أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فضيلة مرتضى - المحطة الثانية















المزيد.....

المحطة الثانية


فضيلة مرتضى

الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 13:35
المحور: الادب والفن
    


المحطة الثانية
قصة قصيرة

جمعت الغرفة المطلة على إحدى الشوارع العامة في عمان العاصمة الأردنية عائلتين وكان الشتاء قد حط رحاله في المنطقة برد..رطوبة ..والغيوم الرمادية القاتمة تعكر وجه السماء. كانت الغرفة رطبة ومطلية بطلاء أزرق غامق وبقع الرطوبة كانت قد رسمت أشكال تشبه الظلال للحيوانات المفترسة عل جدرانها وحتى السقف. وأطراف نسيج الطلاء منفلت من وجه الحائط والسقف ومياه الأمطار تدخل من خلال شقوق الشبابيك الى الغرفة ورائحة الرطوبة ولسعات البرد أيقظت الهمة عند فريال وسهير فأنتزعتا شراشف الأسرة وسدوا بها الثغرات بين النوافذ والبرد كان يدخل العظام.. والعضلات أخذت نصيبها، وبدأت بالتقلص . طافت على الوجوه سحابة حزن وقلق وعيون الأطفال تتابع حركة فريال وسهير ينتظرون أي أشارة للتحرك ولو قليلا في أرجاء الغرفة الواسعة وهم يجلسون على أطراف الأسرة... ونغمة رجاء وتمني خرجت من فم أحدى السيدتين:{ يارب منك العون نحن أمة ذاقت الويل ألطف بأطفالنا نتمنى أن تكون معنا} . الغرفة في بناية فندق رخيص وقديم يلجأ اليه الواقفين على أبواب المحطات وأصحاب الدخل المحدود لكي يوفروا المال تحسبآ للأيام القادمة التي تحمل المجهول . عائلتان واصلتا الطريق المجهول بعد لدغة الثعابين وتركوا أرضآ تملأوه جثث الموتى .. أرضآ حبلى بأجداث كانت تركض وراء النهار الغائب وثدي الأرض رهينة عند الطغاة عاجزة لاتستطيع أن تبلل شفاههم اليابسة والسماء الزرقاء كانت بعيدة عن أرضهم الملطخة بدماء الأبرياء.. الشئ الذي كان يصبرهم ويداعب أحلامهم في الطريق الشائك هو الوصول الى بر الأمان بعيدآ عن النيران التي تأكل اليابس والأخضر فيدخل الى أغوار قلوبهم التحدي والأمل. الرجلان كانا مشغولان بالأتصالات مع الأهل في السويد ويظهر على ملامحهم القلق والتفكير وخصوصأ فاروق كان من طبعه التفكير وتوقع المفاجئات {شخصية أحترازية}ما معناه الحذر الشديد لكل صغيرة وكبيرة على عكس زميله سامي الهدوء والتفائل من أهم صفاته والقلق يخبئه في أعماقه خوفآ من الأنعكاسات . أنتقل العدوى الى السيدتين وبدأ القلق يتسرب الى قلوبهن وأما الأطفال ذكور وإناث وأثناء أنشغال الكبار بدأوا يقفزون في أرجاء الغرفة والضجر سيد الموقف....رذاذ من المطر ناعم وهادئ كان يغسل الطرقات بهداوة ولكنه عاجز عن طرد الكآبة عن الوجوه, بادر فاروق وقرر أن يفتح فجوة ويكسر الكآبة السائدة في أجواء الغرفة الرطبة والكائنات المجتمعة فيها تغوص في مستنقعها وبصوت حنون قال: دعونا نخرج ونجلس في أحدى المطاعم القريبة من الفندق ونتناول الغذاء وبعدها نتجول في المدينة ونغير الجو فكان وقع أقتراحه عليهم مفرحآ وجميلآ هبوا جميعآ ليتسللوا الى الشوارع الفرعية والبهجة طاغية في قلوبهم وصوت المطر كان مفرحآ في تلك اللحظة ,تم أختيارمطعم ضيق نوعآ ما ولكن الغذاء كان فاخر ودسم جلس الأشخاص والذين عددهم عشرة أنفار حول طاولة واحدة مستديرة أكلوا بشهية عجيبة وكأنهم لم يذوقوا طعم الأكل منذ زمن بعيد .المكان دافئ ومريح وكان له التأثير الكبير على مشاعرهم فأنتشلهم من القلق وصخب الأفكار ووغزاته المحبطة. الطبخ الأردني مشهور بمذاقه ونكهته الطيبة والمقبلات يقدم قبل الأكلة الرئيسية شهية جدآ وبعد تناول الطعام جاء دور الحلويات وبعدها مسحوا أياديهم بفوطة موضوعة أمام كل شخص منهم على مائدة الطعام أرتشفوا الشاي الساخن سرى حرارته في أجسادهم الباردة وغاصوا في حقل من الراحة. المساجين المنفلته من بطن الرعب ومن أرض النيران يتلاصقون ببعضهم وأصوات أقدامهم على أرض بعيدة عن أرضهم نغمات تثير أنغام صاخبة في رؤسهم وهم يتجولون في أسواق عمان عاصمة الأردن وعيونهم تحتضن كل شئ يحلو لهم وضحكات األأطفال تثير الفرح في نفوس الكبار ويعصر قلوبهم الرهبة خوفآ عليهم من الضياع في غربة الطرقات _وتمتلئ عيونهم بالدهشة والحزن لمشاهدة العراقيين في الأردن على الأرصفة والطرقات يعرضون بضائعهم للبيع لتوفير لقمة العيش . لقد تركوا الوطن ولكن لايستطيعون مسح صورته من الذاكرة والقلب, تلتقي عيونهم وتتصافح قلوبهم على حب الوطن ولكن تكتظ بهم الأرصفة والمحطات في الغربة يتحدثون أحاديث عن هموم الغربة والحنين الى حضن الوطن . أف زفر فاروق ووشوش في أذن فريال شريكته في الحياة والمصير_
:لو شاء سوء الحظ ولم نستطيع الوصول الى السويد ماذا سيكون مصير أطفالنا.
وبنغمة الحنان والحب سحبت يده وأحتضنت كفه بين كفيها.
وقالت بصوت يرتجف :كن متفائلآ وإن شاء الله سنصل الى المراد لاتفكر كثيرآ.
قال : لاأستطيع أمنع نفسي من التفكير.
مدت ذراعها ولفته حول خصره بحب واضح.
_سنرى ماذا يحدث بعد عبورنا الأجواء الأردنية بالطائرة الى أستانبول ومنه الى بلغاريا فهناك سيكون الحسم.
مرت أربعة أيام من عمر الزمن وهم بأنتظار يوم الطيران وكلما شاهدوا طائرة محلقة في السماء تتبعه عيونهم وفي قلوبهم أمنيات مخزونة تتفوه بها شفاههم وينتظرون يوم الطيران مع تنهيدات تصفق لها أرواحهم.
_لماذا أرى الدموع في مآقيك ياروحي فنحن في الطائرة الآن وفي طريقنا الى أستانبول لقد تخطينا المرحلة الأولى وغدآ نطير الى بلغاريا أليس هذا حدثآ مفرحآ, قالت فريال مخاطبة فاروق.
_لن أكذب عليك حبيبتي أنا خائف من هذه الرحلة ولازلت قلقآ قال فاروق وأغمض عينيه مستسلمآ لمخاوفه.
دلف في أفكاره ظلام الأحتمالات والذكريات مبعثرة بين فوضى الأحساس ووغزات ألم عاشه وعشعش في صدره وتحت جلده ... الم يقع عدة مرات في دهاليز الخوف وزوايا الأختباء؟! ...فكر كثيرآ بمصير عائلته لو وقع بيد وحوش النظام ..أمه ..أخوته.. أخواته ..عرف طعم الخوف وهو صغيرآ..ألتصق بأمه وأحبها أكثر من كل الكائنات ..أحبها كثيرآ الى درجة العبادة , كان يفرغ شحنة الخوف عند التصاقه بها وشم راحة فوطتها كان حضنها السرير الذي يحتويه وينعش كيانه المرتعب والدفء الذي يسري في مفاصله ..كانت أمه أذرع تمتد لتعانقه وأحاسيس مترقبة تخاف على صغارها وصدر يرويه ويزيل الخوف من صدره ..ولكنها أصبحت قليلة الحيلة بعد وفاة الأب وبحاجة الى السند والى من يساعدها في سد حاجة العائلة من مأكل وملبس وأحتياجات حياتية أخرى ..وهو كان في ربيع العمر ولازال في في مرحلة دراسية وبحاجة الى سنوات ليكتمل ..وأخوته وأخواته بحاجة الى الرعاية وعددهم ثمانية أشخاص ..أخذ موقع المسؤولية وهو بحاجة ماسة الى من يكون مسؤولآ عليه وكان لابد أن يدخل أحد أخوته أيضآ معه في هذه المسألة وكان صراعآ على البقاء...ردد مع نفسه
_سامسح الوجع الذي أستفحل في كياني وسمم حياتي ..لو وصلت الى بر الآمان مع صغاري وزوجتي والتقيت بأمي بعد فراق طال سأفرغ كل همومي تحت قدميها .
أمه هاجرت الى بلاد الصقيع مع أحد أولاده ..وكان لايزال عازب بعد معاناة وتراكمات زرعت في حياتها غابات من الهموم لانهاية لها...وقبل هجرتها قرر فاروق أن يخلص أخوته من جحيم الحروب بمساعدة المهربين الى خارج حدود الوطن خوفآ عليهم أولآ من الموت في حرب ضروس لانهاية له وثانيآ خوفآ من إحتمال لو وقع هو في قبضة الذي لايرحم وسوف يكون مصيرهم مرتبط بمصيره لان السلطان يحرق الشجرة ويقلع جذورها ولايريدها أن تنبت من جديد ناسيآ بأن البذور تنتشر على الأرض ومع مواسم الأمطار تعود الأموات لتحيا من جديد مع شروق الشمس وبيادر الربيع. وتحمل فاروق آلام فراق أخوته على أمل اللقاء بهم في المهجر لو جاءت فرصة العبور على جسر الخلاص.
حلم ظل يتلاعب بمشاعر فريال وهي مشدودة بحزام الأمان في الطائرة بجانب زوجها بعضها يحمل الفرح والبعض الآخر يسبب القلق من المستقبل ...خوف كان يعكر عالم طفولتها كلما تسرب الى مسامعها صوت زغاريد الأعراس فتصرخ : {لن أتزوج ولن أنجب } كانت تعطي خيالها قسطآ كبيرآ من الخوف و كانت تحاور نفسها كثيرآ في مسألة الزواج وتخشاه على رغم الدفء والحنان في ربوع عائلتها والكم الهائل من الرعاية وهي آخر العنقود ولكن مسألة الزواج والولادة كان الرعب الذي يشغل رأسها الصغير بعد أن فهمت من أحدى زميلات الدراسة في السنة الأولى من مرحلة الدراسة عن طريقة الزواج وعملية الولادة وهي لازالت طفلة نقية خام كانت تشاور نفسها أحيانآ عندما يرق قلبها الى أحد الذكور وتتراجع عن فكرة السماح لأحدهم من التقرب منها وأحيانآ تشاور ذاتها بقرار:
_سأنجب أطفاللآ ذكور ولكن تحت التخدير وبعملية جراحية لأن صديقتي تقول بأن هذا ممكن لاأريد أناثآ لكي لايتعذبوا مثل أخواتي ولا يحبلوا ويتعذبوا في مخاض الولادة _
ففي ردهات المستشفى تنتظر والدتها ومن معها من أقرباء الزوج حين تولد إحدى شقيقاتها كانت فريال تسد أذنيها وتختبئ على سطح المنزل في المخزن الصغير والرعب يركبها ولاتنزل لحين سماع صوت شقيقتها العزباء تعلن البشارة بقدوم المولود الجديد ..عرف قلبها الخوف منذ تلك الأزمنة الجميلة الناصعة بالأصالة والقيم الأجتماعية والعادات والتقاليد والعفوية والبراءة ...أستمر حالة الخوف عندها الى حين ولادتها لوليدها الأول والذي كان ذكرآ وبذلك أغلقت نافذة الخوف حين أطل وجه وليدها ونام في أحضانها وكانت من أسعد لحظات حياتها وبها أدركت قمة معنى الأمومة ..كلمة رائعة يتلذذ العالم بأطلاقها على شفاههم.
_آه لو يعود الزمان بنا الى الوراء, وآه لو كل شئ كان كعسر الولادة ولا كعسر حالة الوطن .
أطلقت تلك الزفرات وهي بأشد حالات الأنفعال.
_هل من المعقول يصل بنا الرعب الى درجة ترك التاريخ وإضافة تاريخ جديد الينا لانعلم مدى أمانه أو مدى خطورته ألا لعنة الله على الطغاة وسارقي الأوطان وسالبي حقوق البؤساء.
صوت المضيفة من خلال الميكروفون وأعلانها بالوصول الى مطار صوفيا العاصمة البلغارية أيقظهم من أحلامهم ودبت حركة نشطة في داخل الطائرة أستعدادآ للخروج من أحشائه والأنطلاق في محطة ثانية من محطات هروب الملائكة الى سمائات بعيدة عن سماء الوطن.
{حين نعود ..سنحكي لأهلنا بماحدث في هذا السفر ..رحلة فيها اللهاث والتعب ..رحلة فيها سلخ الأجساد من جلد الوطن مر أوصعب} كلمات كانت تدغدغ تجاويف المخ في رأس فريال وهي تدق بقدميها أرض المطار في صوفيا.. لم يخطر في بالها بأنها سفرة بلا عودة وبأن قوافل كثيرة من أبناء الوطن على موعد مع رحلات كثيرة ووقوف على محطات الغربة بقلوب دامية وعيون تسبح في الدموع .
19/03/2015



#فضيلة_مرتضى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذي قلته البارحة لايتفق مع اليوم
- على أبواب الأحزان
- دموع بين اكف الثلج
- قالوا جئنا فأبشروا
- كفاك عذرآ وتعال
- ليلة هروب الملائكة
- كأس حواء وخيط آدم
- ليالي بغداد
- خير الليالي
- نهاية قصة
- هو يريدني
- هو ذا الحب
- خلجات في الغربة
- تغريدة الحروف
- أزمة أخلاق وسلوكيات في العالم الثالث
- قصة حب
- الكفن والوجه
- لوحة كئيبة
- الشعر والشعراء مابين القديم والحديث
- شكرآ سيدتنا الأولى الدكتورة نوال السعداوي


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فضيلة مرتضى - المحطة الثانية