أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - ظلّ الراقصين














المزيد.....

ظلّ الراقصين


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4827 - 2015 / 6 / 4 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


ظلّ الراقصين

سار ببطء وحذر بمحاذاة المسرح الوطني، الوقتُ متأخّر والشوارع تبدو خاوية والأضواء خافتة، بعضها سوداء محترقة ومتّسخة. الجوّ كالح وشديد البرودة، والهواء قويّ لكن يمكن تحمّل وقعه. نادرًا ما يخرج دون هدف واضح مع أنّ التنزّه بحدّ ذاته متعة وجزء من العلاج النفسي، خاصّة وأنّه يمضي ساعات طويلة في المكتب جالسًا خلف جهاز الحاسوب.

مدّت يدها وطلبت بعض المال لشراء علاج، أو رغيف خبز وربّما للاعتناء بأمّها المريضة أو ابنها أو ابنتها لم يعد يتذكّر. نفسُ الفتاة المدمنة التي تجوب الشوارع ليل نهار دون كلل وقد فقدت الكثير من تركيزها وذاكرتها رغم صغر عمرها. نفحها قبل أيام ثمن الدواء المرجو والشكّ يراوده، هل هي حقًا مريضة؟ بعد أن دقّق النظر في عينيها تيقّن من حقيقة إدمانها.

يرقصان بتناسق ودقّة تحت عمود الإنارة قرب المسرح الوطني، قدماهما يرتفعان وينخفضان في توقيت مدهش وتلتفّ الأقدام بعد لحظات بحنكة، يرفعها عاليًا لثوان معدودة بين يديه، تصيح مبتهجة، تهبط بمهارة وتدور حول رفيقها متألّقة، دون أن يعيران البرد أدنى أهمية.

وقف ليس بعيدًا عنهما، أخرج هاتفه عفويًا بحكم العادة، لاحظ أنّ الوقت مبكّرًا للعودة ومتأخّرًا للتسكّع في الشوارع. تملّكه شعورٌ خفيّ بالقلق، لا يذكر أنّه قد مارس الرقص بهذه المهارة ولا حتّى الدبكات الشعبية. يحاول أحيانًا هزّ خصره في الأعراس، لكنّه سرعان ما يشعر بالإحباط ويتوقّف عن هذه المحاولات.

في الجانب الآخر من الرصيف، حضرت سيّارة شرطة صغيرة مسرعة وقفت في عرض الشارع، قفز رجل أمن منها وتبعه آخر أكثر عصبية، متأهّبًا رافعًا المسدّس في يده تجاه شاب يحمل عبوّة ورقيّة. الشاب أيضًا يراقب الراقصين، لم يتمكّن من الهرب في أيّ تجاه ولا حتى خطوة واحدة. قفز رجل الأمن مسرعًا بين الراقصين وكاد أن يسقطهما أرضًا، توقّف الراقصان لوهلة وتمكّنا في اللحظة الأخيرة من تفادي الاصطدام بالرجل الضخم، مفسحين له المجال لعبور ظلّيهما. ألقي القبض على الشاب، صودرت العبوّة الورقيّة المليئة بالحبوب المنشّطة. مضت لحظات من الصمت وسرعان ما وضعت الفتاة يدها على خصر رفيقها، وشرعا مجدّدًا في تقمّص دور عاشقين يرقصان التانغو بتسارع لاتينيّ وظلّيهما يمتدّ مع ضوء الإنارة الخافت. شعرت المدمنة بالفزع واختبأت بسرعة في إحدى زوايا المكان الكالح.

قيّد رجلا الأمن الشاب بحنكة وعلى عجل، كان محظوظًا لأنّه لم يقاوم ولو فعل لأطاحوا به بلكمة واحدة. رجلا الشرطة ضخمان ومتهيّجان وعابسان، شعرا بالفخر حين قذفا به في الجزء الخلفيّ من العربة. ألقيا بنظرات مستهترة على الراقصين وانطلقت العربة بحملها الجديد مبتعدة عن المكان.

الشتاء حضر مبكّرًا هذا العام، وراقصو الشوارع لا يأبهون البرد. المتسكعون يبحثون عن زوايا دافئة في محيط الساحة الواسعة الكبيرة، وهو يبحث في الذاكرة عن أسباب تواجده في الأنحاء، دون توقّف ودون أن يحاول تغيير عاداته اليومية. نظر إلى ساعة الهاتف، الوقت مبكّرًا للعودة إلى البيت، ومتأخّرًا للتسكّع في شوارع المدينة الكالحة.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما فوق مستوى البحر للحبّ
- الشاعر - قال لي الخالق تكلّم فكتبت.
- هي تملك بيتًا البحر كلّه
- ما تحمله النساء
- كلماتٌ تختقي ما فوق الكعب
- لاعب الشطرنج
- حديث القطط
- أعراس في الحيّ العتيق
- ذكريات خارجة عن القانون
- الرياحُ وحدها تربطني بالمتاهة
- لا خيانة بعد اليوم
- موناليزا
- إمبراطورية الرعب
- حجرةٌ للحياةِ والموت
- عشاءٌ برفقة الأنبياء
- الحلزون الحكيم
- مجنون حتّى إشعار آخر.
- الزمن المفقود
- أنا أبله - هي تملك ثديين كبيرين
- أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - ظلّ الراقصين