حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 4842 - 2015 / 6 / 19 - 11:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قوانين النظام الاشتراكي (نظام الاجور)
لدى تحول النظام الراسمالي الى النظام الاشتراكي فهذا لم يعن تدمير وترك جميع منجزات ووسائل انتاج النظام الراسمالي. في النظام الاشتراكي جرى اقتباس واستخدام طرق ووسائل الانتاج التي كانت مناسبة للانتاج الاشتراكي وتركت المضرة منها للانتاج الاشتراكي.
احدى الوسائل التي اقتبسها النظام الاشتراكي من النظام الراسمالي كان نظام الاجور. من اهم المشاكل التي جابهت الانتاج الاشتراكي كانت مشكلة عدم كفاية انتاج مواد الاستهلاك الشخصي لحاجات المجتمع. فكانت مشكلة التعليم او مشكلة السكن او مشكلة العلاج الطبي رغم صعوباتها اقل صعوبة من مشكلة انتاج المواد الكافية للاستهلاك الشخصي.
ليس الحديث هنا عن كون اهمية انتاج وسائل الاستهلاك اهم من القضاء على الامية مثلا ام تحقيق العلاج الطبي المجاني او حل مشكلة السكن. انما الحديث هنا عن صعوبة التوصل الى انتاج وسائل الاستهلاك بالقياس الى عملية القضاء على الامية او عملية تحقيق العلاج الطبي المجاني كما جرى تحقيقه في الاتحاد السوفييتي.
وقد تحدث كارل ماركس عند كتابة نقد منهاج غوتا عن هذه المشكلة وسماها مكافاة العامل وفقا لعمله حيث يمنح العامل شهادة بمقدار العمل الذي انجزه يستطيع بموجبها ان يتناول ما يعادلها من الانتاج العام. فكان شعار دفع اجور العمل في النظام الاشتراكي "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله." وهذا كان نظام الاجور او المكافأة في الاتحاد السوفييتي الاشتراكي.
غير ان نظام الاجور في النظام الراسمالي يختلف كل الاختلاف عن نظام الاجور في النظام الاشتراكي. فالنظام الاشتراكي اقتبس نظام الاجور من النظام الراسمالي لاستخدامه استخداما مختلفا عن استخدامه في النظام الراسمالي. في النظام الراسمالي تشكل الاجور الدخل الوحيد للعامل اذ يبيع للراسمالي قوة عمله لقاء اجور تشكل كل دخل العامل ينفقه في اعادة انتاج قوة عمله لكي يبيعها ثانية الى الراسمالي لقاء اجوره. ان عجز العامل عن بيع سلعته الوحيدة، قوة عمله، الى الراسمالي يعني تعرضه وتعرض عائلته الى الموت جوعا.
وقد ادت نضالات الطبقة العاملة عقودا الى اجبار الحكومات على ان تقوم الدولة بتخصيص بعض الاعانة لاعالة العمال الذين يتعرضون الى البطالة وبذلك تحولت الدولة الراسمالية كما توقع كارل ماركس وانجلز في البيان الشيوعي الى دولة صدقات. والدول الراسمالية المتقدمة اليوم هي دول صدقات طفيفة لملايين العاطلين المتزايدة يوما بعد يوم.
اما نظام الاجور في النظام الاشتراكي فيختلف كل الاختلاف عن نظام الاجور في النظام الراسمالي. المجتمع الاشتراكي بكامله هو المنتج لكافة الانتاج وهو المالك لجميع ادوات الانتاج وكامل الانتاج والفرد العامل شريك لكل المجتمع في ملكية هذا الانتاج. فالعامل الاشتراكي لا يبيع قوة عمله الى اي انسان ولا الى الدولة. العمل في النظام الاشتراكي واجب على الدولة بموجب قانون. وكل انسان يبحث عن عمل او عن اعداد للعمل عن طريق الدراسة مثلا يجب على الحكومة ان توفر له ذلك. لذا لا توجد بطالة في النظام الاشتراكي.
ولا يشكل اجر العمل سوى جزء مما يحصل عليه العامل في هذا النظام. فالعامل يتمتع بكامل الانتاج الاشتراكي. العامل مثلا يتمتع بالعلاج الطبي المجاني والتعليم المجاني بكل مراحله والتمتع بمتع الحياة الاجتماعية التي لا يحلم بها عامل في النظام الراسمالي. ويتمتع بحق تربية وتعليم اطفاله من قبل الدولة فنشأت قصور الاطفال في القصور الملكية السابقة التي كتبت عنها الكثير من التقارير والكتب من قبل زوار الاتحاد السوفييتي. والعائلة العاملة تتمتع بحق عطلة سنوية مدفوعة الاجور والنفقات مع قضاء العائلة العاملة هذه العطلة على حساب الدولة في مصائف ومنتجعات البلاد. والعامل الاشتراكي يرى امامه كافة وسائل اللهو والتمتع من المسارح والاجواق الموسيقية ومسارح الباليه باسعار بسيطة تستطيع العائلة الاشتراكية انفاقها. فالاجور في النظام الاشتراكي ليست سوى جزء ضئيل من الدخل الحقيقي لجميع الشعب متمثلة بهذه الخدمات.
لا يشترك نظام الاجور في النظام الاشتراكي مع نظام الاجور في النظام الراسمالي الا بشكله. فكما يتقاضى العامل في النظام الراسمالي اجورا مقابل بيع سلعته الوحيدة، قوة عمله، يتقاضى العامل الاشتراكي اجورا لقاء ما ينجزه اثناء عمله.
ثمن بيع العامل لسلعته في النظام الراسمالي، قوة عمله، معرضة دائما لمحاولات الراسماليين الدائمة لتقليصها سواء كميا بتخفيض الاجور ام باطالة ساعات يوم العمل او باستخدام المراة والطفل باجور منخفضة وترك الرجل عاطلا يعتمد على اجور زوجته او طفله. وقد جاءت في الراسمال امثلة كان الاب العاطل فيها يحمل طفله على كتفيه ليوصله الى المصنع الذي يعمل فيه. واما باستغلال تطور قوى الانتاج واختراع الات انتاج اكثر تطورا تقصر وقت العمل اللازم لتحقيق قيمة قوة عمل العمال او التخلص من عدد من العمال وفقا لحاجة وسائل الانتاج الجديدة.
اما الاجور في المجتمع الاشتراكي فهي تميل دائما الى الزيادة سواء عن طريق زيادة المواد الاستهلاكية التي يحصل عليها العامل لقاء اجوره ام عن طريق زيادة اجوره بتطوير كفاءاته وجعل عمله اكثر انتاجية وفقا لشعار من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله. فكلما زاد عمله انتاجية ازدادت اجوره.
نظام الاجور في النظام الراسمالي ابدي طالما بقي الانتاج الراسمالي قائما. فلا وجود للانتاج الراسمالي بدون وجود تظام الاجور. اما في النظام الاشتراكي فنظام الاجور هو نظام مؤقت تحتمه ظروف الانتاج فيه. والنظام الاشتراكي يهدف الى انهاء هذا النظام باسرع ما يمكن. لذلك بينما اتجاه الانتاج الراسمالي يهدف الى زيادة ما تناله الطبقة الراسمالية من الانتاج والارباح وتقليص نصيب الطبقة العاملة منه يهدف النظام الاشتراكي الى زيادة كمية السلع الاستهلاكية زيادة مطردة وفق تطور الانتاج الاشتراكي. وان الهدف الحقيقي في الانتاج الاشتراكي هو التخلص نهائيا من نظام الاجور عن طريق تطوير الانتاج الى ما يكفي لتوفير كل ما يجتاجه الشعب العامل من المواد الاستهلاكية وانتاج ما يكفي لتوفير كل ما يحتاجه كل فرد من افراد الشعب العامل من المواد الاستهلاكية. وهذا شرط حيوي وضروري من شروط تحول المجتمع الاشتراكي من المرحلة الاشتراكية الى مرحلة المجتمع الشيوعي. ويصبح شعار الانتاج الاجتماعي "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته". فلا يمكن تحقيق هذا الشعار قبل ان يبلغ انتاج المواد الاستهلاكية الى ما يكفي لتحقيق ذلك. وعند تحقيق هذا الشعار لا تبقى حاجة الى وجود نظام الاجور والى وجود النقود في المجتمع. ففي المجتمع الشيوعي لا معنى لوجود النقود والتبادل والبيع والشراء.
الا ان النظام الاشتراكي السوفييتي لم يبلغ مرحلة انتاج ما يكفي من مواد الاستهلاك الشخصي لتحقيق شعار لكل حسب حاجته. كانت حرب التصدي للهجوم النازي الفاشستي الذي اصبح عمليا هجوم اوروبا باجمعها عدا بريطانيا ضد الاتحاد السوفييتي وتحول المجتمع الى العمل على انتاج الاسلحة وتضحية الملايين من خيرة ابنائه في حرب الدفاع عن الوطن الاشتراكي.
ان التشابه بين نظام الاجور في المجتمع الاشتراكي والمجتمع الراسمالي هو تشابه شكلي وحسب ولا علاقة لطريقة تنفيذه وعملية تطوره في النظامين.
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟