أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - سيرة الإعتقال في رواية سراب بري















المزيد.....

سيرة الإعتقال في رواية سراب بري


عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)


الحوار المتمدن-العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


_________________________________________________

«سراب برّي» رواية عبد الرحمن مطر رحلة الاعتقال من الشباب إلى الكهولة
الدكتور احمد جاسم الحسين

تقع رواية «سراب بري» لـ عبد الرحمن مطر في حيّز الأدب السيري، الذي يستمدّ الكثير من خصوصيّته من وجع الاعتقال، وتحاول أن تختلف عن سواها بمحاولة إلغاء الحدود الجغرافيّة لتستحضر حدود أنظمة الاعتقال، وتكشف لقرائها أن أسباب الاعتقال وطرائق التعذيب لا تتباعد كثيراً في تلك الجغرافية المسكونة بالقمع. مستفيدةً من أجواء الثورات، والثورة السورية إحداها، حيث كانت سبباً مباشراً لنبش الكثير من الحكايات المسكوت عنها، أو تلك التي حَسِبَ أصحابها أنَّ فداحة الأذى الذي حدث فيها ذو طابع شخصي بحيث إنَّ متلقياً لن يكترث بها، في ظل حضور أجواء الموت الذي يتهاطل من السماء: «من أين تأتي به الغيمات العابرة. شيء ما أشبه ببوابات الجحيم التي تنفتح فجأة فتلقي حممها على الناس، هل كانت حقاً شبيهاً لها، أم أنها اللهيب الذي لا يُبقي ولا يذر شيئا في البلاد: الإنسان والطير والحجر، تخلف رائحة الحرائق، حيثما نظرت أو أشحت بوجهك، كي لا ترى الأجساد المتناثرة أشلاؤها في العل وبلا دماء».

من الثورة الليبية إلى السورية

يشكل مشهد القصف بالبراميل في بساتين الغوطة الشرقية مدخل الرواية لتناول حكاية الشخصية الرئيسية في العمل، عامر عبد الله، إذ تتناوب فصول الرواية في سرد جوانب من حياة تلك الشخصية في تعالقاتها مع أطياف اجتماعية وفكرية وسياسية في جغرافية المشرق العربي، وهي تحاول الإعلان عن خصوصيتها، وصوتها، بحيث تريد تشكيل رؤيتها الخاصة. ولئن كانت الثورة الليبية سبباً في هروب تلك الشخصية من سجون «الزعيم» بليبيا بعد أن حُكِمَ عليها بالمؤبد لأنها حاولت أن تقف في وجه ذلك القمع، إلَّا أن الثورة السورية تكون فرصة لتذوق طعمٍ جربت تلك الشخصية حلاوته في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الثمن كان التهجير عن الوطن. قد يبدو الربط على المستوى الروائي ليس بتلك الصورة المثلى التي رَامَها المتلقي لكنها تكشف عن وجودية هذا الهمّ في تلك الجغرافية، بحيث يصبح جزءاً من القدر الذي ينتظر البشر.

دراما التحقيق المخابراتي

غدت أساليب التحقيق التي تستعملها الأفرع المخابراتية في الشرق مألوفة بالنسبة للمتلقي العربي، وصارت جزءاً من ثقافته القرائية والحياتية، يكاد لا يمرّ شخص لم يلتق بشخص زار سجناً أو معتقلاً، أو أنَّ أحد أقاربه مرّ بتلك التجربة المرة. من هنا فإن الصعوبة تتراكم في العالم الروائي، وتدفعه للبحث عن مخارج للتكرار، وتوليد الدهشة في نفس المتلقي، حتى لا يُصاب بالسأم والملل، وكذلك في إمكانية البحث عن طرائق فنية مبتكرة تدفع المتلقي لمتابعة قراءة العمل الروائي. ولعله من غير المفيد هنا التطابق مع ما حدث تماماً، المفيد في العالم الروائي هو القدرة على توليد الدلالة وتكثيفها والإمعان في إدهاش المتلقي: «أمرَ بإعادة العصبة على عينيه، وتقييد إلى الخلف، سُحب نحو الباب، وفجأة تلقى ركلة موجعة على مؤخرته، أطاحت به على الأرض خارج الغرفة. أمسك بياقة قميصه، أنهضه، ودفع به بقوة في الساحة، فوق الحصى، وقبل أن يتحرك من مكانه، وضع قدمه فوق رقبته، وضغط عليها فالتصق صدغه بالأحجار الصغيرة المدببة».
وكذلك ينطبق هذا الخيار الفني، المنتظر من الرواية التوّاقة لإحداث بصمتها الخاصة، على الحديث عن يوميات السجن وتفاصيله بعد وجود ركام كبير من الروايات، التي تناولت تلك التجربة المريرة في المدونة الراوئية العربية التي مر روائيون كثيرون بها، أو سمعوا عنها.
مساحة العذاب، الذي تتحمله النفس البشرية في تلك العوالم الروائية، وتلك الانتظارات التي تريق وقتها بها، تدفع المتابع للتساؤل عن الجدوى المباشرة لمثل هذا الخيار الفكري الشائك، فتجيب مشهديات الحياة التي لن تكتمل: لو كانت خطواتها جميعها محسوبة من وجهة نظر المتفرج أو المتأمل، ولغدت الحياة شيئاً آخر، ربما لا طعم لها دون تلك «الشيطنات» التي تمارسها النفس البشرية، لتخفف من رتابة الحياة وخطواتها المحسوبة.

الأمكنة المفتوحة المغلقة

تتغير الكثير من دلالات الأمكنة في هذه الرواية، وتتلاشى الحدود بين الأمكنة المغلقة والمفتوحة، بحيث يبدو الخارج متقارباً جداً مع الداخل، ورغم ثراء تجربة الاعتقال لشخصية عامر عبدالله، إلا أن تبقى مفتوحتين نحو الخارج، بحيث تُوفَّر له ظروف يبقى من خلالها متواصلاً مع ما يدور، ولا تغيب عنه تفاصيل تتعلق بمتابعة الأخبار أو الأقارب ممن قادتهم ظروف الحياة نحو خيارات مختلفة أو متفقة مع خياراته، لا يريد أن يوازن بين العالميْن، مع أن روحه تحن للكثير من تلك الليالي الجميلة التي كان يقضيها برفقة أحبة على شاطئ بحر أو خلف سراب جمالي ركض خلفه أو توهَّمه.
ورغم كون عقوبة الأماكن المغلقة من أعرق العقوبات في تاريخ البشرية، إلا أن الشخصية تآلفت معها ومع ظروفها، ولم تكن أسيرة ذلك الحنين، بل كانت مشغولة بعوالم الداخل تريد أن تصف تفاصيله، وتقدم للمتلقي جوانب من تفاصيله بصفته جزءاً من الحياة حاملاً حكايات مكثفة وتجارب إنسانية مما يعيشه العالم المفتوح، بحيث يكون ذلك المكان المغلق حالة مختصرة للعالم المفتوح.

السيريّ والروائي

تحاول هذه الرواية الانفتاح على عالم السيرة الشخصية لمؤلفها، ويلتقط المتلقي الكثير من التقاطعات بين شخصية كل من عامر عبدالله وشخصية الروائي، غير أن تلك التقاطعات عند قارئ لا يعرف شيئاً من سيرة المؤلف لا ينقص من أسهم الرواية شيئاً، ربما يغدو الإحساس بالوجع مختلفاً، لكن القارئ بالتأكيد لن تشغله تلك التفاصيل المشتركة، فمساحة التقاطعات لا تشغل الكثير من عالم الرواية، وفي الوقت نفسه تقدم الرواية الكثير من تفاصيل المشرق في كل من سوريا وليبيا، عبر خمسة وثلاثين عاماً تكشف تكامل اللوحات الجغرافية ومصائر الشخصات، وتلك التحولات التي أصابت المنطقة، وكذلك تنبه إلى معمارية الفساد الذي أصاب بنية تلك الدول الهشة، التي انشغلت بتوطيد أركان حُكَّامها، قبل أن تنجز بنيتها التحتية أو الخدمية. وفي الوقت الذي كان يمكن أن تتوجه فيه الميزانيات والعقول نحو بناء دول حديثة، تم تسخير تلك الطاقات لتعزيز ثقافة القائد/ الإله وكان من الطبيعي أن تصب ميزانيات تلك الدول في عملية إفساد منظمة واختراع منظمات تكمن مهمتها الرئيسية في انتزاع الهوية الوطنية من نفوس الأشخاص لإيجاد إيديولوجيات بديلة.
تتماهى سيرة الجغرافيا وتاريخها العام والشخصي، لذلك يصعب الحديث عن شخصيات لا تكترث بالهم العام في محاولة استعادة ثقافية للشخصية الغربية مثلاً. ذلك أن الهم العام في ذلك الشرق يتقاطع مع الشخصي كونه يرتبط بتفاصيل حياته، وحاجياته اليومية، إضافة إلى تماهيه مع حاجاته الفكرية، ليس الاهتمام بالهمّ العام حمولة زائدة عند شخصيات تلك الرواية، لأنها تعرف يقيناً أنها جزء منه، لكنها في الوقت نفسه تغدو أسيرة له بحيث لا تستطيع أن تقاربه أو أن تبتعد عنه.

تعويم الشخصيات وفقدان الخصوصية

تضمحل المساحة التي يمكن لشخصيات الرواية ممارسة خصوصيتها فيها، أو الإعلان عن خياراتها الفكرية أو الرؤيوية أو الإنسانية، فهي غالباً ما تكون في موقع المُدافع، ليست في موضع المُختار، فالمحقق جزء من شبكة الطاغية، يتوقف طعامه وشرابه على ذلك وينعكس هذا على السجان والقاضي والمحامي. شخصيات متعدّدة تم إخصاؤها بالقمع والحاجة، أو بتغييب الإنسانيّ لتغدو جزءاً من مخطَّط المستبدّ، تسعى لتكريسه وتنفيذ خططه، لا يفسح الروائي لها مجالاً واسعاً لتعبر عن خصوصيتها أو خياراتها، لأنها تسير في شبكة متواصلة من المتواليات المرتبطة بالحدث المركزي، الذي يروم أن ينير مأساة الشخصية الرئيسية، نظراً لأن الكاتب قد كثف فيها مئات الأوجاع، التي تخص تجربة شخصية مشرقية اضطُهِدَت بالاعتقال والملاحقة والقهر والسجن والتعذيب، مع ذاكرة متحفزة شكلتْ مرجعية لكل ما حدث، فانتشر وجعها ليشمل ما يحيط به، فتخلت عن خصوصيتها الفردية، لتتسع دائرة الاحتجاج فتصل إلى المقدس، حيث تصرخ إحدى شخصيات الرواية في افتتاحيتها، وهي ترفع وجهها ويدها الى السماء مناجية، متسائلة عن جدوى مقتل طفل رضيع بقصف من الطاغية الذي يعيش في دمشق: «يارب والله صغير..ماذا فعل! الله لا يخليك يابشار..».

عبد الرحمن مطر: «سراب بري».
دار جداول، بيروت، 2015
304 صفحة




#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)       Abdulrahman_Matar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دي ميستورا: مشاورات الوقت الضائع
- تقلبات وإرباكات المشهد السوري
- صعود الجماعات الارهابية في المنطقة
- اليرموك - دير الزور: حصار الإبادة المنظّمة
- لوزان والاحتلال الإيراني لسوريا
- إطار لوزان والحقبة الإيرانية الجديدة
- العمل المدني في الثورة السورية
- تحديات أمام الثورة السورية في ذكراها الرابعة
- داعش والتحالف الدولي في سوريا
- مشاورات القاهرة : رُسُل الحرية أولاً
- أحداث باريس:الاستبداد والعنصرية وانتاج التطرف
- حُمّى التفاوض وعقيدة القتل
- أورفا ظلّ فراتيّ
- الاختفاء القسري في سورية
- المنطقة العازلة وتقاطع المصالح الدولية
- الثلاثاء الدامي في الرقة
- أفق التسوية السياسية في سورية
- شتورلسن وحالول في رائعةٍ ملحمية: سْنورا إدّا
- الشمال السوري بين فكي داعش والنصرة
- يوم في حياتي: الكتابة والعشق!


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن مطر - سيرة الإعتقال في رواية سراب بري