أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - خواطر ماركسية (تقديم ومداخلات فلاح أمين الرهيمي)















المزيد.....



خواطر ماركسية (تقديم ومداخلات فلاح أمين الرهيمي)


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الإهداء
على قـَدْر ِالتضحية يأتي الخلود
وعلى قـَدْر ِالهمم تبقى الأمجاد
وإلى كل الأماجد والخالدين أهدي هذا السفر المتواضع
التمهيد
خواطر ماركسية .. هي همسات ولواعج تتدفق كتدفق الدماء من بين حنايا الفؤاد تستثير الحنين فيصحو القلب الظامي في حلم النوى .. كما ينطوي الظل وتبدو حقيقة الأشياء وتمتد الأيادي تبحث فلا تجد الأقبضة من تراب وإذا الأفق جنة من هباء بعد أن عشنا تجربة الصمت والسكون سنين طويلة كانت بلا جدوى .. وانتهى الحلم ولملمنا حكايانا وغادرنا خنادقنا نبحث عن الضائع في أحلام الكرى ولكن بقي الجرح يصرخ وللجرح شفاه ليست كشفاه الفم .. ولمجرى الدموع روافد أخرى.
أيها البدوي حينما تسير بين القلب وصحراء الهم ستسمع ذرات من التراب حملت الألم والحزن وصراخ المنبعثين تناثرت واختلطت مع رمال الصحراء .. فتوقف وانزل من راحلتك واحمل حفنة من التراب وضعها في كيس وحينما تصل إلى المدينة انثرها في فضاءاتها فستحوله ريح الأحزان إلى صراخ وشعارات هي أكبر منا .. ولكني حين أتصفحها أرى أن الأيام ستأكلها وستأكلنا وستأكل كل ما تردد من أصوات حتى تعود فتدفن في وادي النسيان وستخلو الساحة والمسرح إلى بعض المحظوظين ليتصدروا القافلة .. ومن يدري من سيكون المحظوظ؟ أنا أم أنت أم الإنسانيين المتباكين على إنسانيتنا الحائرة. أسير في شوارع المدينة التي لي مع كل شارع فيها حكاية أو قصة أتمتم فيما يخطر في بالي من ذكريات نضبت أكثرها وخبأ أروع ما فيها من أحلام جميلة حينما أتطلع إلى بناياتها الشاهقة أستغرق في غفوة الذكريات يوم كنا شبابا نشعل الأرض حمما وبركانا ونخط على جدرانها شعاراتنا المحشوة بتحفيز وتحريض الجياع والمحرومين إلى الثورة على الجوع والحرمان والاضطهاد .. وأظلُّ رافدا تحت جناحيها حتى أصحو على ما يقوم به قراصنة القرن الواحد والعشرين سماسرة الوطن المحترفين الذين خطفوا الابتسامة من على شفاه الأطفال وجعلوا الدموع تسيل من عيون الأمهات والآباء ولكن رغم ذلك فلا يصح إلا الصحيح ولا يبقى غير الوطن الذي هو عين الحقيقة ونبض الفؤاد .

تنبيه واعتذار
يطرق سمعي بين آونة وأخرى أني أكرر بعض الجمل أو المواضيع في الكتب التي أصدرتها وإن هذه الملاحظات من أحبتي الأعزاء ذكرتني بملاحظة مماثلة للمرحوم الدكتور علي الوردي في الصفحة (33) من كتابه الموسوم (من وحي الثمانين) حيث جاء في التهميش (اعتاد الوردي في كتاباته وأحاديثه ومحاضراته أن يعود بين حين وآخر إلى موضوع كان ذكره سابقا لينبه إلى أهميته أو يشير به إلى أفكار جديدة حوله أو ليورد معلومات أخرى بصدده. وقد اتهمه البعض بأنه (يعيد ويصقل) فقال رحمه الله أن البعض أطلق عليّ اسم (الدكتور صاقول) وبسخريته المعروفة قال (أنني أعيد وأصقل) لأتأكد من أن من قرأ الموضوع أو سمعه فهمه تماما ً ليتسنى لي الانتقال إلى موضوع آخر.
نشوء الفكر الماركسي

تتميز النظرية الماركسية بالعلاقة الحميمة بينها وبين الإنسان والذي يمكن ملاحظته من خلال : ترددت مقولات في هذا الموضوع وجميع المواضيع السابقة التي نذكر فيها النظرية الماركسية الخلاقة فاذكر واكرر العلاقة الحميمة والصحيحة بينها وبين الإنسان والذي يمكن ملاحظته من خلال مكوناتها المادية والديالكتيكية والاقتصاد السياسي فجميعها تتمحور حول الإنسان ومن أجل الإنسان منذ تواجده في رحم أمه حتى يركب راحلته برحلته الأخيرة إلى القبر وهي في عواطفه وغرائزه وجميع حواسه وفي كل لحظة من لحظات اغترابه وحرمانه واضطهاده ما دام يعيش في هذا الوجود وإن كان لا يدرك ولا يعرف معنى النظرية الماركسية الخلاقة ولكنها تدركه وتعرفه وتعيش معه وتترجم وتجسد ذلك من خلال صرخة مظلوم ومضطهد ومحروم ضد مضطهده ومستغله في أقاصي الدنيا فهي تعبر عن صرخته وآلامه وجوعه ومرضه وحرمانه ولذلك هي باقية وصامدة وراسخة ما دام الإنسان في الوجود.
لقد وجدت قبل النظرية الماركسية العلمية أفكار واجتهادات تضم كثيرا من المذاهب التي تطرح أنظمة اجتماعية تتحقق فيها المساواة الاجتماعية بين كافة الناس وينعدم فيها الاستغلال والظلم والحرمان والاضطهاد والبؤس والفقر وهذه سمة مميزة لكثير من الحركات الإنسانية والشعبية فكانت البوتوبيات التي كانت على شكل أفكار اشتراكية خيالية لجمهورية أفلاطون وراجروس وتوماس ورد في مرحلة الإقطاع وظلمه حيث قاد توماس مونترز في ألمانيا ثورة كبيرة للفلاحين ضد ظلم الإقطاع في سنة (1535 – 1534) حيث جربوا في مناخ من الهستريا الجماعية (مجتمعا شيوعيا) قلبته الظروف فيما بعد إلى تجاوزات في كل نوع، وكان أهم الشخصيات الطوباوية (ارنست بلوخ) الذي قدم قراءات ماركسية بعد انجلز والف كتاب (ثورات الفقراء) الذي كان يعارض فيه حكم الفراعنة في مصر وقد برز اسمه أبان الثورات الفلاحية في القرن السادس عشر. وفي مرحلة البورجوازية في أوائل القرن الثامن عشر ظهرت أفكار اشتراكية مثالية قليلة الوضوح إلا بمقدار ما أوضحها اشتراكيون مثاليو ن إنسانيون من طراز سان سيمون (1760 – 1812) اشتراكية طوباوي فرنسي ألف كتاب موجز علم الإنسان والمفكر الفرنسي (برودون) (1809 – 1865) مؤلف كتاب (فلسفة البؤس) والاشتراكي الطوباوي الانكليزي (روبرت أوين) (1771 – 1858) مؤلف كتاب (عالم أخلاقي جديد) والاشتراكي الطوباوي الفرنسي شارل فورية (1772 – 1837) مؤلف كتاب (عالم صناعي واجتماعي جديد) كانوا يبشرون بنظام اشتراكي مستوحى من مبدأ الأخوة البشرية والعدل الاجتماعي وتوزيع الثروات وكانت إنسانية أكثر مما هي عملية ومادية ولكنها كانت سببا لقيام اشتراكيات أخرى متعددة ومتباينة في وجهات النظر (اشتراكية ديمقراطية، واشتراكية نقابية، واشتراكية تعاونية، واشتراكية تبادلية وإصلاحية ومسيحية) ومن هذه الفوضى في مفهوم الاشتراكية انبثقت الأحزاب الاشتراكية في الدول ذات الأنظمة الدستورية وخيل لبعض الناس أن الاشتراكية يمكن تطبيقها ضمن نطاق هذه الأنظمة دونما الرجوع إلى المبدأ العلمي المادي التاريخي ودونما مساس بنظام إبقاء وسائل الإنتاج في حيازة الرأسمال وحده. وعلى الرغم من تكون الفكرة الاشتراكية فقد بقيت أفكاره في الضمير تتجاذبها تيارات السياسة واتجاهاتها ويتزعمها زعماء أحزاب سياسية وزعماء منظمات شعبية أمثال (لاسال وبيبل وليبخنت) بغيه الوقوف ضد الدكتاتورية والطغيان وكانت اشتراكية هؤلاء أكثر عملية من اشتراكية السابقين ولكنها لم تكن عملية إلا بمقدار ما توحي به السياسة في هذا البلد أو ذاك إذ أن العنصر السياسي كان الأهم والمفضل والغالب على العنصر الاقتصادي والمعاشي، ولم يقم على نفي الأنظمة الرأسمالية ولإيديولوجيتها ومعارضتهم الحادة للانقلابات الثورية وإنما كانوا يؤيدون النظام الاجتماعي الجديد عبر الترويج السلمي لفكرة العدالة الاجتماعية وبالرغم من ذلك كانت تعتبر بمثابة مادة نظرية انطلقت منها الشيوعية العلمية. ويقوم الفارق الجوهري بين الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية الماركسية في أن الاشتراكية الطوباوية لم تتمكن من البرهان على ضرورة مسيرة البشرية نحو الشيوعية استنادا إلى قوانين التطور الاجتماعي الموضوعية. وكانوا ينظرون إلى الطبقة العاملة كطبقة مضطهدة ومعذبة وليس اعتبارها كقوة فعالة في القضاء على الأنظمة الرأسمالية وتحمل رسالة تاريخية عالمية في التغيير والتجديد ويقول لينين في مؤلفة مصادر الماركسية الثلاثة (إن الاشتراكية الطوبائية لم تستطع تفسير جوهر الاستعباد المأجور في ظل الرأسمالية ولا استجلاء قوانين تطوره ولا الوقوف على القوانين الاجتماعية المؤهلة لأن تكون صانعة المجتمع الجديد).
يعتبر التيار التحرري الذي انبثق من الثورة الفرنسية عام 1789 كان بمثابة السماد المغذي لنمو البذرة الاشتراكية العلمية وإخراج فكرتها من طبقات الضمير إلى نور الوجود. فالحركات الشعبية التحررية التي أشعلت لهيبها الثورة الفرنسية أخذت في الاتساع وأحدثت تأثيرا فعالا ًفي أنظمة الحكم القائمة على الرغم من العنف والإرهاب والقسوة التي استعملتها السلطات الحاكمة وعجزها بمقاومتها والقضاء عليها مما دفع تلك السلطات إلى استعمال وسائل ترقيديه وتحذيرية لوقف نشاطها والحد من فعاليتها وما كاد القرن التاسع عشر ينتصف حتى أجبرت وركعت كثير من الدول على سن القوانين بالقضاء وإلغاء العبودية وتحرير العبيد والأقنان تحريرا قانونيا وكان التاريخ يعترف بالدور الشجاع والجريء للرئيس الأمريكي (أبراهام لنكولن) بإصداره القانون 1863 القاضي بإطلاق الحرية إلى جميع السكان بما فيهم الزنوج وأضرمها حربا أهلية دامت عدة سنوات حتى تكللت بنصر قوى الحرية على قوى الظلام والاستعباد.
كانت حركة (أبراهام لنكولن) الشرارة التي ألهبت جذوة النضال والإرادة والإصرار لدى جميع المظلومين والمحرومين والمستعبدين فأشعلت ثورات أكثر وعيا وإدراكا لدى الشعوب ليس فقط تحرر الإنسان من الطغيان العنصري والتسلط الحكومي بل أيضا من العوز والحرمان والفقر والجوع. فكان لهيب الانتفاضات والثورات بتوسع فانطلقت من ذلك اللهيب الشرارة الأقوى تأثيرا والأشد عمقا فكانت شرارة (كارل ماركس) العلمية المادية التاريخية.
ولد كارل ماركس عام 1818 في مقاطعة الراين الألمانية وكان في فتوته حاد الذكاء ضعيف البنية جريئا في أقواله وتصرفاته مجدّا ًللاطلاع على كل شيء وإن كان ذلك لا يتناسب مع عمره. أفاق كارل ماركس على ألمانيا مقسمة إلى ولايات ودويلات صغيرة ومتفرقة يحكمها ولاتها وأمراؤها وملوكها حكما استبداديا بينما كان الشعب يرزخ تحت نير الطغيان السياسي والاقتصادي كما أفاق على شيوع حركات ثورية في بلاده وخارج بلاده.
خطى ماركس خطوته الجديدة أثر دخوله الجامعة في السابعة عشر من عمره واقتحم الحياة بنهج ثوري عنيف وجعل يتفحص الفلسفة (الهيغلية) تفحص الناقد المدقق وما كان يتهيب الاصطدام مع أتباعها وحاملي لواءها الكثر وحمل سيفا حادا في محاربة مثاليتها وضربها في النقاط الضعيفة التي بنيت عليها وأخذ من ديالكتيكها سلاحا ضدها وطلع بديالكتيك جديد مستوحى من الحقائق العلمية المادية لا من الفكرة المثالية التي تستوحيها فلسفة هيغل إذ لم يكن عند ماركس إيمان بشيء إلا بما فرضه عليه العلم والواقع التاريخي.
إن فلسفة هيغل تقوم على أساس مادي وروحي معا على اعتبار أن الروح شيء مستقل هو من إبداع الفكرة. فالروح الهيغلية وإن اختلفت عن الروح (الروحانية) التي يبشر بها الفلاسفة الروحانيون إلا أنها روح مثالية من فكرة مثالية ومن عقلانية إنسان مثالي ابتدعه هيغل. وإن هذه الفلسفة لم تخل من شيء مثالي مجهول فيما وراء الطبيعة البشرية وماديتها هو الفكرة. إذن كان لابدّ لفلسفة هيغل من خلق روحية مثالية وليس لتطور المادة العلمي ولا لصقل وتطور المادة الدماغية المنبثق عنها العقل يد في التدرج للوصول إليه.
إن هذا هو ما يجعل ديالكتيك هيغل ينتهي عند حاجز لا يدرك ما وراءه إلا بالحدس أو بواسطة فكرة مثالية، من هنا كان الاختلاف في تفسير الفلسفة الهيغلية بين تلامذته بالذات بين الروحانيين منهم وبين الماديين وكان كارل ماركس بين الفئة الثانية أكثرهم صلابة وأشدهم عنفا في تخطيه فلسفة هيغل وديالكتيكها.
كما اتخذ كارل ماركس الدارونية البيولوجية أساسا لفلسفته الاشتراكية العلمية واستمدتها نظرياته الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي السياسية. فالإنسان لم يخلق إنسانا بل صار إنسانا تبعا للناموس الطبيعي في تحويل الأنواع الحية. والإنسان منذ صيرورته إنسانا أخذ بالتدرج صعودا تبعا للناموس الطبيعي نفسه. الحد الأول للإنسان كان يعيش في الأدغال ويسكن المغارات والكهوف ويأكل من صيد الحيوانات ويتكلم بنبرات صوتية ثم دفعته الحاجة إلى الاشتراك مع أبناء جنسه كي يشبع رغباته وشهواته وغرائزه ثم دلـّه إدراكه الفطري على أنه لن يستطيع أن ينال ما يشبع فيه هذه الرغبات والشهوات والغرائز إلا إذا سعى إليها والحصول عليها. فجعلت تنمو من جراء هذا الإدراك تلافيف دماغية أكثر فأكثر حتى أصبح يمتاز عن أعلى الأنواع الحية بميزته الإدراكية التي تسمى (العقل) المدبر والخلاق، فهذا العقل إذن وليد المادة الدماغية وهو الذي يستنبط الفكرات تبعا للحاجة الضرورية وهو يتطور كلما تغيرت الحاجة وهذا العنصر الجديد في الإنسان أي العقل هو الذي جعل من الإنسان حسب ما وصفه كارل ماركس بأثمن رأس مال في الوجود لأنه يمتلك العقل الذي بواسطته يستطيع أن يخلق جميع المستلزمات المادية والمعنوية في الحياة وهو الذي جعل منه الكائن الأعلى بين الكائنات الحية وأصبح يستطيع أن يستنبط كل فكرة سواء كانت اجتماعية أو عقائدية أم سياسية. وجميع الحضارات التي تكونت في السابق هي من نتاج العقل الإنساني وما زال هذا العقل يخلق التطور والتقدم ليس على الأرض فقط وإنما استطاع أن يخترق الكون بعد أن ضاقت به علوم الأرض.
كان كارل ماركس دارونيا ً(نسبة إلى دارون مكتشف نظرية النشوء والتحول والارتقاء) في علمه وفلسفته، فإذا كانت نظرية دارون تقوم على الصراع بين الفصائل الحية وإذا كان هذا الصراع هو الذي أوصل الإنسان إلى حالته الحاضرة والتي جعلت منه الكائن الأرفع بين جميع الكائنات الحية فاستنتج كارل ماركس من هذه الظاهرة الصراعية بين الأنواع المختلفة وطبق تلك القاعدة الصراعية الطبيعية على المجموعات البشرية من خلال مختلف الطبقات الاجتماعية بحيث ينتج الصراع بينها إلى إفراز مجتمع ليس فيه طبقات تتصارع فما دامت بيولوجية الحياة في نظرية دارون تقوم على مبدأ الصراع بين الأنواع فاجتماعية الحياة بين طبقات المجتمع لابد أن تقوم على هذا المبدأ والقاعدة ؟
ثم يتساءل كارل ماركس عن الصراع الاجتماعي، فيعرفه بالعمل والكدح والخلق والإبداع والنفع الذي يحصل عليه الإنسان من الكدح والخلق والإبداع، فالصراع الاجتماعي إذن هو صراع عمل وإنتاج وحركة وجهد إنساني وليس فيه جمود ولا حظوظ ولا ظروف خارجة عن إرادة الإنسان ونضاله وكفاحه والذي ينتصر في هذا الصراع هو العامل الكادح ولا فرق في عمله إن كان عقليا أم يدويا ولا يفوز به العنصر الخامل والمستسلم والمتواكل على الظروف والحظ وعلى ما تهيئه له الظروف والحظوظ دونما مشقة أو تعب وجهد، العامل والكادح الذي لا غنى عنه لبناء المجتمع الأفضل والسعيد الذي يكون فيه طبقة واحدة تعيش في العمل والجهد وتستطيع أن تخلق وتوفر لجميع الناس جميع مستلزمات الحياة المادية والمعنوية وعلى ضوء عمله وكفاحه وإنتاجه يأخذ ما يستحقه من أجور حسب قاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) هذه القاعدة تطبق في النظام الاشتراكي أما في النظام الشيوعي فتكون القاعدة (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته) فالمراحل التاريخية التي مرت بها الحياة البيولوجية من تغير وتطورات وصلت بالإنسان إلى ما هو عليه الآن حيث تدرجت مع الزمن بفعل الصراع بين الفصائل والأنواع الحية، وهكذا الحياة الطبقية الاجتماعية تتدرج مع الزمن بفعل الصراع بين طبقات المجتمع المتناقضة المصالح والأهداف والغايات بحيث ينتهي الصراع و النزاع إلى مرحلتها الفاصلة حسب وصف كارل ماركس والتي من أجل بلوغها نشر فلسفته الاشتراكية العلمية التاريخية المادية على أثر محاربة السلطات الألمانية لماركس ومضايقته غادرها وأخذ يتنقل بين باريس وبروكسل وجنيف حتى استقر به المقام في بريطانيا حيث وجد رفيقه الحميم والأمين المتفهم صوابية الماركسية وأكثر المخلصين لماركس بعد أن غادر ألمانيا إلى انكلترا ومعه رفيقه أنجلز حيث اختارا بريطانيا كمنفى اختياري لأن سلطتها كانت أقل تعسفا من غيرها من الدول الأوربية على حركة التحرر الفكري. كانت بريطانيا مركز نشاط الرفيقين ولم يكن أنجلس أقل من رفيقه ماركس علما وإخلاصا. واستطاع ماركس أن يستميل الكثير ممن كانوا يخالفونه في الرأي وأسس معهم ومن أتباعه الآخرين لجنة مركزية وأطلق عليها اسم (اللجنة المركزية الأممية) باعتبارها تضم عناصر من جميع أنحاء المعمورة ودبج مع رفيقه أنجلس النداء المعروف (بالبيان الشيوعي) وأصدره نداء إلى جميع عمال العالم عام / 1848 ودعا فيه إلى الثورة العالمية ومحق السلطة البورجوازية مصاصة دماء الشعوب واستبداله بنظام يحكم فيه العمال دون سواهم وختم نداءه بالعبارة التاريخية (يا عمال العالم اتحدوا). إن عظمة ماركس وسموه ونضاله وفكره المتوقد جعلت شخصيته أسطورية حيث كان يتردد على شقته شخصيات من عظماء ومفكري العالم للاستماع إلى أفكار ماركس حيث كان يمتاز بالتصور المادي للتاريخ وكان يستقرأه ويفسره ويتنبأ بجميع تطوراته وأحداثه وكان يوصف (كوميض برق في السماء الصافية) ويذكر مؤلف (كارل ماركس فكر العالم) جاك أتالي (أن ملكة بريطانيا (فكتوريا) كانت تحث وتدفع أبناءها لإقامة علاقات صداقة مع أبناء ماركس وزيارتهم في شقتهم في حي سوهو إحدى المناطق الفقيرة والقذرة في لندن) لكي يستمعوا فكر ماركس عن مستقبل العالم.
لقد عاش ماركس فقيرا إلى آخر حدود الفقر وكان المرض ينهش في جسمه وبالرغم من هذه الحالة المأساوية لم يثبط همته ونشاطه وإيمانه ونضاله في بث فكرته قولا وفي سعيه بتحقيق مبادئه السامية والعظيمة.
ليس كل إنسان يستطيع أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه إلا من خلال مواقفه وأفعاله وترجمتها إلى واقع موضوعي ملموس يترك أثرها محفورة في ذاكرة الناس وفي بطون الكتب عند ذلك يكون له دور وموقع في التاريخ ولذلك يقول المؤرخون وكتاب سيرة الإنسان العظيم في التاريخ ويشيرون بفضل وعظمة تلك المرأة الفاضلة حيث يعود لها الفضل في تحمل فقره ومرضه هذا المفكر الكبير والفيلسوف العظيم الذي وضع ذلك الجبروت من الفكر وصاغه بنظرية شاملة ومتعددة في الاقتصاد والسياسة والفلسفة والاجتماع إنها زوجته الفاضلة الأمينة والمخلصة التي لم تتذمر يوما من مشاركة زوجها بؤسه وتعاسته وهي المرأة المدللة التي كانت تعيش في بيت أبيها حياة الغنى والرفاه والسعادة وليس أبلغ ما يدل على الحرمان والعوز والفقر الذي كانت تعيشه من الكتاب التالي الذي كتبته ذات يوم لأحد أصدقاء العائلة تطلب منه شيئا من المساعدة لتسد به بعض الحاجة فتقول في الرسالة (صاحب الشقة أخطرنا بمغادرتها غدا لأن الإيجار استحق علينا ولا مال لدى ماركس، الأثاث نبيعه لنسد رمق الأسرة. ابنتنا المحبوبة (جيني) طريحة الفراش وليس لنا قدرة على معالجتها. بعد عذاب ومرارة تسعة أشهر وضعت ابنتي الثالثة وليس لدي ما ألفها به.. وهل لثدي امرأة هزيلة ومتعبة مثلي تستطيع أن تقدم الغذاء الكافي لهذا الملاك الطاهر الذي يفتح عينيه على الدنيا ؟
لقد تبرع أحد الرفاق بليرتين وهما كل ما لديه لدفع أجرة القابلة.. ولكن كيف سنعيش هذه الطفلة المحبوبة مع أختيها ؟ إني أخفي عن ماركس كل ما أشعر به من الضيق والعوز والخوف كي لا أعرقل عليه تأدية أشرف رسالة إنسانية يقوم بها .. إني لا أدري ماذا أعمل فهل بوسعك أن تعمل لنا شيئا ؟).
كان أنجلس المعين الوحيد لماركس في مجابهة المعيشة وكان يتحايل على شح والده ليوفر شيئا من المال لعائلة ماركس وكان أنجلس يقدر أكثر من أي إنسان آخر عبقرية ماركس والرسالة التي نذر حياته لها وكان لأنجلس الفضل الكبير في نشر المبدأ الماركسي سواء في سعة علمه أم في حدبه وعطفه على الأسرة الفقيرة ومساعدة ماركس في نشر كتاباته في الصحف والنشرات عن الاشتراكية العلمية الماركسية وقد أخلص لها كإخلاص ماركس، فكان الرفيقان كتوأمين يكمل أحدهما الآخر حتى أصبح اسم أنجلس ملازما ًدائما ًلاسم ماركس وعند ما توفى ماركس عام / 1883 بقي أنجلس حاملا ًلواء الماركسية وأتم القسمين اللذين تركهما ماركس من مؤلفه (رأس المال) فجمع مخطوطات رفيقه الأكبر ونشرها على اسمه وعندما وقف أنجلس يرثي ماركس على القبر نعاه أكبر مفكري العصر وأكثرهم إخلاصا وأسخاهم خدمة وتضحية.
أما الجزء الثالث من مكونات النظرية الماركسية (الاقتصاد السياسي الرأسمالي والاشتراكي) فقد نشره في مؤلفه الشهير (رأس المال) الذي يعد هذا المؤلف كموسوعة لا مثيل لها في علم الاقتصاد والاقتصاد السياسي فهو يشرح ويفصل ويبين كيف أن الناحية الاقتصادية والمعيشية في حياة الإنسان تشكل نقطة الانطلاق في بناء المجتمع الأصلح وكيف أن فائض القيمة (الربح) الذي يحصل عليها الرأسمالي تمكنه من أن يمتلك الآلات الصناعية والتجارية وجميع وسائل الإنتاج بحيث يجعل من العمل شيئا مستأجرا فقط ولا يحصل على شيء من فائض القيمة (الأرباح) إلا على مبلغ بسيط يدفعه الرأسمالي للعامل كأجور عن قيمة الجهد الذي بذله في إنتاج السلع والقسم الأكبر من الأرباح والإنتاج تكون من نصيب الرأسمالي المالك الخاص لوسائل الإنتاج وكما هو معلوم إن الإنتاج هو حصيلة جهد العامل وليس حصيلة وسائل الإنتاج وحدها، وهكذا نخلق في المجتمع الواحد طبقات مختلفة ومتباينة. الطبقات الرأسمالية الخاصة التي تستحوذ على فائض القيمة (الربح) لامتلاكها جميع وسائل الإنتاج والطبقات العامة المهملة التي يستأجرها الرأسمالي لقاء جهدها وعملها في إنتاج السلع والحاجيات، ويشرح ماركس في مؤلفه الموسوم الطرق والأساليب التي يستعملها الرأسمالي للحصول على فائض القيمة (الربح) والوسائل التي يتذرع بها للضغط واستغلال العمال كي يبقى مرهونا له ويبقى العامل في حالة من العوز والفقر والجوع والحاجة بحيث تفرض على العامل أحكام الضرورة والاضطراب فيكون مستعبدا وخاضعا للرأسمالي خوفا من الجوع والحرمان فيفقد بذلك حرمته وحريته وأما أن يرضى ويخضع لاستعباد واستغلال الرأسمالي فيستطيع أن يحصل ما يسديه رمقه ويوفر القوت لملء بطون أطفاله وعائلته الخاوية وإذا ما تمرد على الرأسمالي واختار الحرية فانه يموت هو وعائلته من الجوع ومن خلال هذا التحليل العلمي والاستنتاج الاقتصادي والسياسي الواقعي والعملي بنى كارل ماركس نظريته الاجتماعية التي تقضي بثورة الطبقة العاملة على مستغليها من الرأسماليين مالكي وسائل الإنتاج فتصبح الحرية أمرا محكما وليس وهما خياليا لأن حرية الجائع والجاهل والمحروم هي حرية كاذبة وغير قابلة للتحقيق ومن خلال ذلك استخلص كارل ماركس بأن تكون جميع وسائل الإنتاج ملكيتها وليس من ملكية فئة خاصة من الرأسماليين.
الماركسية اللينينيه

ينطلق جدل الفكر الماركسي من جدل الفكر والواقع الموضوعي بالاعتماد على نسبية الأفكار التي تكون لها ثلاثة أبعاد :-
1. نسبية زمانية، إذ أن ما يكون اليوم صحيحا ًقد لا يكون كذلك غدا ًبسبب تبدل الواقع الموضوعي.
2. نسبية مكانية، فما يصح في مجتمع ما قد لا يصح في مجتمع آخر في الزمان ذاته وذلك بسبب اختلاف الواقع الموضوعي.
3. نسبية شخصية أو فردانية، حيث إن كل فرد سواء كان باحثا أو مفكرا أو مجتهدا يفهم الفكر ويتعامل معه وفق خصائصه الشخصية وتكوينه العقلي والنفسي وهذه الأبعاد الثلاثة (اختلاف الواقع الموضوعي من حيث المكان والزمان بين فترة زمنية ومكان آخر، والشخصي من حيث اختلاف الرؤيا والاجتهاد بين إنسان وآخر). نؤكد نسبية النظرية الماركسية وضرورة مراجعتها وتدقيقها أفكارا ًونصوصا ًبشكل مستمر كي تبقى أداة منهجية فعالة.
إن لينين، شأنه شأن ماركس لم يعمم قط تجارب محلية خاصة بروسيا ومحدودة في الزمان والمكان ولكنه أدرك وميز بنفاذ بصيرة وعبقرية مشكلة عصرنا الأساسية في المكان والزمان اللذين برزا فيهما نتائجها الأولى، ومن خلال هذا المنظور فهم جميع المشكلات الروسية والأممية على حد سواء وجعلها مفهومة. حيث استطاع لينين أن ينجز في عصرنا ما أنجزه ماركس بالنسبة إلى تطور الرأسمالية العام فهو قد رأى على الدوام مشكلات العصر بأكمله في مشكلات تطور روسيا الحديثة بدءا ًمن مشكلة ولادة الرأسمالية في إطار الحكم المطلق ونصف الإقطاعي .. إلى مشكلات بناء الاشتراكية في بلد زراعي متخلف وتمكن من الدخول في المرحلة الأخيرة من الرأسمالية وإمكانية توجيه التصادم الحاسم الذي بات محتما ً بين الرأسمالية والبروليتاريا لصالح البروليتاريا والخلاص الإنساني. ولذلك يعتبر لينين تبعا ًلهذه المقاييس أعظم مفكر أنتجته الإنسانية منذ ماركس لأنه يعتبر هو المفكر والمخطط لثورة أكتوبر العظمى سنة 1917 في روسيا حيث استطاع بعبقريته استغلال الحلقة الأضعف في السلسلة الرأسمالية وأن يشكل منعطفا تاريخيا عظيما وطموحا كبيرا لجميع الجياع والمعوزين والمحرومين والبؤساء في جميع أنحاء المعمورة، تلك هي فكرة لينين الأساسية والنقطة الحاسمة التي تربطه بماركس، وبهذه الحركة الجبارة على وجه التحديد أعاد لينين للنظرية الماركسية نقاءها وصفاءها لأنه أدخل في تلك النظرية المسيرة المستمرة للتاريخ منذ وفاة ماركس وبذلك يعتبر لينين المنظر والمنظم والمحرض الوحيد الذي خطا الخطوة الجريئة نحو الممارسة العملية والواقعية للنظرية الماركسية التي أصبحت منذ ذاك عملية تماما على الصعيد العالمي التاريخي النظري الوحيد الذي أنتجه النضال في سبيل تحرير البروليتاريا ويستحق بجداره أن يصطف بمستوى ماركس. من هنا جاءت اللينينيه امتدادا للماركسية حيث أصبح كل واحد منهما تكملة للآخر والتطور المنطقي للتاريخ.
ولا بد من التوقف عند الوقائع الجديدة في السياسة الاجتماعية والاقتصادية، تلك الوقائع التي هي الأساس لماركسية لينين والتي لم يكن لها وجود في عصر ماركس :
1. في عصر لينين دخلت مرحلة جديدة في تطور العلاقات الرأسمالية، فقد كان في عصر ماركس يسود العصر البضاعي الرأسمالي والذي كان يعرف بالعصر الصناعي الذي كان يعتبر النمط الكلاسيكي للرأسمالية على وجه العموم، أما في عصر لينين التي تعتبر المرحلة الجديدة من التطور الرأسمالي وما رافقها من إعادة لتنظيم العلاقات الإنتاجية ضمن نطاق الرأسمالية، وهي المرحلة التي كان لينين يسميها مرحلة الرأسمالية الاحتكارية وهي تشكل حلقة جديدة في النظرية الماركسية وتنتمي إلى ميدان الرأسمال المالي وسياسته الامبريالية وهذه الظاهرة جاءت بعد وفاة ماركس ويعود اكتشافها إلى عبقرية لينين حيث تعتبر بنية نوعية لتطور الرأسمالية في الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث كانت مجهولة من قبل ماركس.
2. استطاعت عبقرية الفذ لينين أن يكتشف مسائل مرتبطة بالحرب العالمية الأولى وبتفسخ العلاقات الرأسمالية وهذه التشخيصات تشير إلى الوضع الاقتصادي الذي كان يسود أوربا الغربية إضافة إلى تفسخ وتحلل الآلة الرأسمالية مع سائر الظواهر النوعية المرافقة لهما في الصناعة كما في التداول النقدي والأزمات وتعتبر هذه الظواهر مجهولة من قبل ماركس وانجلس.
3. هناك ظاهرة وثيقة الصلة والارتباط بحركات الطبقة العاملة كالانتفاضات والإضرابات والتظاهرات الأممية في مرحلة انهيار العلاقات الرأسمالية بحيث يتحدد ظهورها بالتصادم والصراع العنيف بين القوى الرأسمالية من خلال نشوب الحروب فيما بينهما، وهذا التصادم والصراع والحروب يمثل شكل خصوصي من أشكال المزاحمة في مرحلة الرأسمالية الامبريالية، وكانت مجهولة في العصر الذي كان يحيا فيه ماركس. وأصبحت مرتبطة ارتباطا مباشرا بالثورة الاشتراكية الذي قادها لينين.
4. كان تحليل ماركس للصراع الطبقي والتطور الاجتماعية يقود إلى (دكتاتورية البروليتاريا) إلى هنا كان حدود ماركس ولكن في عصر لينين أصبحت تلك الدكتاتورية البروليتارية حقيقية واقعة لم يعد ثمة مناص من تجاوز هذه الحدود إلى ظواهر ترافقها لم يكن لها وجود في عصر ماركس لأنها لم يمكن تفسيرها باعتبارها غير قابلة لأن تستخدم كمادة للتجارب والملاحظات النظرية. إن جملة الأفكار التي كانت موجودة لدى ماركس قد أضيفت إليها كمية هائلة من الأفكار الجديدة المرتبطة بتحليل الظواهر الجديدة كل الجدة وبعصر تاريخي جديد متجاوزة حدود الماركسية في تعريفها الاصطلاحي بالرغم من أنها لا تعدل شيئا من منهجية ماركس ولا تعيد النظر فيها بل على العكس فاللينينيه من هذا المنظور إحياء حرفي للماركسية كما صاغها ماركس وانجلس.
الفكر الماركسي وجدلية الواقع الموضوعي

بكل احترام وتقدير أهدي هذا الموضوع إلى المفكرين والفلاسفة والمنظرين من الماركسيين الذين امتلأت كتبهم والمجلات والصحف وازدحمت أفكارهم عن (الوطن المذبوح والشعب المستباح) وأقصد تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار نظامه الإنساني، حينما دخلت في مقارنة ومداخلة مع الذات بعد أن هدأت العاصفة الكاسحة واستقرت الأحاسيس الموحشة في أعماق الضمير وأصبح هذا الطود الشامخ الذي كان (مالئ الدنيا وشاغل الناس) محنطا ًفي متحف التاريخ بالرغم من أن الأحداث سارت بعقد من السنين على أكثر من وتيرة ودارت قواعدها على أكثر من محور واحد ولقحت الديمقراطية وعقد قرانها بالليبرالية فولدت فلسفة جديدة (الديمقراطية الليبرالية) ولكن الفكر الماركسي بقي وكأنه هو القياس يخفق عليَّ بألطف مما كان بموحيات ووقائع أكثر إطلاقا وانبعاثا بالرغم من أن مرحلة من الأسس كانت وما زالت وستظل تتمشى معي وتنتقل كأنه الظل يعيش معي.
والآن عندي عتاب مر ينبعث من نداء حي واستدعاء صارخ ينطلق مع حرارة الصدق والألم وقوة العقيدة والمبادئ وأنا أخط هذه الكلمات على رؤية الواقع الموضوعي الملموس وليس فقط أحمل همومي من غاية الذكريات التي هي بمستوى قوة البواعث التي انبعثت كلمات العتاب في هذا الموضوع الذي لا يوجد بديل عنه والتي فرضت عليَّ هذا التعبير النابع من القلب الذي ينفجر ألما وأملا وحبا، حينما كنت أكتب وأقرأ الموضوع (الفكر الماركسي وجدلية الواقع الموضوعي) وما وجدت في هذا الفكر الرحب من عمق الوعي وسعة المعرفة ورحابة الفلسفة، أثارني ذلك الموضوع الذي سأطرحه بعد هذه المحاورات الأخوية الشفافة فكانت على شكل مقارنة بين المعسكر الرأسمالي وأقزامه وبين جبروت المعسكر الاشتراكي وإنسانية رجاله إن من طبيعة النظام الرأسمالي الأزمات الدورية المتكررة والذي أثار انتباهي وشعوري الأزمة (العقارية) التي عم شرورها العالم الرأسمالي قاطبة حتى الدول المتعاملة والتابعة له فرأيت كيف أن جميع دول المعسكر الرأسمالي اندفعت كالموج الكاسح ماديا ومعنويا في مساعدة بعضها البعض لتجاوز هذه الأزمة التي شبهت (بالحرب العالمية الثالثة) ولو أن الخطر زال بفضل الحقن المنشطة إلا أن المرض لا زال في جسمها وبذرة الموت معه، قارنت هذه الظاهرة المادية مع الظاهرة الفكرية التي سببت الأزمة المستعصية بتفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار نظامه الإنساني. أزمة المعسكر الرأسمالي أزمة مادية ومعنوية تعاونت وتكاتفت الدول الرأسمالية (وحاولت) تجاوزها بينما أزمة المعسكر الاشتراكي أزمة فكرية وفيه من المفكرين والفلاسفة وأهل المعرفة لم يستطيعوا حل أزمته وإنما ترك تحت رحمة أعداءه فوضعوه على خشبة المشرحة وحقنوه بالمواد السامة والقاتلة وحتى بعد موته لم يخرج الفلاسفة والمنظرون والمفكرون وراء نعشه وتوديعه .. إنها مسألة محيرة وفيها وجهة نظر ولحد الآن لم نعرف السبب الحقيقي لتفككه هل الخلل في النظرية أم في التطبيق ونحن لا نسمع ولا نرى سوى (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة).
الموضوع (الفكر الماركسي وجدلية الواقع الموضوعي)

إن الفكر الماركسي عام وشامل وليس محصورا في رقعة معينة أو حكرا على فئة معينة، بل هو نتاج الإنسانية من وجودها إلى يومنا هذا حيث شاركت فيه مختلف الثقافات والحضارات البشرية عبر العصور التاريخية، فهو يمتاز بسعة المعرفة وعمق الوعي الفكري ورحابة الرؤيا ودقتها، كما أنه انطلق من زوايا ومداخل متباينة الرؤيا ومختلفة الاجتهادات وأفرز وأنتج تفسيرات وأوصاف وتعريفات مختلفة ولذلك إن الفكر الماركسي الخلاق الذي يقدس المادة ويفضلها على الفكر لم يغال في ماديته وإشراقاته الفكرية بل اعتبر دائما إن الحقيقة نسبية وتحتمل الصواب والخطأ باعتبار أن جميع الحقائق متغيرة لأنها تخضع لجدلية المكان والزمان والفردانية الشخصية فما كان يصح قبل قرن من الزمن قد نجده اليوم خطأ وما يصح حدوثه في لندن قد يكون خطأ تطبيقه وسلوكه في بغداد كما أن ليس هنالك إنسان يشبه إنسان آخر من حيث الرؤيا والاجتهاد والتكوين النفسي والعادات والتقاليد لأن كل شيء في الوجود متغير وغير ثابت ومنحل حسب حركة الأشياء الداخلية وانتقال المتغيرات الكمية إلى نوعيه والصراع والمتناقضات الأزلية بين الأضداد والثنائيات وولادة الظواهر الجديدة من رحم القديم بموجب قانون نفي النفي الذي يرى أن المطلق الوحيد في هذا المجال هو نسبية الأفكار باعتبارها تكون أكثر فعالية للحياة والحقيقة والتأثير كلما كانت ثوابتها أقل ومتغيراتها أكثر، وهذا ما يجعل الحياة دوما ترتدي لباسا جديدا زاهي الشكل والألوان فتتكون من خلاله النظرة الواسعة والرؤيا الثاقبة التي من خلالها تتجدد القيم والمفاهيم، بحيث استطاع الفكر الماركسي الخلاق أن يسَخِّر كل معطيات العلم وجدل المنطق وحقائق التاريخ لدعم وتأكيد جميع طروحاته من رأي واجتهاد دون أن يقطع ما توصل إليه بصوابية ودقة ثابتة ومطلقة وإنما بقي الشك والبحث والاستدلال يراوده باعتبار أن الحقيقة ليس لها وجه واحد وإنما وجوه متعددة ومتنوعة حسب مفهوم جدلية الفكر الماركسي الخلاق من حيث الواقع الزمني والمكاني والفردانية الشخصية التي تعتبر هي السمة الأساسية في الجدلية الفكرية الماركسية التي تعتبر المفاهيم التي تبدو ثابتة في المظهر تتغير بشكل جذري في مضمونها عندما تنتقل من سياق تجربة تاريخية اجتماعية إلى سياق تجربة أخرى ومن خلال هذه المفاهيم والتفسيرات يتجسد جوهر الفكر الماركسي الخلاق، فهو يعتبر أن الأشياء وجدت مستقلة عن الإنسان وعن شعوره ووجدانه كما يؤكد على عدم وجود فرق بين الأشياء وما ينتج عنها كما يوضح ويؤكد بأن أي اختلاف في الشيء فهو مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يستطع الإنسان الوصول إلى معرفته، ويعتبر المعرفة وليدة وإفراز الجدل والحوار والمناقشة ويعتبر المعرفة ظاهرة علمية ليست محدودة ولا مطلقة وإنما هي نسبية وقابلة للبحث والاستدلال والاستكشاف وهي أيضا غير معصومة ويشير هذا الفكر الخلاق على أن الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته، ومن خلال جدلية الفكر الماركسي الخلاق تظهر أفكار وموضوعات جديدة تفرزها المحاورة والنقاشات وتكون مصداقيتها وصحتها بعد خضوعها للبحث والاستدلال وهكذا وبهذا السلوك يجري التعامل مع كل أشياء جديدة تفرزها وتكون نتاج النقاش والحوار يؤدي إلى إفراز رؤيا واجتهاد وأفكار جديدة وهذه الأفكار والاجتهادات الجديدة تؤدي إلى نشوء مشاعر ورغبات جديدة أيضا تؤدي إلى ظهور وانعكاس وخلق رؤيا واجتهادات ومواضيع وأفكار جديدة وإن هذه المواضيع والأفكار والاجتهادات الجديدة تشكل ظواهر وبما أن أية ظاهرة في الوجود لا بد أن تكمن وراء ظهورها عوامل وأسباب تمكنها من الظهور لأن هذه العوامل والأسباب هي التي خلقت الأشياء التي تكون على شكل ظاهرة وهذه الأسباب والعوامل تكون الروافد والينابيع التي تصب في الظاهرة وتساعدها على النشوء والنمو والديمومة والاستمرارية في الوجود وهذه الظاهرة إما أن تكون سلبية أو إيجابية لأن الظاهرة هي نتاج الأفكار والوعي والتصورات مرتبطة بالنشاط المادي والتعامل الذهني بين البشر الذي هو انعكاس للواقع الموضوعي، يقول كارل ماركس (إن الناس لا يصنعون التاريخ على هواهم بل عبر شروط موضوعية) يعني بذلك أن الناس حينما يصنعون التاريخ على هواهم فيكون فكر الإنسان قابل للصح أو الخطأ ولكن حينما تكون هنالك شروط موضوعية تنسجم مع مسيرة التاريخ وتقدمه وتطوره وذلك عبر التأكد من فكرهم من خلال التجربة والبحث والاستكشاف وفي حالة عدم خضوعها للشروط الموضوعية يعني ذلك وكما بينا في السابق إن الأفكار تكون المواضيع والمواضيع تفرز الظاهرة ولذلك حينما تترك الأفكار الإنسانية التي هي الأسباب والعوامل التي أفرزت الظاهرة فهناك احتمال كبير أن تكون هذه الأفكار والمواضيع (الظاهرة) قد تكون سلبية أو إيجابية يقول فردريك أنجلس (كما يحصل عادة في التاريخ فان النتائج كثيرا ما تأتي شديدة الاختلاف عن الأهداف التي ترسمها في البداية القوى التي تصنعها) وكما قلنا في الحياة حينما تبرز الظاهرة إما أن تكون إيجابية أو سلبية لأنها هي نتاج الأسباب والعوامل التي خلقتها وجعلتها تفرض نفسها على الواقع الموضوعي وتصبح ظاهرة وحينما تفسر هذه الظاهرة من حيث وجودها فإذا كانت تتناسق وتنسجم بشكل إيجابي مع سياسة وأهداف الحزب ومصالح جماهير الشعب يكون ذلك مردودة جيد وممتاز، أما إذا كانت ذات منحى سلبي فيجب دراستها وتحليلها من جميع جوانبها وتأثيراتها من حيث تجاوبها وانسجامها مع الظروف الموضوعية واستجابة جماهير الشعب وتجاوبهم معها بفكر مدرك وواعي وثاقب ودقيق ونتائجها حتى الوصول إلى الأسباب والعوامل وإيجاد الحلول لها ومعالجتها بشكل صائب الذي ينسجم مع مصلحة الحزب وأهدافه التي هي مصالح وطموحات جماهير الشعب، وفي حالة إهمال السلبيات مهما كان حجمها وعدم تحويلها وترجمتها إلى منجزات إيجابية تكون النتيجة حسب القاعدة التي تقول (إن التأخر في إنجاز الإيجابيات تؤدي إلى إفراز السلبيات) وهذه السلبيات تنمو وتكبر وتترسخ فتتحول من حمى بسيطة إلى مرض مزمن عضال يصعب معالجته ويؤدي إلى الوفاة أو كحشرة الأرضة تبقى تنخر حتى تتركه مجرد هيكل متزعزع الأركان والأسس حتى نسمة الهواء العليل يمكن أن تهدمه وينهار ذلك البناء الشامخ الذي يرتكز على أسس فولاذية كالجبل الذي لا تهزه الرياح العاصفة.
إن الفكر الماركسي الخلاق يجب أن يكشف في الوقت نفسه أكبر قدرة من الموضوعية لكي يستطيع أن يرى حركة المجتمع على حقيقتها ويساعد الجديد على النمو والتطور عن طريق اكتشاف قوانين سيره وتعضيدها، من خلال دراسة الواقع الموضوعي يستطيع أن يصور هذا الواقع بصدق من خلال مظهره التاريخي الملموس في عملية متجددة ومتطورة أبدا والذي يمكنه من التمييز والتفريق بين الجوهر والمضمون والعام والخاص والحركة والتغير عن كل ظاهرة خاصة في نطاق للقوانين العامة ومبادئ التطور التاريخي وتوضيح كفاح الجديد مع التقديم الذي يؤدي إلى انتصار الجديد.
إن القانون العلمي الذي نستطيع بواسطته الوصول لمعرفة الحقيقة والظواهر المختلفة هو مقياس علمية الفكر والمعرفة، وإن الفكرة التي لا يمكن التحقق منها استقرائيا ولا يمكن اختيارها تجريبيا يجب أن تحذف من قائمة الأفكار التي تدخل في دائرة العلم لأنها تبقى مجهولة وغير واضحة ما عدا الفكرة التي يجري اختيارها تجريبيا تعتبر مقياس الصدق ومصدر معارفنا للوصول إلى الحقيقة، لأن الفكرة الصحيحة نظريا قد تلعب دورا رجعيا في التاريخ إذا ما طبقت في غير شروطها التاريخية، فليس ثمة فكر اجتماعي لم يصبح واقع حقيقي إلا بعد اختباره تجريبيا واستقراءه واستدلاله، وحينما نستلهم من التجربة ما هو سليم وصحيح فان ذلك يتحول إلى فكرة مرشدة للعمل.
إن طبيعة الرغبات الضرورية للإنسان لم تكن موجودة طوال الوقت من حيث الزمان والمكان وإنما هي تتغير بتغير الواقع الموضوعي والثقافات من خلال ديناميكية الحياة ومسيرة التاريخ بالرغم من أن الإنسان كان ولا يزال يقضي أغلب وقته باحثا عن حاجاته الضرورية والأساسية وتعتبر تنوع الرغبات وتشعباتها أحد الجوانب الطبيعية للواقع الإنساني التي تعتبر عبر الزمن لأنها جزء من حياة الإنسان وذات علاقة حميمة بها لأنها هي ليست ذات طبيعة ثابتة وإنما هي طبيعة متغيرة ومرتبطة بالواقع الموضوعي وتطوره وتنوعه.
إن الرغبات الإنسانية وتغيرها لها علاقة أساسية بتطور المجتمع من خلال تناقضاته التي تؤدي إلى تغيير بنية المجتمع وتنظيمه السياسي والاجتماعي والاقتصادي القديمة بأخرى جديدة وهذه تحمل في داخلها بذرة فنائها، ومن خلال هذه الحركة والتناقضات والصراع بين المادة وحركتها يتقدم التاريخ ويتطور عن طريق القانون العلمي الذي بواسطته نستطيع الوصول إلى المعرفة الحقيقية للظواهر المختلفة. وإن القانون العلمي يعتبر مقياس علمية الفكر والمعرفة، وإن هذا التطور والتقدم ينشأ ويتبلور من خلال التداخل والانفعالات الإنسانية التي تؤدي إلى خلق وتغير الواقع الموضوعي عن طريق الحركة والصراع والتناقضات ولذلك إن حركة التاريخ وتطوره وتقدمه يأتي من خلال الصراع بين المتناقضات في الشكل والمادة والمذاهب الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع حتى نصل إلى مرحلة يكون فيه المجتمع خاليا من الصراع والمتناقضات الطبقية التي كانت في السابق هي التي تخلق الصراع والنزاع الطبقي بسبب الاستغلال والاضطهاد والحرمان هنالك ظاهرة تبرز في عملية التغير من مرحلة إلى أخرى وهي أن التغيرات التي تحدث وتؤدي إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا تسير في نسق واحد كالأوضاع والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبما أن التغيير يجب أن يكون إلى أمام نحو التقدم والتطور وإذا لم يتقدم ويتطور نحو الأمام ويبقى يراوح في مكانه أو يؤدي إلى التخلف للوراء يعتبر ذلك ليس بحركة أو تطور أو تغير إلى أمام وكما يقول المفكر سلامة موسى في كتابه معنى الثورة (أن أية حركة أو ثورة يجب أن تكون للأمام حينما تنتقل من مرحلة إلى أخرى وإذا حدث عكس ذلك ما هي إلا فوضى وشغب وفتنه). إلا أن في حالة الانتقال من مرحلة إلى أخرى فان التطور في الوعي الفكري لا يسير بنسق واحد مع التطور الاقتصادي وبشكل خاص الحالة المعاشية لأبناء الشعب فان التغيير الاقتصادي يؤدي إلى تحسين الظروف المعاشية للمواطنين بشكل أسرع من الوعي الفكري حينما تجرى تعديلات في الرواتب والأجور والنشاط التجاري وحركة السوق فيحدث تغير واضح في حياة المواطنين ويؤدي إلى الرفاه الاجتماعي من حيث المأكل والملبس والسكن وغيرها من الرفاه الاجتماعي. أما الوعي الفكري فان حركة تطوره وتقدمه تكون بطيئة وفي بعض الأحيان تبرز تلك الأفكار والنظريات القديمة والمتأخرة وتنشر ظلامها ودعايتها على وعي الناس وتترك أثرها السلبي على التقدم والتطور العام والشامل، حتى بعد اختفاء وتغير الشروط والظروف التي أفرزت ونتجت ونسجت تلك الأفكار، إن الوعي الفكري هو نتاج من التراكمات ويعتبر انعكاس للتقاليد والعادات والعرف الاجتماعي الذي يترسب في العقل الباطني ولذلك عوامل تغيره تكون بطيئة والعامل الرئيسي في تغييره هو نشر الثقافة والمعرفة بشكل مركز وواسع بين جماهير الشعب الواسعة ولذلك إن خطر تلك الأفكار في نشاطها وحيويتها حينما تظهر بعض الصعوبات والتأخر في إنجاز الإيجابيات كالخدمات والبطالة والاضطراب والارتباك في الحياة الاقتصادية والسلوك الاجتماعي والقيم الروحية فان تلك الأفكار تنشط وتزدهر.
إن الفكر الماركسي الخلاق يعالج تلك الظاهرة من خلال القانون المتداول لحركة التغيير في التاريخ البشري الذي يقضي بضرورة الانسجام والتجانس في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والوعي الفكري، وعندما يحدث خلل في هذه التكوينات داخل البنية عندئذ يحتاج البناء إلى تعديل أو تغيير حتى يحصل الانسجام والتجانس في البنية.
في حركة التغير تميل الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عموما إلى المحافظة على الاستقرار في حين تسير وتتجه الثقافة والمعارف والعلوم والتقنيات إلى الحركة والتطور والنمو وهي في سعيها هذا تعمل وتنتج أوضاعا جديدة من الوعي الفكري الخلاق تنسجم وتتناسق مع التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بحيث تصبح في صراع وتناقض مع الموروث من تقاليد وعادات وعرف اجتماعي مضى عليه الزمن وولى مما يؤدي هذا الصراع وتفاعلاته إلى انتصار الجديد ذات الطابع التقدمي الذي ينسجم ويتناسق مع حركة التغير والتقدم الاجتماعي.
إن النظرية الماركسية ليست كل ما قاله ماركس، فقد عالج ماركس قضايا متعددة وبمستويات مختلفة عبر مراحل وأزمنة متنوعة ومختلفة حيث لم يتم تشكيل النظرية الماركسية دفعة واحدة بل نمت وتحددت عبر خبرة طويلة من المعرفة العلمية والفلسفية والممارسات النضالية والعملية ولذلك جاءت النظرية الماركسية الموضوعية متابعة لتطورها الفكري والمواقف المنسجمة مع السياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي الذي نشأ وعاش فيها وتأثر بها ماركس. ولذلك نعكس النظرية الماركسية الخلاقة القراءة الوصفية للواقع الآتي في عصره إلى التحديد العلمي والفلسفي والتوجه العملي المستخلص من الواقع الموضوعي الذي يعتبر رؤيا شاملة وفاعلية في حركة الواقع في عصره وفي تغييره تغييرا جذريا وهذا يعني أن النظرية الماركسية الخلاقة ذات طابع مستقبلي شامل للإنسانية باعتبارها نسقا متجانسا ومترابطا وموحدا من الأفكار التي تسعى لتفسير وحل جميع المشاكل الأساسية التي تعاني منها الإنسانية، إن النظرية الماركسية الخلاقة تستند على أسس علمية ثابتة لأنها تستمد عناصرها ومعطياتها وقوانينها من العلمية الواقعية الملموسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي والفكري الذي يقوم على الصراع والمتناقضات في المجتمع إضافة إلى ما تفرضه حتمية التاريخ وحركته وديناميكيته، كما أن هذه النظرية تمتاز بطابع التغيير للواقع الموضوعي تغييرا جذريا من أجل إقامة واقع مغاير يتخلص فيه الإنسان من الظلم والاضطهاد والاستغلال والفقر والجهل والأمية والمرض وتتفجر فيه الإبداعات الإنسانية المكبوتة وتتوفر له الحرية الحقيقية.
إن المادية الجدلية والجدلية المادية التاريخية هما توأمان نظريتان أساسيتان في الفلسفة الماركسية لا يمثلان مقدمات مجردة تفرضها على الواقع فرضا أو نستخلص منها القوانين المتحكمة في هذا الواقع المجرد وإنما نستخلص منها القوانين المتحكمة في دراسة الطبيعة والتاريخ.
إن النظرية الماركسية الخلاقة ليست قوانين علمية مجردة ولا هي فلسفة صرفة وإنما قوانينها العلمية وفلسفتها تتمحور وتتحكم في التمازج والانسياق مع الواقع الاجتماعي الموضوعي الفكري والصراع ألتناقضي فضلا عن حركة التاريخ عامة من أجل تغيير ذلك الواقع تغييرا جذريا وإقامة المجتمع الحر السعيد حينما يتخلص الإنسان من استغلال أخيه الإنسان ومن الفقر والجوع والقهر والأمية والمرض وجميع سلبيات المجتمع. وبما أن ماركس شيد ذلك الطود الشامخ (نظريته) من أجل تشييد وإقامة المستقبل المشرق السعيد للإنسانية والذي تنبأ واستقرأ مستقبلها من خلال الأزمات الدورية الاقتصادية فليس من المعقول أن يغفل عن أشياء يثيرها بعض المنظرين والمفكرين ويعتبرونها كخلل في النظرية الماركسية.
تطور الإنسان في المنظور الماركسي

يقول المفكر الراحل كامل شياع في ترجمته لكراس (الماركسية الغربية) لمؤلفه دوغلاس كلتر (في بحث أصول وتكون المجتمعات الحديثة طور كارل ماركس وفريدريك أنجلس نظرية مادية جديدة للتاريخ والمجتمع من خلال تقديم مفاهيم مثل نمط الإنتاج، قوى وعلاقات الإنتاج، تقسيم العمل، الإيديولوجيا والصراع الطبقي بوصفها مداخل أساسية لفهم المجتمع والتاريخ وبلور ماركس و أنجلس رؤية للتاريخ بوصفه تعاقبا ًلأنماط الإنتاج (يقصد بذلك المشاعية البدائية ونظام الرق والإقطاع والرأسمالية ثم الاشتراكية والشيوعية) ووضعا مخططا لنشوء المجتمع البورجوازي الحديث وتحوله إلى مجتمع شيوعي، وطرحت الرؤية الماركسية حول المجتمع والتاريخ في (البيان الشيوعي 1848) على شكل قصة مثيرة نصف صعود الرأسمالية والمجتمع البورجوازي والتغيير الثوري على يد البروليتاريا الصناعية وقد وضح ذلك في كتاب (رأس المال) والنصوص الماركسية الكلاسيكية الأخرى بنظرة نقدية إلى الرأسمالية نموذجا للاشتراكية ومشروعا لثورة في النظرية الخاصة بالحداثة والعولمة يجمع بين الاقتصاد السياسي والنظرية الاجتماعية والفلسفة والتاريخ والسياسة الثورية كما ينظر ماركس و أنجلس إلى التاريخ كعملية تسير من خلال نفي أشكال الحياة القديمة وإنتاج أخرى جديدة بديلة عنها، فالمجتمعات الرأسمالية الحديثة على وجه الخصوص قد جعلت من التغيير والتجديد والتطور جزءا ًلا يتجزأ من طريقتها الخاصة لإعادة الإنتاج الاجتماعي ذاته، بالنسبة للماركسية الكلاسيكية، ما أن تطلق الرأسمالية الصناعية الحديثة طاقاتها الكامنة حتى يحصل تطور عاصف لوسائل الإنتاج وتدمير تام لما هو قديم وخلق لما هو جديد، وكل ذلك يحدث ويحول على نحو مستمر للمجتمع البورجوازي، ما يميز العصر البورجوازي عن جميع العصور السابقة هو التثوير الدائم للإنتاج والإخلال المتواصل بجميع الشروط الاجتماعية وحالة عدم يقين وهياج دائم لكل العلاقات الثابتة والشديدة الجمود سوية مع قاطرتها من الأحكام السابقة والآراء القديمة والهشة وتزاح من الطريق كل الأشكال الجديدة منها فتصبح قديمة قبل أن تتحجر، وكل ما هو صلب ينصهر في الهواء وكل ما هو مقدس يدنس، والإنسان في النهاية مجبر على أن يواجه بحس متزن الشروط الحقيقية للحياة وعلاقته بنوع إنساني (ماركس و أنجلس الجزء 6 ص487).
هذه النبذة المختصرة عن النظرية الماركسية التي وضعها بشكل أساسي كارل ماركس بمساعدة رفيقه الحميم فريدريك أنجلس وهي كما هو واضح تتمحور حول وجود الإنسان وحياته ومستقبله وحينما أنجزت قال ماركس (لقد انشغل الفلاسفة في تفسير العالم أما الآن فالمهم تغييره) وكان يقصد من مقولته البشر الذين يجب عليهم أن يصنعوا تاريخهم بأنفسهم عن طريق النضال والعمل من أجل تغيير واقعهم المؤلم والمزري وحينما حدد وخص الإنسان بعملية التغيير فهو يقصد بذلك ويعبر عن مكونات النظرية الماركسية التي انشغل الفلاسفة في رسم خارطتها ومسالكها التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق المجتمع الحر السعيد من الطمأنينة والاستقرار والمستقبل المشرق السعيد للإنسانية جمعاء باعتبار الإنسان يمتاز بالوعي المدرك الخلاق الذي هو (العقل) الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يوفر ويخلق جميع مستلزمات الحياة المادية والمعنوية ويستنبط جميع الأفكار تبعا لحاجاته الضرورية وهو يتطور ويتقدم كلما تطورت الحاجة وتقدمت علوم الحياة ومستلزماتها مما جعل هذا العنصر الجديد (العقل) من الإنسان أعلى وأرفع الكائنات الحية في الوجود وبواسطته يستطيع الإنسان أن يستنبط كل فكرة سواء كانت دينية أم اجتماعية أم عقائدية فجعلت منه إنسانا يمتاز بموقف وفعل، فالموقف يستنبط منه الرؤيا والاجتهاد بما يدله ويرشده عقله، والفعل جعله يمتاز بالبحث والاستدلال ذات طبيعة متحركة وديناميكية في الحياة تدفعه نحو التقدم والتطور التي تؤدي إلى اندفاع مسيرة التاريخ إلى أمام، إن هذه الدوافع وهذه التحركات تخلقها الحاجة والبحث والسعي من أجل الوصول إلى إشباع الحاجات والرغبات فكان يلاحظ ويثير اهتمامه ويلمس ظواهر وأشياء جديدة وغير مألوفة في مجتمعه ومحيطه وغريبة ومستقلة عن حياته ومشاعره ووجدانه ويجهل طبيعتها، فلاحظ من خلال الدراسة والبحث والاستدلال بواسطة وعيه المدرك للمتغيرات حافزا لتحرك جميع إمكانياته المتاحة ويدفعها للتفاعل مع الواقع الملموس ومعرفة تلك الظواهر والمتكونات من خلال التوصل إلى قوانينها التي ترتبط وتتحكم بها ومعرفتها مما سهل السبيل له إلى السيطرة والتحكم بتلك الظواهر والأشياء ومعرفة خواصها الحقيقية وأسبابها ومسبباتها.
إن الإنسان استطاع أن يفسر ويحل كثيرا من رموز الحقيقة بطريقة أكثر تقدمية وعلمية متطورة بسبب مداركه وعقله ووعيه وأن يخلق التقدم في المجتمع الجديد وتمكنه من إزاحة نماذج قديمة ويستبدلها بحقائق جديدة ومتطورة ويكتشف الحديث الذي يخلق المجتمع الجديد وإحلاله بنموذج جديد يستطيع أن يفسر الحقائق بطريقة أكثر تطورا وتقدمية.
إن النظرية الماركسية العلمية ومكوناتها الفكرية والفلسفية لعبت دورا كبيرا ومتناسقا مع تطور الإنسان وتقدمه لأن النظرية الماركسية العلمية ولدت ونشأت ونمت من خلال التجديد والتغيير والتطور في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنها انطلقت من فكر حديث تقوم على أحداث وأرقى معارف الإنسان في شتى مجالات الحياة وأصبحت مرتبطة ومتناسقة ومنصهرة مع الإنسان وسعيه الدائب للخلاص من الاستغلال والاضطهاد والحرمان والقهر وتوقه للحرية والمستقبل الأفضل والعيش الرغيد، واعتمد كارل ماركس في نظريته الخلاقة على كنز كبير من التفاصيل والأمثلة والبحث والاستدلال والاعتماد على المذهب العقلي والكشفي معا وأن يرتقي من المحسوس إلى المعقول ومن المعقول إلى الكشف عن الحقائق الواقعية بواسطة العقل كما استند على المنطق والاستقراء التي تقوم على المعرفة بالحواس في استنتاج واستكشاف النتائج العلمية الموضوعية مما جعل هذه النظرية العملاقة أن تصبح في نظر العلماء والمفكرين والباحثين حقيقة لا يشك بصحتها وموضوعيتها من ظهورها إلى يومنا هذا تشرح وتحلل انتقال المراحل الإنسانية من طور إلى طور آخر أكثر تطورا وأوسع تقدما وكيف انبثقت الشرائع والأنظمة والحضارات الإنسانية وكيف تطور وتقدم إنسان اليوم بالنسبة إلى إنسان التاريخ؟ وما هي القيم الإنسانية؟ وماذا كانت نتيجة التحولات والتطورات ودورها في حياة الإنسان وأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ مما يؤكد على إن ما يتمتع به الإنسان اليوم من حضارات وعمران وتقدم وتطور ليس وليد العفوية بل هو وليد سلسلة من التفاعلات العضوية والطبيعية ووليدة سلسلة من التفاعل العقلي والإدراكي والجهد والعمل الإنساني المتواصل منذ ملايين السنين ولا زالت مسيرة التقدم والتطور تسير إلى أمام وستستمر مع الإنسان ومن أجل الإنسان إلى أبد الدهر.
يقول فردريك أنجلس (نظريتنا ليست ناموسا إلهيا يجب حفظه عن ظهر قلب وترديده بصورة آلية بل هي دليل للعمل (نظرية نمو) وعرض لمسار التطور المتعدد المراحل).
لقد أتت النظرية العلمية الماركسية بالبينات على خصوبتها وعلى جدواها المبدع في العديد من مجالات الممارسة، فغيرت الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كثير من البلدان وأتاحت لملايين من البشر ظلوا مستعبدين لقرون من السنين أن يدخلوا عالم الحضارة والتقدم وأن ينعموا أخيرا بظروف معاشيه إنسانية.
لقد انطلقت هذه النظرية العملاقة بمثل انطلاقة الجيش الشجاع والجسور في حملته وبنفس الطريقة استطاع ماركس و أنجلس ولينين أن يبصروا الإنسان بإمكانياته الخلاقة وأن يضعوا للمجتمع برنامجا يتيح للإنسان مستقبلا سعيدا ومنهجا يسير وفق خطة ومعركة وطريقة علمية في بناء المجتمع وهم يعتبرون التقدم والتطور الاجتماعي يحدث من خلال الإنسان وذاته ومن خلال حركته ووجوده ومن خلال عقله ومحيطه باعتبار التاريخ عملية من صنع البشر ولذلك فان التقدم والتطور هو توجه إنساني عام يشمل جميع أبناء البشرية في كافة أنحاء المعمورة، فهو مشروع مفتوح من إنتاج العقل الإنساني ولذلك فليس هنالك صورة مغلقة أو نهاية في عقل الإنسان وتفكيره وإنما هي متواجدة في أشكال مختلفة ومتنوعة غير متناهية ولا مغلقة عبر الأزمنة والأمكنة.
تعتبر النظرية الماركسية العلمية مفهوما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفلسفيا، فمن حيث هي مفهوم سياسي لأنها تحدد مفهوم دور الشعب والدولة في بناء المجتمع الأفضل السعيد وحسب المفهوم الاقتصادي لأنها تسلك وتطبق طريق التخطيط والبرمجة وتنظيم حياة الناس ومستقبلهم وسعادتهم وإلغاء فوضى الإنتاج والسوق واستبدالها بالإنتاج الاجتماعي والملكية العامة لوسائل الإنتاج والعلاقات الإنتاجية الاشتراكية وتعتبر الاقتصاد هو المحرك الأساسي في التاريخ، أما المفهوم الاجتماعي فيعتبر النظرية الماركسية العلمية هي النبراس التي يسترشد بها في معرفة قوانينها الاجتماعية والتحليلية والتمييز بين ما هو نظري وما هو واقع موضوعي اجتماعي، أما المفهوم الفلسفي فهي تعتبر فكرا نقديا ضد الانغلاق والجمود ومنطلق نحو الحرية والتغيير والتجديد من خلال الممارسة النقدية وتطوير الفكر الماركسي على ضوء معطيات التطبيق العملي والفكري من خلال القوانين الموضوعية العلمية التي تعتمد على البحث والتحليل والاستدلال ومن خلال الكشف ومعرفة الترابط والتغيير في أي طرف بما ينسجم مع تعبير واجتهاد الوعي الفكري وتحرير الايديولوجيا من جمودها وأسرها بما ينسجم مع كل ما أنتجه الفكر الإنساني بروح نقدية تتطلع نحو أفق رحب وواسع وتحرري شامل وبناء وكذلك الاسترشاد والاعتماد على روح جدلية الفكر الماركسي الخلاق بما يؤدي إلى تطوره وتقدمه في كافة مجال العلم والمعرفة الذي يعبر عن تأكيد الفكر الماركسي وإدراكه بأن الإنسان وجد في هذا الكون والوجود ليتعلم ويعمل ويجاهد ويناضل حتى يصل إلى مجتمع الرفاه والأمان والاستقرار والاطمئنان والمستقبل الأفضل ولا يوجد جاهل وكسول ومهمل ليس له دور في الحياة والتاريخ.
ونحن في رحاب النظرية الماركسية الخلاقة أود أن أشير إلى نبذة مختصرة من رسالة رئيس وزراء الهند الأسبق الراحل (نهرو) إلى ابنته الراحلة (انديراغاندي) حينما كان سجينا يصف لها بشكل رائع وتعبير جميل النظرية الماركسية فيقول في رسالته (إن النظرية الماركسية طريقة لتفسير التاريخ والاقتصاد والسياسة والحياة والنزاعات البشرية وهي نظرية ودعوة لعمل ما وفلسفة تتناول جميع نواحي النشاط الإنساني ومحاولة لجعل التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله نطاقا منطقيا يحمل في طياته مصائر محتومة كالقدر، ولاحظ أن الإنسان بدأ منذ وجوده يجاهد في سبيل بقائه ضد الطبيعة وضد أخيه الإنسان ولذا فأنه جاهد للحصول على ما يسد به رمقه ويكفل له ضروريات الحياة، وكلما مر به الزمن تطورت أساليبه في حصوله على حاجياته ويعتبر أن وسائل الإنتاج مقومات الحياة وكانت أهم ما يشغل بال الإنسان والمجتمع في كل زمان ومكان، ويعتبر انتصار الطبقة الجديدة الناحية الاقتصادية والسياسية وهو يعبر عن انتصار وسائل الإنتاج الجديدة مما يؤدي إلى تغيير في نسيج المجتمع بأسره من الناحية الفكرية والسياسية والقانونية والعرقية وغيرها.
إن الطبقة الجديدة تصبح مستغلة لمن دونها من الطبقات حتى تقوم مكانها طبقة أخرى ويستمر الكفاح حتى يصل المجتمع إلى المرحلة التي لا تستغل فيها طبقة ما طبقة أخرى، وهذا لا يتهيأ إلا عندما تزول الطبقات من المجتمع وتبقى طبقة واحدة هي الطبقة العاملة عند ذلك لا يبقى مجال للاستغلال لأن الطبقة الواحدة لا تستغل نفسها، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لخلق التوازن في المجتمع وقيام التعاون مكان التنازع والتنافس والصراع القائم حاليا بين الطبقات الاجتماعية.
ماركس في رحاب عبقرية الإمام علي (ع)

وأنا أحلق في رحاب المعرفة الواسعة والشاملة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الفكر الفلسفي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإنساني تجسدت أمامي مقولته الإنسانية الرائعة (ليست هنالك نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) وبعد مضي قرون من الزمن تظهر فلسفة ماركس السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيتطرق إلى أعظم قانون في نظريته (تراكم رأس المال وفائض القيمة) وحينما ننظر إلى هذا القانون الاقتصادي نلاحظ أن الإمام علي عليه السلام قد ذكره قبل قرون من السنين فجاء ماركس محلقا في رحاب وعدالة وإنسانية فلسفة الإمام علي عليه السلام وحولها إلى قانون علمي واقعي.
لقد استنبط كارل ماركس من تلك المقولة الإنسانية الرائعة العظيمة التي أحدثت ثورة في العلم الاقتصادي وأصبحت واقع موضوعي ملموس حفز واستنهض الملايين من المظلومين والمقهورين والجياع والكادحين من البشرية وأصبح قانونا علميا أساسيا في رأس المال المؤلف الماركسي الرائع الذي يشرح فيه ماركس طريقة وأساليب (الرأسمالي) استغلال المظلومين والكادحين والجياع ويسلب منهم (فائض القيمة) وعلى ضوء الأرباح (فائض القيمة) التي هي من جهد وإنتاج وعمل الكادحين والمظلومين والجياع تتجمع الثروة الكبيرة لدى الرأسمالي الذي يطلق عليه (تراكم رأس المال) ومن خلال ما تقدم نطرح كيف تتم عملية فائض القيمة وتراكم رأس المال المستنبطة من مقولة الإمام علي (عليه السلام) (ليست هنالك نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع) مثلا :
يمتلك الرأسمالي معملا لإنتاج الساعات اليدوية، يعمل في هذا المعمل خمسة عمال أجرة العامل الواحد عشرة دنانير في اليوم الواحد فيكون المجموع خمسين دينار وينتجون في اليوم الواحد عشرة ساعات، تباع الساعة الواحدة بمبلغ عشرة دنانير فيكون مجموع ما يحصل عليه صاحب المعمل (الرأسمالي) مئة دينار بينما يدفع أجور للعمال خمسين دينار فيكون الفرق بين سعر الساعات (مئة دينار) وبين ما يحصل عليه العمال (خمسون دينار) فيظهر الفرق (خمسين دينار) وبعد أن يستقطع من مجموع المبلغ (100مئة دينار) أجور العمال (50 خمسون دينار) واندثار الآلات (المكائن 10%) يكون مبلغ 10 دنانير ثم أجور الكهرباء 5 دنانير والنثرية والمصاريف الأخرى 10 دنانير فيكون المجموع 50 + 10 + 5 + 10 = 75 دينار بينما المبلغ الذي حصل عليه الرأسمالي من بيع عشرة ساعات = 100 دينار 100- 75 = 25 دينار الربح الصافي الذي يحصل عليه الرأسمالي والذي هو من جهد وعمل العمال وليس فقط من إنتاج المكائن يعتبر فائض القيمة ومن خلال جمع هذه المبالغ الذي يصطلح عليه (تراكم رأس المال) الذي بواسطته يستطيع الرأسمالي شراء المكائن والآلات وتوسيع عمله ومعمله.
من خلال مقارنة مقولة الإمام علي عليه السلام مع هذا القانون فنستطيع تصنيفه على الشكل التالي (النعمة الموفورة = تراكم رأس المال) (والحق المضيع = فائض القيمة) الذي يجنيها الرأسمالي من جهد وعرق جبين العامل.
الماركسية والتجديد

يعكس تفكير الإنسان الشيوعي الذي يسترشد بالنظرية الماركسية الواقع المادي الموضوعي الذي يعيشه ويتفاعل معه من حيث جدلية الفكر الماركسي الذي ينطلق من جدل الفكر مع الواقع ويعتمد بالأساس في هذا المجال على نسبية الأفكار الذي ينطلق من عدم وجود مجتمع أو تصور كامل وتام من جميع النواحي، بحيث يمكن تطبيقه على جميع المجتمعات أو في جميع الأزمنة، لأن لكل عصر ظروفه وتقاليده وعاداته ومتطلباته ولكل مجتمع خصوصياته واحتياجاته المتجددة باستمرار مما يحتم على الفكر الماركسي أن ينسجم ويقدم رؤيا وتصورات مجتمع يسير في طريق التطور والتغيير والتجديد، وبذلك فان الفكر يكون أكثر فاعلية للحياة والتأثير عليها كلما كانت ثوابته أقل ومتغيراته أكثر، وهذه الظاهرة سمة أساسية وصفة ثابتة يمتاز بها الفكر الماركسي من خلال جدليته التي تمتاز بالأبعاد الثلاث (زمانية ومكانية وفردانية شخصية) فمن حيث نسبيته الزمانية يعتبر إن ما يكون اليوم صحيحا، قد لا يكون كذلك غدا بسبب تبدل الواقع. أما نسبيته المكانية فهو يعتبر إنما يصح في مجتمع ما قد لا يصح في مجتمع آخر في الزمان ذاته وذلك بسبب اختلاف الواقع.
أما النسبية الفردانية الشخصية، تعتبر إن كل فرد في الوجود كان باحثا أو مفكرا أو مجتهدا يفهم الفكر ويتعامل معه وفق تأثيرات خصائصه الشخصية من حيث تكوينه العقلي والنفسي والبيئي، ولذلك ليس هنالك إنسان يشبه إنسان آخر وينسجم معه بشكل مطلق وإنما هنالك نقاط ومواقف وأفكار يمكن الالتقاء بها والانسجام معها.
من خلال هذه النبذة المختصرة يتبين لنا إن للنظرية الماركسية خصوصية وطنية بالرغم من إن الفكر الماركسي يمتاز بالأممية، ولذلك فان الحركات والتطورات التغييرات والأخطاء والسلبيات التي تحدث للحزب الشيوعي الماركسي في أية بقعة من العالم فإنها تعتبر إفراز ونتيجة خلل بين النظرية وتطبيقاتها، وقد يكون عجز رفاق الحزب ومفكريه من متابعة المتغيرات والتحولات التي تحدث في كل مرحلة تكون فيها الأفكار السابقة أو الآنية أو اللاحقة التي تفرضها الشروط التاريخية عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى متناقضة من خلال الظروف الموضوعية وتطوراتها وتغييراتها، لأن نتاج الأفكار والوعي والتصورات مرتبط بالنشاط المادي والتعامل الذهني بين البشر والذي هو انعكاس للواقع الموضوعي، بما يجسده جدلية الفكر الماركسي من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية.
إن التغير نحو الجديد من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية ليس الخروج من التاريخ وطي صفحته من زمانه ومكانه ورؤيا الإنسان واجتهاده وإنما يجب أن يكون حوار التاريخ وماضيه مع الحاضر من خلال ربط الماضي بالحاضر والاستفادة من دروس الماضي وتجاربه وتصويب مسارها مما يؤدي إلى استحداث سياسة جديدة من خلال دراسة نقدية بفكر ثاقب وعقل واعي عند ذلك ينصهر الماضي وتجاربه بالحاضر وتحويلها إلى حالة جديدة متطورة.
إن المرحلة الحاضرة والحالية والمستقبلية التي نعيشها ونتوقع تجلياتها هي (الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي والعلمي الذي يعتبر مرحلة متقدمة ومتطورة من مرحلة الرأسمالية) اخترقت العالم بمظهر جديد من الشكل والهندام أطلقت عليها (مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) تحمل فكرا فلسفيا جديدا (الديمقراطية الليبرالية) إلا أن مضمونها الجشع يقوم على الاستغلال والحرمان والاضطهاد والظلم بصورة أشد عنفا وأعمق أثرا بحيث تمتد بإخطبوطها المتوحش وشرورها المدمرة (الطبيعة والإنسان) فالطبيعة تجردها من جمالها وسحرها ويخيم عليها التلوث والتصحر، أما الإنسان فتجعله يفقد إنسانيته بحيث يصبح كالسلعة في السوق خاضعة إلى العرض والطلب.
إن الدور المتزايد والفعال الذي يلعبه العلم بامتياز ليس فقط كقوة إنتاج يؤسس أشكال جديدة غير متوقعة للمادة والحياة بحيث يولد هذا التغيير المفتوح إلى اللانهاية في الواقع المادي والروحي بمحفزات فكرية وثقافية ليس متوقعا ولا ممكنا أن يحيط بها ويشملها فكر الثورة الصناعي التي حدثت في القرن التاسع عشر، الذي استنتج من خلالها كارل ماركس نظريته الخلاقة.
إن الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي والعلمي الهائل أصبح يعطي فرصة لنمو العقل البشري إلى حدود يتجاوز النهايات بحيث يصبح قوة وعنفوان الإنتاج بكل أشكاله ومختلف أنواعه أكثر قدرة على توجيه كل أنماط الحياة الإنسانية ومن ضمنها الفاعلية الثقافية والاجتماعية، مما يفرض على القوى التقدمية أصحاب الوعي الفكري الخلاق الفهم العميق للواقع المادي وتأثيراته على (الإنسان والطبيعة) معا وتحفيز الجماهير الواسعة عن طريق ترسيخ النهج الديمقراطي من تأثيراتها المدمرة وتحفيزهم على لجم النزعات التدميرية التي تحملها (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) والتعويض عنها بالاعتماد على التخطيط العلمي في التنمية البشرية والاقتصادية ووضع برنامج يخدم تطور وتقدم الشعب وسعادته ورفاهيته.
إن العولمة تختفي في أفكارها وسياستها أساليب وخطط تعبر عنها ثقافات تتجاوز حدود علاقات الإنتاج المادية، لأن النشاط الإنتاجي يرتبط ويتوحد مع التطور التكنولوجي العلمي الهائل فيحصل هذا التقدم الكبير في الثورة المعلوماتية والأتمتة والاتصالات وعلوم الفضاء وغيرها من مجالات العلوم والفنون والحياة الذي هو انعكاس شبه آلي لمستوى وتطور النشاط الإنتاجي الذي يترك تأثيره المدمر على بيئة الأرض وتصحرها ودرجة حرارة الكون وكل ما يهدد بفنائها، فتخلق العولمة المتوحشة الجفاء والعداء بين (الإنسان والطبيعة) التي هي علاقة احتضان وتوحد مداها وعمقها حياة كوكبنا وديمومته ونقاوته، لذلك تفرض هذه الظاهرة على جميع القوى السياسية الواعية نشاط عقلاني تتوحد من خلالها جميع هذه القوى بحيث تتجاوز علاقة النزاع والتناقض والأنانية بين المصالح الآنية ومصلحة الوطن والشعب ومن أجل إيقاف جموح والشرور المدمرة لتطور العولمة اللاإنساني، وإدارته بمسؤولية إنسانية اجتماعية.
إن هذه الظاهرة التي تعكس وحدة القوى السياسية الفاعلة لا تأتي إلا من خلال وعي الناس الاجتماعي ومعرفتهم ونشاطهم في خلق علاقات إنسانية عامة وشاملة وعادلة تتيح للشعب العيش الرغيد بسعادة ورفاه وطمأنينة واستقرار يتحرر خلالها من الاستغلال والقمع والخوف في رسم مشروع قابل للتنقيح والإنضاج لا يكتفي بتوفير الخبز فقط وإنما ينتج للإنسان التمتع بحقوقه كفرد في المجتمع وكمواطن يضمن حقه في التعبير الحر عن آرائه وأفكاره ويشعر بالمسؤولية والمساواة والعدالة الاجتماعية تجاه مواطنيه والناس أجمعين.
إن مستقبلنا لا يحكمه مشروع حتمي وإنما يبقى مفتوح على آفاق مجهولة إذا لم نجابهه بوحدة الإرادة والنضال والشعور بالمسؤولية والوعي الفكري الخلاق الذي يعزز من استعدادنا لملاقاته وإلا سوف نبقى محكومون في دوامة من الخيال والتأمل بين الأمل والقلق والضياع.
إن الأمل والرجاء في تحقيق الحلم السعيد، (العدالة الاجتماعية)، هذا المشروع الإنساني الحضاري الأخلاقي العقلاني تتحمل مسؤولية بنائه وتكوينه الاجتماعي القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية كبديل لمشروع العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة وهذا المشروع الإنساني الذي ينقذ الوطن المذبوح والشعب المستباح من محنته وآلامه ومآسيه وجوعه وفقره وأميته ومرضه وجهله، المعرفة العلمية في تقدمها المتواصل وتأثيرها على الوعي الاجتماعي ومجمل خصائصهم الروحية وسبل إدارتهم وسلوكهم الديمقراطي في شؤونهم السياسية والاجتماعية. ولذلك إن الواقع الموضوعي يفرض على الشيوعيين كقوة رائدة ولها تاريخ مجيد في النضال من أجل الوطن وحريته وكرامته وسعادة الشعب ومستقبله الأفضل أن تجعل من النظرية الماركسية ومستقبلها ليس هدفا بذاته معزولا عن بلورة مفاهيم جديدة لاستيعاب مسائل التطور الراهن في بلدنا من خلال التجربة ومراجعة الفكر بحثا وتحليلا من خلال دراسة نقدية واعية تؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الوطن الحر والشعب السعيد.
مقارنة نقدية للماضي والحاضر والمستقبل

حينما نقارن من خلال دراسة نقدية بين موقف وسياسة الحزب الشيوعي العراقي في الماضي والحاضر والمستقبل يجب ملاحظة وإدراك ظاهرة مهمة وهي التفريق بين خصوصية النظرية الماركسية الوطنية من حيث الظروف والتقاليد والعادات لكل بلد التي يجب التعامل معها من خلال الحزب الشيوعي لذلك البلد وبين أممية النظرية الماركسية التي كانت ترتبط بها الأحزاب الشيوعية في العالم من خلال (الكومنترن) والذي كان فيها الحزب الشيوعي السوفيتي يمتاز بالقطب الرئيسي والموجه الأساسي لسياسته الذي كانت الأحزاب الشيوعية في جميع أقطار المعمورة تخضع لقراراته وأوامره متجاوزة ظروف وأحوال طبيعة شعوبها والعلاقات الطبقية الاجتماعية وخصوصيتها، كان الاتحاد السوفيتي ينظر إلى العالم على أساس يتكون من قطبين ذات نظامين أحدهما اشتراكي والآخر رأس مالي ومن خلال هذه الرؤيا فهو يعتبر إن أي قوة تفلت وتتحرر من كفة المعسكر الرأس مالي وتنحاز إلى كفة وقوة المعسكر الاشتراكي نصر إلى المعسكر الاشتراكي وضعف إلى المعسكر الرأس مالي لأن تحرر ذلك البلد من تسلط المعسكر الرأس مالي والاستعمار يؤدي بالمعسكر الرأس مالي إلى فقدان أسواق تلك الدول المتحررة وحرمانها من ثرواتها وموادها الأولية مما يؤدي إلى تكدس البضاعة والسلع التي تنتجها المصانع الرأس مالية لارتفاع أسعارها وضعف القدرة الشرائية بسبب انقطاع وغلاء وشحة المواد الأولية التي كانت تستحوذ عليها الدول الاستعمارية مما يؤدي إلى توقف المعامل والمصانع الرأس مالية وتسريح العمال ورميهم في أحضان البطالة والجوع كما يؤدي ذلك إلى انفجار الأزمات الاقتصادية والفوضى السياسية والاجتماعية في الدول الرأس مالية وتؤدي بالنتيجة إلى حدوث الثورات والتغييرات السياسية والاقتصادية في تلك الدول، هذه الظاهرة أصبحت سمة العصر متمثلة بالانتقال نحو الاشتراكية والارتباط المتين بمقوماتها وفحواها مما جعل دور الاتحاد السوفيتي على الساحة الدولية يتجاوز خطتنا السياسية الوطنية واستبدالها بالنضال والعمل على أساس (نحن والاتحاد السوفيتي) بوصفها الحلقة الأساسية المتمثلة بالشروط العامة للصراع العالمي ضد الامبريالية التي تغطي وتتجاوز الوقائع والظروف والأهداف الوطنية لسياسة الحزب الشيوعي التي تحددها طبيعة وظروف البلد إضافة إلى تجاهل دور القوى الفاعلة ووزنها الحقيقي وإمكانات نمو وتطور وتراجع تأثيرها وتناقضها الطبقي.
في ظروف الدول العربية ومن ضمنها العراق خضعت شغيلة اليد والفكر والحزب الشيوعي إلى ضغطين، الأول من الاتحاد السوفيتي من خلال ضغطه على الأحزاب الشيوعية بالخنوع والطاعة لحكامها من البرجوازية الوطنية المعادية للاستعمار وفي نفس الوقت كان يعاني الحزب الشيوعي الضغط والاضطهاد والمطاردة والاعتقالات من السلطة البرجوازية الوطنية، كما كان يحدث في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف والزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وحتى في عهد صدام حسين الذي كان الاتحاد السوفيتي ينحاز إلى جانبه ويضغط على الحزب الشيوعي بالتعاون معه.
ولم يكتفي الاتحاد السوفيتي بهذا السلوك والتصرفات بل تجاوز ذلك إلى الحد الذي طلب فيه من الأحزاب الشيوعية في مصر كما ذكر ذلك المفكر الشيوعي الراحل (محمود أمين عالم) وكذلك الحزب الشيوعي العراقي في عهد الرئيس عبد السلام عارف بحل تنظيماتها والانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كانت تديره وتشرف عليه حكومات تلك الدول.
من خلال ذلك يتبين لنا إفرازات تلك السياسة وتأثيراتها وأفعالها التي خلقت الاضطراب والفوضى والإحباط واليأس وتزعزع الثقة وضبابية الرؤيا في الأحزاب الشيوعية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبلدان المعسكر الاشتراكي نتيجة الترابط والتداخل من خلال (الكومنترن)، مثل أي حركة أو قوة حينما تفقد قيادتها فان تلك القوة أو الحركة تصاب بالشلل والتشرذم والتفتت وأصبح يسودها الفوضى والضعف والانحلال، بينما لو كانت الأحزاب الشيوعية تستند في سياستها الإستراتيجية والتكتيكية على أسس الخصوصية الوطنية للنظرية الماركسية من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية التي تستند على ظروف وطبيعة وخصوصية كل شعب وطبقاته الاجتماعية وأحزابه السياسية لما أصابها التحلل والتفكك والتكتل والإحباط واليأس مما جعل كثير من الأحزاب الشيوعية تعيش في حالة من الجدل البيزنطي (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة) حول من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة المدمرة مما جعلها في وضع مخلخل وغير مسؤول ومتوازن فتارة تضع المسؤولية والخلل على عاتق النظرية الماركسية وتارة أخرى على عاتق القيادة البيروقراطية في الاتحاد السوفيتي مما حدى بأكثرية الشيوعيين إلى الابتعاد عن الحزب الشيوعي والاصطفاف في طابور الأكثرية الصامتة.
إن المسؤولية التاريخية تفرض على الحزب الشيوعي المناقشة والحوار المدروس استنادا إلى نقد النظرية الماركسية الخلاقة وبحثها وتحليلها حسب ظروف وواقع بلدنا، وليس الخروج والهروب من دائرتها والدخول إلى رحاب تجربة جديدة خاضعة للنجاح والفشل بينما الواقع الموضوعي يفرض البحث والاستدلال بتجربة حزبنا النضالية الجماهيرية من خلال المسؤولية التاريخية التي تدعونا إلى دراسة عملية عميقة وشاملة لخبرة وتجربة الحزب الطويلة التي استمرت لمدة أكثر من سبعة عقود من النضال والعمل والمثابرة، رحلت خلالها أجيال وولدت أجيال أخرى واندثرت أحزاب وتأسست أحزاب أخرى وسقطت دول وحكومات وتأسست دول وحكومات أخرى.
إن ديمومة واستمرارية وصمود الحزب الشيوعي العراقي تستند على أربعة ركائز هي : 1) النظرية الماركسية الخلاقة. 2) التنظيم والنظام الداخلي. 3) الوعي الفكري الخلاق والثقافة الواسعة. 4) العلاقة الحميمة والصميمية بالجماهير العريضة والواسعة من خلال تجسيد القيم الروحية وترجمتها الإنسانية بين الشيوعيين وجماهير الشعب، إن الحزب الشيوعي العراقي قد تعرض خلال فترة نضاله الطويلة إلى الكثير من الكوارث والهزات والظروف الصعبة إلا إنه بقي صامدا وشامخا في ساحة النضال متخندقا في محراب الكفاح الوطني من أجل حرية الوطن وسعادة ورفاهية الشعب تعلو يمينه شمسا أفقها رحب وباليد الأخرى تخفق الراية الحمراء مطرزا عليها وطن حر وشعب سعيد.
إن أية ظاهرة في الوجود تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل، وظاهرة صمود وديمومة واستمرارية الحزب الشيوعي طيلة هذه الفترة منتصبا بقامته الشامخة يقود نضال الشعب ويحقق طموحه وأمله بالسعادة والرفاه والمستقبل الأفضل هو لأن النظرية الماركسية الخلاقة تتمحور جميع مكوناتها حول الإنسان ومن أجل الإنسان ولذلك استمدت وجودها من وجود الإنسان منذ أن رمته أمه من رحمها حتى ركوبه راحلته برحلته الأخيرة إلى القبر، لذلك فهي تتطور وتتجدد مع تطور الإنسان وتقدمه في الحياة ماديا ومعنويا.
من خلال هذه الرابطة الحميمة والعلاقة الصميمة يكون منطقها وثيماتها تتفاعل وتتناسق مع كل زمان وفي كل مكان حسب ظروف حياة الإنسان وما يترتب عليه من مسؤولية وقيم اجتماعية، وتبقى هذه العلاقة والرابطة بين الإنسان والنظرية الماركسية الخلاقة لأنها تكونت ونشأت وتطورت وتقدمت مع الإنسان ومن أجل الإنسان في غمرة النضال والعمل فانصهرت في بودقة واحدة يصعب فصلهما وتفريقهما ولذلك أصبحت هذه العلاقة في المنظور الزمني من المستحيلات في فصل وتفريق بعضهما عن بعض.
لذا يجب أن نجدد العزم والإرادة والثقة ونخرج تدريجيا من حالة الضعف والاسترخاء الذهني والموقف الجامد والباهت إلى رحاب الجماهير الواسعة من خلال الخريطة الواضحة والمجربة والصائبة للنظرية الماركسية الخلاقة، وذلك من خلال المراجعة والدراسة النقدية لتجربتنا السابقة والنزوح والخروج والابتعاد عن التجربة الحالية المتعثرة والمتلكئة التي جعلتنا طيلة سنوات نراوح في مكاننا.
إن التحرك والعمل والنضال من خلال الفكر الماركسي الخلاق والممارسة الجماهيرية عن طريق برنامج يترجم آلام ومآسي جماهير الشعب على الساحة العراقية التي تتسابق أحداثها وتطوراتها مع الزمن، والانكباب والتحفز والتسلح بالثقافة التي تخلق الوعي الفكري الخلاق ومتانة التنظيم الذي يعزز الفكر السياسي والإيديولوجي ويوطد ويرسخ التنظيم وقوته ومتانته من حيث الالتزام والضبط والنقاش الفكري مما يعزز ويوطد جماهيرية الحزب وسمعته ومكانته الاجتماعية على الساحة العراقية. إضافة إلى أن ذلك يعيد ويخلق الأمل والرجاء لجماهير الشعب الواسعة في بناء مستقبل جديد آخر، وهذا الأمل والرجاء والطموح يرتبط بجهدنا ونشاطنا ونضالنا باعتبارنا القوة القادرة على تقديم شيء جديد للإنسانية المعذبة.
أحلام تراثية

إن النظرية الماركسية – اللينينية ذات طابع عالمي ولكنها تمتاز بالخصوصية حسب مفهوم جدلية الفكر الماركسي من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية، وإذا كان هذا هو مفهوم وطابع النظرية الماركسية – اللينينية، لماذا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي تشرذمت وتفتت وانهارت الأحزاب الشيوعية في كثير من بلدان العالم بينما الزلزال والتفكك والانهيار أصاب الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وإذا كانت للنظرية الماركسية – اللينينية خصوصية، لماذا لم تصمد وتثبت الأحزاب الشيوعية والأنظمة الاشتراكية في البلدان الأخرى التي تمتاز بظروف وتقاليد سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة؟ قبل الإجابة والخوض في غمار الموضوع أود أن أشير وأوضح إلى أحبتي الأعزاء كل من يقرأ الموضوع بأني أكتب ما يجيش في خاطري من رؤيا واجتهاد وأكتب أولا وأخيرا للتاريخ فقط ودفاعا عن الفكر الماركسي الخلاق ومصداقيته ومظلوميته.
يعتبر الفكر الماركسي إن الحزب تنظيم سياسي يضم الفئات النشيطة من أبناء الطبقة المعينة ويعبر ويدافع عن مصالحها وأهدافها ويقود نضالها في سبيل تحقيق هذه الأهداف وترسيخها، والطبقة العاملة التي تسعى لتحقيق مصالحها وأهدافها في تصفية والقضاء على الاستغلال الرأسمالي وبناء المجتمع الاشتراكي تقيم حزبها السياسي الذي يهدف إلى المضي بإصرار في خوض الصراع الطبقي مع النظام الرأسمالي حتى استيلاء الطبقة العاملة على السلطة وبناء المجتمع الاشتراكي.
يقول كارل ماركس في كتاب (نقد فلسفة الحق لهيغل) حتى يستطيع حزب البروليتاريا التأثير في ظروف الحياة المادية للمجتمع وتعجيل تطورها وتحسينها يجب عليه أن يستند إلى نظرية اجتماعية تفصح بدقة عن حاجات وتطور الحياة المادية للمجتمع.
كما يقول كارل ماركس في كتاب العمل المأجور ورأس المال : (في الإنتاج لا يؤثر الناس في الطبيعة فقط، بل يؤثر بعضهم على البعض الآخر أيضا، فهم لا ينتجون إلا بالتعاون فيما بينهم على شكل معين وبتبادل النشاط فيما بينهم، ومن أجل أن ينتجوا يدخل بعضهم مع بعض في صلات وعلاقات معينة ولا يتم تأثيرهم في الطبيعة أي لا يتم الإنتاج إلا في حدود هذه الصلات والعلاقات الاجتماعية) وهذا يعني أن تفسير التاريخ يأتي من خلال طبيعة النظام الاقتصادي السائد في تلك المرحلة من الزمن (طبيعة النظام الاجتماعي) التي من خلاله تنعكس طبيعة الإنتاج والتبادل التجاري الذي ينبثق عنه التنظيم الاجتماعي والسياسي والفكري وقد سجل التاريخ خمسة أنواع من النظم (المشاعية البدائية والرق والنظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي) وفي كل نظام تسوده علاقات إنتاجية بين الناس (العلاقات الاقتصادية) يقيمها الناس فيما بينهم أثناء عملية الإنتاج للخيرات المادية (الوجود الاجتماعي) الذي من خلاله تنشأ حياة المجتمع الروحية والإيديولوجية (الإيديولوجية هي مجموعة الأفكار والتوجهات النظرية التي تعبر بها الطبقة المحددة في الحزب المعين عن وضعها النفسي والاجتماعي وتحاول عكسها بأشكال مختلفة أثناء صراعها ودفاعها عن مصالحها وتعبر بها عن أفكارها ومستوى الوعي الاجتماعي والتنظيم السياسي ومستوى فهم قوانين المجتمع) وتنشأ من خلالها آراء الناس وتصوراتهم والنظريات السياسية والحقوقية والأخلاقية لتلك الطبقة (الوعي الفكري) وبذلك فان الوعي الاجتماعي يعتبر انعكاس لطبيعة الوجود الاجتماعي ومن خلال ذلك كلما يكون الوجود الاجتماعي تكون طبيعة الحياة المادية ويكون الوعي الاجتماعي. يقول عالم الاجتماع الراحل الدكتور علي الوردي : (إن أي إنسان يولد وينمو وينشأ في بيئة معينة ويرى تقاليدها وعاداتها ومقاييسها الفكرية الخاصة بمجتمعه وبيئته قد إنفرزت في عقله الباطني وأصبحت توجه تفكيره من حيث لا يدري ولذلك فأن الإنسان لا يفهم من الحقيقة إلا ذلك الوجه الذي يلاءم عقده النفسية وقيمه الاجتماعية والتي إنفرزت في عقله الباطني وأصبحت هي التي توجه تفكيره).
إن وحدة التكوين النفسي تتولد لدى الإنسان بتأثير ظروف حياتهم من البيئة والتقاليد والعادات السائدة في مجتمعهم وهذا الطابع أو الظاهرة تختلف بين طبقة اجتماعية وأخرى فالطبقة البروليتاريه تكون مضطهدة في المجتمع الرأسمالي فيعكس ذلك على ملامحها النفسية من سلوك وانفعالات وأذواق وتقييمات وهذه الصفات والمكونات تختلف مستواها وطبيعتها بين طبقة وأخرى ولذلك عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى فأن هذه التقاليد والعادات تبقى مغروزة في العقل الباطني وهي تحتاج إلى ثقافة ووعي فكري وممارسة عملية لمدة طويلة حتى يتم تغيرها وانسجامها مع المرحلة الجديدة ولذلك عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى فأن الحالة المعاشية والاقتصادية تنتقل من مرحلة إلى أخرى بشكل أسرع من حالة التقاليد والعادات التي تكون مغروزة في العقل الباطني وقد عانى لينين من هذه الظاهرة بعد ثورة أكتوبر العظمى.
إن الطابع والعادات تبقى في وعي الإنسان وعقولهم حتى بعد التغيير من مرحلة إلى أخرى ويتأخر تغييره قياسا لسرعة تبدل وتغيير الحياة المعاشية والمادية ولهذا أصبح مهما جدا تطوير وإتقان الثقافة والعلم والأدب والفن الاشتراكي وتوجيه جميع وسائل العمل الفكري والسياسي وكل الدعاية والتحريض وكل الصحافة لإتقان وإدراك الوعي الفكري عند العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين ورغم كل ذلك تبقى العناصر والنخب المنحدرة من طبقات غير بروليتاريه تحمل في جذورها الطبقية بعض أفكارها وتقاليدها الغريبة والبعيدة عن الفكر الاشتراكي وهنالك مثل صيني يقول (إن الإنسان حينما يذهب ليغتسل في الحمام وينظف جسمه من الأوساخ والعرق فأنه مهما يبذل من جهد لتنظيف جسمه فلا بد من بقايا تلك الأوساخ تبقى عالقة في جسمه).

ما هي الاشتراكية؟
إن العقلية الاشتراكية – الماركسية – بوصفها نهجا منسجما كاملا، هي التعبير عن وضع الطبقة العاملة ومصالحها ومهمتها التاريخية وهذه الطبقة التي هي حفارة قبر الرأسمالية وخالقة الشيوعية، إنها مذهب أبدعه مفكرو الطبقة العاملة وكل المظلومين والمحرومين والمضطهدين والمستغلين (ماركس وانجلز ولينين) بفضل النقد البناء والهادف لكل مكتسبات العلم والمعرفة والفلسفة الأساسية، بفضل تحليل قوانين تطور الرأسمالية وتعميم تجاربي الحركة العمالية تعميما نظريا ونظرة الشيوعية العلمية التي هي انعطاف جذري في مفاهيم الحياة الاجتماعية وفي دور النضال البطولي للطبقة العاملة وجميع الشغيلة، وهذه النظرة الخلاقة حملها الحزب الماركسي – اللينيني إلى الحركة العمالية العفوية فأتاح لها بذلك أن تقود (عن وعي وإدراك) النضال في سبيل المصالح الأساسية للطبقة العاملة في تحقيق الاشتراكية والشيوعية.
إن الماركسية هي علم قوانين تطور الطبيعة والمجتمع علم ثورة الجماهير المضطهدة والمستثرة علم الاشتراكية في جميع البلدان في العالم، علم بناء المجتمع الاشتراكي، إن النظرية الماركسية اللينينية العلمية تستطيع أن تستدل من خلال نظريتها الصائبة الواقعية والإنسانية على الطريق التي يجب أن تسلكها وفق قوانين التطور الاجتماعي وذلك هو مصدر قوة العقلية الاشتراكية التي لا تغلب، ومن هذا كانت قوتها الجاذبية على الملايين من الناس في جميع أنحاء المعمورة، فهي تمثل عقلية تقدميه لأنها هي التعبير والأساس العلمي لمهمات جميع الأحزاب التقدمية، لأنها عقلية الأفكار الاشتراكية انعكاس لعقلية الجماهير المضطهدة والمستثمرة والمظلومة والمحرومة وهي الملهمة لجماهير العمال والفقراء والجياع في جميع أنحاء المعمورة.

ما هو الشيوعي؟
هو ذلك الإنسان الذي يدرك واقعه المؤلم والمزري فينخرط في غمرة النضال من أجل تغيير ذلك المجتمع.
يعتبر المفكر الشيوعي (غرامشي) إن الشعور الإنساني بالواقع المؤلم لا يكفي لتنمية مداركه ووعيه وثقافته إلا من خلال انخراطه في حزب الجماهير الكادحة (الحزب الشيوعي) فهو يعتبر الإيديولوجية هي ديالكتيك تطور الحزب من خلال صراع لا يتوقف ويستوجب على الحزب الشيوعي أن يجمع ثلاثة عناصر 1) المبدأ 2) الطبيعة التاريخية المحددة لأعضائه 3) الحركة التاريخية الحقيقية التي هي ديناميكية الثقافة الخاصة التي يعمل الحزب من خلالها التي تعزز دور التاريخ ومسيرته للأمام، العنصران الأول والثاني يمكن السيطرة عليهما بالإرادة المشتركة والمدروسة (الحزب) أما العنصر الثالث فيتفاعل باستمرار مع العنصرين الآخرين ويسبب صراعا نظريا وعمليا لا يتوقف إلا برفع جهاز الحزب إلى وعي جماعي أكثر ارتفاعا ودقة في مستواه الفكري والجماهيري.

كيف يشيد الحزب الشيوعي؟
بتشكيل الحزب على شكل هرمي، فالقيادة التي تشكل السكرتير العام للحزب والمكتب السياسي واللجنة المركزية التي هي قمة الهرم التي هي عامل التلاحم الرئيسي الممركز في الميدان الوطني الذي ينمي الفاعلية والقوة في مجموعة من القوى ذات الأهمية والفعالية العالية في نشاط الحزب ويأتي بعدها الإطار الحزبي (الكادر) الذي يعتبر حلقة الوصل والجسر بين القيادة وقاعدة الحزب الواسعة من الأعضاء والمرشحين لعضوية الحزب.
إن الكادر الحزبي يجب أن يمتاز بصفات عالية ومسؤولية كبيرة فيجب أن تكون قوى مؤمنة بالعمل الذي تقوم به وتمتاز بالوعي الفكري الخلاق والثقافة الواسعة وتمتلك القدرة على المحاورة والنقاش والإقناع وتمتاز بالشفافية لكي تستطيع قيادة هذا العمل كما يجب أن تمتاز بالمكانة والمنزلة الاجتماعية المتنورة ومدركة للعمل الذي تقوم به ومهيأة للقيام به وإنجازه والتضحية من أجله ومن واجباتها الإشراف وتنظيم القاعدة الواسعة من الرفاق الحزبيين ومن واجباتها أيضا إيصال التقارير الحزبية من قاعدة الحزب وكذلك النشاط الجماهيري والحالة الاجتماعية والظروف الاقتصادية والسياسية لجماهير الشعب التي ترتبط بها وتنصهر معها قاعدة الحزب فيقوم كادر الحزب بإيصال هذه المعلومات والتقارير من القاعدة التي جميعها تتعلق بوضع الشعب إلى قيادة الحزب والتي على ضوئها ومن خلالها تضع وترسم قيادة الحزب الستراتيج (الذي هو الهدف البعيد للحزب) والتكنيك (الذي هو الشعارات المطلبية التي تعبر عن حاجة أبناء الشعب وظروفهم الاقتصادية والسياسية وهذا التكنيك يتغير بين فترة وأخرى حسب ظروف وحاجة جماهير الشعب). أما قاعدة الحزب فواجبها التغلغل والعمل والاحتكاك بجماهير الشعب والانصهار معهم وإقامة العلاقات المتينة والروابط ومعرفة ظروفهم الاقتصادية ومن خلال ترجمة هذه القيم الرفيعة والأخلاق العالية ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم تتكون العلاقة العميقة والرابطة الأخوية المتينة مما يسهل جذبهم وارتباطهم وجعلهم قاعدة واسعة للحزب لأن الحزب الشيوعي لا يقاس بعدد أعضائه وإنما بسعة جماهيره وقد أكد عليها مؤسس الحزب الشيوعي العراقي الرفيق الخالد (فهد) حينما قال : (هل يستطيع الإنسان أن يعيش بدون رئة فأجاب بكلا .. فقال : إن رئة الحزب الشيوعي هم الجماهير) من هذا يتبين أهمية قاعدة الحزب ليس باعتبارها حلقة الوصل بين جماهير الشعب والحزب وإنما القاعدة التي من خلالها يستطيع الحزب نشر سياسته وتثقيف الشعب بها كما إن الحزب الشيوعي يستند في سياسته وصموده وديمومته على أربعة ركائز فولاذيـة 1) النظرية الماركسية – اللينينية التي يستـرشـد بـها 2) النظام الداخلي وقوة ومتانة التنظيم 3) الوعي الفكري الخلاق والثقافة الواسعـة 4) العلاقة الحميمة بجماهير الشعب الواسعة من خلال هذه النبذة المختصرة عن الحزب الشيوعي ونظريته العلمية الخلاقة ومن أجل الدخول إلى الموضوع والوصول إلى الغاية والهدف لا بد من إلقاء نظرة فاحصة عن الواقع الطبقي في المجتمع هنالك تفاوت طبقي في المجتمع من حيث الأمية والجهل والمرض والجوع والحرمان والاغتراب وجميع المآسي والآلام جميع هذه المفردات هي من حصة الطبقة العاملة والفقراء والمعوزين والمسحوقين والمحرومين والمضطهدين بامتياز فالشعور والإحساس بهذه المفردات تنشأ وتنمو مع تلك الطبقة منذ الفطرة ولذلك فان هذا الشعور والإحساس بالحرمان والعوز يخلق لديها الروح الثورية والعناد والإصرار والتصميم إلى نهاية الطريق الذي يؤدي إلى تغيير الواقع المؤلم والمزري لحياتهم بينما الطبقات الأخرى من الحرفيين البورجوازية الصغيرة إلى البورجوازية الكبيرة من ملاكين أراضي أو عقارات أو مصانع أو تجارة وغيرها يعيشون برفاه ونعيم في بيوت وقصور ويستطيع أبناؤهم مواصلة دراستهم وعلمهم أو يصبحون كأولياء أمورهم والذي لم يحالفه الحظ في كل هذه الأمور فانه يعيش على ما يخلقه ويورثه ولي أمره من أملاك وثروة مثل هكذا إنسان إذا تألم لحاله من وضع إنساني مؤلم فلا ينغرز ذلك الألم في داخله ويحرك جوارحه ومداركه العقلية والإنسانية بحيث تصبح حاله تتفاعل مع شعوره وإنسانيته ومداركه فينخرط في غمرة النضال والإصرار والتصميم من أجل القضاء وتغيير ذلك الواقع الطبقي الذي خلق تلك الظاهرة ولكن توجد لكل قاعدة شواذ فنلاحظ بعض أبناء وشخصيات من هذه الطبقات نبذوا طبقتهم ورفاهيتهم وانخرطوا في غمرة النضال في صفوف المظلومين والمعذبين والمحرومين ودخلوا السجون وتسلقوا أعواد المشانق، إن هذه الصفوف من الرجال المناضلين الشجعان انغرزت وتشيعت أفكارهم وعقولهم حتى النخاع بالتفاني والإخلاص ونكران الذات وأصبحوا مدركين بشكل مفرط نتيجة الوعي الفكري الخلاق والمعرفة الواسعة والثقافة العميقة مما جعلهم يمتازون بالسمو الأخلاقي والنبل الملائكي وأصبحوا يترجمون ويعبرون عن انفعالاتهم الإنسانية بصرخات بمستوى أكبر من حجم الآلام التي تنطلق من الجروح النازفة فتدخل إلى أعماق الجماهير المسحوقة وتتفاعل معهم في خلق الإرادة والتصميم كما يقول الأديب الألماني (غوته) : (لا شيء يجعلنا عظماء مثل ألم عظيم) وكما أوضحت بأن لكل قاعدة لها شواذ ولذلك ليس جميع أبناء الطبقات ألبورجوازيه الذين انخرطوا في النضال بصفوف الحزب الشيوعي هم من نوع واحد وسلوك وطابع ثابت لأنه لا يوجد إنسان في الوجود يشبه إنسان آخر من حيث البيئة والتكوين النفسي والقيم الروحية ولذلك فأن البعض من هؤلاء بقيت الجذور الطبقية نائمة في العقل الباطني وحينما تفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الاشتراكي استيقظت تلك الجذور من غفوتها وسباتها وإن هؤلاء هم الذين كانوا قادة الأحزاب الشيوعية بالرغم من أن الأحزاب الشيوعية هي الطليعة الواعية للطبقة العاملة ولكن حينما نستعرض الأحزاب الشيوعية لم نجد إلا نادرا أحد العمال يشغل مركز قيادي في الحزب الشيوعي وإذا وجد هذا الشخص فأنه بعد أن يصبح في مركز القيادة (نزع بدلة العمل وارتدى البدلة الأوربية والرباط وأصبح يعيش حياة بورجوازية) وهذا ما لمسناه من نهج يستوحي هذا التوجه والسلوك على الصعيد العملي.
وقد أشار الدكتور مصطفى التواني في موضوعه الموسوم (ماذا يبقى من الماركسية اليوم وغدا) المنشور في كتاب (الفكر العربي وتحولات العصر (رؤى وأفكار من وجهات نظر ماركسية مختلفة)) وهو عبارة عن كتاب محاورة بين المفكر كريم مروة والأستاذ عبد الإله بلقزيز وقد ساهم في النقاش مجموعة من المفكرين حول تفكك المعسكر الاشتراكي والحلول والمعالجات والأسباب وكان الدكتور مصطفى التواني أحد المشاركين في الحوار وقد أشار إلى المفكرين لوكاتش وغرامشي حينما ركزا على أهمية العناصر المنتمية إلى البنية الفوقية وبروزها في بعض المراحل التاريخية بحيث اكتسبت قوة مادية لا تقل بل قد تتجاوز قوة العناصر المنتمية إلى البنية التحتية ذاتها التي يمكن أن تتوارى إلى الظل وتتأثر هي نفسها بقوة تلك العناصر المنتمية إلى الموروث الثقافي بكل مكوناتها. ولو تمت المعالجة والعناية بمثل هذه الإضافات الأساسية في الفكر الماركسي ما فاجأت الحروب الدينية والطائفية والعرقية والقبلية واللغوية الماركسيين الرسميين والسلطة السوفيتية عندما أطلت عليها هذه العناصر من عباءة (المجتمعات الاشتراكية) ذات السبعين سنة من العمر.
إن البناء الفوقي يتكون من المفاهيم السياسية والحقوقية والدينية والجمالية والفلسفية وغيرها مع ما يطابقها من أوضاع ومؤسسات (ان لوكاتش وغرامشي) يحذران من العناصر المنتمية إلى هذه البنية الفوقية لأنها برزت في بعض المراحل التاريخية واكتسبت قوة مادية بل قد تتجاوز قوة العناصر المنتمية إلى البنية التحتية ذاتها أما البنية التحتية فهي القاعدة الاقتصادية التي يقول الفكر الماركسي عنها (تثبت التاريخ) إن أفكار الناس والطبقات ومفاهيمهم تتحول تحت تأثير ظروف القاعدة الاقتصادية وإن لكل عصر مواد أولية هي المواد الفكرية التي نقلتها إليها الأجيال السالفة وفي ذلك نقطة انطلاقها حيث إن مفكري الطبقات المسيطرة على البنية الفوقية عندما يستنبطون نظريات وأفكار سياسية وحقوقية ونظما فلسفية يستخدمون المواد التي تكدست في عقولهم عن أسلافهم في هذه الميادين وسوف ينطلقون عن وعي أم دون وعي سواء بشكل سافر أم مستتر من مصالحهم الطبقية التي هي في نهاية المطاف المصالح الاقتصادية ومن خلال ذلك نظهر أولوية العلاقات الاقتصادية على العقل.
ويرى المفكر الشيوعي الأستاذ كريم مروة (إن الخلل موجود في كل من النظرية والممارسة وهذا الخلل ناتج عن عدم تجديدها وتطويرها وعدم ملامستها لتكون مطابقة للواقع القائم في كل بلد وعلى الصعيد الكوني. أما الخلل في الممارسة أي في التجربة فينتج عن عدم فهم النظرية أو عدم مراعاة الشروط التاريخية في البلدان التي تصدت لتجربة بناء الاشتراكية) هذه المقولة لمفكر شيوعي مثل كريم مروة تعايش مع النظرية الماركسية وانصهر معها أكثر من نصف قرن لم يكن حديثا عابرا وإنما جاء منسجما مع المرحلة الجديدة التي ظهرت مع تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الاشتراكي نتيجة للطبيعة الطبقية لقادة الأحزاب الشيوعية فقدوا الثقة والمصداقية بالنظرية الماركسية وتخلوا عنها ليس بعد سقوطها وإنما منذ دخول البلدان الشرقية والاتحاد السوفيتي المرحلة الاشتراكية بعد انجاز مرحلة الديمقراطية الشعبية، فجذورهم البورجوازية والروح البيروقراطية والنزعة الأنانية والفردية التي يمتازون بها أصبحت حجر عثرة في مسيرة وتطور النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العبور السليم والصائب نحو الاشتراكية، إن الإنسان الذي ينشأ ويترعرع في بيئة بورجوازية ليس من المعقول أن ينقي قلبه ونفسه من الجذور التي نشأ وترعرع في وسطها والقيم الاجتماعية التي ترعرعت في عقله الباطني ويصبح ملاكا شيوعيا مجرد أن يقرأ المادية التاريخية والديالكتيك الشيوعي وكتاب رأس المال ولذلك إن مقولة المفكر الشيوعي كريم مروة جاءت منسجمة مع مرحلة انهيار المعسكر الاشتراكي وجاءت منسجمة مع أفكار وتطلعات الأكثرية المطلقة من قادة الأحزاب الشيوعية مع الأفكار الجديدة التي يبشر بها النظام العالمي الجديد.
يقول الأستاذ أمين الحافظ المفكر السوري في كتاب (الماركسية والماركسيون في عصرنا) (تؤكد وقائع الحياة المعاصرة إن قوة العمل التي كان يقدمها البروليتاريا الصناعي وتلك التي يقدمها شغيلة الفكر بأجر إلى الرأسمالية ما زالت هي نفسها وهي البضاعة الوحيدة التي يقدمها العامل المأجور للرأسمالي مقابل أجر محدد لتلبية حاجاته، والعامل المأجور سواء كان صناعيا أو مصمما للرقائق الالكترونية فأن في أجره لا يوجد فائض قيمة (ربح) ليتحول بعمليات متكررة لدوره (تعد – بضاعة – نقد) إلى تراكم رأسمالي، بينما يصبح الإنتاج بالنسبة للرأسمالي ودور فائض القيمة فيه مصدرا أساسيا لإعادة إنتاج فائض القيمة من خلال تحويل قوة العمل إلى سلع ثم إلى قيمة نقدية. إن المسالة تطرح وكأن الماركسية تنكر دور العلم في تحسين الإنتاج ورفع الإنتاجية .. فما الغاية من طرح هذا التساؤل حول أهمية فائض القيمة الذي يحققه العمل الفكري الذي تتعامل معه شغيلة الفكر بأجر لصالح الرأسمالي؟ ... إن مجرد وجود أجر محدد أو نسبي يتلقاه العامل أو المصمم من صاحب وسائل الإنتاج لا يلغي طرف المعادلة المتناقضين تاريخيا، كادحين وبورجوازية مهما صارت الشعارات إنسانية تحمل نزعة دينية أو قومية أو أخوية أحيانا، فأن فكرة إن شغيلة الفكر بأجر صاروا خارج عملية الصراع الطبقي وتسقط لدى أولى محاولات إلغاء الطابع الاجتماعي للعمل).
لقد طرح (مارتوف وكاوتسكي) مثل هذه الأفكار حول الدور المرتقب للمثقفين ومشاركتهم في صنع المجتمع الديمقراطي الحر بالتعاون مع البورجوازية، وإن هذه (الطبقة الجديدة) هي مهذبة وعقلانية ولا تؤمن بالعنف والصراع الطبقي وستحل محل الطبقة العاملة تدريجيا نتيجة التطور التقني الهائل وهي طبقية ذات خصائص محددة وترفض الانصهار والاندماج في حركة البروليتاريا الصناعية ولا تنخرط في النقابات العمالية وتغض النظر عن جوهر الطابع الاجتماعي للعمل مقابل الأجور المرتفعة وهي فئة متزاحمة مع المديرين والخبراء الذين تسخرهم الرأسمالية لزيادة تراكم رأس المال.
(إن ضعف وجود العمال والفلاحين في قيادة الحزب الشيوعي الأمر الذي أدى إلى وصول عناصر من طبقات وفئات اجتماعية ذات انحدار وجذور طبقية بورجوازية إلى قمة الهرم الحزبي مما عزز دور المثقفين وشغيلة الفكر الذي يعمل بأجور ولا يخضع لعملية فائض القيمة التي يستغل فيها الرأسمالي الطبقة العاملة التي يرتبط عملها وإنتاجها بالإله.
إن المثقفين وشغيلة الفكر تعتبر الطبقة الجديدة البديلة التي أنتجتها الرأسمالية لأن جذورها البورجوازية تجعلها تلتقي بالنسب والقرابة مع الرأسمالية وهذه الفئة الاجتماعية الجديدة تأمل بالتعاون مع البورجوازية من خلال الديمقراطية الليبرالية وصنع الحلم المشترك في التغيير والتجديد دون صراع طبقي أو التغلغل والانصهار مع جماهير الشعب وتحريضها بطرح شعارات مطلبيه تعبر عن آلامها ومآسيها وجهلها وأميتها ومرضها وجوعها وكذلك ليس لها طموح أو رغبة بالسلطة حتى تترجم ما كانت تطرحه من أماني وطموحات تحقق أحلام الجماهير المسحوقة والمظلومة كما يفرض عليها وضعها وظروفها الجديدة أن تجلس في صالونات وصومعة بعيدا عن الفوضى السياسية ومشاكلها المتعبة وهي بعيدة جدا عن المحاصصة في كعكة الثورة التي تخلقها وتنفذها الطبقة العاملة. لقد تضخم هذا الحلم الطوباوي لدى بعض المثقفين ووجد انعكاساته لدى بعض القادة في الأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية وامتد إخطبوطه إلى البلدان الفقيرة، وقد شجعت هذه الظاهرة بعض الباحثين والمفكرين بتشجيع مباشر أو غير مباشر من صناع القرار ومفكري إيديولوجية العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة التي رسمت التغيير والتجديد فأرست فلسفة الديمقراطية الليبرالية كفكر موضوعي وواقعي ينسجم مع العالم الجديد.
إن القانون المتداول لحركة التغيير في التاريخ يقضي بضرورة الانسجام والتجانس في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي .. إن هذا القانون العلمي يفرض قاعدة معينة تشمل نخبة محددة منسجمة ومتجانسة من حيث المستوى ألمعاشي وطبيعة حياتها الاجتماعية ووعيها السياسي ومستواها الثقافي .. إن هذه الظاهرة غير موجودة في الحزب الشيوعي بالنظر للتشكيلة الطبقية التي تتألف منها قيادة الحزب الشيوعي ولذلك إن الاختلاف الطبقي يخلق التناقض الطبقي من حيث المفاهيم والثقافة والوعي الفكري وضعف الإيديولوجية وإن ضعف هذه المستلزمات في الحزب تؤدي إلى خلل في العلاقات الحزبية بين الأعضاء كما يؤدي إلى عدم التجانس الاجتماعي وإلى إيجاد افتعال المشاكل والصراعات نتيجة الاختلاف في الأمزجة والنزوات والعواطف والآمال والأفكار بين الأفراد المنحدرين من طبقات مختلفة مما يؤدي إلى ضعف الروابط الإيديولوجية ويعزز الأنانية وحب الذات وينمي المصلحة الخاصة والتكتل حسب الطبيعة الطبقية والقومية والطائفية مما يؤدي إلى خلق التكتلات والتجمع والحماية تحت خيمة الأشخاص ذوي النفوذ الواسع وهذه الظاهرة أفرزت الانشقاقات والانحرافات في صفوف الأحزاب الشيوعية.
يقول الأستاذ فهد الفاتك في (المستقبل العربي) (العدد 8 سنة 1991) بعد انهيار المعسكر الاشتراكي يمكن القول إن التيار الماركسي سيتراجع ليصبح نوعا من الترف العقلي والفكري وليس تيارا سياسيا ... النشيطون فيه سيتحولون إلى التيار القومي (اليساري) وآخرون إلى فئات أخرى تنسجم مع انحداراتهم الطبقية.
إن الطبقة العاملة في العراق إذا استثنينا مناطق إنتاج النفط ومؤسسة السكك الحديدية فأنها ضعيفة وقد تكون معدومة ما عدا عمال البناء والورشات الأخرى الذين يعملون بأجر يومي وفي أوقات مختلفة فأصبحت الطبقة العاملة لا تمتاز بالقوة من حيث التنظيم ولا العدد بحيث تتمكن من تشكيل أحزاب تمثلها كما أن الدولة في كثير من الأحيان وحزبها السياسي يستحوذ ويحتكر النشاط النقابي للعمال وتسييسها مما أدى إلى ضعف الوعي الطبقي والاجتماعي للعمال والفلاحين كما إن هذه الطبقة نتيجة الفقر والعوز ينتشر بينها الجهل والأمية والمرض مما يجعلهم يفقدون حتى معرفة القراءة والكتابة مما أدى إلى ضعف وفقدان تواجدهم في المراكز القيادية للأحزاب الشيوعية الأمر الذي أدى إلى صعود ووصول أشخاص من طبقات وفئات اجتماعية أخرى إلى قمة الهرم الحزبي.
في هذه الحالة يجب أن تغير الأحزاب الشيوعية اسمها وترفع عن مقراتها الراية الحمراء الذي رفعها لينين العظيم في ثورة أكتوبر العظمى لأن الأحزاب الشيوعية هي الطليعة الواعية للطبقة العاملة وهي التي تقود الصراع الطبقي والنضال ضد الطبقات الأخرى حتى تسود طبقتها وينتهي النزاع والصراع الطبقي فتحول الماكنة الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم الشيوعية فأصبح الحزب الشيوعي الذي أسسه لينين في مؤتمر الحزب عام / 1918 الذي ينبثق اسمه من قاعدة الشيوعية بينما الأحزاب التي تطلق على نفسها (الشيوعي) لا تقودها طبقة عاملة ولا تسترشد بالفكر الماركسي الخلاق كما إن الراية الحمراء التي رفعها لينين في ثورة أكتوبر العظمى والتي من خلالها أصبحت سلطة الدولة السوفيتية تستمد سلطتها وضبطها من (دكتاتورية البروليتاريا) بينما أصبحت في العصر الليبرالي مرفوضة وموقع ذم وانتقاد واعتبرت واحدة من أخطاء لينين التي تسللت إلى السلطة السوفيتية وأدت بالتالي إلى انهيار النظام الاشتراكي.
إن التاريخ سلسلة من التناقضات والصراع والنزاع وفي كل مرحلة من مراحله تظهر تغييرات وتحولات متناقضة مع أفكار المرحلة السابقة تفرضها الشروط التاريخية الجديدة ومن خلال كل مرحلة تبرز وتظهر أفكار جديدة تتناسق وتنسجم مع الواقع الجديد، وفي عصرنا الحاضر برزت فلسفة (الديمقراطية الليبرالية) كإيديولوجية للعولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة وقد عمل الرأس مال العالمي على تكريس مفاهيمها لتصبح سيدة الموقف في العالم اجمع بعد مساهمتها الفعالة في انهيار نقيضها الإيديولوجي (النظام الاشتراكي) ومع ذلك ما زالت تمعن في التغلغل إلى الأذهان المتأثرة بزخرفة هذه المفاهيم التي تبطن بخبث للسيطرة واختراق عقولنا المشلولة العاجزة عن التمييز بين الخطأ والصواب ولكثرة تردها وتكرارها في الندوات والمحافل الدولية معتمدة على تمويلات عالمية تهدف إلى فبركة مفاهيم جديدة بعد التطور السريع والهائل لوسائل الاتصال والثورة المعلوماتية والتقدم العلمي التكنولوجي فانعكس ذلك على فريق واسع من المثقفين دعاة التغيير والتجديد بدعوى مواكبة التطور والتقدم في النظام العالمي الجديد وصهر الفلسفة الجديدة بالنظرية الماركسية لكي تنسجم وتواكب التطور والتقدم نحو التغيير والتجديد وقد شهدت الحركة الشيوعية خلافات عديدة نشأت في مقطعها بسبب قوة وتأثير القيادات الشيوعية المنحدرة من طبقات بورجوازية ولم يتجذر في أعماقها الفكر الماركسي الخلاق ولذلك فأن هذه العناصر اصطدمت بمهمة كبرى حينما اختارت خارطة جديدة وخاضت تجربة جديدة لم تعرف مسالكها وطرقها مما أدى بها في النهاية الاصطفاف مع الطابور الذي يؤيد المسار الرأسمالي باعتباره يطور القوى المنتجة سلميا فكان من نتائج ذلك أن وجه التاريخ لهم أقسى نقد حينما تخلوا وانحرفوا عن مفهوم التقدم الاجتماعي وقد أفرز ذلك السلوك أيضا إلى الاجتهاد بطرح النظريات الوسطية البديلة التي تروج لها مراكز البحوث العلمية والمعرفية وأوساط العلماء والمفكرين ورجال الإعلام من الذين جندتهم العولمة المتوحشة والخصخصة المتعجرفة في نشر دعوتها الجديدة نحو التجديد والتغيير وأصبحت تغذي هذه القيادات الجديدة بالاجتهادات والتحليلات التي تتناسب مع ظروف الواقع الموضوعي فتحشد لها أدوات فكرية وإيديولوجية من خارج الفكر الماركسي الخلاق وغالبا ما تأتي من التراث الوطني والقومي والديني والنفخ فيه وحقنه بفيتامينات إنسانية وديمقراطية وتقدمية ثم طرحها كخرقة أفكار بديلة عن النظرية الماركسية اللينينية وهذه الأفكار والاجتهادات تمهد الطريق لمصالحة تاريخية نتيجة تراجع وضمور الحركة الشيوعية العالمية أمام الرأسمالية ممثلة بفلسفتها (الديمقراطية الليبرالية).
إن طبيعة الرأسمال العالمي (المعولم) وسعيه لرفع الإنتاج عن طريق دفع القوى المنتجة بالشكل الذي يؤدي إلى إنتاج فائض القيمة وإلى المزيد من تراكم رأس المال وإن هذه الصفة التي تحملها الرأسمالية لا يمكن غض النظر عن نزعتها الاستغلالية وتسريع بناء الرأسمالية بالشكل الذي يعطي صورة مشوهة عن إنسانيتها وتطوير القوى المنتجة فهي أثناء نزعتها في عملية تطوير وسائل الإنتاج وتحسينها هو من أجل إنتاج أكبر كمية من السلع والحاجيات ذات النوعية التي تستطيع بها منافسة المنتجات الأخرى والاستحواذ على أكبر كمية من فائض القيمة وهي بالرغم من دعمها لمشاريع الرعاية الاجتماعية وصندوق تقاعد ورعاية الطبقة العاملة والمشاركة في مشاريع التربية والتعليم والصحة وغيرها فأنها لا يمكن أن تسير بمشروعها العلمي والتنويري حتى نهايته فهي لا تستطيع أن تنزع طابعها الاستغلالي والسعي الحثيث وراء الربح وحبها واستماتتها من أجل تراكم رأس المال لأن الرأسمالية في مشاريعها الإنسانية تندفع في مجالات متعددة لا تستطيع أن تحدث ثغرة في مستوى التناقضات لأنها تنظر وتفصل وتتعامل مع كل عنصر بشكل مستقل بعيدا عن العناصر الأخرى فهي وسيلة من وسائل خداع الرأسمالية ولذلك لا تستطيع التأثر في مستوى التناقضات ولكن في الوقت نفسه يبرز نقيضها وعدوها الفكر الماركسي من خلال جدليته الذي يعتمد أصلا على الربط الجدلي بين كل العناصر المؤثرة والمرتبطة بالنظام الرأسمالي وجعلها في النهاية أداة للمعرفة والممارسة الجماهيرية إلا أن سلوك الطبقة الرأسمالية وخداعها ترك أثره ومصداقيته لدى بعض قيادات الأحزاب ذات الانحدارات البورجوازية التي كانت متأثرة بهذا الشكل أو بآخر نتيجة ضعف الوعي الفكري وعدم استيعاب النظرية الماركسية أو تحرك الجذور البورجوازية وتحفيزها بعد أن كانت نائمة في العقول الباطنية أو من خلال تأثير عناصر قومية ودينية وإقليمية بتجاوز الصراع الطبقي وتجميده بعد تفكك وانهيار المعسكر الاشتراكي واستبداله بالديمقراطية الليبرالية والسير في التطور الرأسمالي ومحاولة الالتفاف على نظرية الصراع الطبقي وإحلال نظرية التآخي والسلم الاجتماعي بأساليب ليبرالية تؤدي إلى غياب النظرية الماركسية كمنهج وفلسفة للتغيير فتضيع وتختفي بوصلة ومصدر الوعي الفكري الخلاق ويغيب المنهج المادي التاريخي. يحاول الرأس مال العالمي (المعولم) عن طريق فلسفته (الديمقراطية الليبرالية) التأثير وجذب فئة المثقفين وشغيلة الفكر باعتبارهم العناصر التي تصنع الوعي الاجتماعي ولما كانت النظرية الماركسية ترى إن مصالح المثقفين وشغيلة الفكر تتفق مع مصالح الفئات المسحوقة والمستغلة والمضطهدة والمحرومة، فقد لجأت العولمة إلى إيجاد ملامح ومواصفات عناصر جديدة لها سمات ومميزات تلك الفئات المحرومة والمضطهدة وتكون بديلة عنهم وتتعاون وتسير في خط (الديمقراطية الليبرالية) وتتبوأ مركزهم وتستطيع تدمير وتشرذم حركة المحرومين والمسحوقين والكادحين وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات التي تتخذ من الفكر الماركسي مرشدا ونبراسا لها وبالرغم من أن العولمة لا تتحرك ضد الإيديولوجيا والاقتصاد الاجتماعي وإنما تتوجه نحو المثقفين وشغيلة الفكر والقيادات السياسية ذات الجذور البورجوازية من الذين لم يترسخ الفكر الماركسي في أعماقهم الإنسانية ويصبح عقيدة ومبدأ جبروت لا تزعزعه المصالح الطبقية. إن هذه الفئات تستفيد منهم العولمة في توجيه الثقافة والوعي الاجتماعي وتعزيز التعاون بين المجتمع والعولمة في إطار فلسفة (الديمقراطية الليبرالية) وتوجيه فن الإدارة والصراع لصالح أفكار العولمة التي تخلق وتفرز أفكار تمتاز بالفتور والتنافس بين فئات المثقفين وشغيلة الفكر والعناصر والقوى التي تناضل ضد العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة كما تستعين بالمثقفين والمنظرين المجندين في مؤسساتها في خلق أجواء اجتماعية وبيئية خاصة، ذات نزعات تنفر من التضامن وتضع العوائق والمطبات لقطع منابع الفكر التقدمي والنضال الإيديولوجي وتجعل من المثقفين المرتبطين مع مؤسساتها الثقافية مفكرين ومنظرين للاشتراكية المشوهة والأفكار المزورة والمنحرفة للنظرية الماركسية بحيث تصنف كل المعاني والقيم الإنسانية (عدل ومساواة وعطف وتعاون) في خانة الطوباويات باعتبارها تحمل بذور فشلها في داخلها وتستبدل بمفاهيم ومقولات اقتصادية السوق (عرض وطلب) باسم العملية الواقعية التي كادت أن (تتأله) لكثرة تردادها وتكرارها على ألسنة المستفيدين من المثقفين دعاة الديمقراطية والتغيير نحو الأفضل، أولئك الذين دفعتهم أنانيتهم ومصالحهم الشخصية وفشلهم وهروبهم وألقوا بالملامة والخلل على النظرية الماركسية، هؤلاء المطبلون لا يجمعهم فكر ولا عامل اقتصادي واجتماعي واحد وغياب السياسة والإيديولوجيا عن عقولهم الخاوية هو الذي دفعهم إلى هذا السلوك المنحرف عن ماضيهم وتاريخهم ونضالهم الذي كان يعول عليهم بالإرادة والصمود والإصرار في قيادة جماهير الشعب المحرومة والمسحوقة التائه والضائعة وسط مستنقع الأمية والمرض والجهل والبطالة والجوع والأزمات المختلفة، وإلا ما معنى هذا الصمت القاتل والسبات العميق من قبل المفكرين والمنظرين الذي يعكس اليأس والإحباط والهروب من ظاهرة البحث والاستدلال عن صيغة تتناسق وتتوافق مع الظروف الموضوعية العراقية أليس من الممكن دراسة الظواهر التي تسبب الجوع والحرمان والعوز والبطالة والأزمات وتحويلها إلى شعارات مطلبيه تحفز جماهير الشعب على المطالبة بها وخوض النضال من أجلها؟ عوضا عن الاندفاع وراء الشعارات البراقة والآمال الضائعة التي تجعل من العولمة وفلسفتها (الديمقراطية الليبرالية) هي الأمل والرجاء في إنقاذ شعبنا وبناء مستقبله المشرق السعيد.



نبذة مختصرة عن (الانتلجسيا)

إن الفكر الماركسي يُعرِّف الفئات المثقفة بـ (الانتلجسيا) وهم الجماعة الاجتماعية التي تشمل الناس الذين يمتهنون العمل الذهني (المعقد على الأغلب) وقد مهد لظهور (الانتلجسيا) تقسيم العمل وخاصة انفصال العمل الذهني عن العمل الجسدي في المشاعية البدائية حيث قسم العمل بين الشباب الأقوياء في عمليات الجهد العضلي كالصيد والقنص وبين الشيوخ وكبار السن حيث عهد إليهم الإشراف والتوجيه وقد برز العمل الذهني في المجتمعين العبودي والإقطاعي حيث كان حكرا على الفئات الاستغلالية ولم تكن قد تمايزت بعد في إطار الطبقات السائدة وهذه الشريحة الاجتماعية برفدها عناصر منحدرة من مختلف الطبقات الاجتماعية، وفي النظام الرأسمالي أدت الحاجة إلى شغيلة العمل الذهني من القادرين على تلبية المتطلبات البورجوازية سواء منها الإنتاجية والاجتماعية وفي عصر الرأسمالية ما قبل الاحتكارية كان للمثقفين وضع متميز بالمقارنة مع باقي الطبقات الاجتماعية من الفئات الكادحة حيث كان نمط الحياة وطابع العمل يساعدان على تشكيل الرؤية البورجوازية لدى الفئات المثقفة، ولم يتخلص من محدودية الإيديولوجية البورجوازية إلا أفراد قليلون من المثقفين الذين انتقلوا إلى المواقع الفكرية للطبقة العاملة، وفي مرحلة الامبريالية ازداد أعداد المثقفين زيادة حادة وخاصة في ميدان الإنتاج والإدارة، وقد غدت المهن التي تتطلب العمل الذهني أكثر فأكثر شيوعا وصارت صفوف المثقفين لا ترفد من قبل أفراد الطبقة البورجوازية فحسب بل الفئات المتوسطة أيضا حتى الكادحة جزئيا ومع مرور الزمن أصبح بشكل متزايد انتقال أقسام من المثقفين إلى العمل بالأجر مما أدى إلى تعزيز تبعية المثقفين للرأسمال الاحتكاري الذي يكبل قواها الإبداعية ويكبح جماح مبادراتها الخلاقة وأصبحت قوة العمل التي يقدمها البروليتاري وتلك التي يقدمها شغيلة الفكر (المثقف) بأجر لصالح الرأسمالي تشكل طرفي المعادلة المتناقضتين تاريخيا بين الطبقات المستغِلة والطبقات المستغـَلة وبذلك أصبحت شغيلة الفكر التي تعمل بأجر ضمن عملية الصراع الطبقي تنتج فائض القيمة التي تتحول إلى تراكم لرأس المال في المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الاشتراكية يكون النضال الطبقي موجها نحو التحوير الاشتراكي للمجتمع والطبقة البروليتارية التي تناضل من أجل بناء الاشتراكية تهدف إلى تصفية الملكية الخاصة واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتخوض هذا النضال في أشكال جديدة (قمع مقاومة الفئات المخلوعة والمعادية للعوامل والتغيرات الاشتراكي) ويتم اجتذاب (الانتلجسيا) شغيلة الفكر نحو البناء الاشتراكي عن طريق التربية بروح الانضباط الجديد وحينما يأتي انتصار الاشتراكية التام والنهائي ليغير جذريا طبيعة الطبقات الاجتماعية وتصبح جميع وسائل الإنتاج ملكا للشعب وعلى أرضية الملكية العامة تتطور الوحدة الاجتماعية والسياسية والفكرية لكافة طبقات المجتمع الاشتراكي وفئاته ويكف الصراع الطبقي عن كونه قانونا للتطور الاجتماعي وتصبح جميع المصالح الجذرية للطبقات الاجتماعية تطابقه مع تذليل الفوارق القائمة بين المدينة والريف وبين العمل الذهني (شغيلة الفكر) والعمل الجسدي (البروليتاريا).

المصادر (لينين – المبادرة الكبرى) ، (المعجم الفلسفي – دار التقدم موسكو).
متى تحل عقدة النظرية الماركسية – اللينينية

من أشق الأمور على المنظرين والمفكرين والشيوعيين هذا الموقف الذي يتصف بالعجز والخمول والاضطراب وهم يراوحون في مكانهم كالمياه الراكدة يقضون وقتهم في الجدل البيزنطي (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة) مما جعل طوال هذه الفترة من عام 1991 ولحد الآن الفترة التي حدث فيها الزلزال (تفكك الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية وانهيار وفشل التجربة الاشتراكية) مما أدى إلى تراكم السلبيات والانشقاقات والإحباط والهروب حسب القاعدة التي تقول (إن التأخر في انجاز الايجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات). كنا نلاحظ من خلال طروحاتهم وأفكارهم أنهم كانوا منتبهين ومتوقعين ويشعرون بهذا الخلل عند زياراتهم وإقامتهم أشهر وسنين في دول المعسكر الاشتراكي كما كانوا يؤكدون إنهم كانوا يطرحون آراءهم واجتهاداتهم خلال المؤتمرات الحزبية وغيرها، أما الآن فتجدهم عاجزين عن طرح الآراء الصائبة للنقاش والحوار التي نستطيع من خلالها تجاوز المرحلة وإعادة الحياة والعمل من أجل الماركسية الخلاقة في الوقت نفسه يتحدثون عما كانوا يطرحونه من آراء ومقترحات أمام قادة أحزاب الدول الاشتراكية لمعالجة المعضلات وإيجاد الحلول للأمور المعقدة والشائكة .. إذا كان ذلك صحيحا فلماذا تهمل تلك الأسباب والعوامل ولم تعالج بالحلول والأفكار الصائبة وإنما فقط يطرح الذم والتقصير على النظرية الماركسية ومؤسسها كارل ماركس ومطبقها على أرض الواقع العبقري الفذ لينين؟
يقول الدكتور الراحل عالم الاجتماع علي الوردي : (إن الإنسان من أجل أن يبرر تقصيره أو فشله أو هروبه ويثبت وجهة نظره الذي يعتبرها الرأي الصحيح والصائب يأتي بالأدلة العقلية والنقليه لإثبات ذلك).
والآن نستعرض بعض الأفكار التي كان يطرحها بعض المفكرين والباحثين والمنظرين من خلال بطون الكتب والمجلات :
(ماركس كان صوفي النزعة. ماركس لم ينجز جميع أعماله .. إن الفشل حدث عندما قام لينين بالقفز على المراحل ويقصدون بتجاوز المرحلة الرأسمالية وتطبيق المرحلة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا. وآخرين يعتبرون الفشل والانهيار ناتج من الخلل في النظرية لعدم تجديدها والخلل في التطبيق لعدم فهم النظرية ... وآخرين يعتبرون أنها تكونت وظهرت في القرن التاسع عشر في مرحلة الثورة الصناعية ونمت الآن في القرن الواحد والعشرين وآخرون يقولون أن النظرية الماركسية مجموعة نصوص وإن هذه النصوص تعبر عن فكرة وإن هذه الفكرة انعكاس للواقع الموضوعي في زمان ومكان معينين ولما كان الواقع الموضوعي قد تغير بين زمن وضع نصوص النظرية وما نحن عليه الآن فان ذلك أدى إلى عدم تطور وتقدم النصوص التي بقيت ثابتة بينما الواقع الموضوعي الحالي تطور كثيرا مما أدى إلى حدوث الاختلاف والتناقض بين الواقع الموضوعي ونصوص النظرية الماركسية ... وغيرها).
أنا من عشاق ومحبي النظرية الماركسية – اللينينية ومن المتابعين لكل ما ينشر عنها سلبا أو إيجابا، لم ألمس من خلال قراءتي ومتابعتي لكل ما ينشره أساتذتنا الكرام عن النظرية ما يشير أو يكشف عن الفقرات والنصوص الصائبة والمقنعة التي كانت الخلل وراء كارثة الزلزال الذي هدم ذلك الطود الشامخ نصير الجياع والفقراء والمحرومين النور الساطع والشعاع البهي الذي ينير الطريق لذوي العقول المتنورة المتطلعة نحو التقدم والتطور والحياة الحرة السعيدة للإنسان وكذلك لم يشيروا أو يطرحوا ما ينبغي تجديده أو نفيه أو إلغاؤه فبقيت الآراء والاجتهادات مبهمة وغامضة مما أدى بالكثير من الشيوعيين إلى إتباع طرق وخرائط جديدة مما دفعهم إلى الخوض في تجربة جديدة خاضعة للصحيح والخطأ فكانت مهمة كبيرة اصطدموا بها لم يسلكوا أو يعرفوا مسالكها ولم يهيئوا لها الظروف الموضوعية فوجه لهم التاريخ أقسى نقد حينما ضاعوا في متاهات تجربتهم وخريطتهم الجديدة وتركهم وانحرافهم عن طريق السوي والصحيح طريق (النظرية الماركسية اللينينية الخلاقة)، إن الديمقراطية والحرية والتجديد والتغيير ليس قميصا جاهزا نلبسه، ولا هو سكر نضعه مع الشاي فنشربه فنصبح ديمقراطيين ومن دعاة الحرية والتجديد والتغيير وإنما هي ممارسة وسلوك ومنهج ودراسة وبحث وتحليل وتجربة.
إنني أشعر بأني أحد تلاميذ هؤلاء المفكرين والمنظرين وأستميح منهم العذر على طرحي الملاحظات التي ذكرتها ومع ذلك فاني أشعر وأدرك بأني إنسان أمتلك العقل الثاقب الذي استطيع به التمييز بين الصحيح والخطأ وأمتلك العين التي أنظر وأقرأ بها وأمتلك الأذن التي أسمع من خلالها وغيرها من الحواس التي تعتبر الوسيلة الوحيدة التي يملكها الإنسان للمعرفة، فهي التي تقدم لنا المعطيات الأولية عن تلك الحقائق والأشياء التي تصبح في أفكارنا على شكل صور بواسطتها نبني أو نهدم، ونعتبر هذه الحقائق والأشياء من الأحاسيس التي تدخل عن طريق الحواس وتحتفظ بها الذاكرة وتشكلها مخيلة الإنسان ومن ثم تقوم المخيلة بترتيب الأحاسيس، وبمجموع هذه الترتيبات يتصرف ويتعامل الإنسان مع الحقائق والوجود والناس في المجتمع ولذلك فان تفكير الإنسان وأفعاله وأعماله في الوجود تتأثر بالميول والطريقة التي توحي بها حواسنا بحيث نستنتج ونستنبط هذا الفهم من خلال وعينا وإدراكنا وفكرنا الذي يكون مصدره العقل الإنساني من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية وتأثيراتها في سلوكنا وتصرفاتنا في المجتمع، من هذا يتبين لنا إن النصوص لا يمكن أن تكون وحدها العامل المؤثر على فكر الإنسان التي يعتبرها البعض هي انعكاس للواقع الموضوعي وإنما حواس الإنسان وحاجاته ورغباته وتأثيراتها بالعوامل الحضارية والتقدم والتطور الذي يحدث في العالم لها تأثير أيضا على الفكر وعلى تقدم المجتمع وتطوره وتجديده وتغييره.
اعتمد ماركس في نظريته على المذهب العقلي والكشفي معا واستطاع أن يرتقي بنفسه من المحسوس إلى المعقول ومن المعقول إلى الكشف بواسطة العقل لذلك تعتبر النظرية الماركسية مبنية على المنطق والعقل وتقوم على المعرفة بالحواس التي تتألف وتتركب ويستنتج منها نتائج علمية موضوعية، كما إنها انطلقت من فكر حديث وناضج ومعرفة علمية تقوم على أحدث وأرقى معارف الإنسان في البحث والتحليل والاستدلال العلمي في شتى ميادين الحياة الإنسانية وهي بذلك تقف على رأس كل العلوم وتعتبر الحارس الأمين على سلامة ما تطرحه من أفكار وفرضيات وما تتوصل إليه من استنتاجات في موضوع مسيرة التاريخ ومستقبله وحتميته التي تتمحور حول الإنسان ومن أجل الإنسان ومستقبله وتطوره التي تجسدت في مكوناتها (النظرية العلمية المادية التاريخية والنظرية العلمية الديالكتيكية والاشتراكية العلمية والطبيعية والمجتمع والفكر) فالمادية التاريخية هي تعميم للمنهج المادي على التاريخ حسب المفهوم المتداول الذي يقوم على التشكيلات المتعافية (المشاعية البدائية والعبودية والرق والنظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي) وهو يعتبر تسلسل ومسيرة وتطور التاريخ البشري أما المادية الديالكتيكية فهي تقوم على أولوية المادة على الوعي وعلى شمولية التناقض الجدلي (الهيغلي) حيث كان هيغل يعتبر الفكر نتاجا للمادة وانعكاسا لحركتها في دماغ الإنسان واعتبر الفكرة المطلقة صانعة المادة وخالقتها، أول من تصدى لهذه الفكرة المثالية هو الفيلسوف الألماني (فورباخ) الذي قال بجرأة (إن الفكر يخرج من الكائن وليس الكائن يخرج من الفكر) وكانت مادية فورباخ حلقة الانتقال من فلسفة هيغل إلى فلسفة ماركس (العقل الإنساني هو الذي ينتج المادة من خلال حركتها وانعكاسها وليس الفكرة المطلقة) وقد شرح ماركس ذلك التطور حينما كان الإنسان الأول يعيش منفردا في الغابات والأدغال ويسكن المغارات كالحيوانات ويتكلم بنبرات صوتية ثم دفعته الحاجة إلى الاشتراك مع أبناء جنسه كي يشبع رغباته وشهواته ثم دله إدراكه الفطري على إنه لن ينال ما يشبع به هذه الشهوات والرغبات إلا إذا سعى للحصول عليها فجعلت تنمو من جراء هذا الإدراك تلافيف دماغيه أكثر فأكثر حتى أصبح يمتاز عن أعلى الأنواع الحية بميزته الإدراكية التي تسمى (العقل) المدبر والخلاق الذي يستنبط الأفكار تبعا للحاجة الضرورية وهذا العقل يتطور وينمو كلما تغيرت الحاجة والظروف الموضوعية فأصبح الإنسان الذي يمتلك العقل الكائن الأعلى بين الأحياء الذي يستنبط كل فكرة سواء كانت دينية أم اجتماعية أم عقائدية كما أصبح أثمن رأس مال في الوجود باعتباره المنجز والمدبر لجميع المستلزمات المادية والمعنوية في الحياة. أما لينين فيشرح الديالكتيك في كتابه (دفاتر فلسفية) في الحركة والتناقض والتطور (الحركة : إن كل شيء في الوجود منحل ومتغير وغير ثابت بعد إزالة أعراضه إلى ثلاثة أشياء (المادة والصورة والحركة) حيث المادة تكتسب صورها المختلفة بواسطة الحركة) أما التناقض فيحدث في ماهية الأشياء نفسها مثل وحدة وصراع الأضداد وقانون نفي النفي وكذلك التطور الذي هو صراع المتضادات أي إن كل شيء يولد معه نقيضه وهذا ينطبق على الحياة الاجتماعية وتاريخ المجتمع باعتبار أن الحياة الاجتماعية كما هو التاريخ الاجتماعي عبارة عن حوادث مرتبطة فيما بينها ويكيف بعضها البعض الآخر بصورة متبادلة فهي خاضعة بالأساس للظروف التي ولدت هذا النظام وهذه الحركة الاجتماعية المرتبطتين بها فنظام المشاعية البدائية انحل وتفكك واندثر ليأتي بعده نظام الرق وحينما ولد ولدت معه بذرة فناءه عن طريق التطور والصراع الذي يحدث خارج إرادة الإنسان فولد النظام الإقطاعي ثم يأتي ويحل النظام الرأسمالي ثم النظام الاشتراكي ثم النظام الشيوعي وهذا يعني أن العالم يتحرك ويتطور دائما وأبدا إلى الأمام.
لقد سلك كارل ماركس مبدأ الصراع من نظرية النشوء والتحول والارتقاء (دارون) التي تقوم على الصراع بين الفصائل الحية الذي أوصل الإنسان عن طريق التطور إلى حالته الحاضرة والتي جعلته الأرفع بين الكائنات الحية فطبق ماركس هذه القاعدة الصراعية على المجموعات البشرية وفي الصراع بين الطبقات الاجتماعية بحيث ينتج عنها مجتمع ليس فيه طبقات تتصارع على اعتبار أن بيولوجيه الحياة تقوم على مبدأ صراعي .. إذن لا بد أن تقوم اجتماعية الحياة على هذا المبدأ واعتبر ماركس هذا الصراع الاجتماعي وحده بالعمل والكدح والخلق والإبداع والنفع الذي يحصل عليه الإنسان من الكدح والخلق الإبداع وهو صراع عمل وإنتاج وحركة وليس فيه جمود ولا حظوظ ولا ظروف خارجة عن إرادة الإنسان وكفاحه والذي تكون النتيجة الانتصار في هذا الصراع هو للشغيل الكادح ولا فرق أن يكون عمله عقليا أم يدويا وليس للإنسان الخامل والمستسلم والمعتمد على الظرف والحظ دونما مشقة أو تعب الشغيل الكادح الذي يطمح ويتطلع إلى بناء المجتمع الحر السعيد والمستقبل الأفضل.
مجتمع خال من الاستغلال والظلم والحرمان يقوم على العدالة الاجتماعية ليس فيه طبقات محظوظة ومترفة وطبقات معدمة ومحرومة، مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية كل إنسان فيه يحصل ويعيش فيه على ما يستحقه عمله وجهده (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) وليس على قدر ما يحصله ويجنيه من ثروته التي انتزعها بدون تعب من جهود وعمل الآخرين، أو على ما قدر ما تستنبطه الطبقة المترفة المحظوظة من احتيال على القوانين يمليها عليها جشعها وسطوتها وأنانيتها على التحكم والسيطرة.
أما الركن الثالث في النظرية الماركسية حول علم الاقتصاد والاقتصاد السياسي الذي يتركز فيه حول الناحية الاقتصادية والمعيشية في حياة الإنسان وإذا نظرنا إلى الاقتصاد الاشتراكي فانه يتمحور حول إشباع جميع الرغبات التي هي مجموعة حواس الإنسان التي تعتبر هي الحياة، فالإنسان في النظام الاشتراكي تحت مسؤولية ورعاية النظام والدولة منذ أن ترميه أمه من رحمها حتى شيخوخته ورحيله من الدنيا حينما يركب راحلته في رحلته الأخيرة إلى القبر، فالدولة في النظام الاشتراكي هي دولة الشعب فهي تجسد وتترجم المبادئ الاشتراكية الإنسانية والعدالة الاجتماعية لجميع أبناء الشعب (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله) وهي بذلك تضمن للإنسان من دور الحضانة للأطفال ومؤسسات الروضة ورياض الأطفال والمدارس بجميع مراحلها ومختلف اختصاصاتها وكذلك المعاهد والجامعات وعند التخرج أو إنهاء دراساته العليا، فيعمل حسب اختصاصه وعلمه في أحد المؤسسات التابعة للدولة وحينما يرغب في الزواج ويلتقي بشريكة حياته يتقدم بطلب إلى الدولة فتوفر له شقة مؤثثة متوفرة فيها جميع الخدمات ولوازم المعيشة والاستقرار والراحة والدولة في النظام الاشتراكي توفر للمواطن الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ورعاية العجزة والمسنين وراحتهم واستقرارهم واطمئنانهم، فلا يوجد إنسان يمد يده بطلب المساعدة والعون من الآخرين نتيجة العوز والفاقة والحاجة والفقر ولا يوجد إنسان ترميه الشيخوخة على قارعة الطريق فيعيش وحيدا فريدا ليس له ولد يرعاه ولا أخ يعطف عليه فيتمنى الموت لكي يخلصه من معاناته والموت بعيد عنه لا يستجيب لدعوته ولا يرحم معاناته وغربته.
بعد تفكك دول المعسكر الاشتراكي ويقظة الشعوب وإدراكها ومقارنتها بين حياتهم في ظل النظام الاشتراكي وحياتهم بعد الانهيار فتحول النظام إلى الخصخصة الليبرالية فأصبحت جميع المؤسسات من مدارس ومستشفيات ودور رعاية اجتماعية خاضعة إلى القطاع الخاص (كل شي بثمن) وفي أحد أيام الشتاء القارصة البرد عرض التلفاز صور للشيوخ والعجزة في الاتحاد السوفيتي وهم يلبسون المعاطف الرثة ويلجئون إلى (أقبية المترو) تحت الأرض هربا من برد الشتاء القارص فكانت السلطات الروسية تعثر عليهم (أموات متجمدين من قسوة البرد الروسي) بينما كانوا في السابق في ظل الدولة الاشتراكية ينعمون بالراحة والاستقرار والدفء وبعد كارثة الزلزال زار وفد صحفي أمريكي أحد الدول الاشتراكية والتقى مع بعض مواطني تلك الدولة وسألهم الصحفي عن ظروفهم وحياتهم فأجابهم المواطن (إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الرأسمالية خدعتنا بدعايتها عن الحرية و الديمقراطية وكنا نتوقع بعد انهيار الاشتراكية في بلدنا أن يفتحوا لنا أوسع أبواب الحرية والديمقراطية ولكنهم جعلونا كالسلعة في السوق خاضعة تحت رحمة العرض والطلب. وخوفا من يقظة الشعوب في المعسكر الاشتراكي لجأت الدول الرأسمالية إلى شرذمة وتفتيت جميع دول المعسكر الاشتراكي إلى طوائف وأقاليم فأشعلت بينهم حربا ضروس وإثارة الحقد والكره والأنانية بينهم على أساس الشوفينية القومية والنظرة الطائفية وغرزتها في أعماق نفوسهم وعقولهم الباطنية فجعلت تلك الشعوب تنظر إلى بعضها البعض بعين الحقد والكراهية والأنانية فتناسوا ماضيهم السعيد بعد أن سيطرت على نفوسهم وعقولهم الغريزة السوداء المقموعة (الشوفينية القومية والطائفية المقيتة).
ذكرنا نبذة مختصرة عن الاشتراكية كما يجب أن تكون ونطرح من خلالها مقارنة مع النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على الملكية الخاصة التي من خصائصها تراكم رأس المال وفائض القيمة (الربح) حيث أن الرأسمالي يسعى ويستميت من أجل فائض القيمة (الربح) فهو يمتلك الآلات الصناعية والتجارية وجميع وسائل الإنتاج بحيث يجعل العمل شيئا مستأجرا فقط فلا يحصل على شيء من فائض القيمة (الربح) مما جعل القسم الأكبر من الإنتاج وأرباحه من نصيب الرأسمالي مالك وسائل الإنتاج بحيث لا يبقى للعمل إلا القسم الزهيد بينما الإنتاج يعتبر حصيلة العمل وليس حصيلة وسائل الإنتاج وحدها مما يؤدي إلى خلق طبقات متباينة في المجتمع الواحد، طبقات خاصة ثرية إلى حد التخمة تمتلك وسائل الإنتاج وتستحوذ على الربح وطبقات جائعة وبطونها خاوية ومهملة يستأجرها ويستعبدها فائض القيمة، الرأسمالي يستعمل وسائل وأسباب يتذرع بها للضغط على العمل كي يبقى مرهونا له لكي يبقى العامل في حالة من العوز يضطر معها إلى أن يبقى مستعبدا لرأس المال خوفا من الجوع فيفقد بذلك حرمته وحريته أو يرضى ويخضع لاستعباد رأس المال ويشبع بطنه وبطون عائلته الخاوية وأما أن يختار الحرية فيموت وعائلته من الجوع.
من خلال هذه الرؤيا والاستنتاج العلمي والعملي بنا كارل ماركس نظريته الاجتماعية التي تقضي بثورة البروليتاريا على رأس المال عند ذلك تصبح الحرية أمرا محكما وليس وهما خياليا ومثاليا إذ أن حرية الجائع والجاهل والمحروم والمضطهد هي حرية كاذبة وغير حقيقية، ومن خلال ذلك يستخلص ماركس بضرورة أن تصبح وسائل الإنتاج ملكا للشعب ممثلا في مؤسسة اسمها الدولة منبعثة من عامة الشعب وتعمل لمصلحتهم وتعبر عن طموحهم وآمالهم بالمستقبل الأفضل والحياة الحرة الكريمة.
من خلال هذا الاستعراض المختصر لابد من وقفة فيها نداء حي واستدعاء صارخ للماضي والحاضر والمستقبل نضع فيها هذه النظرية الخلاقة على طاولة البحث والتحليل والاستدلال النقدي المنطلق من المسؤولية التاريخية حيث تستعرض الأجيال أمام منصة التاريخ وسينطق حكمه الذي لا يرحم فيمدح هذا ويذم ذاك والآن لابد من سؤال يطرح نفسه بنفسه .. ما الذي حدث من تغير وتطور له علاقة بفكر وإيديولوجية النظرية الماركسية الخلاقة حتى تهمل وتهمش وتجمد وترمى في متحف التاريخ!!؟
جوابا على هذا السؤال ظهرت في الوجود على الساحة الدولية حادثتين كان لهما التأثير الكبير على الساحة الدولية وشكلت منعطفا كبيرا في مسيرة التاريخ في تقدم واستحواذ الرأسمال العالمي وتراجع الأفكار التقدمية بمختلف تياراتها اليسارية والقومية والوطنية.
فكان الحادث الأول تفكك الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية وانهيار الفكر الاشتراكي مما فسح المجال الواسع لبروز وظهور (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) نتيجة الثورة المعلوماتية في الاتصالات والتقدم العلمي الهائل في الصناعة التكنولوجية المتطورة جدا والتي جعلت من العالم ما يشبه القرية الصغيرة وفسحت المجال أمام الولايات المتحدة الأمريكية بأن تصبح القطب الأوحد في الساحة الدولية وتأثيراتها على السياسة والاقتصاد العالميين.
والآن نستعرض كل ظاهرة من حيث تأثيراتها على الساحة الدولية وشعوب العالم قاطبة، فكان الحادث الأول هو تفكك الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية بسبب ظروف داخلية وخارجية فانتقلت هذه الظروف من قبل عناصر خائنة ومرتدة خسيسة وتدخل الرأسمال العالمي في المؤامرة فأدت إلى تدمير وتفكك الدول الاشتراكية.
إن الذي حصل بانهيار المعسكر الاشتراكي هو انهيار النموذج في التطبيق وليس الفكر الماركسي والقيم والمفاهيم الاشتراكية (إذا عجز التطبيق من متابعة النظرية فلابد من وجود خلل في التطبيق) إن الانهيار حدث نتيجة الانحراف عن محتوى الاشتراكية الصحيحة الخلاقة وجوهرها الإنساني الديمقراطي بسبب السلوك الغريب عن أفكار ومحتوى الاشتراكية الخلاقة كعبادة الفرد وترسيخ نهج الركود والجمود الفكري والنزعة البيروقراطية والأوامر اللاإرادية الأنانية وإغفال الخصوصيات التاريخية والظروف الموضوعية والثقافية والاجتماعية لكل بلد.
إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة ومكان حدوثها وتأثيراتها المدمرة والكارثية فإنها حدثت في بلدان تسلك المنهج الاشتراكي بقيادة وإشراف دولة اشتراكية فإن لهذه الدول خصوصياتها وظروفها الموضوعية بالرغم من عالمية الفكر الماركسي إلا أن تطبيق النظرية الماركسية في كل بلد يختلف من حيث التقاليد والعادات والعرق عن البلد الآخر وله خصوصياته الموضوعية وقد أشار الفكر الماركسي من خلال جدليته من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية ممثلا أن الذي حدث قبل عام يختلف عما يحدث الآن وإن ما يحدث في لندن وباريس من تقاليد وعادات تختلف عما يحدث في بغداد كما أن ليس هنالك في الوجود إنسان يشبه إنسان بشكل مطلق من حيث الرؤيا والاجتهاد والتربية البيئية والتكوين النفسي، من خلال هذا نستدل أن للنظرية الماركسية خصوصية في تطبيقها حسب ظروف كل بلد، وحينما انفجرت وانتصرت ثورة أكتوبر العظمى في الاتحاد السوفيتي لأن ظروف انتصارها كانت موجودة في المجتمع الروسي بينما كان المجتمع الروسي يعيش في مرحلة (البورجوازية الديمقراطية) بينما كان المفروض أن تنفجر وتنتصر الثورة الاشتراكية في ألمانيا وانكلترا لأنهما يعيشان في مرحلة الرأسمالية المتقدمة وطبقة البروليتاريا فيها واعية وكبيرة، إلا أن الظروف الموضوعية في روسيا كانت جاهزة ومهيأة للثورة بقيادة وعبقرية القائد الفذ (لينين) ولذلك فإن الفشل والانهيار يكون ذا طابع خصوصي لذلك البلد وكما يقول الشيوعي المصري المحامي نبيل الهلالي : (إذا توفى أحد المرضى أثناء إجراءه العملية الجراحية تحت يد أحد الأطباء الجراحين، هل يعني ذلك أن علم الجراحة غير جيد) ولذلك حينما أصاب الفشل والانهيار أحد الدول أو مجموعة من الدول أو أحد الأحزاب الشيوعية وحتى مجموعة من الأحزاب الشيوعية فإن ذلك لا يعني أن يشمل الانهيار والتفكك واضطراب الرؤيا وإلقاء التهم الباطلة على النظرية الماركسية والانحراف والابتعاد عنها من قبل الأحزاب الشيوعية التي تعمل وتناضل في بلدان أخرى وإنما يفرض الواجب الأممي دراسة تلك التجربة والاستفادة من تجارب الفشل والانتصارات وإنما تأهيل ما تعطل منها كي تستعيد طموحاتنا في حياة تجدد من خلالها رؤيتنا لمعطياتها الخلاقة كما إن تلك الأحداث والظواهر لم يغفل عنها مؤسسو النظرية الماركسية فيقول انجلز (أن كل شيء متوقع حدوثه وكما يحصل عادة في التاريخ فإن النتائج كثيرا ما تأتي شديدة الاختلاف عن الأهداف التي ترسمها في البداية القوى التي نصنعها) ولذلك ليس هنالك من مبرر أو سبب يجعل كثير من الأحزاب الشيوعية تترك وترفض وتنحرف عن الفكر الماركسي الخلاق إلى تجربة أخرى وطرق ودرابين غير مجربة ولا معروفة فتجعلنا نخوض تجربة فيها جميع الاحتمالات والتوقعات في الصحيح والخطأ.
الظاهرة الثانية التي برزت بشكل واضح (العولمة وأفكارها الديمقراطية الليبرالية وربيبتها الخصخصة) كما ظهرت الثورة المعلوماتية للاتصالات والتقدم الهائل التكنولوجي العلمي).

أفرزت هذه الظواهر ما يلي :-
1- انفراد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى في الساحة الدولية بعد تفكك المعسكر الاشتراكي وتشرذمه.
2- أصبح العالم ما يشبه القرية الصغيرة نتيجة الثورة المعلوماتية للاتصالات.
3- نتيجة للتقدم العلمي التكنولوجي في المكائن والآلات الغي طابع الإنتاج الاجتماعي في المعامل والمصانع الرأسمالية (الإنتاج الاجتماعي يعني القوى المنتجة (البروليتاريا) الذين تحشدوا في المصانع والمعامل الرأسمالية بالملايين كشغيلة مأجورين وقد أعطوا للإنتاج صفة اجتماعية) وقد عوض عن هذه الأعداد الكبيرة بأعداد قليلة من الفنيين والمهندسين عن طريق الضغط على أزرار الكومبيوتر أو بواسطة الرجل الآلي بحيث أصبح بالإمكان أن نضع الخيوط في إحدى فتحات الآلة فتخرج من الفتحة الأخرى بدله أو قميص أو أية حاجة.
4- ألغي دور الطبقة البروليتاريه في التاريخ كقوة معول عليها بالثورة والقضاء على النظام الرأسمالي باعتبارها (حفارة قبر الرأسمالية) كقوة مستغلة ومتناقضة ومتناحرة مع علاقات الإنتاج المتمثلة بالكمية الخاصة لوسائل الإنتاج الرأسمالية.
5- في عصر العولمة أصبحت ملكية وسائل الإنتاج وإدارة الرأس المال العالمي بأيدي مجموعة من الدول الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا واليابان وايطاليا وألمانيا وكندا) وأصبح رأس المال في عصر العولمة (أمميا) حيث تشترك هذه الدول الرأسمالية في إنتاج سلعة أو حاجة ما وأصبحت تدير العالم بواسطة مؤسسات عملاقة كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها وبما أن العالم أصبح ما يشبه القرية الصغيرة فهذا يعني أن حدود الدول مفتوحة لرأس المال والعمل وغيرها (حسب قاعدة دعه يدخل دعه يخرج).
6- إن عصر العولمة والثورة المعلوماتية والتقدم العلمي التكنولوجي أرز طبيعة الرأس مال (الأممي) فإن النضال والكفاح أيضا أصبح أمميا ولكن ليس بواسطة (الثورة البروليتاريا) وإنما عن طريق جميع طبقات المجتمع لأن العولمة ستدمر (الإنسان والطبيعة) فالإنسان سوف تسلبه إنسانيته وتجعله كالسلعة في السوق خاضعة للعرض والطلب أما الطبيعية فسوف تلوث أجواءها وتجرف وتصحر تربتها وتؤدي إلى انتشار ظاهرة الانحباس الحراري وتوسع فتحة الأوزون الذي يحول شعاع الشمس من انبعاث الحياة والصحة واخضرار المزروعات وجمال الطبيعة إلى مصدر للأمراض وتصحر الأرض وموت المزروعات والإنسان معا.
بعد هذه النبذة المختصرة عن الماضي والحاضر فلا بد من التطرق إلى توقعات واحتمالات المستقبل والعودة إلى رحاب النظرية الماركسية – اللينينية باعتبارها الفكر العلمي الواقعي ذو التجربة الطويلة في الصراع ضد الرأسمالية في كل مراحلها وتطوراتها، والآن أود أن أذكر لأحبتي القراء الكرام نبذة عن (اللينينية) ولماذا أصبحت ملازمة ومرتبطة ومنسجمة مع الماركسية وأطلق عليها النظرية الماركسية اللينينية إن اللينينية نسبة إلى مفجر ثورة أكتوبر العظمى ومؤسس دولة الاتحاد السوفيتي. يعتبر لينين امتداد إلى الماركسية ومطورها ومجتهدها بعد أن كانت النظرية الماركسية مجرد كلمات مسطرة ومطرزة في بطون الكتب فاستطاع هذا الرجل الفذ أن يطبقها ويترجمها إلى أرض الواقع فيحولها من نظرية وأفكار مثالية إلى واقعية مادية فحمل فلسفتها المجردة وعلومها الصورية وحولها إلى صراع طبقي وشعارات مطلبيه تحفز الجماهير المظلومة والمحرومة إلى أعظم ثورة للفقراء والمعوزين في العصر الحديث وشكلت منعطفا تاريخيا وأمل ورجاء وطموح لدى كل المظلومين والمقهورين في العالم واستطاع لينين أن يطور الفكر الماركسي ويغذيه وينميه حيث تناول في كتاباته ومؤلفاته الكثيرة التي جمعت في أربعة وخمسين مجلدا ضخما يبحث فيها ويعالج جميع المشاكل التي تجابه المجتمع البشري لقد شرح لينين أفكار ماركس وانجلس ودافع عن نشاطهما الفكري والعملي الذي مارساه في سنوات الثورة البورجوازية الديمقراطية. كما أود أن أشير إلى فقرة أشار إليها الأستاذ الشيوعي السوري عطية مسوح في كتاب (الماركسية والماركسيون في عصرنا) في الصفحة (79) حيث يتهم النظرية الماركسية بالجمود حيث يقول (أن النظرية الماركسية منهج يقوم على النفي، وهذا يقتضي أن على المنهج ويمكن لمن يستخدمه أن ينفي النصوص الماركسية ذاتها استنادا إلى هذا المنهج ذاته لأنها وضعت في مرحلة معينة فالنص يعبر عن فكرة ولدت في واقع معين وتجسدت في نص، فالنص هو سجن للفكرة لأنها تصبح حروفا وكلمات بينما الواقع الذي ولدها يتطور ويتغير باستمرار، لذلك تدخل الفكرة في تناقض منطقي، مع الواقع بمجرد أن تصاغ في نص، وهذا ينطبق على كل الأفكار وعلى كل النصوص في العالم ومنها نصوص الماركسية (ماركس وانجلز ولينين) وعلى قرارات الأحزاب أيضا).
وهنا أستميح الأستاذ عطية مسوح عذرا وأود أن أذكره وأقول له أن لينين قد أشار إلى هذه الملاحظات بعد انتصار ثورة أكتوبر العظمى حيث أشار في أحد خطبه وملاحظاته إلى ذلك حيث قال (أن الفكر الماركسي يجب أن يكشف في الوقت نفسه أكبر قدر من الموضوعية لكي يستطيع أن يرى حركة المجتمع على حقيقتها ويساعد الجديد على النمو والتطور عن طريق اكتشاف قوانين سيرها وتقصيرها، ومن خلال دراسة الواقع الموضوعي يستطيع أن يصور الواقع بصدق في مظهره التاريخي الملموس في عملية متجددة ومتطورة أبدا والذي يمكنه من التفريق بين الجوهر والمضمون والعام والخاص والتعبير عن كل ظاهرة خاصة في نطاق القوانين العامة ومبادئ التطور التاريخي الواضح والصحيح وتوضيح كفاح الجديد مع القديم يؤدي إلى انتصار الجديد)، كما قال لينين (نحن لا نعتبر أبدا تعاليم ماركس كشيء ناجز لا يمس بل على العكس فنحن على اقتناع بأنها طرحت فقط أحجار زاوية العلم الذي يتوجب على الاشتراكيين دفعه قدما إلى أمام في كل الاتجاهات إذا كانوا لا يريدون التخلف عن الحياة) كما ذكر في موضوع آخر حيث قال (إن الذي يطبق النظرية الماركسية يجب أن لا يقف من النظرية موقف المتعبد في محرابها بل يترجم نصوصها إلى الواقع الموضوعي ويتمسك بالحياة والواقع قبل كل شيء مسترشدا بالنظرية العلمية ومتناولا إياها من خلال ارتباطها الجدلي بالواقع الموضوعي.
ليس هناك أي خلاف بين جوهر الماركسية وجوهر الماركسية – اللينينية وإنما هنالك فرق فقط في طريقة تطبيق الفلسفة الماركسية بما يتلاءم مع المراحل التاريخية وظروفها وملابساتها ومشاركاتها، فالديالكتيك الماركسي والديالكتيك الماركسي – اللينيني واحد لأنه ينبثق من جوهر واحد وهو الإنسان وليد التطور المادي البيولوجي، والوجدان والقوى الإدراكية العاملة في الإنسان والصفات والأخلاق هي أيضا وليدة هذا التطور، والمعرفة ليست وليدة فكرة مثالية مطلقة بل وليدة تطور المادة الدماغية وصقلها وتهذيبها وقد عبر لينين عن جوهر الفلسفة المادية العلمية التاريخية بالفقرات التالية :
1- إن الأشياء وجدت مستقلة عن الإنسان عن شعوره ووجدانه.
2- لا فرق بين الأشياء وما ينتج عنها.
3- الاختلاف مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يصل الإنسان لمعرفته.
4- المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست محدودة ولا مطلقة بل نسبية وقابلة للبحث والاستكشاف.
5- لا عصمة بالمعرفة، إن الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته وقال عن الجدلية بين الأفكار والواقع المكاني والزماني (إن المفاهيم التي تبدو ثابتة في المظهر تتغير بشكل جذري في مضمونها عندما تتنقل من سياق تجربة تاريخية اجتماعية إلى سياق تجربة أخرى) على هذه الأسس بنا لينين فلسفته وعلى هذه الأسس بنا ثورته العظيمة (عشرة أيام هزت العالم) للكاتب الأمريكي (جون ريد). واعتبر القائد الفذ لينين إن التطور في المجتمع والاقتصاد والسياسة والسلطة تتطور حتما بتطور المعرفة والزمن والحاجة. لا إطلاق في الحياة ما كان حسنا في الماضي قد يظهر خطأ وفاسدا في الوقت الحاضر. الحقيقة النسبية والطبيعة مستمرة في ناموسها التطوري والجمود مستحيل.
هذا هو جوهر الفلسفة الماركسية – اللينينية وجوهر الفلسفة الماركسية على حد سواء ومن هذه النظرة وضع العبقري لينين قاعدة الانتقاد والانتقاد الذاتي مدللا على أن النظرية الماركسية شأنها شأن الماركسية – اللينينية ليست عقيدة حكمية وإن الانتقاد والانتقاد الذاتي يجب أن يكونا عنصرين حميمين فيها من أجل التوصل إلى معرفة الحقيقة وبما إن عنصر الانتقاد يدخل في صلب كل فلسفة ولكن لم يسبق لفلسفة غير الماركسية – اللينينية أن أدخلت في صلبها عنصر الانتقاد الذاتي وأصرت على إحلاله عنصرا حميميا فيها مما يدلل على أنها الفلسفة الأكفأ بين كل الفلسفات التي سبقتها من أجل استطلاع الحقيقة والكشف عنها كما يؤكد الدليل على أنها النظرية الوحيدة القابلة للتطور مع تطور العلم والمعرفة والفلسفة كما تعتبر النظرية الوحيدة التي في وسعها حل مشاكل الإنسانية في جميع أنحاء المعمورة.
كما يعتبر لينين المحلل والمكتشف لتطور الرأسمالية ودخولها مرحلة التطور الامبريالي من حيث التوسع في عملية الاستغلال إلى خارج الرقعة التي تشمل عمال الدولة في الوطن الأم في مناطق واسعة ومتفرقة من المعمورة فينكشف الظلم والاستعباد والحرمان والاضطهاد للامبريالية بشكل أشد عنفا وتعاسة مما كان في بداية نشوء الرأسمالية وكان لينين أول من وضع الأسس الراسخة للبناء التنظيمي في الحزب الشيوعي الروسي الذي تحول اسمه من الحزب البلشفي الذي لا يزال يسمى بحزب روسيا العمالي (الاجتماعي الديمقراطي) فتحول اسمه إلى الحزب الشيوعي في المؤتمر الذي عقد في 24 / آذار / 1918 بعد انتصار ثورة أكتوبر عام 1917 بقيادة الفذ لينين وتحالف العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وقد بين لينين باستحالة العمل بدون برنامج للحزب وتنظيم حيث يعتبر ذلك ترسيخ للفكر السياسي والفكر الإيديولوجي حيث المشاركة والإسهامات المجدية من خلال النقاش والحوار الفكري وإبداء الرأي والاستماع إلى الرأي الآخر ينمي ويبعث الجرأة ويطور الوعي الفكري وينتج شيئا جديدا كما أنه يخلق الإرادة ووحدة العمل للطبقات الكادحة ويحقق الأهداف التي يناضل من أجلها الحزب، وقد بلور لينين فكرة التنظيم التي تعبر عن الانضباط والالتزام التي تسود صفوف أعضاء الحزب عن طريق اصطفافهم وتنظيمهم في خلايا ولجان منضبطة تسودها وحدة الإرادة والتنظيم والالتزام والتصميم والإصرار والتضحية والتي يستحيل على الحزب تحقيق أهدافه وطموحه بدون هذه التنظيمات المنضبطة والملتزمة. ومن خلال التنظيم وبرنامج الحزب يستطيع الشيوعيون أن يجعلوا حولهم جميع شغيلة اليد والفكر والمستغلين والمحرومين والمضطهدين والجياع والمعوزين وبذلك يصبح الحزب الشيوعي قوة جماهيرية واسعة ينظر إليها من خلال ثقله الجماهيري على الساحة السياسية.
والآن يتبين لنا من خلال هذه النبذة المختصرة عن النظرية الماركسية الخلاقة من خلال ما نعرفه وما نفهمه من أفكارها وعلمها وسلوكها وما طرح من أفكار قادتها ومؤسسيها ليس هنالك نصوص جامدة ولا أفكار شاذة وغريبة وإن كل ما قيل ويقال عنها ما هي إلا كذب وبهتان وإشباع غريزة إنسان هارب من الفشل والمسؤولية التاريخية .. ما ذنب السيارة التي ينحرف بها قائدها عن الطريق وتسقط في وادي سحيق وتتحطم حسب القاعدة التي تقول (إذا عجز التطبيق من متابعة النظرية فلا بد من وجود خلل في التطبيق) وبالرغم من ذلك فإن أولئك الذين يرمون التهم والفشل والخلل على النظرية الماركسية فإنهم يحجبون شمس الحقيقة بغربال وإذا تكلموا بالصحف والمجلات والكتب بالأدلة العقلية والنقلية حتى يصدقهم أشباههم لكنهم لا يستطيعوا أن يمسحوا الحقيقة ويشوهوا التاريخ.
إن الفكر الماركسي ليس محصورا في رقعة معينة أو حكرا على فئة معينة وإنما هو نتاج إنساني شاركت فيه مختلف الثقافات البشرية عبر العصور التاريخية، وإن تلك الأفكار تمتاز بسعة المعرفة ورجاحة الرؤيا ودقتها لأنها تفرز وتنمو من زوايا في المجتمع متباينة وتنتج أوصافا وتعريفات مختلفة تارة تجعل الصورة مضللة وضبابية المنظر وأخرى تجعل الصورة صافية مما يؤدي ذلك إلى اغناء العقل المتنور الباحث عن الحقيقة بالمتراكم من المعرفة والبحث والاستدلال حتى نستطيع الوصول إلى الغاية والهدف، وبالرغم من عالمية الفكر الماركسي لكنه يبقى وليد محيطه الجماهيري لأنه ولد من رحم ثقافتها ومحيطها وخصوصيتها وسيبقى مرتبطا بعلاقة حميمة بها وبوعيها ومعرفتها .. صحيح إن المتغيرات العالمية استطاعت أن تثلم من شموخ بنياتها وتبتر وتشوه جسمها وتعرقل مسيرتها ولكن خصومها وأعداءها لم يستطيعوا القضاء عليها أو يمسخوا ماضيها وأفعالها لأن أفكارها ومكوناتها تتمحور حول الإنسان ومن أجل الإنسان وسعادته ومستقبله فما دام الإنسان موجودا فهي موجودة أيضا ومرتبطة معه بعلاقة ومودة حميمة لا تستطيع أية قوة في الأرض فصلهما عن بعض إلا بفناء أحدهما وهذا في المنظور الزمني يعتبر من المستحيلات.. إن الفكر الماركسي حاضر وموجود ما زال الاستغلال والحرمان والاضطهاد والفقر والعوز والبطالة والجهل والأمية والمرض موجود، فإن الفكر الماركسي يناضل ويكافح من أجل هذه الظواهر المنتهكة لإنسانية الإنسان ووجوده .. وإذا كانت العولمة والثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي والإنسان الآلي قد قضت على أحد الركائز الرئيسية للفكر الماركسي (العنصر البروليتاري) ولكنها أفرزت قوة ومركز به رأس المال من قبل حفنة من الرأسماليين يتنامى من خلالها الشكل الصناعي على نطاق واسع وكبير للعمل ويكون فيها الاستعمال والتطبيق للتقنية العلمية أكثر اتساعا وإنتاجا عن طريق الدول الثمانية الكبرى والمنظمات العملاقة التابعة لها (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها) ويصبح عمل وإنتاج هذه الدول الكبرى بشكل متكامل ومتناسق بعضها مع بعض بشكل جماعي وتصبح لهذه الدول قوة وجبروت بحيث تفرض سيطرتها وجبروتها على الاقتصاد العالمي مما تضطر جميع الدول الدخول في شبكة السوق العالمية الواحدة التي تخضع للدول الثمان الكبرى مما يؤدي إلى توقف المعامل في تلك الدول النامية لعدم استطاعتها من منافسة إنتاج المصانع في الدول الثمان الكبرى لامتيازها بالجودة وانخفاض أسعارها مما يؤدي ليس فقط رمي عمال تلك المعامل في البطالة وإنما أصحاب المعامل من الطبقة البورجوازية يضطرون بعد غلق معاملهم إلى العمل كموظفين في الدولة أو عمال في الشركات التي ترتبط بالرأس مال العالمي (المعولم) وينخرط هؤلاء مع القوى الأخرى المتضررة من العولمة (البطالة وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات البيئة والنقابات والجمعيات الإنسانية) ومع مرور الوقت تزداد الفجوة والصراع والتناقض بين الأعداد والقوى المضطهدة والمحرومة والفقيرة والمنظمات الإنسانية الأخرى كلما توغلت وتوسعت العولمة المتوحشة في الضغط والاستغلال من أجل الاستحواذ على أكبر كمية من الربح ونتيجة لازدياد وسعة حاجة مصانع الدول الثمان الكبرى إلى المواد الأولية والطاقة مما يؤدي إلى شحة هذه المواد وبالتالي إلى نشوب الصراع والمنافسة بين الدول الثمان الكبرى الممثلة للرأس مال العالمي من أجل الحصول على المواد الأولية والطاقة وهذه الظاهرة تدفع بالدول الثمان إلى رفع أسعار البضائع والسلع المنتجة مما يؤدي إلى تكدسها لعدم توفر الطاقة الشرائية لدى المواطنين مما يؤدي في النهاية إلى نشوب الصراع والنزاع بين الأكثرية الساحقة من شعوب العالم وبين فئة قليلة من مالكي وسائل الإنتاج الرأسمالي مما يؤدي إلى قيام ثورة عارمة تدمر وتسحق العولمة المتوحشة وانتصار سلطة الشعوب المظلومة وإقامة عدالة اجتماعية ليست على أساس طبقي بل على أساس تكنوقراطي تكون فيها السيادة والملكية للشعوب التي تتكون الدولة ومؤسساتها منه وتقوم على أساس خدمة جميع أبناء الشعب بالمساواة وخلق الرفاه الاجتماعي والسعادة وبناء المستقبل الأفضل وهنا نشير إلى دور وفعل النظرية الماركسية .. اللينينية في هذه التطورات والتغييرات وفق رؤيا واقعية تقول ويتساءل من خلالها المفكر مارشال بيرمان (كيف يمكن لرأس المال أن ينتهي والرأسمالية ما تزال على قيد الحياة) ويشير المفكر الفاضل ويقصد به (مؤلف ماركس الكبير (رأس المال) الذي يشرح فيه عملية تراكم رأس المال وفائض القيمة وطرق الاحتيال في استغلال الطبقة العاملة التي تنتهي بالتناقض والصراع التناحري بين الإنتاج الاجتماعي (العمل) وبين علاقات الإنتاج التي تمثل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفي النهاية تؤدي إلى ثورة البروليتاريا على رأس المال) حينما نستعرض التاريخ فأنه سلسلة من التنازع والصراع بين طبقات المجتمع باعتبار أن كل مرحلة من مراحله التاريخية من خلال تطوره حسب دينامكية الحياة والتي تؤدي إلى مسيرة التاريخ إلى أمام فأن تلك المرحلة تخلق نقيضها أي تنمو بذرة موتها مع نموها وتطورها وهذه الظاهرة تحدث خارج إرادة الإنسان حيث تنمو وتتطور عوامل حضارية تمثل المرحلة القادمة مما يؤدي إلى احتفاء القديم ونشوء الجديد باعتبار أن العالم يتحرك ويتطور دائما وأبدا إلى أمام حسب قانون التطور الذي يؤلف الخطوط الأساسية للطريقة الديالكتيكية الماركسية – اللينينية كما ذكر في مؤلف لينين (دفاتر فلسفية) وعلى هذا الأساس يمكن أن يحل النظام الاشتراكي محل النظام الرأسمالي كما حل النظام الرأسمالي في حينه محل النظام الإقطاعي. ومن خلال هذه الرؤيا التي أكدت وأثبتت قانون التطور ومسيرة التاريخ حدوثها فأن المسؤولية التاريخية تتحملها النظرية الماركسية – اللينينية في قيادة جماهير الشعب الواسعة والقضاء على مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة وبناء العدالة الاجتماعية وتأتي هذه الرؤيا والاجتهاد من الخزين الضخم والمتراكم من التجارب النضالية والصراع بين الطبقة العاملة والمستغلين والكادحين والمحرومين الذين كانوا يسترشدون بالصراع والتصدي والصمود بالفكر الماركسي الخلاق وهذا الصراع يبدأ منذ أن نشر ماركس ورفيقه انجلس (البيان الشيوعي عام 1848) ودعا فيه عمال العالم بالاتحاد في النضال والكفاح ضد سلطة واستحواذ رأس المال المتعفن ومن خلال هذه التجربة الواسعة والعريضة للنظرية الماركسية – اللينينية فأن مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة لا يمكن مواجهتها بأفكار غير مجربة وتجهل أساليب واحتيال وطرق الرأسمالية الملتوية بينما النظرية الماركسية – اللينينية الخلاقة عايشتها قرون عديدة من الزمن وعرفت وأتقنت جميع أساليب وخطط الرأسمالية.
لذلك إن لينين حينما قاد جماهير الشعب الروسي المظلومة وانتصرت ثورة أكتوبر العظمى لم يكن يحمل العصا السحرية وإنما استطاع أن يدرس ظروف وحياة الشعب القاسية وحاجياته وأزماته فاستطاع أن يحولها إلى شعارات مطلبية تحريضية فقاد الجماهير الواسعة العارية الأجسام والخاوية البطون والعزل من السلاح يمشون حفاة على ثلوج موسكو فحققوا النصر العظيم بفضل القيادة الحكيمة وشجاعة وإرادة وتصميم الشعب البطل.
حوار في أحلام اليقظة

نعم .. لقد استطاعت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في غفلة من الزمن وبسبب ظروف داخلية وخارجية أن تنفذ مؤامرتها القذرة بتفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي وتصبح القطب الأوحد في الساحة السياسية الدولية وبفضل الثورة المعلوماتية والاتصالات والتقدم العلمي والتكنولوجي أن تجعل العالم ما يشبه قرية صغيرة كما تستطيع أن تسبب لملايين من البشر الشرور والبلايا والعذابات والمآسي ولكنها لا تستطيع أن تقوم بشيئين :
1- الالتفاف على التاريخ والكذب عليه وهذا مستحيل لأن التاريخ تسلسل حوادث ومآثر وهذه الحوادث والمآثر حفرت في ذاكرة الناس وفي بطون الكتب وطرزت حروفها من نور على جبين التاريخ التي تتطلع نحوه وتقرأه جميع الأجيال القادمة عندما تستعرض أمام منصته فستجد هذه الأجيال المآثر والمواقف الإنسانية النبيلة للمعسكر الاشتراكي ونصرته للشعوب المظلومة والمقهورة ماديا ومعنويا لأن هذه المكاسب والانجازات أصبحت مكاسب تاريخية إنسانية.
2- إذا كانت الرأسمالية العالمية تستطيع أن تخترق حدود الدول بعولمتها المتوحشة وتخترق جدران بيوتنا وأفكارنا الخاوية بثورتها المعلوماتية وتقدمها العلمي والتكنولوجي ولكنها لا تستطيع أن تلغي وتشوش أحلامنا التي هي الأمل الوحيد بالنظام الاجتماعي العادل والملاذ الأكبر الذي يداعب ويدغدغ مشاعر وأحاسيس المعذبين والمحرومين والمضطهدين في جميع أنحاء العالم.
ونحن نسير وفق خارطة مضطربة وضبابية الهدف والشكل يشاهدها إنسان حالم نهض من فراشه مغمض العينين لكنه يسمع صراخ الناس وأنينهم يسأل ويحاور الناس المتجمهرة على قارعة الطريق .. لو أن الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي متواجدة على الساحة الدولية هل تستطيع الرأسمالية العالمية أن تخلق نظام العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة وتتجاوز بوقاحة واستهتار حدود الدول وتسلب الإنسان إنسانيته وتدمر الطبيعة معه ؟
كانت دول النظام الاشتراكي وتصطف معها الدول الوطنية والديمقراطية لها وزن وثقل في الساحة الدولية من التأثير على إفرازات العولمة السلبية والاستفادة من جوانبها الإيجابية التي تتمحور بالجانب العلمي والتكنولوجي في خدمة الإنسان وسعادته ولكن انفراد الرأسمالي العالمي بالساحة الدولية وجشعه واستماتته بالركض والسعي وراء الربح وتراكم رأس المال على حساب الشعوب وسحقها حتى العظم إضافة إلى استغلال الطبيعة المخرب والمدمر مما يترك آثاره السلبية على الإنسان والطبيعة معا كالانحباس الحراري وتصحر الأرض وتلوث البيئة وسلب حرية الإنسان وإنسانيته واعتباره كالسلعة في السوق خاضعة للعرض والطلب إضافة إلى ما تفرزه العولمة من تناقضات وصراعات بين الدول الرأسمالية نفسها من اجل السيطرة على الأسواق الخارجية والبحث والاستحواذ على مصادر المواد الأولية ورخص الأيدي العاملة (ذكرت في الموضوع خواطر حول العولمة) المنشور في هذا الكتاب جوانب واسعة من الإفرازات السلبية في ظاهرة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة والاحتمالات والتوقعات والنتائج التي تختم حياة هذه الظاهرة الغير متوازنة والأحادية الجانب الذي يعتمد على الاستغلال والسعي وراء جمع الأرباح لأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هو الإنفراد والخصوصية في ملكية وسائل الإنتاج المتطورة علميا وتكنولوجيا وهذا التقدم والتطور يصب ويتمحور في مصلحة فئة قليلة من المجتمع على حساب جماهير واسعة سوف تعيش تحت مستوى الفقر المدقع كما أدى هذا الطابع من التقدم والتطور العلمي وخلق الرجل الآلي إلى رمي ملايين العمال في أزمة البطالة كما أدت الآلات المتطورة والمتقدمة إلى سرعة عملية الإنتاج وضخامتها ونوعيتها وهذه الظاهرة سوف تؤدي إلى إغلاق المصانع الوطنية وعدم إنتاج السلع والحاجيات وبما إن فلسفة العولمة المتوحشة تقوم على حرية انتقال السلع والبضائع ورأس المال وغيرها عبر حدود الدول وهذا يعني أن السلع والبضائع التي تنتجها مصانع الدول الرأسمالية المتطورة والمتقدمة ذات النوعية الجيدة ورخيصة الثمن سوف تزاحم وتؤثر على إنتاج السلع والحاجيات المنتجة في المصانع الوطنية ولعدم وجود حماية لها من قبل الحكومات الوطنية مما يؤدي إلى إغلاقها وتسريح عمالها وفنيها وكذلك هروب أصحابها مع الرأسمال الوطني إلى دول أخرى أو تحويلهم إلى موظفين أو عمال في شركات ومعامل الدول الرأسمالية وإن العولمة لا تفرز فقط هذه الظاهرة السلبية بينها البورجوازية الوطنية وإنما يظهر الصراع والتناقض بينها وبين جماهير واسعة من الشعب إضافة إلى ذلك الكثير من المنظمات الإنسانية والجمعيات الاجتماعية التي تتأثر سلبيا في العولمة، ولم يبرز التناقض والصراع بين العولمة المتوحشة وأوسع جماهير الشعب وإنما تبرز التناقضات والمنافسات والصراعات الظاهرة والمخفية بين الدول الرأسمالية نفسها (شرحت هذه الظاهرة في موضوع خواطر حول العولمة) والآن أطرح موضوعا آخر (لقد أدى التطور التكنولوجي الحديث إلى إيجاد وسائل تكنولوجية متطورة من شأنها أن تسرع في عمليات الإنتاج وتقلل من عدد العمال التي يحتاجها كل معمل أو مصنع لإنتاج نفس الكمية والعدد من السلع والحاجيات وحتى إنتاج كميات وأعداد أكبر وأوسع كما تقوم هذه المصانع المتخصصة بجميع العمليات اللازمة لإنتاج تلك السلعة وهذا يعني أن المصنع لا يحتاج إلا إلى إعداد قليلة من العمال والفنيين للضغط على الأزرار ومراقبة الشاشة الالكترونية فيرمي أحد العمال أو الفنيين مجموعة من الخيوط في أحد الفتحات فتخرج من الفتحة الأخرى بدله أو قميص أو أية سلعة أو حاجة).
إن هذه العملية أفرزت ظاهرة تتركز وتعتمد على زيادة رأس المال الثابت (الذي يصرف على الآلات والمكائن والبناء وكل مبلغ لا يدخل في عملية الإنتاج) على حساب رأس المال المتغير (الذي يدخل في عملية إنتاج السلع كالمواد الأولية وصيانتها وأجور العمال وغيرها) وهو الذي يؤدي إلى ضخ وخلق فائض القيمة (الربح) بعكس رأس المال الثابت، وبما أن الرأسمال المتغير هو المصدر الوحيد لفائض القيمة (الربح) فان ذلك يعني انخفاض مجموع فائض القيمة (الربح) المنتج والدافع الرئيسي للرأسمالي مالك وسائل الإنتاج. إن الظاهرة أدت إلى صراع وتناقض وتكالب بين الرأسماليين على مردود وتوزيع فائض القيمة (الربح) مما أدى بالدول الرأسمالية إلى المنافسة والصراع فيما بينها للاستحواذ والسيطرة على الأسواق واحتكارها لتصريف ما تنتجه مصانعها من سلع وبضائع ونتيجة لذلك ظهرت الحرب المخفية والمكشوفة بينهم من أجل السيطرة على الأسواق وجني أكبر كمية من الربح. إن هذه الظاهرة هي انعكاس واقعي لطبيعة النظام الرأسمالي الذي يعيش في دورات من الأزمات والصراعات والمشاكل وهذه الظاهرة التي أدت إلى التطور المدهش لوسائل الإنتاج الميكانيكية وضعت الرأسمالي أمام ضرورة إيجاد أسواق لتصريف ما ينتج من سلع وحاجيات باضطهاد وإذا تكدست البضائع والسلع لعدم تصريفها يؤدي ذلك إلى غلق المصنع وخسارة الرأسمالي مما يدفع بالرأسمالي خوض صراع حتى الموت للاستيلاء على الأسواق وتخفيض تكاليف الإنتاج والأجور للعمال والفنيين وزيادة ساعات العمل عند ذلك يمتلك القدرة والإمكانية على المنافسة مع الآخرين مما يؤدي إلى خلق أزمات حادة تتطور إلى فوضى اجتماعية.
وقد استشهد كارل ماركس في كتابة الموسوم (رأس المال / نقد الاقتصاد السياسي (تطور الإنتاج الرأسمالي) المجلد الثالث) حيث قال : (إن الرأسمال ينفر من فقدان الربح أو من الربح الزهيد كما تنفر الطبيعة من الفراغ، إن الرأسمال يبدي من الجرأة والإقدام حين يتعلق الأمر بربح يوافقه فهو يرضى بكل شيء في سبيل 10% من الربح المضمون وفي سبيل 20% يصبح شديد الحيوية وفي سبيل 50% يصبح مغامرا جريئا وفي سبيل 100% يدوس بالأقدام على جميع القوانين البشرية وفي سبيل 300% لا يبقى ثمة جريمة لا يكون مستعدا للمغامرة على ارتباكها ولو كلفة ذلك مجابهة المشنقة).
والسؤال الذي انطلق من عنوان الموضوع (حوار في أحلام اليقظة) والذي طرحته في بداية الموضوع فان وجود المعسكر الاشتراكي في هذه المرحلة والمراحل المقبلة أفضل من عدم وجوده كقوة رادعة ومؤثرة وعظمى يمكن أن تجمح وتحدد من اندفاع الدول الرأسمالية في استعبادها واستغلالها للشعوب وتذكرنا المواقف النبيلة والإنسانية لدول المعسكر الاشتراكي في تقديم المساعدة والتنمية والتقدم في كافة مجالاته ومآثره ومواقفه في قارة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية فلو كان المعسكر الاشتراكي موجودا لما اضطرت الدول الضعيفة أن تطلب المساعدات بشروط مذلة ومجحفة من أحد مؤسسات العولمة (صندوق النقد الدولي) ولما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعل من نفسها سيدة العالم باعتبارها ذات القطب الأوحد وتحيط دول العالم بصواريخها وطائراتها وأقمارها الصناعية وبوارجها وحاملات طائراتها تخترق سيادة الدولة والتدخل في شؤونها الداخلية ولا أن تصبح المؤسسات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى السياسية والاقتصادية كدوائر تابعة للخزانة الأمريكية أو وزارة خارجيتها ولكن هكذا فرضت مهازل القدر لكي ينتهي الصراع ويجعل السكون في معادلة غير متكافئة حتى تنعقد المصالحة بين التاريخ ومبتغاة الرأسمالي المتمثل بالسيطرة المحكمة من مفاهيم ومقولات ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، باعتبار أن هذه المصالحة تعبر عن طبيعة الإنسان المتعطش للاتساق مع ذاته المفتقدة في كل هذه الأنماط الاجتماعية السابقة وخاصة النظام الاشتراكي غير المتلائم مع طبيعة البشر الساعية بدورها إلى الاستقرار من خلال صيغة مجتمعية تتوافر حرية الفرد وتتحقق بها مصالحها المتعارضة والمتضاربة مع ما ترمي إليه القوانين ومبادئ المنظومة الاشتراكية وهذا ما تسبب بحسب ما تطالعنا به النظريات الجديدة للنظام العالمي الجديد بالثورة والتمرد للإطاحة بهذه الأنماط والأنظمة وذلك من أجل تبديلها بصيغة نظامية أكثر انفتاحا بعد أن كانت الاشتراكية خيارا وهدفا رئيسيا لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العالقة عند تلك الشعوب التي تعيش الآن مخاض تغيير يفترض أن لا يتخذ منحى رأسماليا كما يعتقد أصحاب النظريات المهللة لنهاية التاريخ في هذا النظام الرأسمالي الواعد بمفاجآت أقلها ما نشهده على الساحة الدولية من مجازر وحروب بها ترتسم معالم النظام الجديد.
من خلال الموضوع يبرز سؤال عن القوى التي تتصدى لشرور وكوارث العولمة المتوحشة وكذلك من خلال الموضوع يتبين لنا بجلاء ووضوح أن النظرية الماركسية العلمية ولدت في رحم الطبقة الرأسمالية وقد حملها التاريخ مسؤولية حفر قبرها ودفنها مع ظلمها واستغلالها ومآسيها وإحلال النظرية الماركسية العلمية محلها، وهذا يعني أن الصراع والنزاع ابتدأ منذ أن ظهرت الطبقة الرأسمالية في الوجود في القرن الثامن عشر فولد من رحمها نقيضها وحافر قبرها الطبقة العاملة وجميع المظلومين والمحرومين والمستغلين والمستعبدين من ظلم الطبقة الرأسمالية ومن خلال ذلك نستنتج أن تاريخ الطبقة الرأسمالية ونقيضها شغيلة اليد والفكر وجميع المظلومين والمحرومين المسترشدين بالفكر الماركسي الخلاق من القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا هو تاريخ معارك وصراع ونزاع وبذلك أصبحت القوى التي تسترشد بالفكر الماركسي الخلاق هي القوى المعول عليها في قيادة جميع المظلومين والمحرومين والمضطهدين في التصدي إلى شرور العولمة ومآسيها باعتبارها القوة المؤهلة التي تمتلك تجربة طويلة وعريضة في الصراع والنزاع مع الرأسمالية التي تعتبر ظاهرة العولمة مرحلة متقدمة ومتطورة وامتداد لمرحلة الرأسمالية وبذلك أصبحت المسؤولية التاريخية تقع على النظرية الماركسية العلمية وجماهيرها الواسعة في التصدي لظاهرة العولمة وهذه المسؤولية ليست وليدة اليوم وإنما منذ أن رمتها الطبقة الرأسمالية من رحمها فعهد لها التاريخ بهذه المهمة وبناء المجتمع العادل السعيد الذي يقوم على الإنصاف والإنسانية والعدالة الاجتماعية.
إن النظرية الماركسية الخلاقة لم تنتهي مهمتها ومرحلتها فهي ولدت ووجدت تعبيرا ونبراسا للمظلومين والمضطهدين والمحرومين والمستغلين والجياع والعراة والمعوزين، وهذا لا يعني أن تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الاشتراكي يعني تلاشي وفناء الفكر الماركسي لأن هذا الفكر ظهر للوجود قبل قرن من انفجار ثورة أكتوبر العظمى بقيادة الرجل العبقري (لينين) عام / 1917. فالفكر الماركسي ولد وترعرع وتطور من خلال الانتفاضات والوثبات التي قام بها العبيد والأرقاء وقد استعرضنا من خلال اليوتوبيات (الأفكار الخيالية) والحركات الاشتراكية الطوبائية التي سبقت الفكر الماركسي بعدة قرون أي منذ الحضارة الإغريقية قبل الميلاد (أفلاطون 427 – 317 قبل الميلاد نشر مدينته الفاضلة) (والغزالي 870 – 950 بعد الميلاد نشر مؤلفه آراء أهل المدينة الفاضلة) (وبابيوف 1760 – 1797) ثوري فرنسي يمثل الفكري الشيوعي المثالي وكما يقول كارل ماركس : (أن التاريخ سلسلة من التنازع والصراع الطبقي المحتوم منذ انحلال المشاعية البدائية ومجيء نظام الرق والعبيد ثم النظام الإقطاعي ونحن الآن نعيش امتداد فترة ظهور البورجوازية وتطورها إلى مرحلة الرأسمالية ثم المرحلة الرأسمالية الامبريالية ثم مرحلة العولمة المتوحشة التي هي مرحلة متقدمة ومتطورة من مراحل الرأسمالية وقد أشار إليها كارل ماركس في مؤلفاته. ومن خلال ذلك نستنتج أن النظرية الماركسية العلمية هي امتداد لجميع الحركات الثورية والانتفاضات الشعبية وكافة الأفكار التي تدعو إلى حرية الإنسان ورفع الظلم عنه وسعادته كما أن مرحلة العولمة هي امتداد للبورجوازية ولذلك فان النظرية الماركسية الخلاقة يعكسها تساؤل المفكر مارشال بيرمان فيقول (كيف يكون لرأس المال أن ينتهي والرأسمالية ما تزال على قيد الحياة)؟ ومن هذا وذاك ومن هنا وهناك يتأكد لنا أن النظرية الماركسية الخلاقة لا يمكن الاستغناء عنها أو التنكر لدورها وفعلها ما دام الظلم موجودا والاضطهاد والاستغلال موجودا والأمية والجهل والفقر والمرض والعوز موجودا فان النظرية الماركسية تبقى موجودة إلى أن تزول جميع هذه المظاهر من الوجود الإنساني).
إن النظرية الماركسية طريقة لتفسير التاريخ والاقتصاد والسياسة والحياة والنزعات البشرية كما هي دعوة لعمل وفلسفة تتناول جميع نواحي النشاط الإنساني وتتمحور وتصب فيه وبوجوده وسعادته ومستقبله الأفضل. إذن إن النظرية الماركسية ترتبط بعلاقات وطيدة وحميمة ومصيرية حميمية مع الإنسان ومن أجل الإنسان وبذلك تجعل من التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله نطاقا منطقيا ورباطا مقدسا من أجل الإنسان ومصيره وحياته، ما هي سعادة الإنسان ورفاهيته واستقراره وطمأنينته في الحياة الدنيا التي تعمل وتسعى لها النظرية الماركسية العلمية ؟
إن سعادة الإنسان ورفاهيته واستقراره وطمأنينته تتركز في الحواس الإنسانية كالنظر والسمع والشم والذوق والشهوات والغرائز وإشباع البطون الجائعة والثقافة والتعليم والمرض والجهل وإن جميع هذه المكونات إذا حرم الإنسان من واحدة منها فذلك يعني أنه يعيش في حالة الاغتراب والحرمان، فالنظرية الماركسية العلمية تناضل وتجاهد ضد اغتراب الإنسان ومن أجل توفير جميع الوسائل التي تشبع هذه الغرائز والشهوات والحواس الأخرى للإنسان. في النظام الاشتراكي الذي يسترشد بالنظرية الماركسية الخلاقة يكون إنتاج البضائع والسلع لحساب المجتمع كله ومن أجل تأمين الرفاه التام والتطور الحر الشامل لجميع أفراد المجتمع. إن الحاجات المادية والثقافية كالحاجة إلى الغذاء والألبسة والمساكن وإلى الكتب والمسارح والسينما يجب توفيرها لجميع أبناء الشعب التي تؤدي إلى ازدهار شخصية الإنسان وسعادته وإلى رقي أفراد المجتمع جسديا وروحيا. إن الدولة هي الجزء المكون الأهم للبناء القومي الاجتماعي والبناء القومي السياسي حيث في كل مجتمع تعين هذا البناء القاعدة الاقتصادية أي البنية التحتية في المجتمع والبنية القومية (هي مجموعة المفاهيم السياسية والقومية والدينية والجمالية والفلسفية مع جميع ما يطابقها من أوضاع ومؤسسات) وإن هذا البناء قائم على قاعدة المجتمع (البنية التحتية) الذي هو النظام الاقتصادي.
في الدول التي تسير وفق النهج الديمقراطي وتسود فيها حرية الرأي والتعبير وتعدد الأحزاب فان الحزب الذي يسترشد بالنظرية الماركسية يسعى للصعود السلمي إلى السلطة عن طريق بطاقة الانتخابات وصندوق الاقتراع لكي يستطيع أن يترجم ويجسد نهج العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الشعب وهذا العمل يتم انجازه من خلال التعبير والدفاع عن حقوق وحاجات جماهير الشعب وذلك عن طريق الاحتكاك والتغلغل بين جماهير الشعب ومد الجسور المبنية معها والتعبير عن آلامها وآمالها وكذلك مع المثقفين والأدباء وجميع شغيلة اليد والفكر لأن الصعود السلمي إلى السلطة يتم عن طريق بطاقة الانتخاب التي يحملها المواطن ويضعها في صندوق الاقتراع إن ذلك يتم وينجز من خلال تطبيق النظرية الماركسية حسب ظروف وطبيعة كل بلد حسب قاعدة جدلية الفكر الماركسي من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية كما طبقها القائد الفذ لينين حسب خصوصية وظروف روسيا عام / 1917 عندما حول الفلسفة الصورية والعلوم المجردة إلى صراع طبقي وحول الأزمات الخدمية والجوع والبطالة والمرض إلى شعارات مطلبيه جماهيرية للشعب وتحقيق أعظم انتصار ثوري للشعب الأعزل والمظلوم والمضطهد. إن لينين العظيم لم يحمل عصا سحرية يجذب بها جماهير الشعب ويقودهم إلى أعظم ثورة وإنما حوّل مظلوميتهم واضطهادهم وجوعهم إلى شعارات مطلبيه جماهيرية بذكاء وعبقرية فحقق الانتصار من خلال ذلك فان إنتاج الأفكار والوعي والتصورات مرتبط بالنشاط المادي والتعامل الذهني بين البشر الذي هو انعكاس للواقع الموضوعي وإن إنتاج الأفكار والوعي والتصورات يجب أن تتعامل مع الإيديولوجية الماركسية باعتبارها الواعية والمدركة للعلاقة العضوية بين البنية الفوقية كفكر سياسي واقتصادي واجتماعي والبنية التحتية (جماهير الشعب) ومن النشاط العلمي للجماهير الشعبية تظهر أفكار واستنتاجات تعالج جميع الظروف والأحداث المستجدة على الساحة السياسية مما يؤدي إلى إفراز أفكار واستنتاجات جديدة تنسجم مع الطرح النظري والنشاط العملي الجماهيري أو تختلف معها في الرأي والاجتهاد وهذا يتطلب من قيادة الجماهير قوة الملاحظة وعمق التفكير والمراقبة فيجري التغير في الميدان العملي وتسير الأمور منسجمة مع الأهداف الجماهيرية.
إن الإيديولوجية تمثل (كتلة تاريخية) فتتعامل مع القوى المادية التي يطلق عليها (المحتوى) ولا يمكن فهم القوى المادية (المحتوى) بدون الإيديولوجية (الشكل) ونتيجة لارتباط الإيديولوجية (الشكل) مع القوى المادية (المحتوى) لذلك لا يمكن فهم الإيديولوجية بصورة مجردة بدون القوى المادية (المحتوى). إن الإيديولوجية تمثل البنية الفوقية (الشكل) والبنية التحتية تمثل جماهير الشعب (المحتوى) ومن خلال التغيير والنشاط والعمل تتغير طبيعة (المحتوى) جماهير الشعب بتأثير من (الشكل) الذي هو الوعي الفكري الخلاق (الإيديولوجيا).
يقول المفكر الشيوعي (غرامشي) في كتاب (غرامشي حياته وأعماله) :
(إذا كان صحيحا أنه لا يمكن فهم الإنسان كانسان محدد تاريخيا أي أنه تطور وعاش ضمن شروط معينة (في إطار اجتماعي محدد أو مجموعة من العلاقات الاجتماعية المحدودة) فهل يمكن فهم علم الاجتماع على أنه يقتصر على دراسة هذه الشروط والقوانين التي تحكم تطورها ؟ بينما لا يمكن استبعاد إرادة ومبادرة الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، فانه لا يمكن لهذا المفهوم إلا أن يكون خاطئا .. لأننا حينما تأخذ مشكلة (العلم) مثلا : أليس العلم نفسه (نشاطا سياسيا) وتفكيرا سياسيا من حيث أنه يقوم بتطوير مدارك الناس وإنارة عقولهم ؟ وإن الإيديولوجية الفكرية التي هي مبدأ الحزب الشيوعي يجب أن لا تعتبر شيئا مفروضا على الأقل بشكل مصطنع وإنما هو شيء يتطور تاريخيا من خلال الصراع المستمر.
إن على الحزب الشيوعي أن يجمع 1) المبدأ 2) (الطبيعة التاريخية لأعضائه) التي هي من فعل الإنسان 3) الحركة التاريخية الحقيقية (ديناميكية الثقافة الخاصة) التي يعمل الحزب من خلالها التي هي من فعل التاريخ وخارجة عن إرادة الإنسان.
إن العنصرين الأول (المبدأ) والثاني (الطبيعة التاريخية لأعضائه) يمكن السيطرة عليهما بالإرادة المشتركة عن طريق الحزب الشيوعي. أما العنصر الثالث (الحركة التاريخية الحقيقية) أي الإيديولوجيا التي هي الديناميكية الثقافية الخاصة التي يعمل من خلالها الحزب، فإنها تتفاعل وتتصارع مع العنصرين (المبدأ والطبيعة التاريخية لأعضاء الحزب) ويسبب صراعا نظريا وعمليا لا يتوقف وإنما يفرز نتاجا جديدا يرفع من خلاله جهاز الحزب الشيوعي إلى وعي فكري جماعي أكثر ارتفاعا وتقدما وتطورا في مستواه في فهم ثقافة الحزب وإيديولوجيته.
إن هذه القاعدة (الإيديولوجيا) حينما تتفاعل وتتعامل مع أعضاء الحزب يكون تأثيرها متباينا ومتنوعا من حيث اختلاف الأعضاء من حيث التكوين الشخصي والوعي الفكري والاندفاع النفسي والانحدار الطبقي وتأثير البيئة والذكاء وعمق التأثر بالفكر الإيديولوجي والتجاوب والتفاعل معه. كل هذه المؤثرات تجعل الاختلاف بين الأعضاء ولذلك تظهر إفرازاتها من الممارسة والنشاط الحزبي ومواجهة الصعاب والمواقف الحدية وهي لا تختلف بين شغيلة اليد أو الفكر أو أي إنسان آخر وإنما تظهر المصداقية والصمود من خلال تغلغل الوعي الفكري العقائدي والمبدئي في العمق النفسي كما يعود ذلك إلى الانحدار الطبقي أيضا وتكوين شخصية الإنسان ونفسيته ووعيه وإدراكه وقد تبين ذلك من خلال حدوث الزلزال الذي أدى إلى تفكك دول المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الاشتراكي فكان البعض من أعضاء الحزب يتمنون حدوث ذلك كي يلقوا باللائمة والمسؤولية على النظرية الماركسية وتبرير هروبهم من الحزب الشيوعي وكما يقول الراحل العالم الاجتماعي الدكتور علي الوردي : (إن الإنسان من أجل أن يثبت وجهة نظره وحتى يصدقه الناس يأتي بالأدلة العقلية والنقلية التي تؤيد وجهة نظره) ولكن الواقع الملموس والحقيقة أثبتت من خلال التاريخ ومصداقيته (إذا عجز التطبيق عن متابعة النظرية فلا بد من وجود خلل في التطبيق) لأن ماركس حينما أنجز نظريته الخلاقة قال : (لقد انشغل الفلاسفة في تفسير العالم، أما الآن فالمهم تغييره) ثم قال (إن الناس لا يصنعون التاريخ على هواهم بل عبر شروط موضوعية قائمة) وهذا يعني أن التغيير يأتي من خلال معرفة القوى المادية الفعالة والمحركة في المجتمع من خلال ترجمة الأفكار إلى واقع مادي ملموس وليس محصورا بمستوى الأفكار بالرغم من عالمية الفكر الماركسي إلا أنه يبقى وليد محيطه الجماهيري لأن ولد من رحم ثقافتها ويبقى مرتبطا بها وبوعيها الفكري ومعرفتها. كما أن التغيير ليس الخروج من التاريخ وإنما حواره مع الحاضر من وخلال امتداد الماضي للحاضر والاستفادة من الماضي دروسه عبر فحص التجربة وتصويب مسارها مما يؤدي إلى استحداث سياسة جديدة من خلال الاستفادة من تجارب الماضي وصهرها بالحاضر وتحويلها إلى حالة جديدة من خلال التحليل النقدي وتصويب الخطأ.
قامت النظرية الماركسية على تحليل النظام الرأسمالي ونقده والقضاء عليه باعتباره يقوم على الاستغلال والاغتراب والظلم والحرمان والجوع والعوز والاضطهاد.
من خلال عرض الموضوع كدعوة ماركس إلى تغيير العالم، واختيار القوى المحركة الفعالة وعالمية الفكر الماركسي ولكنه يبقى وليد محيطه الجماهيري أي أن للفكر الماركسي خصوصية من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية فإننا نستنبط ونستدل من جميع هذه المقولات والأفكار بأن الجوع والحرمان والبطالة والاستغلال والاضطهاد والعوز واحد من حيث المضمون والشكل في جميع أنحاء العالم فان الإنسان إذا رمي في شارع البطالة في أية بقعة من العالم وفي أي زمن فانه يصبح عاطلا عن العمل ويقاسي ويعاني من الحرمان والجوع .. وهل تختلف معدة الإنسان منذ أن وجد في هذا الوجود إلى الآن وفي أي مكان عن معدة إنسان آخر وشعوره بألم الجوع وحينما يخضع إنسان إلى الاستغلال والعمل عشرة ساعات مع أجور قليلة وعمل مرهق هل يختلف فيه الإنسان إذا كان في أقاص آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو في العراق ومن خلال ذلك نستشف ونستدل أن جميع عمليات الاغتراب أين ما وجدت هي واحدة وتتأثر بها حواس الإنسان التي هي وسيلته ومستلزماته في الحياة الدنيا منذ اختلاق الطبيعة ووجود الإنسان فيها وإلى الآن يعاني الإنسان من ظلم أخيه الإنسان واضطهاده وحرمانه واستغلاله وبما أن النظرية الماركسية وجدت وتمحورت جميع مكوناتها حول الإنسان فهذا يعني أن النظرية الماركسية وجدت لإنقاذ الإنسان من معاناته والأمة وهي من أجل ذلك لا يمكن تنفيذه بدون عناصر مؤقتة ومدركة بقوانين النظرية الماركسية ومستعدة للعمل والنضال والتضحية من أجلها والظرف الآخر الذي يجب أن يتناسق مع العمل هو الوعي الفكري الخلاق الذي يستطيع به الإنسان أن يدرك ويعرف طبيعة الناس والسلوك والقيم الروحية التي يجب من خلالها التعامل معهم والجزء الآخر والمهم هو مد الجسور إلى جماهير الشعب وتوطيد العلاقة الحميمة معهم لأنهم القوة المحركة والمقتدرة على التغيير باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية والجزء الرابع والمهم هو توفير نهج وسلوك وأسلوب للعمل المنظم والدقيق الذي يتجسد في الضبط والالتزام الذي يعبر عنه بالنظام الداخلي الذي يعكس فقراته عمق الالتزام ومتانة وقوة التنظيم.
لماذا النظرية الماركسية تفرض حاجتها إلى مثل هذه القوانين ؟
إن الإنسان الشيوعي هو الذي يدرك واقعة المؤلم والمزري فينخرط في غمرة النضال من أجل تغيير ذلك الواقع، من الطبيعي أن هذا الإنسان حينما ينخرط في صفوف الحزب يحمل معه جميع سلبيات مجتمعه والواقع الذي كان يعيش فيه ومعها الإرادة والتصميم والإصرار وكما بينا في موضوع سابق أن هذا الإنسان حينما انخرط في صفوف الحزب يجب أن يعرف ويتعلم جميع طرق ومسالك خارطة الحزب وموسوعته الفكرية والثقافية والعلمية لأن عمله ونشاطه سوف يكون مع جماهير الشعب ومن أجل سعادتهم ورفاهيتهم فينصهر معهم في بودقة واحدة مما يستوجب عليه أن يتثقف ويتعلم أفكار الحزب وغاياته وأهدافه في بناء الوطن الحر والشعب السعيد لكي يصبح إنسانا له القدرة والإمكانية على محاورة ومناقشة الناس وإفهامهم أفكار الحزب وثقافة الحزب الذي يعمل لها ويناضل من أجلها عند ذلك يصبح عنصر جذب وحب واحترام الناس عن طريق الوعي الفكري والعلاقة الحميمة مع الجماهير وبناء العلاقة الطبية معهم ومد الجسور المبنية بهم. إن ضعف الوعي الفكري والثقافة الإيديولوجية ستجعل من الإنسان المحارب يدخل الحرب بدون سلاح كما تؤدي إلى خلل في العلاقات الحزبية بين الأعضاء مما ينتج عدم التجانس الاجتماعي وخلق الاختلافات في النزوات والعواطف والآمال والأفكار كما يؤدي إلى ضعف الرابطة العضوية الإيديولوجية وإلى تنمية وتعزيز وتعميق روابط المصلحة الأنانية الخاصة والحساسية بين الأعضاء وإلى التكتل والانحيازات العاطفية والتجمع حول الأشخاص ذات النفوذ الواسع وأود هنا أن أبين معنى الإيديولوجيا (هي جملة أفكار وتوجهات نظرية تعبر بها الطبقة المحددة عن وضعها النفسي والاجتماعي وتحاول عكسها بأشكال مختلفة أثناء دفاعها عن مصالحها وتعبر بها أيضا عن مستوى الفهم والوعي الاجتماعي والتنظيمي والسياسي وأساليب قيادة الصراع والتحالفات ومستوى فهم القوانين للتطور الاجتماعي) ويقول المفكر الشيوعي الايطالي (غرامشي) عن الإيديولوجية (أنها الأفكار السائدة التي تشكل (الاسمنت الاجتماعي) الذي يوحد النظام الاجتماعي السائد ويضفي عليه التماسك).
وفي هذه المناسبة أوضح نبذة مختصرة عن دور القائد الفذ لينين في ترسيخ وبناء التنظيم وتأسيس الحزب الشيوعي الروسي (كان لينين أول من وضع الأسس الراسخة للبناء التنظيمي في الحزب الشيوعي والذي تحول اسمه من الحزب البلشفي الذي لا يزال يسمى حزب روسيا العمالي الاجتماعي الديمقراطي فيصبح اسمه (الحزب الشيوعي) في مؤتمر عقده الحزب في آذار / 1918 بعد انتصار ثورة أكتوبر / 1917 بقيادة لينين وتحالف العمال والفلاحين. وقد يبين لينين أن التنظيم يخلق الإرادة والتصميم والإصرار ويرسخ العمل السياسي والإيديولوجي في الحزب ويعزز ويرسخ وحدة العمل للطبقات الكادحة والمحرومة والمضطهدة ويحقق الأهداف التي يناضل من أجلها الحزب، وقد بلور لينين هذه الفكرة التي تعبر عن الانضباط والالتزام التي تسود في صفوف الحزب عن طريق الاصطفاف والتنظيم لأعضاء الحزب في بناء تنظيمات منضبطة تسودها وحدة الإرادة والتصميم والإصرار والتكاتف والانصهار في وحدة الحزب والتضحية من أجله ومن دون ذلك لا يمكن للحزب أن يحقق أهدافه النبيلة وطموحه المشروع بدون هذه التنظيمات المنضبطة والملتزمة).
هنالك ملاحظة أود الإشارة إليها وهي التناقض بين الرفيق الجديد الذي يدخل الحزب لأول مرة والرفيق القديم ومن أجل تذليل التناقض بين المتراكمات من مخلفات واقعة المتأخر والمزري التي تظهر على شكل صراع في العلاقات الرفاقية من خلال المتراكمات والرواسب الأنانية الفردية في وعي بعض أعضاء الحزب الجدد والقدامى وطبيعة نمط حياتهم وضعف الوعي الفكري والإيديولوجي والثقافي الذي يجد انعكاسه من خلال سلوكهم وتصرفاتهم الذي هو امتداد لنمط حياتهم القديمة ولذلك يجب على جميع أعضاء الحزب من أجل تجاوز السلبيات في السلوك والتصرف والعلاقات ليس فقط بين رفاق الحزب وإنما مع جماهير الشعب سلوك وإتباع طريق الوعي الفكري الخلاق الذي ينسجم ويخدم وحدة الحزب وسياسته العامة.
لو .. أن

إن أي متتبع للأحداث السياسية في العالم يلاحظ أن أية دولة تتعرض لخطر خارجي أو كارثة داخلية تبادر جميع القوى السياسية والجمعيات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بالتكاتف والتحالف من أجل إنقاذ الوطن المهدد بالاحتلال أو الكارثة التدميرية وتؤلف على ضوء ذلك حكومة ائتلافية تسمى حكومة الطوارئ لمواجهة الأخطار التي تهدد الوطن وإنقاذه من محنته.
أما نحن في وطن العراق المذبوح وشعبه المستباح منذ 9/4/2003 ولحد الآن نعيش في جدلية النقاش البيزنطي (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة) حتى تراكمت السلبيات وأصبحت مرضا عضالا من الصعوبة إيجاد العلاج الشافي الذي يعيد له الحيوية والنشاط حسب القاعدة (إن التأخر في انجاز الايجابيات تؤدي إلى إفراز السلبيات). ولو وجهنا مرصد البحث والتحليل لهذه الظاهرة التي أصبحت تسير من سيء إلى أسوأ أصبحنا بعد مضي ستة سنوات وعدة أشهر على انتقال العراق من الحكم الشمولي الدكتاتوري إلى حكم يطلق عليه (الديمقراطية) ولا زلنا نراوح في مكاننا وإنما في بعض الأحيان أفرزت سلبيات جعلتنا نفقد القدرة والصبر، لماذا هذه الخارطة المضطربة والمرآة الضبابية الرؤيا والمطبات والحفر التي تملأ طريق مسيرته وتعرقل تقدمه وتكوره ؟
هنالك عدة تفسيرات يمكن أن نشير إليها :
1- إن التغير لم يتم وينجز من قبل الشعب العراقي وإنما من قبل قوى خارجية لها وزنها وثقلها الدولي وأصبحت بعد تفكك المعسكر الاشتراكي هي القطب الأوحد والقوة العظمى في السياسة الدولية وللمبالغة بقوة وقدرة هذه الدولة (الولايات المتحدة الأمريكية) أصبحت منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها كمجلس الأمن وغيره من الدوائر التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، وحينما حركت الولايات المتحدة الأمريكية أساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها ومئات الآلاف من الجنود والمرتزقة وصرفت المليارات العديدة من الدولارات إضافة للقتلى والجرحى ليس من أجل سواد عيون الشعب العراقي وإنما هنالك مصالح خططت لها ورسمت إستراتيجيتها من قبل الاستخبارات الأمريكية والعقول الالكترونية ونفذتها وزارة الدفاع الأمريكية وهذا المشروع الجهنمي الذي كتب عنه الدكتور صالح ياسر في مجلة التضامن (المجلة الدورية يصدرها المجلس العراقي للسلم والتضامن العدد الثاني / شباط / 2007) بعنوان (بعض رهانات الإستراتيجية الأمريكية نظرية الفوضى البناءة) وقد كتب في ديباجتها يقول (في ظل لوحة بالغة التعقيد يختلط فيها الحابل بالنابل تبدو الحاجة ملحة إلى تلمس جديد الإستراتيجية الأمريكية خصوصا ونحن في مواجهة سياسية خارجية هجومية تضرب (تحت الحزام) بدأ من إعلان مبدأ بوش أو الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي في 20ديسمبر / 2002 ثم تطبيقاتها العملية اللاحقة. والخلاصة لسنا أمام تصورات عمومية بل أمام إستراتيجية من لحم ودم ذات أهداف واضحة في فصاحتها وآليات تنفيذية وضعت بالفعل وهي تبدو مثل حادلة ضخمة تسوي الأرض لتنفيذ مشروعها الهيمني على الصعيد العالمي).
2- بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المرقم (1483) القاضي باعتبار دولة العراق محتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتم تعيين بول بريمر حاكما عاما على العراق وهذا الشخص يعتبر الخبير والمهندس في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية (الفوضى البناءة) في العراق وعلى يده وعقله نمت وترعرعت من جديد النزعة الطائفية والقومية والعشائرية أثناء تكوين مجلس الحكم لإدارة السلطة في العراق بعد أن خفقت هذه الظاهرة وكادت تختفي وتذوب نهائيا بين أبناء الشعب العراقي بعد ثورة الرابع عشر من تموز / 1958، لأنها برزت بشكل مخيف واستعجلت إلى حد القتل والخطف والتهجير بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة فتغلغل الحقد والحساسيات والمصالح الأنانية بعد أن كانت المودة والمساعدة واحترام الجار وابن المحلة وغيرها من القيم والأصول الإنسانية حتى أصبحت هذه الظاهرة تمتد بجذورها المدمرة في الجيل الناشئ من الشباب الذي لم يعرف أو يسمع في السابق وأثناء نشوئه في مثل هذه الأفكار والأحقاد التي تفرق أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد.
3- الآن نتطرق إلى الأحلام الوردية والطموحات الرومانسية وتحشر كلمة (لو) في الموضوع فأقول لو أن التغير حدث من قبل الشعب العراقي هل حدثت هذه الظاهرة (الطائفية والقومية والعشائرية) بالتأكيد لم تحدث ولا يمكن أن تحدث بالرغم من أن الأحزاب المختلفة قد اختفت أو تكاد تنتهي في عهد دكتاتورية وشمولية صدام حسين ذات الحزب الواحد إلا أن جذور الأفكار الوطنية والتقدمية لا زالت مغمورة وتعيش في أعماق قلوب أجيال الأربعينيات والخمسينيات حيث كانت الأحزاب ذات نزعة علمانية وتضم في صفوفها مختلف التيارات الدينية والقومية ولا زالت تلك القوى إلى يومنا هذا موجودة وحية وقائمة إلا أن ما يؤسف له فراغ الساحة العراقية من قيادات سياسية وأحزاب من ذلك النوع والتجسيد الذي يستطيع مد الجسور إلى تلك العناصر والنخب المناضلة بدلا من تهميشها وإهمالها فأصبحت تشكل الأكثرية الصامتة في الشعب العراقي المظلوم.
4- لو أن بوش الأب نفذ قراره بعد تحرير دولة الكويت وواصل الجيش الأمريكي مسيرته واحتلاله بغداد في الوقت الذي كانت فيه قوات ومناضلي الانتفاضة سنة 1991 تحتل أربعة عشر محافظة وتفرض سيطرتها عليها، هل كان أن يحدث ما هو قائم الآن ويحدث في كل مكان وسيستمر حتى تحقيق الإستراتيجية الأمريكية المشؤومة ؟ كلا لا يمكن أن يحدث لأن جماهير الشعب المناضلة هي التي كانت تقود الشعب في تلك المحافظات الأربعة عشر التي احتلتها وتدير شؤونها وسلطتها وجميع أبناء الشعب العراقي قد منحها ثقتها وتأييدها، وهنالك احتمال واحد وهو ضعيف بمغامرة الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال المحافظات التي تحتلها ويسيطر عليها مناضلي الانتفاضة الباسلة، وهذا يعني الاصطدام مع تلك القوى المناضلة وهذا يعني أيضا أن يهب الشعب بمجموعة بثورة عارمة ضد الاحتلال الأمريكي وهذا التصرف ليس بصالح الولايات المتحدة الأمريكية داخل أميركا وفي العالم قاطبة لأن الولايات المتحدة استحصلت على قرار من مجلس الأمن الدولي بتحرير دولة الكويت من القوات العراقية المحتلة ومن ثم معاقبة المعتدي (صدام حسين) وليس الشعب العراقي، ولكن بعد أن لعبت المصالح القذرة دورها فتوقف زحف القوات الأمريكية نتيجة تدخل دول الجوار فانقلبت المقاييس وأصبح الأسود أبيض والأصفر أخضر وأصبح العقاب من نصيب الشعب العراقي حينما فرض الحصار عليه واستعداد مجلس الأمن الدولي قرارات البند السابع السيئة الصيت التي لا زالت تلاحقنا إلى يومنا هذا.
5- لو كان صدام حسين لم يقم بمغامرته (احتلال الكويت) هل كان الذي حدث في العراق العظيم وشعبه المناضل وامتد بإخطبوطه المدمر إلى يومنا هذا، إن الذي حدث ليس من اختيار أحد وإنما هو مخطط وفق برنامج وإستراتيجية أفرزتها عقول رأس المال الأمريكي الذي يخطط ويبرمج وفق العقل الالكتروني والحسابات التي تفرضها مصالح الرأسمالية الأمريكية بعد أن استحوذت سياسيا على العالم فإنها تريد أن تستحوذ اقتصاديا على العالم أيضا حتى تكتمل زعامة وقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إن من مخططاتها المستقبلية هو (القوس النقطي الذي يبدأ من العراق ويمر بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي حتى بحر قزوين) حتى تستطيع أن تمسك بقبضة حديد على رقاب جميع الدول الصناعية مثل الصين وفرنسا وغيرها وهذه الإستراتيجية وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد حادث المفاعل النووي الروسي في (جور نوبل) عام / 1984 وعند مقارنة تكاليف إنتاج الطاقة النووية ومخاطرها واستعمالها في الإنتاج الصناعي والتدفئة وغيرها مع إنتاج برميل النفط الذي يكلف الرأسمال الأمريكي (30دولار للبرميل الواحد) ولذلك آن الأوان للولايات المتحدة وفراغ الساحة الدولية بعد تفكك المعسكر الاشتراكي فقامت بتنفيذ الفقرة الأولى من إستراتيجية (احتلال العراق) بحجة امتلاكه واستعماله أسلحة الدمار الشامل.
6- نتيجة فشل انتفاضة الشعب العراقي عام / 1991 وبدلا من معاقبة المعتدي في احتلال دولة الكويت في شهر آب عام / 1990 فرض الحصار على الشعب العراقي واستقلت منطقة كردستان وانفصلت عن الإدارة المركزية في بغداد التي كانت تحت حكم صدام حسين وأدت هذه التطورات والظروف الأخرى إلى هجرة ملايين العراقيين إلى أرض الله الواسعة في مختلف بلدان العالم ولكن هنالك ظاهرة أفرزتها الحرب العراقية الإيرانية وقيام حكومة صدام حسين بتصفية القوى المعارضة داخل العراق والذي دفعها إلى الهجرة والتمركز في دول الجوار كإيران وسوريا ومنطقة كردستان المحررة واستطاعت هذه القوى المعارضة من تشكيل ميليشيات عسكرية كمنظمة بدر في إيران وقوات الأنصار الشيوعية في كردستان وكذلك قوى أخرى تابعة للمعارضة العراقية كما نشطت المعارضة السياسية في إيران وسوريا وكردستان وهذه المناطق مجاورة ومتداخلة مع الأراضي والمدن العراقية.
والآن نتساءل ونعود إلى (لو البنفسجية) فأقول كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعد العدة والتجهيزات وتحرك البوارج والبواخر وتحشد الجيوش من أجل التدخل في العراق لإسقاط حكومة صدام حسين التي تخفي وتمتلك أسلحة الدمار الشامل.
كان أكثرية الشعب العراقي يطمح ويتمنى زوال حكم صدام حسين حتى بواسطة القوات الأمريكية لأنه كان يعيش في شظف العيش والجوع والبطالة والضغط السياسي وإجبار الكسبة وأبناء الشعب الآخرين بترك عملهم والانضمام والتجنيد في جيش القدس (أحد تنظيمات الجيش الشعبي) وكانت التنظيمات الخاضعة لسلطة صدام حسين تحصي وتراقب وتقمع أية حركة أو كلام وكما قال الأستاذ زهير الجزائري في كتابه الموسوم (الاستبداد) : (إن الخوف يخلق الطاعة والاحترام) وسط هذه الأجواء المتأزمة داخليا شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربها على العراق، وهنا نتساءل .. أما كان على منظمات بدر والأنصار والقوات الأخرى أن تبادر منذ سقوط أول صاروخ أمريكي على بغداد إلى التدخل في المدن القريبة من تواجدهم وخلق انتفاضة مسلحة واسعة مع العلم إن أكثرية الجيش العراقي وتنظيمات حزب البعث قد أصابها اليأس والملل والإحباط من تصرفات وسلوك صدام حسين في سياسته الداخلية والخارجية، وكان من السهولة أن تبسط هذه الميليشيات سلطتها على المدن لانشغال الجيش العراقي وتنظيمات حزب البعث في مواجهة الجيش الأمريكي .. أقول (لو) حدث هذا وتحكم المعارضة سيطرتها على المدن العراقية وتشكيل حكومة مؤقتة من المعارضة والطلب من المؤسسات الدولية بإيقاف الحرب ودخول الجيش الأمريكي إلى العراق وانسحابه من المدن الذي استطاع من احتلالها.. وبضغط من الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية سوف تفرض على الولايات المتحدة الأمريكية إرادة الشعب العراقي بحكم نفسه بنفسه وحل جميع مشاكله بالتعاون مع المؤسسات الدولية على أساس دولة العراق مستقلة وذات سيادة .. لو حدث ذلك لتوفر علينا فرض الاحتلال والظروف المأساوية التي نعيشها من إرهاب ومفخخات وعبوات ناسفة وتهجير وقتل واختطاف وجوع وبطالة وطائفية وقومية وفئوية وعدم تدخل دول الجوار وإرسال المخربين والإرهابيين لتصفية حساباتهم مع الأمريكان على الأراضي العراقية ويذهب ضحية التفجيرات والقتل والإرهاب الشعب العراقي الذي ليس له ناقة ولا جمل في هذه المعمعات والتصفيات الحسابية .. ولو أنجز ذلك لتغيرت كل الصور والأشكال التي فرضت علينا نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق ولا نبعث حكومة وحدة وطنية مستمدة من قرار الشعب وإرادته ولاستطاع العراق أن يصل وينجز مرحلة مهمة من التقدم والتطور ويعيش بأمن وسلام واطمئنان ورفاهية وسعادة.
والآن كما يقول الشاعر ابن الراوندي :
كل ماض ٍفات والمؤمل غيب ومالك إلا الساعة التي أنت فيها
من خلال هذه الأحلام البنفسجية والطموحات الطوباوية بينما العولمة المتوحشة تقف على أبواب حدودنا تنتظر انتهاء مرحلة إستراتيجية (الفوضى البناءة) حتى تدخل الشركات العملاقة للرأسمال العالمي التي خسرت المليارات من أجل هذه الفرصة المناسبة.

ما هي المهمات الأساسية التي تواجه العراق وشعبه في المرحلة القادمة ؟
من المهمات الأساسية التي تواجه جميع التيارات التقدمية والديمقراطية والوطنية والقومية والإسلامية في جميع أنحاء المعمورة وليست في منطقة محددة إلى إنضاج وتكوين أممية جماهيرية واسعة قادرة على تنظيم مواجهة ناجحة ضد التحالف الرأسمالي المعولم ومغامراته العسكرية وسطوته وجبروته وتدخلاته التي تهدد الكون بالدمار الشامل إضافة إلى نهبها الكارثي واستغلالها الجشع واضطهادها لجميع الشعوب الفقيرة والمضطهدة بما فيها شعوب الدول الرأسمالية نفسها حيث يقول لينين : (ليست هنالك دولة تستعيد شعوب دول أخرى وشعبها حر).
إن أية قوة بمفردها أو منظمة عالمية صغيرة ليس بإمكانها مواجهة شرور العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة لما تتمتع به من إمكانيات واسعة وكبيرة التي تشمل المؤسسات المتشعبة في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية جعلتها ذات قدرة كبيرة ومتطورة تخترق من خلالها جدران البيوت وليس حدود الدول فقط فأصبحت هي القوة النافذة والمسيطرة ولذلك يجب تحشيد وتحفيز أوسع جماهير الشعوب المتضررة من هذه الظاهرة وغير ذلك سوف تصبح المواجهة غير متكافئة ولا متوازنة لأنها أصبحت تمتلك مقدرة من الرؤيا الموحدة للعالم تحتفظ بها وتخلق من خلالها التكتلات والاضطرابات في الدول الضعيفة وتحطم كل القوى والعقول التي تقف في طريقها وتعرقل مسيرتها كما تستطيع عن طريق أجهزتها الإعلامية أن تشوش الأفكار تثبط الهمم وفقدان الاتجاه الصحيح. إن مثل هذه القوة الغاشمة تتطلب قوة جماهيرية واسعة ذات طابع أممي تقف في مواجهتها وتكبح جماحها الشرس وتحدد من اندفاعها نحو أهدافها المدمرة ومن خلال ذلك نستطيع أن نجعل من التقدم العلمي التكنولوجي والثورة المعلوماتية إلى عنصر إيجابي يصب في مصلحة الشعوب الفقيرة والمحرومة ويساهم في تقدمها وتطورها وسعادتها وازدهارها. إن الحاجة ملحة وضرورية إلى قيادة جماعية واعية ومؤمنة بقضيتها ومدركة لمهماتها الآتية والمستقبلية تستطيع تنظيم وقيادة جماهير الشعب الواعية.
إن الخلل الموجود والمعرقل لوحدة القوى التقدمية والديمقراطية والوطنية ناتج عن انعكاس واقع قيادتها التي لم تشعر بآلام الشعب وظروفه الصعبة وما يواجهه ويصب عليه من مصائب وآلام وحرمان واضطهاد. بعد أن كانت هذه القيادات تمتلك قيادة وراهنية الأحداث وتشخص الواقع واحتمالاته المستقبلية وتنذر وتحذر من وقوع الكارثة للعولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة. إن توقعات الأحداث حول مستقبل الواقع بانت تتطلب وتستحق دراسة فائضة وأشد اتساعا وتصميما لأن المرحلة القادمة غير مهمة ولا غامضة وإنما واضحة وتوقعاتها واحتمالاتها تحمل في طياتها ما تؤكدها حقيقة الأحداث على الساحة السياسية لذا يجب التهيؤ لها والتأهب والاستعداد لتوقعاتها واحتمالاتها والدلائل تشير إلى انعدام التناسب بين الأهداف والوسائل المطروحة في السياسة العامة وهذا لا يتناسب أيضا بين التوقعات الغامضة والمبهمة وانعكاسها على الساحة السياسية وما سوف تفرزه الأحداث وتفاجئ القوى التقدمية والديمقراطية والوطنية والتيارات الأخرى من مفاجآت تترك أثرها مقدارا مهما وكبيرا من حالات الإحباط والتخاذل والهروب من الواقع، ونحن نعيش في صخب المسؤوليات بين الجهات أصحاب القرار لا نسمع سوى تضخيم الكلام والمغالاة في المزايدات الهرجية. بالرغم من كل التوقعات والاحتمالات ومن أجل معرفة الظاهر والباطن من الأمور والاستعداد لها وذلك لا يتم إلا من خلال التجربة والبحث والتحليل للمعرفة والحقيقة الموضوعية وعدم ضياع أسسها ونسيان مسبباتها مما يؤدي إلى فقدان صلة الوصل والجسور بين الماضي والحاضر والتجربة وسلبياتها وإيجابياتها لكي نكون أكثر خبرة ومعرفة في المستقبل والمسلك الوحيد لفك لغز ومعرفة رموز مشاكلنا ومستلزمات واقعنا وثقة جماهير الشعب بمصداقيتنا بخصوص مستقبلنا الذي نطمح به والذي من خلاله يجب دراسة التجربة ومناقشتها من جميع جوانبها بأفكار عميقة وعقول ثاقبة بصياغة جديدة تتجسد فيها المعقول مع الواقعية والمصداقية والوضوح في الرؤيا، لأن واقعنا الموضوعي لا يحتمل أكثر من الذي حدث حيث لا يمتلك الشعب القابلية للعيش فيه في ظل نظام رأسمالي معولم يقيم فيه الإنسان ويتعامل معه كما يتم التعامل مع السلعة في السوق حسب العرض والطلب. لذلك إن أحكام الضرورة تفرض وجود قوة تقدمية فعالة من خلال منظار واقعي واسع للتاريخ المعاصر بجميع شغيلة اليد والفكر والفلاح والبورجوازي والصغير والمتوسط والحرفي والمنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والبيئة والطبيعة حتى تستطيع الوقوف بصمود وإرادة أمام تيار العولمة المتوحشة وبناء العدالة الاجتماعية لجميع أبناء الشعب.
لقد أشرت إلى موضوع العولمة في عدة مواضيع في هذا الكتيب وفي السابق لأني من خلال مطالعاتي حول العولمة توصلت إلى أن أطلق عليها (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) واختصرت وصفها وأعمالها الشريرة بأنها : (تسلب الإنسان إنسانيته وتعتبره سلعة تعرض في السوق خاضعة للعرض والطلب وهي تدمر الطبيعة تدميرا منظما وعشوائيا في سبيل استغلال كل ما فيها وعصرها عصرا بحيث تفرز جميع محتوياتها وهي منبع لتلوث البيئة ونشر الأمراض كتوسع طبقة الأوزون الذي يؤدي إلى تسرب الأشعة فوق الحمراء التي تسبب الأمراض والموت للشعوب وتؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض وتصحرها بسبب التأثيرات المناخية).
إن مرحلة العولمة هي امتداد للبورجوازية التي ظهرت في القرن الثامن عشر وتطورت إلى مراحل متعددة كالرأسمالية الامبريالية والاحتكارية والآن تدخل آخر مرحلتها (العولمة) التي بعدها تركب راحلتها إلى نهايتها فتدفن في مقبرة التاريخ وظاهرة العولمة يمكن تشبيهها بالإنسان الذي يصل إلى أرذل العمر ويعلم أن رحيله من هذه الدنيا أصبح وشيكا فتجعله هذه الظاهرة (فراق الحياة الدنيا) إلى التشبث بآخر وسيلة من أجل الحياة ويصبح في بعض الأحيان في حالة لا هي إنسانية ولا حيوانية في تصرفه وسلوكه ويصبح مثله كقول الشاعر أبا فراس الحمداني حيث قال :
(إذا مت ظمآنا فلا تزل الفطر)
ولذلك نجد العولمة مستميتة ونجازف ونغامر في كل شيء من أجل استمرارية وجودها (وقد تنبأ كارل ماركس قبل 150 سنة أي عندما أصدر مع رفيقه فريدريك أنجلس عام 1848 (البيان الشيوعي) بطبيعة الاقتصاد العالمي في القرن الواحد والعشرين وذلك من خلال استناده على تحليل المجتمع البورجوازي حيث حلل التطور الرأسمالي على المستوى العالمي وأكد على ولادة الاقتصاد الدولي المعولم أمر ملازم لتطور الإنتاج الرأسمالي ونتنبأ بأن هذه العملية ستولد نزاعات عنيفة وأزمات اقتصادية ومظالم اجتماعية على نطاق واسع) وقد صرفت تنبؤات ماركس ففي سنة 1997 حدثت الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا وفي عام 1999 حدثت الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين وأخيرا وليس آخرا حدثت أزمة القروض العقارية عام 2006 في الولايات المتحدة الأمريكية ولازالت آثارها وتفاعلاتها حتى عام 2009 وقد وصف الخبراء هذه الأزمة وشبهت بالحرب العالمية الثالثة لآثارها التدميرية وليس غريبا ذلك لأن الاقتصاد الرأسمالي يمتاز بالأزمات الدورية إلى أن يضعف وينهار ويتفانى تحت الأزمات الاقتصادية وضربات الشعوب المناضلة.
منذ انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي أرست بداية تقلص ميدان سيطرة رأس المال دخلت الرأسمالية مرحلة الأزمة العامة التي غطت كافة مجالاتها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية وهذا يدل على أن الرأسمالية لم تعد تحتكر حل القضايا الدولية وتقف عاجزة عن عجلة التاريخ إلى الوراء ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي وانفراد الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة التقدم التكنولوجي العلمي الهائل والثورة المعلوماتية الكبيرة جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية الزعيمة ذات القطب الأوحد وأصبح العالم كقرية صغيرة تتحكم بها وتدير شؤونها ما أفرزته الثورة المعلوماتية وعلى أثر ذلك ظهرت وطرأت تغييرات كثيرة على سلوك وتهيج الرأسمالية وأصبحت تتكيف مع الظروف الجديدة حسب الظروف المعاصرة كقوة عظمى وتفرض سيطرتها على العالم عن طريق تمركز الإنتاج وزيادته الحادة عن طريق التطور التكنولوجي في الإنتاج وأصبح يمتاز بماليته وتكوين المجمعات الإنتاجية المصرفي العملاقة والشركات ما فوق الوطنية وظهور صيغ جديدة من تقسيم العمل (إلغاء الإنتاج الاجتماعي للعمل (يصبح المعمل يعمل فيه عدد قليل من المهندسين والفنيين بعد أن كان يعمل فيه مجموعة من العمال البروليتاريين يقدر عددهم بعشرات الآلاف) وكذلك يستخدم الرجل الآلي باستثناء وسائل الإنتاج تبقى على حالتها ملكية خاصة أي أفراد يمتلكون المصانع والمعامل وشركات ضخمة) كما تتعزز سلطة الطائفية المالية والاستخدام النشيط للاحتياط العلمي وتعاون الحكومات لتنظيم الاقتصاد الرأسمالي العالمي وتضخم المجمع الصناعي الحربي وعسكرة الاقتصاد وسياق التسلح واحتدام التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويعلن منظرو البورجوازية أن الرأسمالية المعاصرة (العولمة) قد غيرت طبيعتها وفلسفتها (الديمقراطية الليبرالية) وإنها تحولت إلى رأسمالية (متهاجية) و(شعيبة) وذلك عن طريق تجنيد المؤسسات الفكرية والإعلامية واستخدام بعض أشباه المثقفين (مؤلفي كتاب نهاية التاريخ والإنسان الجديد ونهاية الماركسية وصراع الحضارات وغيرها) وتوظف أيضا قسم من المرتدين عن الفكر الماركسي أو رؤساء نقابات العمال و التطبيل والتهريج بدمج الفكر الماركسي بالفكر البورجوازي الجديد وهم يستندون في تدليلهم على ذلك إلى وقائع مثل تدخل الدولة في الاقتصاد يهدف درء الأزمات وتغيير بيئة المجتمع السوسيولوجية (بناء العلاقات بين مختلف الفئات الاجتماعية وآليات التفاعلات فيما بينها وداخل كل منها وكيفية عمل المؤسسات الاجتماعية وتعتمد بذلك على الأبحاث والمدخل المتكامل إلى ظواهر الحياة الاجتماعية فتدرسها عن طريق مؤسساتها التي جندتها لمثل هذه المواضيع من جميع جوانبها الاقتصادية والحقوقية والإيديولوجية والنفسية ووحدة جوانبها الموضوعية الذاتية وتنامي عدد الموظفين وبعض تحسن مستوى معيشة الكادحين في البلدان الرأسمالية المتطورة) إن الغرض من ذلك هو أن الرأسمالية المعولمة خطت هذه الخطوة منطلقة من فكرة أنها تضحي ببعض أرباحها أفضل مما تضحي وتخسر جميع النظام الرأسمالي ولذلك تلجأ إلى وسائل الترقيد والتخدير وبالرغم من كل ذلك من التغييرات ووسائل التخدير وشراء الذمم وتشويه الأفكار تبقى طبيعة النظام الرأسمالي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وما ينجم عنه من تناحرات وصراع اجتماعي ومع مرور الزمن تستجد أحداث وتطورات كالأزمات الدورية مما يدفعها إلى سحب بساط التخدير والترقيد ودفع جزء من أرباحها إلى المنظمات الاجتماعية والمؤسسات الإنسانية عند ذلك تنكشف حقيقة وجه الرأسمالية البشع والأناني فتضرب عرض الحائط بجميع التزاماتها ومساعداتها فينشب الصراع التناحري بين جماهير الشعب الواسعة والعولمة المتوحشة شرحنا جانب من أساليب واحتيالات وخداع الرأس مال المعولم والآن نشرح كيف تتكون مقابل عالمية رأس المال المعولم، أهمية القوى المناضلة التي تسبب لها العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة الكوارث وترميها في البطالة والعمل كالبورجوازية المتوسطة صاحبة الرأسمال الوطني والبورجوازية الصغيرة كالكسبة والحرفيين والعمال والفلاحين والمنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والبيئة تتكون هذه الفئات بالرغم من التباين الفكري ولكنهم توحدهم الأهداف والمصالح ويصبحون ذوات رؤيا واحدة هدفهم الوقوف في وجه العولمة المدمرة للإنسان والطبيعة، والأممية التي تواجه عالمية رأس المال تتجسد في متضرري وكادحي كافة الأمم في وحدة أفعالهم والتنسيق بينهم ومساعدة بعضهم البعض ودعم أحدهم للآخر وتنبع هذه الأممية من الظروف الموضوعية لفئات المجتمع التي تتأثر مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشرور العولمة المتوحشة وهذا يعني أن جميع هذه القوى يترتب عليها التصدي لهذه الظاهرة المتوحشة وتناضل لا ضد رأس المال المعولم وربيبته الخصخصة المتعجرفة في بلده فقط فالرأسمال قوة دولية وتعني الأممية تعاون جميع القوى من البورجوازية المتوسطة حتى الكادحين من شغيلة اليد والفكر والفلاحين وغيرهم من العناصر المتضررة ويتم هذا التعاون والعلاقة بين هذه القوى دون الإخلال باستقلالية فصائلهم الوطنية بحيث يتم الانسجام بين المصالح الوطنية والمصالح الأممية على أساس الوحدة العضوية كما تبرز المواقف المضادة للعولمة من ثلاثة تيارات (الاشتراكية والأصوليون والقوميون).
1- الاشتراكيون : يرون في العولمة أنها خدعة امبريالية من صنع الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وفرض سيطرتها على العالم.
2- الأصوليون : نظرتهم إلى العولمة بأنها تسلخ الإنسان (المسلم بشكل خاص) من قيمه الدينية والأخلاقية وتجعله بعيدا عن قيمه الأصلية وعن الدين الإسلامي بشكل خاص وذلك بتهجينه بالأفكار والقيم والتقاليد والعادات الغربية.
3- القوميون : يرون في العولمة أنها ستعمل على إلغاء الهوية القومية والوطنية الخصوصية المحلية وفرض نموذج ثقافي غربي على جميع شعوب الأرض.

إن الدول السبع الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا وكندا وإيطاليا) تتحكم باقتصاد العالم عن طريق مؤسسات اقتصادية عملاقة مثل (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمي ونادي باريس والمنتدى الاقتصادي العالمي) وغيرها من التشكيلات التي تزيد من استغلال وثراء هذه الأمم حينما تتعامل مع الدول الأخرى. هذه الدول المهيمنة على اقتصاد العالم وتتحكم فيه عن طريق إصدار مشاريع وقوانين استثمار وفق شروطها كما ستضطر هذه الدول الكبرى الاقتصادية مدفوعة من مصالحها الخاصة إلى التنافس فيما بينها والتدخل ضد أي مصدر يهدد أو يعارض مصالحهم فنستبدل (الدكتاتورية الوطنية) بـ (الدكتاتورية العالمية) تحت مسميات تبدو مشروعة مثل (وجود أسلحة الدمار الشامل كما في العراق وبهذه الطريقة وغيرها باسم الحفاظ على المجتمع الدولي) وستؤدي غطرسة العولمة المتوحشة إلى تنمية الروح الشوفينية لدى الدول الغربية مثل الاستعلاء والغطرسة والهيمنة والاحتقار في التعامل مع الآخرين باعتبار أنها الدول (الغربية المتمدنة) أرقى من الشعوب الأخرى في السلوك المهذب والذوق والذكاء والمدنية والأكثر إدراكا للأحداث واستشراقا للمستقبل مما يستوجب على جميع الشعوب العربية والآسيوية والأفريقية مقادين بأيديهم وتحت رحمتهم كما جاء ذلك في كتاب صراع الحضارات لمؤلفه (هنغتون).
من اجل الحقيقة والتاريخ

إن أي إنسان في الوجود تكون لديه دوافع وبواعث قبل القيام بعمل ما، وحينما يمارس عمله والاختلاط مع الآخرين يفرز سلوكه وطبائعه وتصرفاته سلبية كانت أم ايجابية وحينما تسود المجتمع ظروف مضطربة وضبابية في الرؤيا يبرز من يعتبر نفسه أحسن إنسان في المجتمع بمثالبه ونعمه ويعتبر غيره أشقى الناس بمناقبه وإن المحصلة النهائية لمثالب ومناقب الإنسان لابد من أن تنكشف وتظهر على حقيقتها لأن أي إنسان يستطيع أن يخدع بعض الناس كل الوقت، ويخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت. و إن هذه النماذج أفرزتها وأبرزتها ظروف غير طبيعية اضطربت فيها الرؤيا وخيمت فيها غمامة من السحب والعواصف الترابية فحجبت الرؤيا والمعرفة والحقيقة وفرضت عناصر لا تفرق بين النعم والنقم والسعادة والبلادة والاحتيال والذكاء والفصاحة والثرثرة فكانت النتائج حسب القاعدة التي تقول (إن التأخر في انجاز الايجابيات يؤدي إلى إفراز السلبيات) إن ديناميكية الحياة ومسيرة التاريخ ليس من طبيعتها الجمود والتقوقع وإنما الحركة والتغيير كالماء إذا بقي راكدا يصبح آسنا ويتغير طعمه ولونه وتتجمع فيه الطحالب والجراثيم ويصبح غير صالح للاستعمال بينما الماء الجاري والمتحرك هو الصالح للحياة والاستعمال، وهذه النماذج من البشر الدخيلة على المجتمع بجهلها وغبائها تصبح كالماء الآسن الغير صالح للاستعمال.
إن التاريخ مجموعة متراكمة من الأحداث وكما هو معروف إن أي حدث في التاريخ أصبح محفور في ذاكرة الناس وفي بطون الكتب وحينما نستعرضه يجب الاعتماد على التوثيق والمصداقية ولا يجوز استعراض التاريخ مجرد سرد للحوادث وإنما يجب أن يكون مع السرد كما بينا الموثوقية والمصداقية ويأتي ذلك من خلال تفسير الحوار وإرجاع النتائج إلى أسبابها ومسبباتها وقد تكون هنالك دوافع شخصية وأنانية القصد منها التشويه والتشنيع.
إن الحزب الشيوعي العراقي ظاهرة فرضتها حتمية التاريخ فتأسس في 31/آذار/ 1934 ومنذ ولادته وضع هدفه النبيل في حدقات العيون الذي يصب ويتمحور (في الوطن الحر والشعب السعيد) كما اتخذ من شعار التفاني والإخلاص ونكران الذات فترجمه على الشكل التالي : (يجود بالنفس إن ظن الجواد به ...... والجود بالنفس أسمى غاية الجود) وفي 31/ آذار/ 2009 تم الاحتفال بعيد مولده (الماسي) الميمون فبلغ من العمر (75سنة) تاريخ ازدحمت أحداثه ونضالاته وشهدائه بعدد أيام عمره، وهذه العقود السبعة والنصف ليست بالقليلة فمن خلالها ولدت أجيال ورحلت أخرى وتأسست أحزاب وانتهت أخرى وتكونت دول وحكومات وفنيت أخرى حتى أصبح لكثير من المؤرخين والباحثين تربط تاريخ العراق الوطني بتاريخ نضال الحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية الأخرى، من خلال هذا الاسترسال يطرح سؤال عن أسباب ديمومة واستمرارية الحزب الشيوعي العراقي إلى هذا اليوم ولا زال مستمرا في العمل والنضال من أجل مصلحة الوطن والشعب وسعادته ورفاهيته، إن سبب ذلك يعود للعلاقة الحميمة والصميمة بين الحزب الشيوعي العراقي والشعب فأن هدف الحزب الشيوعي وغايته تتمحور وتصب في خدمة جماهير الشعب الواسعة فكانت لهذه العلاقة الصادقة والمخلصة والمجربة فأصبح الشعب هو الرافد الذي يحتضن الحزب الشيوعي بشريان فؤاده وهو الذي يمده بجميع مستلزمات الاستمرارية والديمومة في الحياة، وهذا يعني إن الحزب الشيوعي العراقي أصبح مرتبط بالإنسان بعلاقة جدلية وأزلية فما زال الإنسان موجود في الحياة فأن الحزب الشيوعي أيضا موجود ولا يمكن القضاء على أي واحد منهما إلا بزوال الاثنين معا وهذا في الواقع الزمني المنظور يعتبر من المستحيلات.
أما الموضوع الآخر الذي نود أن نشير إليه، هو إن الحزب الشيوعي العراقي لم يستلم السلطة في تاريخه ولم يكن مسؤولا عنها لكي تلقى عليه مسؤولية وتبعية قتل أو إبادة ملفقة من نسيج خيال أصحابه كما كانت تلفق ضده مثل هذه الأعمال التي كان يشجبها ويستنكرها بمنشوراته وأدبياته، وحينما نشطت القوى الرجعية من عملاء شركات النفط والقوى المتضررة من الثورة في أواخر حكم الشهيد عبد الكريم قاسم فتم تأليف سيناريو وفبركة أعمال كركوك فتبين من خلال المحاكمة أمام المجلس العرفي الأول الذي كان برأسه شمس الدين عبد الله المعروف بعدائه وحقده على الشيوعيين بشكل واضح، وقد تبين من خلال الشهود بأن العملية كانت من تدبير وعمل شركة النفط في كركوك وعملاؤها، أما أحداث الموصل فهي كانت كما يعلم الجميع بها من افتعال وتدخل دول خارجية فقدمت الأسلحة والإذاعة ووسائل الأعلام الأخرى إلى عناصر مرتبطة معها وكانت بداية لمؤامرة إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم وتمرد حامية الموصل بقيادة العقيد عبد الوهاب الشوّاف مما اضطر أبناء الشعب المناضل في الموصل الحدباء مع القوات المسلحة البطلة مواجهتها والقضاء عليها، وكما تروى القصص والأحاديث عن التلفيقات والمفبركات التي كانت تقوم بها العناصر المعادية للثورة وسلطة الحكم، ومن أجل زرع الشقاق بين قيادة الثورة التي كان يرأسها المرحوم عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي فقد جلبت تلك العناصر رؤوس مقطوعة وأشلاء لجثث قتلى فعرضت على المرحوم عبد الكريم قاسم متهمين الشيوعيين بارتكابها وقد تبين من خلال التحقيق إن هذه الرؤوس والجثث جلبت من دولة الجزائر أثناء حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي عام 1961.
وهنالك نفق حالك الظلام من الدس والتلفيقات التي استعملت ضد الشيوعيين والقوى الوطنية كاتهامهم بتمزيق ( القرآن الكريم ) أو تمزيق صور عبد الكريم قاسم فكانت تلك القوى تعتقل وتعذب ثم تحال إلى المجلس العرفي الأول والشهود حاضرون ومهيئون فيحلفون بالقرآن الكريم زورا وكذبا أثناء الشهادة فيصدر قرار الحكم بالسجن على الملفق ضدهم تلك الأعمال من شيوعيين وغيرهم، وكانت تجوب شوارع المدن عصابات من المرتزقة والشقاوات تعتدي على كل إنسان يتعاطف مع ثورة تموز وقائدها عبد الكريم قاسم شيوعيا كان أم غير شيوعي فكثير من الناس أغلقت محلاتها طلبا للأمان فقطعت أرزاقها وساد العراق جو إرهابي قاسي، وبهذه الأساليب استطاعت هذه العناصر أن تعزل السلطة الوطنية بقيادة عبد الكريم قاسم عن الشعب الذي كان يواجه بالقمع والإرهاب الجهاز القمعي للسلطة المتمثل بالشرطة والمخابرات والمرتزقة مدفوعة من قبل القوى الرجعية المحلية حتى حانت ساعة الصفر في يوم الجمعة 8 شباط / 1963 فانقضت على عبد الكريم قاسم المتقوقع في عرينه بوزارة الدفاع.
لقد اضطرني السيد المشهداني إلى إطلاق العنان لقريحتي لتنطق ببعض الحقيقة عن ذكريات عشناها ولمسناها، إن الظرف الحالي لا يسمح بالكشف عن كل ما جرى والبوح بكل زوايا النفق المظلم لأن المرحلة الحاضرة التي يعيشها العراق تستوجب على كل القوى الوطنية والمخلصة أن تعمل على حشد كل القوى الوطنية المخلصة للعراق وشعب العراق ومن أجل تعزيز الهوية الوطنية ورص صفوف الشعب لمواجهة التحديات التي يواجهها الوطن والشعب وتجاوز سلبيات الماضي وتوحيد جميع طاقات الشعب من اجل بناء العراق العظيم وسعادة ورفاه شعبه، وكان ولا زال الحزب الشيوعي العراقي القوة الأكثر حماسا واندفاعا من اجل إقامة التحالفات الوطنية وطي ونسيان صفحة الماضي والتطلع بأمل ورجاء نحو عراق جديد مرفه وسعيد يخيم عليه الأمان والاستقرار والمحبة والتآخي والسلام.
(( الإنسان والاغتراب ))

يقول علماء الاجتماع : ( إن التناقضات في النظام الرأسمالي سوف يسبب بحلول نظام اجتماعي جديد من أعماله الأولى ( العمل المغترب ) وذلك عندما تحكمنا نظم وعلاقات اجتماعية يخلقها نظام خارج عن سيطرتنا وإرادتنا فان ذلك ما يشار إليه بأنه ( الاغتراب ) . كما يرى كارل ماركس في الاغتراب ( إن احد الطرق التي يستغل بها الإنتاج الرأسمالي العمال هي أن يجعلهم يشعرون بغربتهم عن إنتاج أيديهم وتتعدى تأثيرات الرأسمالية السلبية مكان العمل إلى حد كبير فهي تتخلل كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية حتى العلاقات الأسرية كما تشمل العلاقات الإنسانية وحرية الفرد التي تتحكم بها وتفرضها طبيعة النظم الاجتماعية بعدم السماح والقدرة عند الإنسان بالوصول إلى إمكاناتهم الكامنة والمبدعة أو ممارسة إرادتهم ورغباتهم الحرة التي يرى أنها أجزاء أساسية من الطبيعة البشرية ) .
كما يقول علماء النفس : ( إن الشخصية البشرية تكوين حركي ومحاولة مستمرة في سبيل التوفيق بين الرغبات الإنسانية الطبيعية وقواعد المجتمع المفروض عليه ) . وهذا يعني إن الاغتراب هو استلاب الإنسان حقوقه الطبيعية وحرمانه منها ، فيفقد صفاته البشرية ويتجرد من شخصيته الإنسانية ، فالإنسان عند ذلك ليس هو الذي يحدد ما يقدر عليه عمله وما ينبغي عليه عمله ، وإنما يخضع لقوى مسيطرة عليه وخارجة عن نطاق إشرافه وإرادته ورغبته ، فلا يستطيع الوصول إلى الأهداف التي يسعى إليها بحريته وإرادته ورغبته ، وتبدو حياته وقواعدها وأشكالها أمورا ليست منسجمة مع طبيعة الناس المشتركة وإنما فرضها الآخرون . وفي ظروف كهذه تبدو علاقات الناس الواقعية مشوهة في أذهانهم فتظهر بأشكال مختلفة من ضروب الأوهام والضلالات في العلاقات الاجتماعية التي خلقها نشاط الناس وسلوكهم وتصرفاتهم . ولو قارنا ذلك مع الحياة التي يعيشها الإنسان العراقي ، كم يحتاج من المسافات الزمنية والمعانات الوجدانية حتى يصل إلى رغباته وإنسانيته ، فهو حينما يشاهد التلفاز وينقطع التيار الكهربائي فهو ( اغتراب ) وحينما يستمع إلى المذياع فيطرب لصوت ينطلق منه ويرتاح إليه وفجأة ينقطع الصوت بسبب انقطاع التيار الكهربائي فهو ( الاغتراب ) وحينما يسير في الطريق فيجد الرصيف المخصص للسابلة مغلق بالحاجيات والسلع وأدوات العمل فيضطر إلى السير في الشارع المخصص للسيارات وقد يتعرض للدهس أو الموت فهو ( الاغتراب ) وحينما يسير في الشارع ويشاهد الملابس والمأكولات والحاجيات وهو لا يمتلك ( الفلوس ) التي يستطيع بها شرائها واقتنائها فهو ( الاغتراب ) وإذا كان يسير في الطرق والدرابين وخرجت من مطابخ البيوت رائحة المأكولات اللذيذة التي لا يملكها ولا يستطيع الحصول عليها فهو ( الاغتراب ) وكذلك إذا كان محروما من اللذات والرغبات الأخرى فهو الاغتراب أيضا . أما الطفل اليتيم الذي فقد رعاية وعطف الوالدين بعبوة ناسفة أو رصاصة مستهدفة أو سيارة مفخخة يحمل كيسا على ظهره يجمع فيه علب المشروبات الغازية الفارغة ويشاهد طفلا آخر يحمل على ظهره الكتب المدرسية ذاهبا إلى المدرسة هو ( الاغتراب ) والأرملة التي تحمل تحت عباءتها كيسا تحمل فيه ما تعثر عليه وتبحث عنه في النفايات والازبال كي تطعم به أطفالها الأيتام الجياع هو ( الاغتراب ) . الإنسان الذي ترك عمله وغامر في حياته متحديا جميع الاحتمالات لكي يصل إلى صندوق الاقتراع ويطرز بطاقة الانتخاب بأسم المرشح الذي اختاره ليمثله ويثق به ، ثم يذهب صوته إلى مرشح آخر غصبا عنه لا يعرفه ولم يشاهده في حياته هو ( الاغتراب ) أيضا .
العراق .. إلى أين

إن كل شيء في الوجود منحل ومتغير وغير ثابت، وحينما يزول أعراض هذه الظاهرة من خلال المادة والصورة والحركة نلاحظ تأثيراتها من خلال الحركة على المادة فتكتسب الصور المختلفة التي تتناسق وتنسجم مع التغيير عن طريق العوامل والتغييرات فتفرز الصور الجديدة التي تسببها الحركة على المادة فتخلق الظاهرة الجديدة في المجتمع سلبا أو إيجابا تبعا لدور ونشاط وتأثير الإنسان والمجتمع في حركة التاريخ وتأثيره على تقدم وتطور الوعي الفكري الخلاق لدى جماهير الشعب الواسعة.
إن الصورة التي تفرزها ظاهرة التغيير في المجتمع تنعكس وتنبثق من طبيعة المجتمع من حيث الوعي الفكري الخلاق والإدراك والثقافة الوطنية والعلاقة الحميمة والتماسك الجماهيري والثقة المتبادلة بين السلطة والشعب بتأثير وترسيخ سلوك ونهج الديمقراطية الصحيحة التي يعكس سلوكها ومصداقيتها من خلال نشاط الأحزاب والنقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة.
إن الصورة التي تنبثق من المادة بسبب الحركة وتؤدي إلى التغيير يكون تأثيرها سلبا أو إيجابا بوجود المكونات الجماهيرية الواسعة وتأثيرها على الواقع الاجتماعي الموضوعي أو عدمها لأن الصورة سوف تفرز حالتين ويكون تأثيراتها وانعكاسها على التقدم والتطور الاجتماعي، وهما (المتحول والثابت) فالمتحول يشمل مظاهر الرفاه الباذخة الاستهلاكية والعادات والتقاليد المتناقضة مع واقع وطبيعة المجتمع مما يؤدي إلى الانحراف والهجرة عن الأصول والعرف الاجتماعي وتخطيها والمساس بها مما يؤدي إلى ظهور الاستهلاك الترفي الذي يعتمد على الاستيراد من الدول الرأسمالية وظهور الطبقة البرجوازية الطفيلية التي ترتبط برأس المال الأجنبي وتكون سمسارة في السوق الوطنية مما يؤدي إلى تفاقم أزمات البطالة والسكن والمواد الغذائية ونشاط وحركة الاقتصاد الوطني، وهذه الظاهرة تكون نتاج وإفراز العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة.
أما الثابت فإنه يعتمد بالأساس على ترسيخ الديمقراطية وفسح المجال للجماهير الواسعة في اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب ومستقبله المشرق السعيد المتمثلة في البرلمان والنقابات والاتحادات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ويكون العامل الثابت يتمحور على أساس تشييد القاعدة الاقتصادية المتينة التي تعتمد على إقامة أجهزة تخطيط وإحصاء ومتابعة على صعيد جميع محافظات القطر لدراسة واختيار المصنع أو المعمل الذي يتناسب ويتلاءم مع نمط إنتاج واستهلاك كل محافظة من حيث المواد الأولية المتوفرة فيها ووفرة الأيدي العاملة مما يؤدي إلى بناء صناعة تكميلية تسد حاجة الشعب عن طريق الاكتفاء الذاتي ويأتي ذلك من خلال الاستفادة من عوائد النفط والغاز والمواد المعدنية الأخرى التي تزخر بها أرض العراق كما يمكن الاستفادة من المواقع الأثرية المنتشرة في جميع أنحاء العراق ومراقد الأئمة الأطهار والعلماء الأجلاء عن طريق الاهتمام بها وتطويرها بحيث تجعل من العراق موقعا سياحيا مهما، يجذب للعراق مورد مالي جيد ومحترم يشارك في نموه وتطوره.
إن التغيير والتجديد يجب أن يشمل القاعدة الاقتصادية من صناعات ومؤسسات وعلم وتكنولوجيا، ومن خلال تغيير القاعدة الاقتصادية فإن جميع العلاقات الاجتماعية سوف تتغير تبعا لتغيير القاعدة الاقتصادية لأن عملية التغيير الاجتماعي يكون في الحالة المعاشية والرفاهية أسرع من التغيير في الطبائع والعادات والتقاليد لأن هذه المفاهيم مغروسة في أغوار النفس الإنسانية، إلا إن تغيير الظروف الاقتصادية للمجتمع تؤدي إلى إشاعة الأمن والاستقرار والاطمئنان في المجتمع مما يجد انعكاسه على التعليم والثقافة والوعي الفكري الخلاق ومع مرور الزمن وتأثيرات العوامل الحضارية والتقدم والتطور يحدث التغيير والتجديد والتطور والتقدم في المجتمع وتحرير الإنسان من الجهل والأمية والمرض والفقر ومن قيود الماضي وعبوديته عند ذلك نجد انعكاسها في التنمية البشرية والاقتصادية.
إن الطرح الذي تطرقنا له هو قانون جدلي علمي يعتمد على حركة الحياة وديناميكيتها الذي يؤدي إلى دفع مسيرة التاريخ إلى أمام وينطلق هذا المفهوم من القاعدة الديالكتيكية باعتبار إن أي شيء في الوجود حينما يكون ثابتا في الشكل يتغير بشكل جذري في المضمون عندما ينتقل من سياق تجربة تاريخية اجتماعية إلى تجربة أخرى، بالرغم من إن للتاريخ دوره وحركته وتأثيره في التغيير والتي تكون خارج إرادة الإنسان إلا إن دور الجماهير وتأثيرها في رحاب الديمقراطية الصحيحة يبقى هو الفاعل والمؤثر نحو التجديد والتغيير والمستقبل الأفضل.
في هذه الحالة حينما الأيام تترى بحركتها وديناميكيتها والتاريخ يسير إلى أمام تحدث من خلاله جميع التغييرات الطبقية في المجتمع وتكوين مراحله وطبيعة نمط انتاجه وطبيعة حياته، وفي هذه الحالة لا يمكن تجريد الشعب والجماهير من تأثيرها ودورها ومصلحتها الاجتماعية والاقتصادية في التغيير والتجديد لذلك على جماهير الشعب الواسعة أن تتصدى بحزم وإرادة للتغيير ذات الطابع المتحول ذو النزعة الاستهلاكية الترفيهية، وتسلك طريقة تجديد والتغيير الذي يجمع بين الأصالة والحداثة من خلال الواقع الموضوعي (للوطن المذبوح والشعب المستباح) نستنبط منه رؤيا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية جديدة تنسجم مع واقع العراق الذي تكون هي الإطار العام لبناء الإنسان في العراق الجديد.
لقد عاش العراق منذ قرون طويلة حالة من التزاوج بين الدول المحتلة وبين مصالح وطبيعة التركيبات الاجتماعية المرتبطة مصالحها بتلك الدول ذات الطابع الفئوي التقليدي والعشائري والقبلي والعائلي والطائفي التي أصبحت قاعدة لها وقوة اجتماعية متنفذة قادرة على تأمين شروط الحفاظ على النظام وطبيعته وهيبته وضمان الاستقرار والأمن السياسي والاجتماعي في مجتمع متأخر تسوده التكتلات والتوترات والمتناقضات المختلفة والمتنوعة الذي يمتاز بها ذلك المجتمع الكبير المتميز الذي يرزخ تحت سلطة تركيبات فئوية متناقضة وأقلية تتمتع بالثراء الفاحش والملكية الواسعة في الأراضي والأملاك عن طريق موقعها المتميز من رجال الحكم والسلطة، وفي الجانب الآخر أكثرية من الشعب تعيش تحت كابوس الفقر والحرمان والاضطهاد والأمية والجهل والمرض في نظام شبه إقطاعي وشبه استعماري الذي كان يسود في القرون المظلمة المتأخرة، وبالرغم من قيام ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وانجازاتها التي أحدثت بعض التغييرات إلا إن الردة الرجعية التي حدثت ضدها أعادتها إلى وضعها السابق بل أشد وأتعس، وحينما صنف الخبراء والمحللين دول العالم من حيث موقعها من العولمة كان موقع العراق من الدول المتأخرة التي تصطف مع طابور الدول الأفريقية المتأخرة فكان موقعه يقف على أسفل العتبات الكثيرة التي يجب الصعود من خلالها إلى دولة الحداثة، وبالرغم من مرور أكثر من ستة سنوات على تحررنا من كابوس الحكم الدكتاتوري الاستبدادي إلا إننا ما زلنا لم نلمس على الصعيد العملي نهجا يستوحي هذا التوجه بينما الواقع الذي نلاحظه وتشير إليه جميع الدلائل والرؤيا يبين بجلاء ووضوح إلى جعل العراق يصطف في طابور البلدان والتكتلات الرأسمالية الضخمة من خلال هجوم الرأس المال المعولم الذي يسعى إلى توظيف العراق وتكييفه وفق متطلبات مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة.
نشير هنا إلى الموضوع (بعض رهانات الإستراتيجية الأمريكية نظرية الفوضى البناءة) بقلم الدكتور صالح ياسر المنشور في مجلة التضامن (المجلة الدورية التي يصدرها المجلس العراقي للسلم والتضامن في العدد الثاني / شباط / 2207) فيقول في ديباجته (في ظل لوحة بالغة التعقيد يختلط فيها الحابل بالنابل تبدو الحاجة ملحة إلى تلمس جديد الإستراتيجية الأمريكية خصوصا ونحن في مواجهة سياسية خارجية هجومية تضرب (تحت الحزام) بدءا ًمن إعلان مبدأ بوش أو الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي في 20 / سبتمبر / 2002 ثم تطبيقاتها العملية اللاحقة، والخلاصة لسنا أما تصورات عمومية بل أمام إستراتيجية من لحم ودم ذات أهداف واضحة في فصاحتها وآليات تنفيذية وضعت بالفعل وهي تبدو مثل حادلة ضخمة تسوي الأرض لتنفيذ مشروعها الهيمني على الصعيد العالمي).
كان ذلك واضحا بعد سقوط النظام في 9 / 4 / 2003 وصدور قرار مجلس الأمن الدولي المرقم / 1429 القاضي باحتلال العراق من قبل دولة الولايات المتحدة الأمريكية وتعيين (بول برايمر) حاكما عاما على العراق، هذا الرجل كان المهندس لفلسفة (الفوضى البناءة) والمنفذ للإستراتيجية الأمريكية التي أقرها مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 2002.
بعد تولي برايمر السلطة في العراق المذبوح وشعبه المستباح كانت أول فقرة تم تنفيذها في برنامج الفوضى البناءة حلّ الجيش العراقي وقوى الأمن الداخلي فأصبحت الحدود العراقية منفلتة لمن هب ودب من دول الجوار لعدم وجود سلطة تضبط الحدود العراقية ونتيجة ًلعدم وجود قوى الأمن الداخلي انفلت الأمن والاستقرار في داخل العراق وسبيت بغداد ثلاثة أيام كان يسودها الخطف والسلب والنهب أمام قوات (المارينز الأمريكي) وهم رابضين على دباباتهم ومدرعاتهم يتفرجون ويضحكون ولا يحركون ساكن بينما قرار مجلس الأمن الدولي الذي خول الولايات المتحدة باحتلال العراق يفرض عليها حماية أرواح وأموال وممتلكات شعوب تلك الدولة المحتلة، مما دفع الفضائيات العالمية بالسباق والسرعة في إرسال صور الفوضى البناءة التي سادت العراق إلى جميع شعوب مختلف قارات العالم تعكس لهم الصور المشوهة عن الشعب العراقي الفوضوي والمنفلت والمتمرد على القانون والنظام، إن انفلات الوضع الداخلي المأساوي والكارثي دفع بالكثير من المواطنين في مختلف المدن العراقية إلى حمل السلاح للدفاع عن أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وكانت الفقرة الثانية خلق وتكوين القاعدة الطائفية والفئوية والقومية بين أبناء الشعب العراقي الواحد فانبثق (مجلس الحكم) حسب النسبة البشرية من الطوائف والفئات والقوميات، أما الفقرة الثالثة فكانت دخول الآلاف من السيارات المستهلكة من مقابر الأموات في دول الخليج العربي وأوربا مما أدى إلى حدوث فوضى في الشوارع العراقية لأن تلك الشوارع لم تستطيع أن تستوعب هذه الأعداد الهائلة من السيارات كما لا يمتلك العراق تلك الطاقة المحركة لها من بنزين ودهونات مختلفة فاختلقت أول أزمة أو فوضى في الشوارع وزيت البانزين والدهون الأخرى إضافة إلى تسرب مليارات الدولارات عن أثمانها وعن استيراد أدواتها الاحتياطية من مناشئ الدول الرأسمالية المنتجة لتلك السيارات أما الفقرة الرابعة من البرنامج فشملت دخول ملايين السلع الكهربائية من المكيفات والمبردات والثلاجات والمجمدات والطباخات الكهربائية وغيرها فأغرقت السوق العراقية مما أدى إلى اكتساح وانهيار الصناعة الكهربائية الوطنية لعدم قدرتها على منافستها بالرغم من رداءة نوعيتها غير أنها رخيصة الثمن وتباع إلى المواطنين بالأقساط فأدت تلك الظاهرة إلى حدوث أزمة كهربائية كبيرة وانقطاعات كثيرة لعدم استطاعة الطاقة الكهربائية الوطنية من تحمل هذه الأعداد الهائلة من الحاجيات والسلع الكهربائية، أما الفقرة الخامسة فكانت إغراق السوق العراقية بالألبسة الجاهزة الرجالية والنسائية والولادية إضافة إلى الألبسة المستعملة المختلفة (أللنكات) الداخلية والخارجية وحتى (الجواريب) وبالرغم من التحذيرات الصحية منها فكانت محلاتها وأسواقها مزدحمة بالعوائل الفقيرة لرخص أسعارها أما الفقرة السادسة التي أغرقت السوق بمختلف أنواع الأحذية والشحاطات بمختلف أنواعها وأحجامها، كذلك الاستيراد العشوائي للسلع والحاجيات المنزلية المختلفة والتي لا تحصى.
هنالك سؤال يطرح نفسه بنفسه : ما هي العولمة؟
إن العولمة تعني إلغاء الحدود القومية وهذا يعني حرية ونشاط انتقال السلع ورأس المال وحرية وحركة وانتقال الناس (دعه يدخل دعه يخرج) والمعلومات والتقنيات الإنتاجية ومختلف أشكال السلوك والتطبيقات الاجتماعية، تنتقل بحرية كاملة بين دول العالم وتفرض نموذج ثقافي وسلوكي يخدم مصلحة عولمة رأس المال على جميع الشعوب.
ألم يطبق هذا السلوك وهذه الفلسفة في العراق المذبوح وشعبه المستباح منذ دخول القوات الأمريكية والحليفة العراق وجعله دولة محتلة بموجب قرار / 1429 الصادر من مجلس الأمن الدولي وتعيين بول برايمر الأمريكي حاكما عاما على العراق؟
ولآن نشير إلى ما أفرزته هذه الظاهرة المعولمة على السوق العراقية وانعكاسها على الشعب العراقي وبشكل خاص على نشاط الرأس مال الوطني والزراعة ومختلف النشاط البشري
1- أدت هذه الظاهرة إلى ظهور ونمو طبقة طفيلية من المجتمع تقوم بعملية السمسرة والوساطة بين الدول الرأس مالية المنتجة لهذه البضائع والسلع وبعض الباعة والوكلاء في السوق العراقية بمنحهم نسبة معينة من الأرباح والعمولة (الكوميشن) وأفرزت هذه الظاهرة كارثة اقتصادية كانت تأثيراتها على الإنتاج الوطني والرأس المال الوطني من حيث السلع والبضائع الخدمية والزراعية التي أغرقت الأسواق العراقية.
2- جعلت من الشعب العراقي مستهلكا وليس منتجا معتمدا على ما يصدر إليه من السلع والحاجيات الغذائية والخدمية والمنزلية من الدول الرأس مالية مما ترك تأثيراتها على الرأس المال الوطني والأراضي الزراعية في كثير من المدن فأدى ذلك إلى إصابتها بالتصحر وجعلتها غير صالحة للزراعة بعد أن كانت ارض العراق تمتاز بالخصوبة ووفرة الإنتاج حيث كانت توصف بأرض السواد يرويها دجلة الخير والفرات العذب.
3- أدت هذه الظاهرة إلى انهيار الصناعة الوطنية والإنتاج الزراعي إلى هجرة الرأس المال الوطني إلى خارج العراق مما أدى إلى أن يصبح العراق بلدا ريعي أحادي الإنتاج يعتمد بشكل أساسي على ما يصدر من النفط وعائداته، وهذه الظاهرة خطيرة من حيث إنتاج وتصدير النفط واستيراد السلع والحاجيات المختلفة التي تغذي وتزود الإنسان العراقي بجميع المستلزمات الخدمية والمنزلية بحيث تجعل السيادة الوطنية العراقية مهددة من الدول المستوردة للنفط والمصدرة للمواد المختلفة وهذا يظهر بشكل واضح وما نلاحظه من تدخلات دول الجوار والدول الأخرى وعدم استقرار الوضع الأمني والسياسي والسوق العراقية مما جعل من الساحة العراقية وسيلة للضغط وتصفية الحسابات من أجل تحقيق وتنفيذ مصالح تلك الدول.
الشكل والمضمون وأثره في الوعي الجماهيري

كتب الأديب الروسي ( مكسيم غوركي ) في بداية حياته الأدبية مسرحية (المواطنون الأنيقون) وكانت من نسيج الخيال وعندما عرضت على مسرح موسكو عام 1901م لم تحقق أي نجاح أو أثر بالمشاهدين ، فكتب بعدها مسرحية (الأعماق) فتم عرضها على مسرح موسكو أيضا عام 1902م فنالت إقبالا كبيرا من جماهير الشعب الروسي وتعاطف المشاهدين مع العرض بعنفوان مما دفع جريدة ( ايسكرا ) الشرارة ، الجريدة السرية للحزب الشيوعي الروسي آنذاك أن تشيد بالمسرحية وتقول عنها ( كانت مسرحية الأعماق مستمدة من الواقع الموضوعي لجماهير الشعب وتمتاز بطابع الواقعية التحريضية للجماهير بسبب تصورها للواقع الملموس الذي يعيشه الشعب وتعاني منه الجماهير المسحوقة شظف العيش وبؤس الحياة ) .
لقد جاءت هذه المسرحية منسجمة بين الشكل والمضمون فكانت كلماتها صورة صادقة لمعاناة الشعب ومرآة حقيقية لعذاباتهم ومآسيهم وتصور أسطورة الحياة من تراب الأرض ممتزجا بالعرق والدماء المتصببة من جسم الشعب مما غرس في أعماقه الروح الثورية والوعي الفكري الخلاق والعناد الثوري فأصبح كالجبل لا تهزه الرياح ، وعنفوانا شامخا بإرادة وجبروت وإصرار وتصميم للقامة الإنسانية في وجه العواصف والمحن .
إن المفكر والأديب والفنان يستطيعون أن ينسجوا دفء الحياة والطمأنينة والسعادة والاستمرارية المتنورة والمضيئة في التاريخ الإنساني بإنتاجهم الذي يطرز من خلاله واقع الشعب الذي ينزف دما ودموعا ممزوجا بالأنين المكبوت من القهر والألم والحرمان ، إن الأديب والفنان والمفكر هم الأداة الأساسية لتصوير الواقع الجماهيري والارتفاع به إلى الواقع الذي ينبغي أن يكون عليه متجاوزا أسلوب ومواضيع من سبقوهم حينما أدركوا إن المألوف يحمل ركودا ، وحالة السكون الاجتماعي والتقوقع تحمل جمودا ، فيسلطون الضوء على بقع مظلمة من الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مستخلصين منها الحقائق الناصعة والوعي الفكري الخلاق الذي يحفز جماهير الشعب ويجعلها تدرك واقعها المؤلم فيخلقون بذلك الصورة الفاعلة والمؤثرة التي تنبع من منهل الأعماق الوجدانية المتلظية بشواظ العنف الذاتي المتولدة من واقع الشعب المؤلم والحقيقة المرة لتتحول إلى هتاف الضمير فيكون صداها صراخا مدويا يغوص في منعطفات الأعماق الإنسانية فيتمرد على المألوف ويخترق الظلام الدامس نحو فجر جديد .
إن الأديب والفنان والمفكر يجب أن يكونوا المرآة النقية والصافية التي تعكس حقيقة ومعاناة وآلام وعذابات الشعب من خلال إنتاجهم الفكري والفني والأدبي فيرسمون صورة حقيقية منسجمة بين الشكل العام والمضمون الذي تعيشه جماهير الشعب ، فهذه العلاقة بين حياة جماهير الشعب وحاجاتها ومطاليبها من حيث الزمان والمكان الذي ينسجم مع الواقع المناسب من حيث الشكل الذي يمثل الوضع العام على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبين مفرداتها التي هي حياة الشعب (المضمون) التي تشكل المستلزمات الضرورية لحياة شعب كالأزمات في الخدمات والسكن والبطالة ومستوى المعيشة ووضع السوق وتذبذب الأسعار وعدم انسجامها مع الأجور والرواتب التي يحصل عليها من جهدهم وتعبهم شغيلة اليد والفكر وباقي الشرائح الاجتماعية الأخرى مما يسبب لهم الجوع والحرمان والقهر .
فالإنتاج الفني والأدبي والفكري حينما يغوص في أعماق الجماهير ويرصد معاناتهم وآلامهم ومآسيهم يكون منسجما مع الشكل العام فيكون بذلك الحاضنة لآمال وأماني وطموح الشعب فيكون بذلك فن للشعب وليس للفن ، إن المضمون يستوعب جميع مستلزمات الحياة الضرورية للشعب فيكون منسجما ومتطابقا مع الشكل فهذا يعني إن الأدب والفن والفكر يفرز الوعي الفكري الخلاق والإدراك بالوضع المؤلم المأساوي الذي تعيشه جماهير الشعب ومصلحته وتتفاعل معه من أجل بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والأمان والاستقرار والسعادة والمستقبل الأفضل .
في رحاب التاريخ

يقارن المفكر الدكتور محمد عابد الجابري (كيف كانت الثقافة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ... فقد كانت ثقافتين .. ثقافة استعمارية امبريالية .. ثقافة وطنية تحررية .. أما اليوم فالتصنيف الذي يريد تكريسه الواقعون تحت تأثير إيديولوجية العولمة هو ذلك الذي يجعل الثقافة صفين .. ثقافة الانفتاح والتجديد وثقافة الانكماش والجمود .. أي إن الأولى ثقافة التبعية والثانية ثقافة الوطنية).
إن مقولة المفكر الدكتور الجابري نستدل من خلالها إلى ظاهرتين الأولى نشاط القوى المناهضة للاستعمار والامبريالية من أجل التحرر الوطني، والثانية ضعف وانكماش نشاط هذه القوى التي أدت إلى ظهور ثقافة الانفتاح والتجديد وثقافة الانكماش والجمود نتيجة تأثير إيديولوجية العولمة، وهذه القوى الوطنية هي التيارات اليسارية والقومية والوطنية وبذلك نستطيع أن نصنف هذه المقولة إلى عاملين خارجي وداخلي.
تعتبر هذه المقولة مجموعة من الحقائق الواقعية التي تمتلك سببا يرتبط بالظواهر الاجتماعية وحركة تطور التاريخ وحينما نفهم الرابطة السببية في كل عبارة من هذه المقولة وربطها بظواهر الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتطوراتها وتأثيراتها نستطيع أن نفهم دوافعها وأحداثها في الماضي فتكون عبارات هذه المقولة واضحة بشكل سليم في الوقت الحاضر والتي نستقرئ بعقل ثاقب وبدقة الواقع الموضوعي للمستقبل من خلال شحذ الفكر وربط الأحداث والتطورات مع واقعنا وتجربتنا عند ذلك نستطيع الوصول وإدراك جوهر ومضمون هذه المقولة وما تترتب عليها من تطورات وأحداث مستقبلية على الساحة السياسية والواقع الموضوعي.
إن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يسود العالم في الوقت الحاضر ليس غامضا ولا مجردا وإنما هو نتيجة مجموعة من الأهداف والمصالح والنزاعات والمتناقضات التي أفرزتها ظاهرة تفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي فانفردت بالعالم الولايات المتحدة الأمريكية فأصبحت ذات القطب الأوحد فيه نتيجة الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي ففرضت هذه الظاهرة الجديدة طروحات فلسفية جديدة أيضا فأصبح رأس المال العالمي يجثم بكابوسه على جميع أقطار العالم باسم (مرحلة العولمة).
إن هذه الظاهرة أفرزت ضعف وتشرذم التيارات القومية واليسارية والوطنية التي كانت القوى المناضلة العنيده ضد الاستعمار والامبريالية من أجل التحرر الوطني وسعادة وكرامة شعوبها والآن أصبحت بهذا الشكل والوصف الذي قارن فيه الدكتور الجابري.
والآن لابد من وقفة نستعرض من خلالها تلك العبارات وذلك الوصف للمقارنة حينما يستعرض الدكتور الجابري العقود الماضية من القرن الماضي وكيف كانت جذوة النضال والكفاح تزعزع الأرض تحت أقدام الاستعمار، فكانت حركات التحرر الوطني والكفاح المسلح للشعوب الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية والدول المتحررة من الاستعمار وحركة دول الحياد الايجابي وعدم الانحياز وغيرها، فكان المساند لها والمنحاز بجانبها والممول الرئيسي لحركتها ماديا ومعنويا الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي ومن خلال ذلك يجب أن نصنف مقارنة الدكتور الجابري إلى مرحلتين، الأولى وجود المعسكر الاشتراكي والثانية تفكك وضياع المعسكر الاشتراكي وانفراد المعسكر الرأسمالي بالساحة الدولية.
وهذا يعني أن المعسكر الاشتراكي كان المساند والمساعد لجميع الحركات التحررية القومية واليسارية والوطنية، والآن لابد من سؤال .. لماذا كان المعسكر الاشتراكي يساند ويساعد الحركات والتيارات القومية والوطنية واليسارية بدون استثناء أو تميز من حيث الفكر الإيديولوجي؟
في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وفي أواخر الحرب العالمية الأولى عام / 1917 انفجرت ثورة في روسيا التي كانت أحد الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى يقودها المظلومون والمحرومون والجياع من شغيلة اليد والفكر والجنود فانسلخت هذه الدولة من حلقة الرأسمال العالمي وأضعفته وانحازت إلى جانب الشعوب المظلومة والمسحوقة والمحرومة فترك شرخا واسعا في المعسكر الرأسمالي وشكل منعطفا عريضا في التاريخ نصيرا ومنحازا ومؤازرا إلى الشعوب في نضالها وكفاحها من أجل حق تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية وحق شعوبها في الحرية والعيش الحر الكريم وقد تعززت وترسخت هذه الدولة (جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية) بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) حيث استطاع الجيش الأحمر السوفييتي أن يحرر بعض الدول في أوربا الشرقية كما قامت ثورات في دول أخرى وفي عام / 1949 تحررت أكبر دولة من حيث عدد السكان (الصين الشعبية) واصطفت مع طابور دول المعسكر الاشتراكي ثم تبعتها كوريا الشمالية وفيتنام وكوبا فشكلت هذه الدول (المعسكر الاشتراكي) الخصم والعدو اللدود للمعسكر الرأسمالي وبذلك انقسم العالم إلى قطبين (قطب المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي) و (قطب المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية) وسعى كل قطب من أجل القضاء على القطب الآخر.
ومن أجل تقريب الصورة فنعتبر هذين القطبين بمثابة كتلتين أو كفتين متوازيتين كل واحدة تسعى للقضاء على الكتلة الأخرى فقامت الولايات المتحدة الأميركية رأس القطب الرأسمالي بإقامة الأحلاف العدوانية والتكتلات الرجعية للتآمر والتحريض ضد قطب المعسكر الاشتراكي وشل نشاطه وحركته للمحافظة على مصالحه الرأسمالية التي تعتمد على استعمار الدول الأخرى واستغلالها من حيث تصريف البضائع والسلع التي تنتجها مصانعها الرأسمالية واستغلال ونهب ثرواتها وموادها الأولية ليتسنى لها استغلال شعوبها وتجنيدهم في الحروب واحتلال الدول الأخرى وحينما يقول الدكتور الجابري (إن الثقافة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت ثقافتين .. ثقافة استعمارية امبريالية وثقافة وطنية تحررية) هذا يعني أن الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي كانت تدعم ماديا ومعنويا الدول المستعمرة للتحرر والانسلاخ من كفة المعسكر الرأسمالي مما يؤدي إلى خلل في توازن الكفتين لصالح المعسكر الاشتراكي لأن تحرر تلك الدول تؤدي إلى فقدان الدول الرأسمالية إلى سوق تلك الدولة المستعمرة التي كانت مغرقة بالسلع والمواد التي تنتجها معامل ومصانع الدول الاستعمارية وهذا يعني إلى كساد السلع والبضاعة يؤدي إلى غلق المعامل والمصانع وتسريح العمال ورميهم إلى البطالة والناحية الثانية حرمان الدول الاستعمارية من الثروات والمواد الأولية لتلك الدول مما يؤدي إلى خلق الأزمات والاضطرابات الاقتصادية وسقوط نظامها الرأسمالي مقابل ذلك يقوم الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي بتقديم المساعدات والخبراء وبناء الصناعة الوطنية وجعلها تعتمد على نفسها وتكتفي ذاتيا وتكون السلطة في تلك الدول المتحررة من التيارات القومية والوطنية واليسارية التي كانت تناضل من أجل التحرر الوطني والسيادة والاستقلال وسعادة ورفاهية شعوبها.
بعد تفكك وضياع وانهيار الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي برزت للوجود ظاهرة العولمة التي تمثل مرحلة متقدمة من مراحل الرأسمالية العالمية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تتكون من الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وانكلترا وفرنسا وألمانيا وكندا وايطاليا) تتحكم باقتصاد العالم عن طريق مؤسسات اقتصادية عملاقة مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس والمنتدى الاقتصادي العالمي) وغيرها من التشكيلات التي تزيد من هيمنة الرأس مال العالمي وثراء الدول الرأسمالية وتتحكم بدول العالم عن طريق إصدار مشاريع وقوانين استثمارية وفق شروطها وستضطر مصالح هذه الدول الكبرى الاقتصادية والتنافس بينها إلى أن يتدخلوا بالقوة العسكرية ضد أي مصدر يهدد مصالحهم فنستبدل بذلك (الدكتاتورية الوطنية) بـ (الدكتاتورية العالمية) تحت مسميات تبدو مشروعة مثل (إرادة المجتمع الدولي) بعد أن أصبحت منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مؤسسات تابعه لوزارة الخارجية الأمريكية.
إن ظاهرة رأس المال المعولم ليست جديدة ولكن ظاهرة العولمة ظهرت وبرزت بشكلها الحالي بعد تفكك المعسكر الاشتراكي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد على الساحة الدولية حيث تنبأ بها كارل ماركس منذ نشوء الطبقة البورجوازية فبل 150 سنة منذ صدور البيان الشيوعي عام / 1848 وأشار إلى طبيعة الاقتصاد العالمي في مطلع القرن الواحد والعشرين وذلك مستندا على تحليل وتطور المجتمع البورجوازي على المستوى العالمي وأكد ولادة الاقتصاد العالمي المعولم كأمر ملازم ومرحلة من مراحل تطور الإنتاج الرأسمالي وتنبأ بنتائج هذه الظاهرة حيث تفرز النزاعات العنيفة والأزمات الاقتصادية ومظالم اجتماعية على نطاق العالم.
إن أية ظاهرة في الوجود تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل وظاهرة العولمة تعتبر مرحلة متطورة وحتمية في مسيرة وحركة التاريخ وتطوره من الرأسمالية (المنافسة) إلى مرحلة الامبريالية (الرأسمالية الاحتكارية) حيث تشكل سيطرة الاحتكارات (التجمعات الرأسمالية الضخمة) سمتها المميزة حيث تحتكر حفنة صغيرة إنتاج وتصريف أهم السلع والبضائع عن طريق منجزات الثورة العلمية التكنيكية التي تستخدمها لمصلحتها الخاصة ولجني المزيد من الأرباح.
ومن خلال هذه الرابطة السببية التي تفرض تطور وانتقال المراحل من ظاهرة إلى أخرى من خلال الحركة والتطور الذي يستوجب أن يمتلك سببا وهذا السبب لا يمكن أن يكون خارج حتمية الحركة وتطورها في مسيرة التاريخ وإنما يكون أحد أسبابها وفق القوانين التي تتحكم بالظواهر الاجتماعية وحركة وتطور التاريخ عند ذلك نفهم الرابطة السببية لظواهر المجتمع وجوهر الأحداث السائدة على الساحة السياسية والواقع الموضوعي.
إن العولمة كمرحلة جديدة لابد لها عند اجتياحها العالم أن تخترقه وتدخله بمظهر هيكلي جديد وفكر وفلسفة جديدة من حيث الشكل أما المضمون فإنه امتداد إلى الاستغلال والركض وراء جني الأرباح. يقول الفيلسوف الألماني (بيتر لونريديك) في كتاب (مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة) النظام الرأسمالي في الدول الديمقراطية الليبرالية ليس غبيا حتى يكون أحادي التوجه ليسود نمط واحد من الفساد والارتشاء، إنه يمتلك مقابل احتكاره للسلطة والمعرفة وصهرها في بودقة واحدة مبدأ ثانيا يتمثل في تجديد نفسه وتفتيت سلطته وتنويع معرفته عن طريق سعيه الحثيث الدائم إلى اكتساح السوق واحتكارها حتى يصير بالإمكان التآمر ضد لعبة الاحتكار وتحويرها بتأليب أنماط فساد ضد أخرى وهذه لعبة تعددية لا أخلاقية).
إن المرحلة الثانية من مقارنة الدكتور الجابري الذي يقول فيها (أما اليوم فالتصنيف الذي يريد تكريسه الواقعون تحت تأثير إيديولوجية العولمة هو ذلك الذي يجعل الثقافة صفين ثقافة الانفتاح والتجديد وثقافة الانكماش والجمود .. أي إن الأولى ثقافة التبعية والثانية ثقافة الوطنية).
لقد جاء متزامنا مع تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي بروز ظاهرة العولمة، فكان الحادث الأول كالزلزال على جميع القوى التقدمية حيث ترك الإحباط والانهيار واليأس وضبابية الرؤيا فساد الشك والحساسية وضعف الإيمان والهروب والتجرد والابتعاد العمل السياسي فانهارت وانحرفت وتكتلت كثير من الأحزاب الشيوعية كما إن كثير من الدول التي تعتمد في نموها وتطورها على دعم ومساعدات الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي قد أصبحت محرومة ومحتاجة مما دفعها ذلك إلى اللجوء إلى مؤسسات الدول الرأسمالية (العولمة) كصندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى لطلب القروض المالية والمساعدات الأخرى فكانت تلك المؤسسات تفرض على تلك الدول الشروط المجحفة المخلة بسيادتها وسعادة ورفاهية شعوبها وحريتها، ومن ناحية أخرى لقد عملت إيديولوجيا رأس المال على تكريس مفاهيمها لتصبح سيدة الموقف في العالم أجمع بعد مساهمتها الفعالة في انهيار عدوها ونقيضها الإيديولوجي (النظام الاشتراكي) فاستطاعت بواسطة مؤسساتها الثقافية والثورة المعلوماتية أن تخترق ليس عقولنا المضطربة والخاوية فقط بل استطاعت أن تخترق حتى جدران بيوتنا ومؤسساتنا الفكرية والثقافية والعلمية واستطاعت التغلغل إلى أذهان الشباب المتأثرة بزخرفة هذه المفاهيم بأساليب وطرق مموهة تخفي حقيقة أهدافها الرامية إلى تدجين جيل الشباب الصاعد عبر عديد من الأفلام والبرامج المؤثرة بإغراءاتها وجاذبيتها وهم في طور التفتيش عن ملاذ تكتمل فيه شخصيتهم الموجهة حتى تتطابق وفق سياستهم ذات المضمون المنخرط في دائرة الاستهلاك الترفي والعيش في أحلام اليقظة الضائعة بينما كان المعول المؤمل أن يسلك هؤلاء الشباب منحى ثقافي وفكري وطني وعقائدي.
كما استطاعت العولمة المتوحشة أن تجند العديد من مراكز الأبحاث والمفكرين من أمثال (فوكوباما) مؤلف كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير معتمدين على تمويلات عالمية تهدف إلى فبركة مفاهيم صالحة للنشر والتعميم عبر وسائل تقنية حديثة تحت خدمة وسائل الإعلام المرئي والمسموع من أول موجباتها إخضاع الفكر البشري إلى عملية (غسل الدماغ) من كل خياراته ومسح الغائي معنوي وجسدي ومن خلال هذا السياق يتم تصنيف جميع المعاني والقيم الإنسانية (عدل ومساواة وعطف وتآخي وإنسانية) كأفكار طوباوية باعتبارها تحمل بذور فشلها وموتها في داخلها كما حدث في الدول الاشتراكية والدول الديمقراطية والنامية التي تسعى إلى بناء مستقبلها وسيادتها وسعادة شعوبها ورفاهيتهم مما دفع الكثير من المفكرين والباحثين ودعاة التغيير والتجديد أن ينضموا تحت خيمة المطبلين والمزمرين إلى النظام العالمي الجديد.
إن ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تكن ثابتة وجامدة من حيث الزمان والمكان والفكر الإنساني ووعيه وإدراكه واجتهاده فهي دائما متحركة ومتغيرة وغير ثابتة باستمرار ومتحولة من شكل إلى آخر.
ثمة تغييرات كثيرة حدثت على واقعنا الموضوعي أفرزت ضعف التيارات القومية واليسارية والوطنية إن هذه الظاهرة تشير إلى إن لكل شيء بداية ونهاية وإن الحد النهائي لواقعنا المشتت والمشرذم ماضيا وحاضرا لم يعد يقينا مطلقا بل تفرض عليه حتمية التاريخ والمسؤولية الإنسانية والوطنية أن تنحو منحا آخر في البحث والتحليل الموضوعي لواقع وطننا وشعبنا وإن نتخذ منها موضوعا للبحث الواقعي العقلاني نحو فهم الأصوب والأصلح لعلاقة متينة تعيد اللحمة الأخوية الصميمية والحميمة لهذه التيارات التي كان لها الدور الأكبر والفعال في ساحة النضال والتفاني والعمل من أجل حرية وكرامة الوطن وسعادة ورفاهية وتقدم وتطور الشعب.
بالرغم من إن الماضي فات ولكن يجب بحثه وتحليله واستخلاص التجارب والعبر منه والاتعاض بها وتحويلها إلى عنصر تلاحم وقوة وربط نتائجه ودراسته بالحاضر جدليا وفكريا لكي يصبح أكبر قدرة وأكثر طاقة وأعمق وعيا في تحركنا واندفاعنا نحو بناء العراق الجديد وطن الجميع وشعبه الذي تحمل المآسي والكوارث من هذا التشتت والتخاصم والصراع التي لا زالت آثارها وامتداداتها إلى يومنا هذا.
لم يعد يصعب علينا تخيل طموحنا وآمالنا القادمة، وإنما المهم تصويب فهمنا ومعالجة واقعنا الاجتماعي ومستقبله سياسيا واقتصاديا.
إن حتمية التاريخ والمسؤولية الوطنية والإنسانية تفرض على جميع قوى شعبنا المناضلة من مختلف التيارات أن تتأمل بألم وأسى النتائج الكارثية التي آلت إليها التناقضات والصراعات على الساحة العراقية وما أفرزتها من نزاعات دموية شملت بشكل مطلق جميع تلك التيارات بشكل كاسر وخاسر ومدمر لوحدتها ونضالها في تداعياتها الدرامية التي أفرزت سلبياتها على مصير حرية وسيادة الوطن وكرامة وسعادة ومستقبل الشعب.
إن القادم من الأيام يحمل بين ثناياه احتمالات لا تقل تعاسة وكارثية (إلغاء إنسانية الإنسان العراقي وتشتيت وتشرذم هويته الوطنية والقضاء على ثوابتنا الثقافية والفكرية) إن الاختلاف والتناقض موجود في أي مجتمع تختلف فيه الأفكار والرؤيا والاجتهاد والتفاوت الطبقي والاجتماعي والثقافي، وإن هذه الظاهرة كانت وسادت على الساحة العراقية بصورة العنف الدموي تجسدت تلك المتناقضات والمنازعات وأفرزت ظاهرة العنف ونفي أحد قطبي الصراع التي كانت جميعها من صنع وتدبير الاستعمار وعملائه التي أظهرت في نهاية الأمر إنهم المستفيدون الوحيدون من هذا التشتت والتشرذم والاختلاف.
أما الآن فإن الواقع الموضوعي والمسؤولية التاريخية والإنسانية تفرض وتحتم تشكيل ظاهرة جديدة تحكمها وتخلقها الظروف الموضوعية الآنية والمستقبلية على الساحة العراقية من خلال فرص تطورها ووعيها بحيث تصبح هذه المتناقضات والاختلافات موضوع ثانوي ونسبي ومؤقت أمام الأخطار والكوارث المحتملة الزاحفة علينا من جميع حلقات تفككنا وتشتتنا وتشرذمنا (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) تلك الحلقات الضعيفة والمنخورة في جدران بيوتنا وأفكارنا الخاوية. يجب أن نعيش جميعا في رحاب العراق القوي العزيز الشامخ بوحدة شعبه وإرادته المناضلة، ولن يخيفنا أو يفزعنا التناقض والاختلاف الذي يحدث بيننا ولا يضيرنا أو يستفزنا وجود الجانب الآخر المختلف والمتناقض معنا بل نتكامل ونتعاضد معه في التعاون والتقدم والتطور خلق فرص البقاء والوجود تحت خيمة العراق ووحدته الوطنية ومصلحة شعبنا، وهذا التعايش على المستوى من الاختلاف الفكري والمعرفي يرسخ قاعدة الديمقراطية الصحيحة من خلال احترام الرأي والرأي الآخر والتعايش وقبول تعددية الفكر والرأي والاجتهاد المختلفة والمتناقضة مع بعضها البعض دون أن نعتبره عدوا لنا، وعدم الخوف من وجود المعارضة السياسية والتوصل إلى حل المشاكل المختلفة عن طريق الحوار الفكري، وعند الحوار بين التيارات المختلفة يجب على كل طرف أن يعتمد على نسبية الرأي والفكر وليس على امتلاكه الرأي المطلق، والاعتماد على مبدأ تداول السلطة سلميا عن طريق الصعود إلى السلطة بواسطة رأي الشعب وإرادته المعبر عنها بواسطة بطاقة الانتخابات الحرة والنزيهة وصناديق الاقتراع، وأن يصبح شعار الجميع وسلوكهم وسياستهم في الوصول إلى أهدافهم تتجسد وتتمحور في الهوية الوطنية وبذلك يصبح العراق وطن الجميع تعيش فيه جميع الأطياف الدينية والقومية المختلفة في تعاون وتآخي ومحبة ويستطيع الجميع من خلال ذلك المشاركة والتعبير في صنع القرارات بالرغم اختلافاتهم الفكرية التي تصب في النهاية في مصلحة الوطن وسعادة ورفاهية الشعب.
من هي القوى التي تتحمل مسؤولية التغير

حينما نستعرض التاريخ فهو عبارة عن سلسلة مترابطة من التنازع والصراع والمصالح الطبقية والبحث عن الحاجة ووسائل أكثر استقرارا ورفاها وازدهارا عبر مراحله المتعددة والمختلفة منذ نشوءه وترعرعه وتقدمه وتطوره حتى هذه الساعة، إن البحث عن الحاجة وما يشبع به حواسه وغرائزه ولذاته هي التي حفزت وطورت الوعي الفكري الإنساني إلى التقدم والتطور عبر مراحل كأن الفكر الماركسي يزداد نضوجا ووعيا وإدراكا ولذلك كان للعقل الإنساني دور كبير في هذا التطور والتقدم البشري بالرغم من أن التغيرات تحدث في ظروف خارج إرادة الإنسان.
تعتبر جميع الأفكار والتصورات انعكاس للواقع الموضوعي ولذلك يعتبر التطور والوعي الفكري والتقدم العلمي من أفكار ومبادئ وعقائد وتطور في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استجابة وانعكاس لطبيعة المرحلة وظروفها عبر جميع هذه المتغيرات تحدث بتأثير الوعي الفكري الخلاق الذي يجد انعكاسه في العقل الإنساني، وكلما ازداد التقدم العلمي والتطور الفكري أفرز عامل الترابط والتماسك البشري حسب قوانين علمية موضوعية.
إن التطور والتقدم أفرزته الحاجة الإنسانية نتيجة الصراع والنزاع والسعي الإنساني المتواصل من أجل تحقيق وإشباع حاجاته ومتطلباته وأنانيته في الاستحواذ والسيطرة والمنافسة والمتناقضات الاجتماعية بين القديم المتهرئ الذي يسعى من أجل البقاء والمحافظة على سطوته وجبروته وبين الجديد عنفوانه المتطلع إلى التقدم والتطور نحو الأمام. في ركب الحداثة والحضارة وإن ما يحدث من تقدم وتطور لم يحدث بشكل عفوي وإنما نتيجة نقد وتهديم كل ما هو قديم بفعل الوعي الفكري الخلاق بما تفرضه مسيرة التاريخ وتطور المجتمع ولذلك يشبه المنطق الجدلي ظاهرة الصراع بين القديم والجديد (المضمون والشكل) إن المضمون هو الذي يمثل النظام القديم المتأخر الذي يشكل (طبيعة الإنتاج المتمثل بالقوى المنتجة) كما إن المضمون يمتاز بالمرونة والصبر الطويل واللامبالاة مما يؤدي إلى تراكم وترسبات جميع سلبيات ومآسي الماضي فيؤدي إلى الانفجار وتدمير الشكل الذي يمثل (علاقات الإنتاج) باعتبار إن أي تغيير يطرأ على الشكل تنبثق منه تغيرات في المضمون.
إن التناقض بين خيار الفرد الفكري ونمط سلوكه يعكس الصورة الحقيقية للواقع الموضوعي وانعكاسه على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولذلك يكون الانحياز والخيار للفكر الذي يؤكده المنطق الذي ينبع من النشاط الحقيقي للإنسان الذي يتجلى في نمط فعله وما دام الفعل كله سياسيا فهذا يعني أن الحقيقة لكل إنسان بمجموعها تتضمن الفعل السياسي.
لذلك إن التصور الذي تملكه أي فئة في المجتمع عن التغير والتقدم والتطور يجب أن تتحلى أفعالها بإيجاد وحدة ثانية بين النظرية والتطبيق لكي يكون عند الإنسان ثبات فكري عضوي لأن اتحاد النظرية والتطبيق لم يعد حقيقة آلية فحسب بل هو جوهري وجزء من سيرورة تاريخية لها تجاربها وأفعالها يمكن إيجاد خارطتها وجميع مكوناتها في شعور شبه غريزي يدفع الإنسان التقدمي إلى الإحساس والتميز والانفصال، شعور يرتقي إلى مستوى امتلاك الحقيقة لتصور المجتمع ومتناقضاته على نحو متحد ومتماسك مع رؤياه واجتهاده ومن خلال ذلك يستطيع أن يمارس نضاله من أجل تغيير المجتمع.
إن القوى التقدمية هي التي تجعل من التطور السمة الوحيدة لحركة التاريخ وليس هنالك من تكوين في الوجود يتصف بالجمود والثبات وإنما كل شيء في الوجود هو في صراع وتناقض وتطور وحركة مستمرة ولذلك فان السعادة والرفاه والاطمئنان والاستقرار النفسي ممكن إقامته وبناءه على الأرض ما دام الإنسان هو الذي يصنع القرار والإرادة في التغير والتقدم.
بعد الثورة المعلوماتية والتقدم العلمي والتكنولوجيا أصبح التغير والتقدم يجري بالاعتماد على الوسائل الديمقراطية وليس عن طريق العنف والصراع المسلح وإنما النضال والعمل الديمقراطي الصحيح كوسيلة للتغير ويحدث ذلك أيضا بواسطة الإنسان وعن طريق الإنسان لأنه هو الواسطة والوسيلة في الصعود السلمي إلى السلطة لأنه بيده يحمل بطاقة الانتخابات ويضعها في صندوق الاقتراع ولذلك يعتبر الإنسان في جميع الحالات هو الواسطة في الوصول إلى السلطة، بعد أن كانت الطبقة العاملة هي الطبقة الرئيسية الاجتماعية التي يرسخها موقعها في عملية الإنتاج الاجتماعي في قيادة حركة التغير في المجتمع والآن كما ذكرنا تحول المجتمع إلى مرحلة الرأسمالية المعولمة التي تعتبر أعلى مرحلة من مراحل الرأسمالية المتعفنة ولذلك أصبح الواقع الاجتماعي في حالة انتقال من المادية الاقتصادية إلى القيم الافتراضية والرمزية ومن اقتصاد السلع إلى اقتصاد القيم الروحية والمعلومات ومن قوة العمل البشري إلى قوة العمل التكنولوجي المتطور والرجل الآلي ومن العمل اليدوي والعقلي إلى العمل الذهني والحواس والاستقراء حسب المنهج العلمي والمعرفي.
في القرن الثامن عشر أفرزت الثورة الصناعية وطورت الطبقة العاملة التي تعتبر حفارة قبر الرأسمالية إلا أن المرحلة الرأسمالية تجاوزت تلك المرحلة بالرغم من أن بذرة موتها وفنائها لا زالت في جسمها ولكي تعيش في آخر مرحلة من تطورها التي هي الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي الهائل ولذلك إن المرحلة الجديدة تحتاج إلى صياغة جديدة وأسلوب بمستوى تطور وتقدم العلم التكنولوجي لكي نستطيع أن نقود المجتمع وجماهير الشعب الواسعة في تحقيق أمانينا وطموحاتنا في العدالة الاجتماعية والحياة السعيدة والكريمة. إن التجربة النضالية للقوى التقدمية منذ ظهور الطبقة البورجوازية وانتقالها إلى مرحلة الرأسمالية ثم إلى مرحلة الامبريالية ثم إلى مرحلة العولمة كانت الطبقة العاملة وحزبها المجاهد في صراع ونزاع معها، والآن انتفى وجود الطبقة العاملة بفعل التطور الآلي والثورة المعلوماتية والتقدم الهائل في مجال التكنولوجيا إلا أن ذلك لا يعني الاستغناء عن الفكر الماركسي الذي ولد ونشأ وترعرع يحدو الركب متخندقا في محراب النضال تعلو يمينه شمسا أفقها رحب وباليد الأخرى الراية الحمراء تخفق عاليا مطرزا عليها الوطن الحر والشعب السعيد بالرغم من أن حزب الطبقة العاملة لم يكن في المرحلة الراهنة في إطار تنظيمي واجتماعي مناسب ولا من حيث شكله وعلاقة أطرافه بعضها ببعض وحتى علاقاته بالقوى الاجتماعية الأخرى إلا أن التجربة الثرية والكنز الكبير من الخبرة والمعرفة تؤهله بأن يكون الصوت الهادر والمحرك الفعال للعمل الجماهيري والتصدي لشرور العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة عن طريق التفاعل والانسجام والعمل مع المؤسسات والحركات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بقوى وفئات اجتماعية مختلفة المتأثرة والمتضررة من العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة، كما توجد في الساحة السياسية منظمات وجمعيات لها وزنها وثقلها السياسي وتأثيرها الفكري كالنفايات المهنية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية المختلفة إضافة إلى ظهور مؤسسات وحركات اجتماعية ستفرزها وتخلفها الظروف والحاجة الموضوعية لظهورها ونشوئها، كما ستظهر منظومات اجتماعية واقتصادية وسياسية تفرزها طبيعة المرحلة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة ناتجة من إعادة إنتاج المجتمع الرأسمالي ما بعد عصر المرحلة الرأسمالية التي من خلالها سينقسم العالم إلى مركزين المركز الأول الرئيسي الذي يمثل الدول ألثمان لرأسمالية الكبرى وفي المركز الثاني تظهر الدول المستهلكة والفقيرة والمعوزة والمحرومة والتي ستظهر فيها الطبقة البورجوازية الطفيلية (الكوميرادورية). كما سينقسم المجتمع الواحد إلى قوتين وتكون أكثريته قوى تقدمية مناضلة وأخرى أقلية مرتبطة مصالحها بالرأسمال العالمي وتحتدم مصالحه وسيحمل التاريخ القوى التقدمية مسؤولية قيادة النضال وتجنيد وتحفيز الأكثرية الساحقة من جماهير الشعب المظلومة والمسحوقة لانجاز العمل الحاسم والفرصة التاريخية الجديدة في ترجمة شعاراتها التي ازدحمت فيها آلام ومآسي الوطن المذبوح والشعب المستباح وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية.
إن ترسيخ الديمقراطية الصحيحة هو المجال الرحب والفعال لنشاط جماهير الشعب المناضلة الواسعة ويجب عليها أن تسلك سلوك نضالي تتجسد فيه الروح الكفاحية المنبثقة من واقع المجتمع المؤلم والمزري والمعبر بشكل أساسي عن أماني وطموح الجماهير المسحوقة في تحقيق العدالة الاجتماعية المعبرة عن أمانيهم وطموحهم في تحقيق السعادة والرفاه والازدهار والقضاء على الفقر والحرمان والأمية والجهل والمرض. إن هذه الأفكار الخلاقة تناقض وتختلف مع الشعارات الترقيدية والمخدرة التي تتجسد وتعبر عنها فلسفة العولمة وسياستها الجديدة (الديمقراطية الليبرالية) إن هذا السلوك النضالي يعتمد بشكل أساس على ترسيخ الديمقراطية الصحيحة والالتزام بمكوناتها وتنظيماتها لذلك يجب الاعتماد على برامج متين وقوة التنظيم السياسي وصيغته وآلياته كوسيلة وإرادة في التحرك الجماهيري الواسع وبشكل أساس التجربة الواسعة والفنية والتربة للفكر الماركسي اللينيني في تحويل الأزمات والمعاناة والحرمان والجوع والبطالة إلى شعارات مطلبية عن طريق التغلغل بين الجماهير الواسعة وبث الوعي بينهم والانصهار معهم والاستفادة من تجربة أكثر من سبعة عقود ونصف من الزمن في كيفية بناء علاقة واسعة مع جماهير الشعب العريضة لأن هذه الجماهير هي التي تحمل بطاقة الانتخاب وتضعها في صندوق الاقتراع وتحملنا على رؤوسها إلى قبة البرلمان وهنالك ملاحظة أخرى هي أن طبيعة مجتمعنا من حيث العادات والتقاليد والعرق الاجتماعي يعطي أهمية واحترام للحزب أو الإنسان الذي يتمتع بالقوة والنفوذ وهذا يعني أن مد الجسور إلى الرعيل الأول من المناضلين والتغلغل والانصهار مع جماهير الشعب المسحوقة والتعبير بصدق وأمانة عن أمانيهم وطموحهم وترجمة آلام الشعب وقهره وجوعه وأزماته إلى مطاليب واقعية عن طريق تحويلها إلى شعارات منطلقة من قلوب صادقة ومؤمنة بقضيتها الإنسانية.
يقول المفكر غرامشي (في ظروف معينة تفرض أحكام الضرورة أن لا يكون هنالك صراع ومعارك بين طبقة وأخرى أو فئة وأخرى مما تفرض الظروف وضرورتها أن تتحول تلك المعارك والصراعات إلى حرب مواقع فتصبح ذات طابع ثقافي عن الاحتكاك والتغلغل بين جماهير الشعب الواسعة وعن طريق الصحف والمجلات والأدبيات الأخرى مما يجعل ويصبح الوعي الفكري الخلاق والكلمة الصادقة المنبعثة من نزف دماء القلب هي الفكرة الراجحة والحاسمة في الميدان الرئيسي للصراع).
إن النظرية الماركسية تأسست ووجدت معتمدة على كنز من التجارب العلمية والفلسفية في البحث والاستدلال العلمي وقد أثبتت صحتها ومصداقيتها في ثورة أكتوبر في روسيا عام / 1917 وهي كنظرية مادية علمية تتمحور جميع مكوناتها حول الإنسان ومن أجل الإنسان، ولو فرضنا جدلا أن هذه النظرية انتهت مهمتها ووجودها .. ما هو البديل ؟ وما هو الخلل الذي يجعل هذه النظرية العظيمة أن تلقى وترمى في متحف التاريخ ؟
يقول الأستاذ المحامي المصري الراحل نبيل الهلالي (إذا توفى رجل مريض أثناء العملية الجراحية بسبب خطأ من الطبيب الجراح أو بدون خطأ .. هل يعني أن علم الجراحة فاشل وغير جيد ؟).
وإنني أشبه النظرية الماركسية كالعربة .. فإذا كان قائدها يسير بها في طرق مملوءة بالمطبات والحفر والحجر مما يؤدي إلى عطل العربة أو تدميرها .. هل ترمي بالملامة على العربة أم تحمّل قائدها مسئولية عطلها وتدميرها ..!! وهنالك قاعدة تقول (إذا عجز التطبيق عن متابعة النظرية فلا بد من وجود خلل في التطبيق) سبق وأن نشرت عدت مواضيع حول سلامة وطهارة النظرية الماركسية الخلاقة ولا أزال من المؤمنين الصادقين بصحتها وسلامتها وبراءتها ومظلوميتها وأنا على أتم الاستعداد للمناقشة والحوار مع كائن من كان حول صحة وسلامة النظرية العملاقة وأود أن أذكر بأني طالعت وقرأت جميع التعليقات والشتائم المجحفة والظالمة من الحاقدين والمنهزمين .. فلم أجد إنسان أشار بشكل علمي إلى الخلل في النظرية وإنما جميعهم يتكلمون عن ضرورة التجديد والتغيير ووجود أخطاء .. ولكن أين هو الخلل وما هو البديل في التجديد والتغيير وقد ذكرت في المواضيع السابقة إن انهيار المعسكر الاشتراكي ونظامه برزت في نفوس هؤلاء التي ابتلت النظرية الماركسية بهم من (ناكري الجميل) الجذور البورجوازية التي كانت السبب الرئيسي في خلق وتسلل البيروقراطية (حشرة الأرضة) التي نخرت ذلك الطود الشامخ العملاق إنني إنسان أؤمن بنسبة الأفكار وأصدق وثقتي بالمقولة (إن المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست جامدة ولا ثابتة وإنما هي نسبية وخاضعة للبحث والاستدلال) ومن خلال هذه القاعدة إن الإنسان يمتلك العقل الذي جعل من الإنسان أعلى الكائنات الحية وأثمن رأس مال في الوجود .. أما يستطيع أولئك المتشككين بالنظرية استعمال الطريقة العقلية لمعرفة صوابية النظرية الماركسية؟ وهؤلاء يمتلكون الحواس .. الم يستطيعوا عن طريق البحث العلمي الاستدلال على علمية النظرية الماركسية الخلاقة ؟
إن البعض سعى أو يسعى لاستنباط فكرة جديدة تتناسق وتنسجم مع الواقع الموضوعي الجديد ويحاول دمج أو صهر (الديمقراطية الليبرالية) بالنظرية الماركسية على اعتبار أنها تشكل مطامح الجماهير بالمساواة والعدالة الاجتماعية وربط النشاط الفكري السياسي والاقتصادي والاجتماعي الاشتراكي، إنني أتكلم للعلم وللتاريخ الذي سوف ينطق حكمه الذي لا يرحم .. إن هذه الطريقة وهذا الدمج يشكل تشويهات وعيوب وتحريف للفكر الماركسي الخلاق .. إن التقدم والتطور الاجتماعي يحدث من خلال الإنسان وذاته ومن خلال حركته ووجوده ومن خلال عقله ومحيطه، وحينما نستلهم من التجربة ما هو سليم وصحيح فان ذلك يتحول إلى فكرة مرشدة للعمل.
هنالك قاعدة تقول (هل يحتاج الرجل العظيم أن يلبس تاج العظمة لكي يكون عظيما ً) لذا أرجو من أحبتي وأعزائي القراء الكرام أن لا يجعلوا من حبي وشغفي للفكر الماركسي كنوع من المقدسات أو الجمود أو الثبات لأني إنسان أمتلك العقل الذي أفكر به وأميز من خلاله الصحيح والخطأ وإني أمتلك الحواس أنظر وأسمع وأقرأ بها وقد علمنا الفكر الماركسي الخلاق طريقة الحدس واستقراء المستقبل والأفكار لدى الآخرين لذلك حينما أكتب وأتكلم أعلم بصحة وصوابية الفكر الماركسي ومع ذلك أنا لا أؤمن بالمطلق وإنما بنسبية الأفكار .. إلا أن الحقائق والثوابت تؤكد على صحة النظرية الماركسية – اللينينية وأود أن أختم موضوعي بنبذة مختصرة عن الفكر الماركسي الذي لم يترك شاردة أو واردة إلا وبحثها وحللها فيقول (أن القانون المتداول لحركة التغير في التاريخ البشري يقضي بضرورة الانسجام والتجانس في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري وعندما يحدث خلل داخل البنية عندئذ يحتاج البناء إلى مراجعة وتعديل أو تغيير حتى يحصل الانسجام المفتقد لأن الأنظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية تميل عموما إلى الاستقرار في حين تنمو المعارف والعلوم والتقنيات إلى الحركة والتطور والنمو وهي في سعيها ذاك تنتج أوضاعا جديدة مما يجعلها أن تصبح على تناقض مع الموروث من الأبنية فيحدث التناقض ويتفاعل الصراع ويحدث التغير.
وفي ختام كلامي أقول لو كان لمنطق من شكوك بالنظرية الماركسية الخلاقة وبرهان حقيقي لما اختلفت الآراء والاجتهادات في النظرية هذا الاختلاف ولنبين مصداقية أقوالهم عن الخلل لأن جميعهم ينهلون من منبع واحد ويسترشدون بفكر واحد هو الفكر الماركسي بالرغم من انقضاء فترة زمنية تزيد عن العقد من الزمن وهم مجتمعون يحيطون (بجسد لنظرية الماركسية) على الطاولة ويشرحون بجسمها الطاهر لعلهم يعثرون على العلة والسبب الذي أدى إلى موتها ظلما وعدوانا ولكنهم طيلة هذه المدة يحضرون صباحا إلى قاعة الاجتماعات ويغادروها مساءً وهم يرددون نفس الأقوال ونفس التهم ونفس الشتائم حسب قاعدة الجدل البيزنطي (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة).

الخاتمة
من غابة الذكريات .. جئنا لأحبتنا .. نحيي أمانينا .. ونفتش عن رفاقنا .. وأهلنا لننثر عليهم .. تراب سجننا وغربتنا .. نلملمهم .. ونرمم ونرتب بيتنا الشامخ العتيد .. جئنا إليكم حفاة .. نسير على الحصى .. يحمل كل واحد منا الآخر .. على أكتافنا .. الخفيف يحمل الثقيل .. واضعين قرص الشمس على جباهنا .. نحدوا الركب .. نحو المجد والعلا .. ها هنا كانت أفعالنا وشموخنا ومجدنا .. لم نجد سوى أطلالها .. نرى بيوتا وأبوابا كثارا .. منها ما تعلى أو تدنى .. ومنها ما استطال أو استدارا .. كانت كالنور جهارا .. فاختلط مع ضوء السماء وغابا .. أين رحل الألى أهل الدار .. أين أحباؤنا ورفاقنا النشامى .. هل دفنوا تحت الأطلال .. أم أصبحوا أشباحا .. تحت كابوس الصمت سكارى ..؟ انظر في الوجوه الكئيبة والعابسة .. فلا أرى سوى العيون تنظر شزرا وخوفا .. يسمعون كل شيء .. لكنهم لا ينطقون كلاما .. أنهم هياكل بشرية .. ليس هم الأحباب الذين جئنا من أجلهم .. لم يشعر القلب شوقا لهم .. ولا حبا وشغفا بهم .. التفت شمالا وجنوبا .. وشرقا وغربا .. فوقع بصري .. على شيخ جليل .. منتصب القامة .. ترتسم على وجهه الصبوح .. لحية بيضاء .. يقف على صخرة كبيرة .. ينظر نحو الناس مبتسما ً.. لقد جزعت النفس من يأسها .. وتمنت الرجوع إلى عشها .. ولكن ليس باستطاعتها الانفلات من كابوس يأسها .. فناءت بأثقال جزعها وشجونها .. اقتربت من الشيخ الجليل .. فاستقبلني بابتسامة جميلة .. فعرف أني قادم من غابة الذكريات .. فأشار بيده إلى تلك ألهياكل البشرية .. وقال : هؤلاء غرباء عن هذه الديار .. جاءوا إلى هنا بعد أن غادر الرجال .. ذوو الزنود السمر .. ديارهم ضياعا واغترابا.
فقلت له .. يا سيدي الجليل .. إنني أسمع أصواتهم .. من بين الأطلال .. أسمع نغماتها على شغاف قلبي .. ونكهتها عذبة كعذوبة ورقة أهلها .. تفوح منها نسمات الشوق والحب والحنان .. فودعت الشيخ الجليل وأنا أردد مع نفسي : لست أدري أين أنت الآن يا تاريخ .. أم أين أنا .. ضاعت أحلامي وأحلام المنى.
((المصادر))

اسم الكتاب اسم المؤلف أو المصدر

1. المعجم الفلسفي المختصر (رؤية ماركسية) دار التقدم موسكو
2. مبادئ الشيوعية فردريك أنجلس
3. منعطف الاشتراكية الكبير روجيه غارودي
4. من تاريخ الحركات الاجتماعية والفكر الاجتماعي أكاديمية العلوم السوفياتية معهد التاريخ
5. دراسة البيان الشيوعي هرمان دونكر
6. الاشتراكية الخيالية في القرن التاسع عشر بليخانوف
7. غرامشي (حياته وأعماله) جون كاميت (ترجمة عفيف الرزاز)
8. المادية والمثالية في الماركسية سلام كيله
9. من هيغل إلى ماركس (حول الجدل الماركسي) سلامة كيلة
10. مذاهب ومفاهيم في الفلسفة والاجتماع الدكتور عيد الرزاق الماجد
11. أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية دار التقدم موسكو
12. الإنسان في فلسفة فيورباخ د. عبد الحليم عطية
13. كارل ماركس فكر العالم (سيرة حياة) جاك تالي
14. الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية فريدريك انجلس
15. خالد إلى الأبد (ذكريات معاصري لينين عنه) دار التقدم / موسكو
هذا الكتيب
خواطر ماركسية يضم مجموعة مواضيع تتمحور حول النظرية الماركسية الخلاقة باعتبارها مفهوما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفلسفيا، فهي تعتبر مفهوما سياسيا لأنها تحدد مفهوم دور الشعب والدولة في بناء المجتمع، ومن الناحية الاقتصادية فهي تسعى إلى التخطيط والبرمجة وتنظيم حياة الناس ومستقبلهم المشرق السعيد عن طريق إلغاء فوضى الإنتاج والسوق واستبدالها بالإنتاج الاجتماعي والملكية العامة لوسائل الإنتاج وبناء العلاقات الإنتاجية الاشتراكية وتعتبر الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ .
ومن الناحية الاجتماعية تعتبر القوانين الاجتماعية والتحليلية ومفاهيمها والتميز بين ما هو نظري وما هو موضوعي اجتماعي الطريق التي تسترشد به في بناء المجتمع السعيد ومن ناحية اعتبارها مفهوما فلسفيا لكونه فكرا نقديا ضد الانغلاق والجمود ومنطلق نحو الحرية والكرامة الإنسانية من خلال الممارسة والتطبيق وتطوير الفكر الماركسي الخلاق على ضوء معطيات التطبيق العملي من خلال القوانين الموضوعية العلمية بالكشف ومعرفة الترابط والتغير في أي ظرف بما ينسجم مع تغير الوعي الفكري وتحرير الإيديولوجيا من جمودها ومن أسرها بما ينسجم مع كل ما أنتجه الفكر الإنساني بروح نقدية تتطلع نحو أفق تحرري شامل، والاعتماد على روح جدلية الفكر بما يطوره في مجال العلم والمعرفة.
إن الفكر الماركسي الخلاق أدرك أن الإنسان وجد في هذا الكون ليتعلم فيعلم ولم يوجد جاهلا كسولا ومهملا.



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمركة العالم وليس عولمته
- نشوء الطبقة العاملة العراقية
- مسيرة الحزب الشيوعي العراقي النضالية
- الحزب الشيوعي العراقي والوحدة العربية
- العراق قبل وبعد الحرب العالمية الأولى
- الحزب الشيوعي العراقي
- من وحي التجربة
- الطبيعة الديمغرافية للشعب الأمريكي
- ما المقصود بمحاربة الفكرة بالفكرة ؟
- أمريكا والعالم بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية
- الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية
- الدولة القومية والفكر الديني بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
- الفكر الماركسي والقومية و الفكر الماركسي والدين
- العلمانية والأممية
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية/2
- صدام الحضارات والإستراتيجية الأمريكية
- النظرية الماركسية والعولمة
- الرفاق الأعزاء
- الى من يهمه الأمر .. مع التحية


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح أمين الرهيمي - خواطر ماركسية (تقديم ومداخلات فلاح أمين الرهيمي)