واسعة أعقبها إعدام الأبطال الستة المار ذكرهم باعتبارهم ممثلي جماهير الشعب الذين قدموا المذكرة التي تشمل مطاليب الشعب إلى سلطات الاحتلال، لقد كانت الثورة الحمراء في كل يد مضرجة تدق وتتسارع خطواتها وعنفوانها في الأرياف والمدن في جميع أنحاء العراق وفي الفرات الأوسط بشكل خاص. فكانت الطلقة الأولى التي رفعت راية الثورة العراقية في 30 / حزيران / 1920 انطلقت من مدينة الرميثة الباسلة لتخليص الثائر الشجاع شعلان أبو الجون من قبضة الانكليز الذين اعتقلوه للتنكيل به. لقد كانت إطلاقة الرميثة الباسلة الشرارة التي أشعلت نار الثورة الجبارة لتحرق الانكليز وتقضي عليهم أي قبل أن يصل إلى ثوار الرميثة البطلة نداء زعماء الثورة العراقية في إعلان الجهاد ضد الاحتلال البريطاني وقد استطاع الثوار الأبطال من إنقاذ البطل شعلان أبو الجون من الأسر بعد معارك ضارية وباسلة خاضها الثوار في مدينة الرميثة في منطقة (العارضيات) مفخرة من مفاخر النضال الثوري للشعب العراقي الذي سوف يسجل بحروف من نور على جبين التاريخ كلما الأيام والسنين تترى وتستعرض الأجيال القادمة أمام منصة التاريخ سنشاهد تلك الملحمة البطولية لثوار (العارضيات) محفورة على جبين التاريخ. لقد تحرك في يوم 6 / تموز / 1920 قطار يحمل ألفي جندي مع معداتهم الحربية تحت قيادة الكولونيل (دي مارفين) متجهاً إلى الرميثة لفك الحصار الذي فرضه الثوار ضد القوات البريطانية في مدينة الرميثة. بالرغم من عدد القوات البريطانية ومعداتهم الحربية المتطورة فلم تستطع من فك الحصار عن القوات البريطانية المحاصرة. وذلك لقيام الثوار بتدمير قطع سكة الحديد على بعد سبعة كيلومترات من مدينة الرميثة وإلى جانبها كان يتخندق ويربضون أبناء الفرات الأوسط الذين اندفعوا كاللظى والتحموا بأسلحتهم البسيطة بالقوات البريطانية في معركة دامية استمرت سبع عشرة ساعة مما اضطر قائد القوات البريطانية الانسحاب من المعركة والعودة هرباً إلى مدينة الديوانية التي جاؤوا منها وقد غنم الثوار أسلحة كثيرة كما وقع في أسرهم عدد من الجنود البريطانيين قرر الميجر (ديلي) قائد القوات البريطانية في مدينة الديوانية تهيئة وتجهيز قوة من الجيش البريطاني قوامها (خمسة آلاف جندي) مع المعدات الحربية لإرسالهم إلى منطقة (العارضيات) للقضاء على الثورة والثوار. إلا أن الثوار الأبطال كانوا يعبئون قواهم وينظمون مواقعهم وقاموا بنصب الكمائن للقوات الغازية. وفي منطقة العارضيات كان يتخندق ثلاثة آلاف ثائر من أبناء الفرات الأوسط. وقد استطاعت الكمائن للثوار من التصدي للحملة الاستطلاعية المؤلفة من أربعمائة جندي فنشبت معركة رهيبة تركت بريطانيا العظمى مكدومة الجبين واضطرت القوات الغازية من الهرب تاركين وراءهم للثوار معداتهم الحربية والعربات الملأى بالعتاد والسلاح مع (260 قتيل).
قرر الثوار بعد هذه المعارك حماية مناطقهم بحفر الخنادق حولها ووزعوا قواتهم في مناطق مختلفة في مناطقهم استعداداً للحملة الجديدة التي قادها الكولونيل (كوننكهام) ونزلت في مدينة الحمزة الشرقي في 16 / تموز / 1920 تحت حراسة عدد من الطائرات. ومرة أخرى دمر الثوار وأبادوا عدداً كبيراً من تلك الحملة في (العارضيات) التي أصبحت مقبرة للجيش البريطاني وطلبوا النجدة فجاءت ثلاث قطارات تحمل الجنود والدبابات والمدافع لإنقاذ قواتهم المحاصرة في مدينة (الرميثة). فانسحب الثوار وفق تكتيك منظم على أمل تنظيم قواتهم الثورية استعداداً لمواجهة القوات البريطانية الكبيرة وإنزال ضربة قاصمة بها، وأثناء مواجهة القوات البريطانية نشبت معركة عنيفة انتهت بفرار القوات البريطانية من المنطقة وتأتي خسارة الانكليز وهروبهم لعدم معرفتهم وجهلهم بتلك المناطق المزدحمة بالنخيل والتلال فكانت المنطقة يعرفها الثوار شبراً شبراً وكانوا ينصبون الكمائن للقوات البريطانية عن طريق حرب العصابات التي كان يمارسها الثوار بقوات قليلة بينما كان الجيش البريطاني يجهلها ولا يعرف أساليبها وخططها. كما ضربت منطقة الرارنجية القريبة من مدينة الحلة مثلاً رائعاً في الفن العسكري الثوري وأصبحت أيضاً مقبرة للجيش البريطاني. وفي أواخر شهر تموز / 1920 أصبحت مدينة الكوفة محاصرة من جميع أطرافها وقد أحاط بها الثوار وحشدوا قواتهم على نهر الفرات بجانب الجسر بحركة سريعة ومذهلة مما دفع بالقوات البريطانية المحاصرة داخل المدينة طلب النجدة فقام على الفور الحاكم الملكي العام والقائد العام للقوات البريطانية في العراق الإيعاز إلى قائد الحامية البريطانية في مدينة الحلة بإرسال جيش لإنقاذ حامية مدينة الكوفة. وتحرك الجيش من مدينة الحلة وقضى ليلة في الطريق المؤدي إلى مدينة الكوفة بعد أن أمن له الطريق أحد عملاء الانكليز فأقام معسكراً في قناة الرارنجية التي تبعد عن الحلة اثني عشر كيلو متراً وعن مدينة الكفل ثمانية كيلو مترات. استطاع الانكليز اجتياز الموقع العسكري وجعلوا نهر الفرات شمالاً يصونهم من هجمات الثوار ومن الجنوب كانت الأراضي مكشوفة فلم يستطع الثوار الهجوم منها لانكشافهم أمام مدفعية الجيش البريطاني أما الجبهتان الشرقية والغربية فقد حفر الجيش الانكليزي الخنادق فيها وحصنوها. اجتمع الثوار في مدينة الكفل وقرروا الانقسام إلى قسمين، قسم يكون موقعه على ضفة شط الهندية الشرقي والقسم الثاني يكون موقعهم امتداد سكة الحديد التي كانت تربط مدينة الحلة بمدينة الكفل. بالرغم من أعداد الثوار القليلة إلا أنهم كانوا يمتازون بقوتهم المعنوية وإيمانهم المطلق بعدالة قضيتهم ومحاربتهم الاستعمار والاستعباد في سبيل استقلال وطنهم وحريته وإنقاذه من المعتدين، حيث كانت أسلحتهم خفيفة فكانت تعينهم وتساعدهم على سرعة الحركة والانتقال إلى أي اتجاه أو منطقة وهذه الميزة تمتاز بها حروب العصابات عكس قوات الاحتلال البريطاني التي عصفت بهم الحيرة والارتباك والاضطراب لقد كان الاطمئنان معدوماً في نفوسهم بالرغم من أنهم يمتلكون أكداس من الأسلحة الثقيلة والحديثة والأعتدة الوفيرة وقوة الإمبراطورية البريطانية بأجمعها. لقد كان الثوار يفاجئونهم بالهجوم عليهم بالرغم من تحصيناتهم. لقد تقدم الثوار نحو قناة الرارنجية وكانت مملوءة بالماء وقد ربط فوقها قنطرة من جذوع النخيل وكان الجنود الانكليز يرابطون عليها برشاشاتهم الثقيلة فهجم الثوار على القنطرة فأثار الفزع والانهيار والخوف والتدافع بين قوات الجيش البريطاني وأصبحت القنطرة بيد الثوار وسيطروا على الرشاشات الثقيلة والعتاد بعد أن هرب الجيش البريطاني وترك تلك الأسلحة، وفي الوقت نفسه هجم القسم الثاني من الثوار راجعين غرباً مع النهر بينما كانت قوات الثوار الأخرى قد التحمت طلائعها مع قوات الاحتلال.
إن هذه الخطة التي استندت على الهجوم المباغت عطلت تأثير ودور المدافع الثقيلة التي كانت بحوزة قوات الاحتلال البريطاني كما لم يبق للرشاش والبندقية في هذا الالتحام من دور وحل محلها السلاح الأبيض (الخنجر والفالة والمكوار) وقد هرب قائد الحملة في الجيش البريطاني مع من تمكن من الجنود والضباط من الهرب وخلفوا وراءهم مئات الجثث من الجنود والجرحى والأسرى. وعندما كانت أصوات الرصاص تزمجر في الفرات الأوسط والعارضيات والرارنجية كان صداها يتردد في جبال كردستان حيث كان الرصاص ينهمر من الجبال نحو صدور الغزاة البريطانيين حيث نهض الشعب الكردي ومعه الأقليات القومية والدينية في كردستان ومناطق أخرى من العراق في معركة التحرير والنضال من أجل القضية المشتركة وتخضيب أديم مضيق عقره ومدينة كفري بدماء أبناء كردستان والأقليات الأخرى. ففي أواخر تشرين أول / 1920 تحركت جماهير كفري بقيادة إبراهيم خان ضد الانكليز والإقطاعيين المتعاونين معهم فتمكنوا من محاصرة القوات البريطانية ودحرها وتحرير قصبة كفري والمناطق المجاورة لها وشكلوا حكومة محلية مؤقتة ونظمت الدوائر المهمة في الحال لتمشية أمور المواطنين. وقتل في هذه المعركة الباسلة الكابتن الانكليزي (جاردن). ولم يتمكن الانكليز وأعوانهم من ضرب الثورة وتصفيتها إلا بعد (23 يوماً) بعد أن ضرب الانكليز بالطائرات والمدافع مواقع الثورة الأساسية في مدينة السليمانية والخالص فلم يتلق الثوار في كفري المساعدة لا من الشمال ولا من الجنوب وهذا يعني أن ثورة العشرين العملاقة توهج لهيبها إلى جميع أنحاء العراق وساهمت فيها جميع القوميات واشترك فيها رجال الدين وبعض شيوخ العشائر فضلاً عن المثقفين والتجار وجماهير شعبية واسعة من أبناء المدن والريف وبينهم العمال الذي كان أول شهيد لهم في بغداد هو (حسن النجار الأخرس) وكانت القاعدة الكبرى والجيش الرئيسي للثورة هم جماهير الفلاحين.
إن هذه الثورة العملاقة فشلت بعد خمسة أشهر من قيامها. والآن لابد من موقف نحلل فيه العوامل والأسباب التي أدت إلى فشلها، كما ذكرنا من خلال الموضوع الأسباب والعوامل التي أدت إلى اندلاع هذه الثورة العملاقة ولم تحقق طموح الشعب وإرادته وحقه في تقرير مصيره وإنما أصبح في نظام شبه استعماري وشبه إقطاعي.
أما الأسباب والعوامل التي أدت إلى فشل الثورة هي :-
1) إن عدم التكافؤ في النواحي الاقتصادية والتكتيكية والعسكرية والأسلحة بين الثوار وبين قوات الاحتلال البريطاني تعتبر من الأسباب المهمة لفشل الثورة.
2) الثورة وقادتها، لم تكن على صلة وعلاقة من الناحية التنظيمية بحركات التحرر في الدول الأخرى حيث كان العصر (عصر الامبريالية) التي امتازت بنضال شعوب المستعمرات ضد الاستعمار.
3) لم تكن هنالك علاقة أممية بين الثورة وقادتها والأحزاب الثورية للطبقة العاملة والكادحين في الدول الاستعمارية والحركات المناضلة ضد الاستعمار في العالم.
4) ضعف الوحدة الوطنية العراقية حيث كانت كثير من القبائل وبعض الفئات الدينية في عزلة عن الثورة وكانت استجابتها للثورة ليس بمستوى الحدث.
5) استعمل الانكليز سياستهم الجهنمية المعروفة (فرق تسد) مما أعطى للمستعمرين سلاحاً قوياً لزرع الخلافات والنزاعات القومية والدينية والقبلية في البلاد.
6) عدم مشاركة الأكراد في ثورة العشرين بسبب انتفاضتهم ضد الانكليز في عام / 1918 و 1919 حيث قمعت تلك الانتفاضة بقسوة وشراسة على أيدي قوات الاحتلال البريطاني.
7) استطاع الانكليز من تحييد وعزل القبائل التي تسكن حوض دجلة عن الثورة ووقوفها على الحياد.
8) لم يكن الإعداد للثورة بمستوى المهمة العظمى التي تقوم وتواجهها، فبالرغم من المفاوضات التي قامت بين جمعية حرس الاستقلال الذي كان الشخصية الوطنية جعفر أبو التمن أحد قادتها ورجال الدين وزعماء القبائل والتي تمخضت عن تأسس (مكتب الثورة). إلا أن ثورة العشرين كانت قد بدأت بمبادرات عفوية من قبل الجماهير الشعبية ولذلك لم تنجح جميع المحاولات من أجل توحيد فعاليات مختلف الفصائل الثورية في قيادة موحدة تقود الثورة. وهذا يعني أن الثورة كانت تفتقر إلى مقومات قيادة وطنية مدركة مقدامة ومنظمة وموحدة تستطيع قيادة الثورة وتنسيق فعالياتها على نطاق القطر، وإن عدم وجود مثل هذه القيادة كان من العوامل الأساسية في فشل الثورة، أي عدم تحقيق هدف الشعب العراقي الأساسي الذي هي التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني الكامل والناجز.
9) كما أن من عوامل فشل الثورة هو التركيب الطبقي للقيادة السياسية وتنظيمها لأن هذا العامل أي الطبقي يلعب دوراً حاسماً في انتصار الثورة وتحقيق الاستقلال الكامل من الاستعمار وخصوصاً حينما يكون الاستعمار في مرحلة الامبريالية. فالطبقة البورجوازية كانت ضعيفة جداً سياسياً واقتصادياً، والطبقة العاملة يكاد لا يكون لها وجود لقلة عددها وإنما كان العراق تسوده الحياة القبلية الإقطاعية الذي استطاع الاستعمار البريطاني أن يقيم علاقات من خلال الإغراءات ومنحهم قطع الأراضي (باللزمه) أو (بالطابو) إلى قادتهم.
10) كما أن الثورة لم يكن لديها برنامج سياسي واقتصادي يخص جماهير الشعب تقوم وتناضل الثورة من أجله وكما بينا كان قادة الثورة لم يكونوا موحدين ضد هدف واحد وإنما كان قسم منهم منحازين إلى الأتراك عن طريق (الأخوة الإسلامية) والقسم مع الشريف حسين منحاز إلى جانب الانكليز في محاربة الأتراك على أساس منح الاستقلال للعراق بعد اندحار والانتصار على الأتراك أما القسم الثالث الذي كان ضعيفاً هو الذي كان يطالب استغلال الصراع بين دول الاستعمار من جهة وبين دول الاستعمار وتركيا من جهة أخرى من أجل تحقيق المطاليب والحقوق الوطنية بالاستقلال وحرية الشعب.
11) كانت قيادة الثورة تتكون من ثلاث فئات 1) الطبقة البورجوازية بالرغم من ضعفها وإنها كانت متذبذبة وغير ثابتة حينما استطاع الاستعمار البريطاني أن يعزل كثير من قادتها وأنصارها عن الثورة حينما قدم لها المغريات والسلطة والوظائف الحكومية وأن يبعدها عن الثورة. 2) رجال الدين ورجال القبائل لم يكن في استطاعتهم قطع علاقاتهم بالفئات الإقطاعية التي انحازت وأيدت منذ بداية الثورة الانكليزي حتى في مرحلة الانتصارات الباهرة التي حققتها الثورة. وكان للفئات المتذبذبة والانهزامية نفوذ كبير في قيادة الثورة ففي بعض المناطق كالمنتفك ومندلي لعب هؤلاء دوراً رئيسياً في أضعاف الثورة والقوى الوطنية وانهيارها. ولذلك إن عدم توفر مقومات قيادة وطنية ثورية حقيقية مدركة لمصالح الشعب ومقدامة في عملها ونضالها ومؤمنة بقضيتها وموحدة في الإرادة والتصميم والعزيمة. وإن عدم وجود مثل هذه القيادة كان من العوامل الأساسية في فشل الثورة.
ومع كل هذه السلبيات التي عانته الثورة وقيادتها، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن ثورة الشعب العراقي عام / 1920 كانت كفاحاً وطنياً ضد الاستعمار وعبوديته واستغلاله، وكانت نضالاً وكفاحاً ثورياً في أسلوبها وفي جوهرها وفي أهدافها بالرغم من تذبذب بعض قادتها وترددهم إلا أن وقود الثورة كانت جماهير الشعب الكادحة والمظلومة والمحرومة فأدركت واقعها من عهد الحكم التركي الظالم والجائر فأدركت أن الاستعمار الانكليزي لا يقل همجية وظلماً وفتكاً عن الحكم التركي فالحكم التركي والاستعمار البريطاني نموذج واحد هو الحكم الأجنبي الذي يمثل الظلم والطغيان والاستعباد والاستغلال. لقد كانت ثورة العراق عام / 1920 حركة معادية للاستعمار، حركة جماهيرية أصيلة امتدت إلى جميع أنحاء البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
فلاح أمين الرهيمي



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر ماركسية (تقديم ومداخلات فلاح أمين الرهيمي)
- أمركة العالم وليس عولمته
- نشوء الطبقة العاملة العراقية
- مسيرة الحزب الشيوعي العراقي النضالية
- الحزب الشيوعي العراقي والوحدة العربية
- العراق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى
- الحزب الشيوعي العراقي
- من وحي التجربة
- الطبيعة الديمغرافية للشعب الأمريكي
- ما المقصود بمحاربة الفكرة بالفكرة ؟
- أمريكا والعالم بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية
- الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية
- الدولة القومية والفكر الديني بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الفكر الماركسي والقومية و الفكر الماركسي والدين
- العلمانية والأممية
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية/2
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية
- النظرية الماركسية والعولمة
- الرفاق الأعزاء


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - آفاق وملامح عن ثورة 1920 في العراق