أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - خالد عايد - تحديث الماركسية في القرن الحادي والعشرين (من سيرة غير ذاتية)















المزيد.....



تحديث الماركسية في القرن الحادي والعشرين (من سيرة غير ذاتية)


خالد عايد

الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 22:06
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


بعد أن رويتُ ( في الجزء السابق) سيرتي مع الشيوعية، منذ كنت طفلاً في مملكة صير الأسطورية أرعبته صور ال"فظائع" الملفقة عن الشيوعيين في العراق، مروراً ببيروت الثورة واليسار والمقاومة والثقافة، وما بعد تعليق ورقة نعي "الشيوعية" على جدار برلين المنهار وحتى كتابة هذه السطور؛

وبعد أن أدركتُ الأزمة الكبرى في التطوّر المجتمعي ( الاقتصادي والسياسي والفكري) - الأزمة التي فضحت خواء "الربيع العربي" المغدور وأعلت شأن التأويل/ الخطاب الداعشي للنصوص المقدسة لدى طوائف المسلمين؛

وبعد أن بحثتُ في تطور الكون والمادة والحياة والإنسان والعلوم والآلات، وأصل وفصل الخرافات والأساطير والعقائد والحكايات الشعبية عن الزير سالم وسيف بن ذي يزن وتغريبة بني هلال؛

وبعد أن قرأتُ عن ملحمة غلغامش وأوزيس وأوزيريس، وعن الثور المقدس لدى آشور وكنعان، وقرأت القرآن (سبع مرات) والإنجيل والتوراة، وعن كتب الجفر والحكمة ونوستراداموس، واطّلعت على تفاسير ابن كثير وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن قطب الإخوان المسلمين وابن لادن وابن إبراهيم البغدادي وكثير من الأبناء الآخرين؛

ونظرتُ في تاريخ تطور الأديان والطوائف والمذاهب، وفي أمر العلاقة بين الواقع والنص والتأويل؛

وبعد أن أُعلن في القرن العشرين أن نبوءة "ماركس النبي" في القرن التاسع عشر كانت كاذبة، وأن كل ما تبقى من "نبي الشيوعية" هو كتب محنطة في المكتبات والمتاحف وبعض مواقع الانترنت، ونقاشات أكاديمية أنيقة يجريها مثقفون مترفون في مقاهي رصيف أو في قاعات مغلقة أنيقة ومترفة؛

بعد هذا كله، أرى أن آن الأوان كي أنتقل إلى البحث في المذهب/ المنهج "الماركسي".

يقال إن كثيرين من قادة الحركة الشيوعية في العالم خلال القرن العشرين لم يقرؤوا كارل ماركس إلاّ لماماً، وإن معظم أعضاء الأحزاب الشيوعية "اعتنقوا" المذهب الشيوعي شفوياً أو بحسب تفسيرات "التابعين" و "الرسل" أو بحسب القاعدة القائلة: "هذا ما وجدنا آباءنا عليه". كان معظم الشيوعيين ينظرون إلى نصوص ماركس أو لينين أو غيرهما من "أنبياء" الشيوعية كما يتعامل المؤمن التقي مع نصوص القرآن أو الإنجيل أو التوراة؛ نصوص مقدسة "لا يمسها إلاّ المطهرون"، يجب التقيد بحرفيتها، ويُعتبَر أي خروج عن كلماتها هرطقة وبدعة وردّة وضلال- "وكل ضلالة في النار".
وتُذكر في هذا السياق، وإن من باب التندّر، أسماء كثيرة تمتدّ من جوزيف ستالين وماو تسي تونغ وصولاً إلى خالد بكداش، بل وإلى أحد قادة منظمة فلسطينية يسارية كان يطلق اسم ماركس أو لينين على كلب يقتنيه في القاعدة العسكرية. وظلت مؤلفات ستالين( خاصة "أسس اللينينية") تتصدر لردح من الزمن قائمة مواد "التثقيف السياسي" في الأحزاب والحركات اليسارية العربية، باعتبارها الخلاصة الجوهرية للماركسية- إلى جانب بعض الكتب الأخرى.. وما أدراك ما "أسس اللينينية" بحسب ستالين ! وكان يقال إن "الماركسية اللينينية"= نظرية ماركس+ تطبيق لينين لها (+ تطبيق ستالين طبعاً) ! وبمثل هذا الاختزال والتسطيح والميكانيكية، يبلغ "تهافت الفلاسفة" الدرك الأسفل من النظر: يحل الحزب محل البروليتاريا، والمكتب السياسي محل الحزب، والأمين العام محل المكتب السياسي، وتقوم المعادلة المسخ: دكتاتورية الزعيم = "دكتاتورية البروليتاريا" = "الديمقراطية الشعبية".
في تناولي للمنهج الماركسي، أبدأ بعرض تطور ل "نظرية التطور" كما طوّرها الرفيقان الصديقان ماركس وإنغلس، معتمداً على مواقع الانترنت التي أتاحها تطور التكنولوجيا و"ثورة المعلومات" في أوائل القرن الحادي والعشرين. وأضيف إلى العرض بعض المقتطفات بما أرى أنه "يعبّر" عن منهج هذه النظرية، ولا يختزله. ويلحق بهذا العرض، منطقياً، ضرورة تطوير النظرية الماركسية نفسها في ضوء التطور الهائل للعلوم والمعارف البشرية والتكنولوجيا ووسائل الانتاج خلال القرن المنصرم.
يمكن الاطلاع على مؤلفات ماركس وإنغلس الكاملة باللغة الانكليزية على الرابطين التاليين مثلاً:
http://marx.eserver.org

https://www.marxists.org/archive/marx/works/cw/index.htm


وفي ضوء استعراض هذه المؤلفات، يمكن الخلوص إلى ما يلي:

- إن "ماركس الشاب" لم يكن هيغلياً قبل أن ينتقد هيغل- كما كان يُعتقد، بل كان شاعراً وروائيا عضواً في "نادي الشعر" الراديكالي في جامعة بون، قبل أن ينتقل إلى جامعة برلينً. ما كتبه ماركس قبل سنة 1842 ، بالإضافة إلى أطروحة الدكتوراه التي أنجزها سنة 1841، كان يقتصر على الرواية والشعر ، بما فيه قصائد الحب. وقد دافع الطالب كارل في أطروحته عن فكرة أن "اللاهوت يجب أن يخضع لحكمة الفلسفة العليا".
- يمكن اعتبار " المخطوطات الاقتصادية والفلسفية" لسنة 1844على أنها هي التي تمثل فكر "ماركس الشاب" الذي كان يبلغ من العمر 26 عاماً آنذاك؛ هي بذور "المخطط الأولي" الذي سيظل ينمو ويثمر أفكاراً أكثر فأكثر نضجاً بفضل الجهد البحثي الجدي المستند إلى "ملاحظة" تطورات الواقع نفسه.

- في السنة نفسها، 1844، صدر كتابا " العائلة المقدسة" الذي يقوم في نقد "الهيغليين الشباب" (لماركس وإنغلس) و" أحوال الطبقة العاملة في بريطانيا" (لإنغلس). وهذان الكتابان يرسمان - بالإضافة إلى "المخطوطات"- الوجهة التي ستتخذها أبحاث الرجلين على محورين تفاعليين متلازمين: النقد النظري للأيديولوجيا السائدة، والأبحاث العيانية أو "دراسات الحالة"، وفق منهجية "المادية الجدلية" التي تتطور بدورها بناء على نتائج هذه الأبحاث/ الدراسات.

- "بشأن المسألة اليهودية" كتبه ماركس سنة 1843ونُشر في السنة التالية. انتقد ماركس آراء برونو باور في هذه المسألة من وجهة نظر المادية التاريخية وعرض آراءه الخاصة. وقد اتُهم الكتاب بمعاداة السامية.

- في سنتي 1844-1845، تركزت كتابات ماركس على نقد الأيديولوجيا السائدة في كتب "مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيغل" الذي تناول فيه الدين و " الأطروحات" بشأن مادية لودفيغ فويرباخ المبتذلة ، وعلى مواكبة النضال العمالي في ألمانيا وسائر الدول الأوروبية التي حط رحاله فيها قبل أن يستقر في لندن. ولعل الإنجاز النظري الأبرز في هذه الفترة كان كتاب" الأيديولوجيا الألمانية" الذي وضعه الرفيقان سنة 1845.
غالباً ما يُعتبر كتاب " الأيديولوجيا الألمانية" ً أنه "أفضل معالجة لمفهوم المادية التاريخية". فيه وضع ماركس وإنغلس أسس هذا المفهوم بعد أن قررا تصفية الحساب مع وعيهما الفلسفي السابق. ومما جاء في هذا الكتاب، نورد المقتطف التالي:
" ليست الشيوعية بالنسبة إلينا أوضاعاً ينبغي إقامتها، ليست مثلاً أعلى ينبغي للواقع أن يتطابق معه. إننا ندعو الشيوعية الحركة الواقعية التي تلغي الأوضاع القائمة حالياً. وإن شروط هذه الحركة لتنتج عن المقدمات الموجودة في الحاضر".
لقد بدآ مشوارهما الطويل في التجاوز التدريجي لإرثهما الفكري السابق( مثالية الديالكتيك الهيغلي+ طوباوية الاشتراكية الفرنسية+ علم الاقتصاد الرأسمالي البريطاني)، وفي تجاوز أفكارهما ذاتها بالتدريج، في ضوء التطورات الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية الحاسمة التي شهدتها أوروبا في أواسط القرن الذي عاشا فيه وعايشا حوادثه الدراماتيكية. وهكذا، يكون ماركس وإنغلس قد مهدا الطريق أمام الشروع في إقامة المبنى النظري الخاص بهما- وهو جهد سيتواصل طيلة فترة حياة ماركس ومن بعده إنغلس، ولا ينتهي.

- في ما تبقى من سنوات الأربعينات، واصل ماركس وإنغلس جهدهما النظري والنضالي المشترك، وأسسا "العصبة الشيوعية" ( سنة 1847)، بعد أن كان ماركس قد انضم إلى "عصبة العادلين" في بروكسيل أثناء إقامته فيها. ففي سنة 1847 كتب ماركس "بؤس الفلسفة" ردا على آراء بيير-جوزيف برودون الفلسفية والاقتصادية في كتابه"نظام التناقضات الاقتصادية أو فلسفة الفقر" ، وكتب إنغلس " مبادئ الشيوعية" في السنة ذاتها. وكان أبرز ما حرره ماركس ورفيقه إنغلس في هذه الفترة بتكليف من "العصبة الشيوعية" السرية بوضع "برنامج نظري وعملي تفصيلي" لها هو " بيان الحزب الشيوعي"، المعروف باسم البيان الشيوعي/ الذي سيصبح مثابة "إنجيل" الشيوعية.

جاء البيان الشيوعي على خلفية تطورين رئيسيين متناميين ومتفاعليين منذ أعوام: الاختمار الثوري في أوروبا، والتحضير النظري والتنظيمي الذي قام به الرفيقان ماركس وإنغلس ( إلى جانب سائر الشيوعيين وال"ديمقراطيين").
ولئن كنا عرضنا أعلاه ملامح للجهود النظرية والتنظيمية التي بذلها ماركس وإنغلس حتى ذلك الحين، فإننا ننتقل إلى سيرة الاختمار الثوري الأوروبي الذي وُضع "البيان الشيوعي" في خضمه- الاختمار الذي تكلل ب"ثورة 1848".
" ثورة 1848"، التي عُرفت باسم "ربيع الشعوب أو الأمم" أيضا واستمرت نحو عامً، كانت "أوسع موجة ثورية في التاريخ الأوروبي" حتى ذلك الحين. كانت أساساً من طبيعة "ديمقراطية- برجوازية" تهدف إلغاء البنيات الإقطاعية وإقامة دول قومية أحدث. وانطلقت شرارة تلك الموجة في فرنسا في شباط/فبراير من تلك السنة، وسرعان ما امتدّ لهيبها ليشمل 50 بلداً في معظم القارة الأوروبية ( خصوصاً هولندة وألمانيا وبولندة وإيطاليا والإمبراطورية النمساوية، إلى جانب فرنسا) وأجزاء من أميركا اللاتينية – من دون تنسيق أو تعاون بين الثوار في مختلف البلدان.
كانت تلك الثورة ذات مطالب مختلطة وتقودها تحالفات مرتجلة. فقد اشتملت مطالبها على: المشاركة في الحكم والديمقراطية، حرية الصحافة، مطالب الطبقات العاملة، والمطالب القومية وسواها. وقاد الانتفاضات تحالفات هزيلة ضمت الإصلاحيين والطبقات الوسطى والعمال سرعان ما كانت تنهار، في مقابل جبهة للقوى الرجعية ضمت العائلات المالكة والطبقات الأرستقراطية والمؤسسة العسكرية وشرائح واسعة من الفلاحين.
قُتل عشرات الآلاف خلال الثورة، وطُرد إلى المنفى أكثر منهم بكثير. وفي ظل الشروط الذاتية والموضوعية، ميزان القوى الطبقي آنذاك، انتهى "ربيع الشعوب" بتحقيق بعض الإصلاحات ( مثل: إلغاء العبودية في النمسا والمجر، إنهاء نظام الملكية المطلقة في الدانمارك وحكم أسرة كابيت الملكي في فرنسا.

في سياق هكذا اختمار ثوري، وعشية هذه الثورة، جاء البيان الشيوعي. كان إنغلس قد قدّم سنة 1847مسودة وثيقة تعرّف بالحركة الشيوعية تحمل عنوان "مبادئ الشيوعية"، كانت الأساس لتحديد "الاشتراكية العلمية" التي تبناها "البيان الشيوعي" الذي سيخضع بدوره لمزيد من التطوير لاحقاً. وكان من أبرز التعبيرات عن هذا التطوير المقدمات التي وضعها ماركس و/أ, إنغلس لطبعات البيان الصادرة خلال حياتهما.

صدر من البيان الشيوعي سبع طبعات بلغات مختلفة حتى سنة 1893، قبل عامين من وفاة إنغلس. وهذه المقدمات بحاجة لدراسة تفصيلية باعتبارها جزءاً عضوياً من البيان في حركة تطوره الدائم المواكبة لحركة الحياة الاجتماعية نفسها، وتعبيراَ ملموساً عن تطور نظرية ماركس-إنغلس الشيوعية قي سياق تلك الحركة. لكنني هنا سأكتفي ببعض الأمثلة التي تفي الغرض المقصود.
في مقدمة أول طبعة جديدة من البيان صدرت سنة 1868، كتب ماركس وإنغلس: "في ضوء الخطوات العملاقة التي خطتها الصناعة الحديثة منذ سنة 1848، وما رافقها من تحسن وتوسع في تنظيم الطبقة العاملة، وفي ضوء الخبرة العملية المكتسبة من ثورة شباط/فبراير في البدء، وأكثر منها كومونة باريس لاحقاً- حين أمسكت البروليتاريا لأول مرة بالسلطة السياسية طوال شهرين كاملين، فإن الزمن قد عفى على هذا البرنامج في بعض تفصيلاته"( يقصد البرنامج التفصيلي الوارد في نهاية الجزء الثاني من البيان). وتنتهي المقدمة بالقول:" لكن البيان قد غدا وثيقة تاريخية لم يعد لنا الحق في تغييرها. ولعل طبعة لاحقة تظهر مع مقدمة تجسر الفجوة الممتدة منذ سنة 1848حتى اليوم؛ لكن هذه الطبعة جاءت على نحو غير متوقع لم يتح لنا الوقت للقيام بذلك." ( يبدو أن الوعد بمقدمة تجسر الفجوة المذكورة لم يتحقق، حتى في مقدمة إنغلس سنة 1888.)
في مقدمة الطبعة الروسية من البيان الشيوعي الصادرة سنة 1882، يلاحظ ماركس غياب روسيا والولايات المتحدة عن برنامج البيان. كما يلحظان أن أكثر من نصف مساحة الأرض في روسيا هي ملكية مشاع للفلاحين فيطرحان السؤال: هل يمكن لهذا النوع البدائي من ملكية الأرض أن يتحول مباشرة إلى ملكية عامة شيوعية، أم يجب على العكس من ذلك أن يمر أولاً عبر عملية الانحلال نفسها التي تشكل التطور التاريخي في الغرب؟ تقول المقدمة:
"إن الجواب الوحيد الممكن اليوم هو: إذا أصبحت الثورة الروسية إشارة إلى ثورة بروليتارية في الغرب، بحيث تكمل إحداهما الأخرى، فإن ملكية الأرض العامة القائمة حالياً في روسيا يمكن أن تكون نقطة البداية لتطور شيوعي".
مقدمة الطبعة الألمانية لسنة 1883كتبها إنغلس منفرداً من دون رفيقه ماركس المتوفى منذ ثلاثة شهور حينها- وهي ذات مغزى لجهة ما جاء فيها بشأن التوصل التدريجي-من قبل الرفيقين- منذ ما قبل سنة 1845إلى "الفكرة الأساسية" في البيان الشيوعي، ولجهة هذه الفكرة نفسها التي ينسبها إنغلس إلى رفيق عمره حصراً ويلخصها على النحو التالي:
" إن الإنتاج الاقتصادي، وبنية المجتمع الناجمة بالضرورة منه في كل حقبة تاريخية، يشكلان الأساس الذي يقوم التاريخ السياسي والفكري عليه في تلك الحقبة؛ وأن كل التاريخ كان بالتالي ( منذ انحلال مشاعية الأرض البدائية) تاريخ الصراعات الطبقية، تاريخ الصراعات بين المستغَلّين والمستغِلّين، بين الطبقات المسيطَر عليها والطبقات المسيطِرة في المراحل المختلفة من التطور الاجتماعي؛ وأن هذا الصراع قد بلغ الآن-مع ذلك- مرحلة لم يعد بالإمكان فيها للطبقة المستغَلّة والمضطَهَدة (أي البروليتاريا) أن تحرر نفسها من نير الطبقة التي تستغلها وتضطهدها (أي البرجوازية) من دون أن تحرر المجتمع بكامله نهائياً في الوقت نفسه من الاستغلال والاضطهاد والصراعات الطبقية".
يكرر إنغلس عرض هذه "الفكرة الأساسية" في مقدمة الطبعة الإنكليزية لسنة 1888 ويؤكد أنه وماركس توصلا إليها بالتدريج منذ ما قبل سنة 1845وأن صوغها يعود إلى رفيقه حصراً وأن مدى مساهمته فيها يظهر في كتابه " أحوال الطبقة العاملة في بريطانيا" الصادر سنة 1845.
وهو يضيف في هذه المقدمة، وفي مقدمة الطبعة الألمانية لسنة 1990، الملاحظة التالية:
كان تاريخ النظام المجتمعي، الذي سبق التاريخ المكتوب كله، أي غير التاريخي، مجهولا تقريبا. و منذ ذلك الحين (منذ عام 1847)، اكتشف هاكستهاوزن الملكية العامة للأرض في روسيا، و برهن ماورر على أن هذه الملكية كانت الأساس المجتمعي الذي خرجت منه تاريخيا جميع القبائل الألمانية، ثم تبين تدريجيا أن المشاعية الريفية، مع الملكية الجماعية للأرض، كانت الشكل البدائي للمجتمع، من الهند إلى ايرلندا، و أخيرا تم الكشف عن البنية الداخلية لهذا المجتمع الشيوعي البدائي، بشكلها المميز، من خلال الإكتشاف المجيد لمورغان: اكتشاف الطبيعة الحقّـة للعشيرة (BENS) و موقعها في القبيلة. و بانحلال هذا المتحد البدائي يبدأ انقسام المجتمع إلى طبقات متمايزة تصبح، في النهاية متعارضة. و قد حاولت تتبُّع عملية الإنحلال في مؤلفي "أصل العائلة، و الملكية الخاصة و الدولة". الطبعة الثانية، شتوتغارت).
لا تكمن أهمية هذه الملاحظة في المعلومات التي توصلت إليها الاكتشافات المشار إليها بشأن "المجتمع الشيوعي البدائي" وانحلاله التدريجي إلى طبقات، بقدر ما تكمن هذه الأهمية في ما يتعلق بتسليط الضوء على منهج نظرية ماركس-إنغلس بما فيه المادية الجدلية بالذات، بما يجعل هذه النظرية نقدية وعلمية وثورية في آن. هنا نجد إنغلس لا يتردد لحظة في إدخال تعديل أساسي على "نص" البيان الشيوعي في ضوء آخر المعطيات العلمية المتوافرة في عصره. وهو بذلك ينقد "نص" البيان نفسه كما صيغ سنة 1848، ويضيف إلى النقد التحديث. كما نشر إنغلس سنة 1884 كتاباً منفرداً (" أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة") تضمّن عنوانه الأصلي إضافة: "في ضوء أبحاث لويس مورغان"؛ ومورغان من رواد علم الأنثروبولوجيا الأميركيين كان قد نشر سنة 1877 أبحاثه في كتاب بعنوان Ancient Society. وقد استند إنغلس في عمله على كتاب مورغان- "أحد أعظم المؤلفات الأولى بشأن الاقتصاد العائلي" ، كما على الملاحظات التي كان رفيقه الراحل ماركس قد دوّنها على ذلك الكتاب.

باستثناء المقدمات المتوالية للبيان الشيوعي، يمكن القول إن مؤلفات ماركس وإنغلس لم تنشغل بصوغ "النظرية العامة" بقدر انشغالها بتعزيز هذه النظرية إزاء الأيديولوجيا السائدة، وإجراء "دراسات حالة" في مجالات الاقتصاد والتاريخ والسياسة وفق منهجية هذه النظرية وبما يطورها في الوقت نفسه.
ففي الخمسينات، واصل ماركس أبحاثه العيانية الاقتصادية المتعلقة بالأجور والأسعار والعمل والرأسمال وغيرها، وتوّج هذه الأبحاث بكتابه الذي يحمل عنوان: " مساهمة في نقدٍ للاقتصاد السياسي"، الصادر سنة 1857( وكذلك، الكراريس الشخصية التي كتبها ماركس في هذه الفترة وخلّفها غير معدة للنشر، لكن نشرها بدأ سنة 1939تحت عنوان " التشكيلات الاقتصادية ما قبل الرأسمالية"- وهي في أي حال مهمة في فهم كيفية تطوّر فكر ماركس). كما واصل دراساته العيانية السياسية- الاجتماعية فكان كتاب "الثامن عشر من بروميير لويس بونابرت" الصادر سنة 1852نموذجاً لجدلية العلاقة بين التنظير والواقع في مثل هذا النوع من الدراسات: النظرية الثورية تنبثق من الواقع، تعبّر عنه وتفسره، تمثل صورة تعكس الواقع، ولا يمكنها أن تستنفد ثراء الواقع لكنها في الوقت نفسه يمكن ويجب أن تتحول إلى أداة لتغيير هذا الواقع. كما أن هذا الكتاب - مضافاً إلى ما اقتطفناه أعلاه من "الأيديولوجيا الألمانية"- يوضح على ما نرى مفهوم المادية التاريخية ويثريه على نحو استثنائي، بما ينقّيه مما أُلصق به من صفات/ اتهامات/تأويلات "الحتمية" و "الداروينية التاريخية". يقول ماركس في مستهل الكتاب:
" إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم، لكنهم لا يصنعونه على هواهم؛ إنهم لا يصنعونه في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، بل بالأحرى في ظل ظروف قائمة أصلاً، معطاة ومنقولة من الماضي.."

وفي سياق هذا التطور الدائم المتصاعد للنظرية، في علاقتها الجدلية بالواقع ( الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي والتاريخي)، واصل الرفيقان الصديقان ماركس وإنغلس جهودهما البحثية-التنظيرية التي أنتجت ثروة من المؤلفات، كان "رأس المال" أبرزها.
كتاب ماركس Das Kapital, Kritik der politischen Ö-;---;-----;---konomie / "الرأسمال: نقد الاقتصاد السياسي"، "رأس المال"، بدأت مجلداته بالصدور سنة 1867، وهو يعتبر "تحليلاً نقدياً للاقتصاد السياسي بهدف كشف الأنماط ا لاقتصادية التي يقوم عليها نمط الإنتاج الرأسمالي". وقد تطلبت أبحاث ماركس في أدبيات الاقتصاد السياسي المتوافرة في حينه اثني عشر عاماً من الجهد التنقيبي في المكتبة البريطانية بلندن. وتناولت تلك الأبحاث قائمة طويلة من المؤلفين، تمتد من الفلاسفة الإغريق وخاصة أرسطو إلى آدم سميث وريكاردو وجون ستيوارت ميل، وصاحب الديالكتيكية المثالية هيغل، وإلى الاشتراكيين الفرنسيين شارل فورييه وسان سيمون وبيير-جوزيف برودون..وغيرهم.
لسنا هنا، طبعاً، بصدد عرض محتوى هذا العمل الضخم ولا حتى ملخص المجلد الأول منه الذي أعدّه إنغلس، بل يكفينا بالأحرى أن نلحظ بعض الإشارات الواردة فيه التي يمكن إضافتها إلى مثيلاتها المذكورة سابقاً في ما عنى "النموذج النظري" طوّره ماركس وإنغلس انطلاقاً من "الواقع" واسترشدا به في دراسة الواقع المتطور المستجد.
مرة أخرى، كما في مقدمات البيان الشيوعي التي أشرنا إليها أعلاه، تمثّل مقدمات كتاب "رأس المال" المتعاقبة التي كتبها ماركس ومن بعده إنغلس المادة الأساسية لملاحظة نموّ النص الأصلي للكتاب- وهو نمو لا يتعلق بتعديلات أسلوبية، بقدر ما يتعلق بالمنهجية؛ بتعديل المفاهيم وتوضيحها و تطويرها. ففي مقدمته للطبعة الفرنسية سنة 1875، يشير ماركس إلى أنه اضطر أثناء مراجعة الطبعة إلى "تبسيط بعض الحجج" الواردة في الطبعة الأصلية و"إكمال بعضها الآخر، وتقديم مادة تاريخية أو إحصائية إضافية، وإضافة مقترحات نقدية.. الخ". ولذلك فإن هذه الطبعة- يضيف ماركس "تمتلك قيمة علمية مستقلة عن الأصلية ويجب العودة إليها حتى من جانب القراء الذين يعرفون اللغة الألمانية". ويؤكد إنغلس هذا المنحى في مقدمته لطبعة 1883 الألمانية إذ يقول: " كانت نية ماركس الأصلية تتجه إلى إعادة كتابة جزء كبير من نص المجلد الأول، وصوغ النقاط النظرية بصورة أدقّ، وإدخال نقاط جديدة وتحديث المواد التاريخية والإحصائية. لكن ظروف مرضه والحاجة الملحة إلى القيام بالتحرير النهائي للمجلد الثاني حملته على التخلي عن هذا المخطط".
كما إن إحدى الإضافات على "رأس المال"، ملحق الطبعة الألمانية الثانية من المجلد الأول لسنة 1873 تتوفر على مادة نموذجية عن التطوير الدائم للنص الأصلي وعن مفهوم المادية التاريخية والعلاقة الجدلية بين النظرية والواقع. في هذه الإضافة، يحدد ماركس التعديلات التي ادخلها على الجزء1 من الفصل 1في سبيل "مزيد من الدقة العلمية"، ومراجعة الجزء 2 من الفصل نفسه "بصورة كاملة"والجزء1 من الفصل الثالث، وإعادة كتابة الجزء2 من الفصل الرابع.. إلى آخر ما هناك من تعديلات.
وما يوازي مثل هذه التعديلات في الأهمية هو الفقرات الطويلة نسبياً التي ضمّنها ماركس هذا الملحق لجهة ما يمكن اعتباره إيجازاً لتاريخ "التطور المتفاوت للاقتصاد السياسي الأوروبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر". ففي هذه الفقرات، يقدم ماركس عرضاً سريعاً- لكنه ذو أهمية خاصة، على ما نعتقد- لذلك التاريخ في خطوطه التالية:
- تطور الاقتصادات الرأسمالية الأوروبية الأكبر في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا؛
- تطور الصراعات الطبقية في هذه البلدان الأوروبية الثلاث كما عبّرت عن نفسها خصوصاً في "ثورة 1848" القارّية؛
- تطور الفكر الاقتصادي الرأسمالي في أوروبا، خصوصاً في بريطانيا، كما عبّر عنه ريكاردو وميل وسيسموندي وغيرهم.
- الترابط الجدلي بين هذه التطورات الثلاثة على قاعدة التطور الاقتصادي المتفاوت في تلك الحقبة من التاريخ الأوروبي.

.. وهكذا فإن ماركس(ومعه إنغلس) وضع في مقدمات وملاحق "رأس المال" أسساً راسخة لتطوير مفاهيمه الأساسية، وبالتالي تطوير "علم الاقتصاد الماركسي" نفسه في ضوء التطورات الاقتصادية الهائلة التي لا تزال تجري منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكذلك تطوير"النظرية" نفسها في ضوء هذه التطورات وفي ضوء مفهوم المادية التاريخية والعلاقة بين النظرية والواقع اللذين أوضحهما ماركس خصوصاً في ملحق 1873السالف الذكر.

والآن..
في سياق السيرة الفكرية التي خطها كارل ماركس وفريدريك إنغلس خلال القرن التاسع عشر، يمكن وينبغي مواصلة المسيرة في ضوء التطورات الهائلة التي جرت طوال أكثر من قرن من الثورات على غير صعيد- وهي تطورات مترابطة جدلياً يمكن وينبغي تفسيرها بمنهج المادية التاريخية، نقدم ملامحها في ما يلي بصورة أولية:

- التطورات العلمية والتكنولوجية: بدءاً بالكهرباء سنة 1879، مروراً بالنظرية النسبية والفيزياء الكمية والطاقة النووية واستخداماتها العسكرية والسلمية وصولاً إلى تكنولوجيا النانو. وبالإجمال، لئن شهد القرن التاسع عشر ثورة صناعية امتدت موجتها حتى سنة 1840، يمكن القول إن القرن العشرين قد شهد سلسلة من الثورات في هذا المجال: الثورة التقنية أو الصناعية الثانية (1880-1920)، الثورة العلمية-التقنية (1940-1970)، ثورة المعلومات والاتصالات (1985-2000). ولا يزال مطلع القرن الحادي والعشرين يحمل إمكانات إضافية لاختراعات جديدة في تكنولوجيات النانو وأنظمة الوقود والطاقة البديلة والتكنولوجيات الحيوية والهندسة الوراثية وتكنولوجيات المواد الجديدة وغيرها.
كما أن الثورات العلمية قد تُرجمت، بالإضافة إلى التكنولوجيا، إلى ازدياد غير مسبوق في المعارف الإنسانية بشأن بداية الكون وتطور الحياة على الأرض وتطور المجتمعات البشرية والأديان وغير ذلك من المعارف المتعلقة ب"ما قبل التاريخ" المكتوب.

- التطورات الاقتصادية، ومن أبرز عناوينها: قفزات غير مسبوقة في مجال الإنتاج المادي تحول الرأسمالية الكلاسيكية إلى إمبريالية تقودها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ، سيادة العلاقات الرأسمالية عالمياً ونشوء المؤسسات المالية والتجارية العالمية كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات العابرة للجنسية والقارات (الرأسمال يقوّض جدار برلين و "يدك سور الصين العظيم")، هيمنة الرأسمالية المالية ( القوة المسيطرة في الاقتصاد العالمي منذ أواخر القرن العشرين) أدت إلى تفضيل المضاربات( "رأسمالية الكازينو") على حساب الاستثمارات الإنتاجية، بروز أنظمة "اشتراكية" في الاتحاد السوفييتي والصين وغيرهما وأنظمة "الاقتصاد المختلط" وسياسات "اقتصاد الرفاه" في أكثر الدول الرأسمالية تطوراً و"اقتصاد السوق الاجتماعية" في العالم الثالث وتجارب في التسيير الذاتي...

وفي المقابل: تصاعد التناقض بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، تفاقم تركّز الثروة في أيدي القلة، وازدياد التباينات في الدخل على المستويات المحلية والعالمية، تعمّق الأزمات الاقتصادية واتساع دائرتها وانعكاساتها في تفاقم ظواهر العنصرية والفاشية العسكرية والدينية بدءاً من "الكساد العظيم" في الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي مروراً بالركود التضخمي stagflationالذي يجمع بين الركود الاقتصادي والتضخم) في سبعينات القرن وصولاً إلى الأزمات المحلية والإقليمية كما في "أزمة النمور الآسيوية" وسواها في أواخر القرن، التي بلغت ذروة لها في الأزمة الاقتصادية وارتداداتها التي تضرب العالم بأسره منذ سنة 2008.

- التطورات الاجتماعية ومن أبرزها: تراجع الصراعات الطبقية في المركز الإمبريالي وتصاعد الحروب العالمية اللصوصية وحركات التحرر الوطني واندماج الطبقي مع الوطني والعالمي، بروز/إبراز"الطبقات الوسطى"، تحول الفلاحين في "الدول النامية" إلى عاملين بأجر أو عاطلين عن العمل، استشراء الاستهلاك المظهري والقيم والنزعة الاستهلاكية عللا حساب القيم والثقافة الإنسانية بفعل "فنون" التسويق والترويج الإعلاني، جنباً إلى جنب مع تزايد "تحرير" التجارة- تزايد تقييد "انتقال الأفراد" إلى الولايات المتحدة وأوروبا في إطار نظام التبادل العالمي لمصلحة المركز الإمبريالي وما نتج عنه من ظاهرة " الهجرة غير الشرعية" وغيرها، تزايد "الاغتراب" الاجتماعي بمختلف وجوهه كأحد مسببات ظواهر الإرهاب والتطرف.

- التطورات النظرية الملازمة للتطورات الاقتصادية: تجاوز النظرية الاقتصادية الكلاسيكية بنظرية جون مينارد كينز بفعل "الكساد العظيم" ثم الكينزية الجديدة كما بنظرية "مدرسة شيكاغو"، ظهور مزيج من المذاهب الاقتصادية البرجوازية منذ سبعينات القرن العشرين حتى الآن على خلفية أزمات الركود التضخمي ويضم مدرسة "الاقتصاد النقودي" Monetarism وأبرز ممثليه ميلتون فريدمان نظرياً ورئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر تطبيقياً، ونظرية الاقتصاد المؤسسي/ الليبرالي/ ما بعد الكينزي وأبرز منظريه جون كينيت غالبريت بالإضافة إلى بول سامويلسون مؤلف كتب الاقتصاد المعتمدة في المناهج الجامعية الرسمية في النصف الثاني من القرن العشرين، والليبرالية الجديدة الاقتصادية.
وتزامن مع هذه النظريات الاقتصادية نظرات سياسية- فلسفية تبشّر ب"نهاية التاريخ البشري بوصفه صراعاً بين الأيديولوجيات" وأبدية النظام الرأسمالي، "الليبرالية السياسية والاقتصادية"، كما ذهب فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية العالم والرجل الأخير"، في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين سنة 1989.
كما تزامن معها تيار الاشتراكية الديمقراطية (الأممية الثانية)، على خط التماس بينها وبين مختلف التيارات الماركسية.

وعلى الجانب الآخر من المتراس النظري، ظهرت خلال القرن العشرين مذاهب ماركسية وماركسية- لينينية مختلفة غالباً ومتناحرة أحيانا، واكبت قيام الأنظمة "غير الرأسماليةً". كانت "الماركسية اللينينية" أولى هذه المذاهب وأكثرها تأثيراً وأكثر التأويلات أهمية في ما عنى تراث ماركس النظري والتجربة السوفييتية في أعوامها القليلة الأولى.
لقد خلّف فلاديمير إيليتش لينين مكتبة ضخمة من الرسائل والكراسات والكتب والخطابات يمكن الرجوع إليها بالإنكليزية على الرابط التالي:
https://www.marxists.org/archive/lenin/

وتضمّنت هذه المكتبة آراء لينين في قضايا الثورة الروسية وتجربة بناء المجتمع السوفييتي حتي وفاة لينين سنة 1924، بالإضافة إلى القضايا النظرية العامة بشأن "التطور الرأسمالي في روسيا" وعلى الصعيد العالمي. وكما كان الأمر مع ماركس ولينين، تطورت آراء لينين مع تطورات الواقع الروسي والعالمي وتطور المعرفة الإنسانية. وشكلت سنة 1917، سنة الثورة البلشفية، ذروة في عطائه الفكري تمثلت في كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ( المستند إلى دراستي جون هوبسون ورودولف هيلفيردينغ) الذي يعتبر تطويراً ل" رأس المال" في بعض جوانبه، وفي كتابيْ "الدولة والثورة" و" أطروحات نيسان" وغيرهما. كما شكلت السنوات اللاحقة ذروة أخرى في تطور فكر لينين بما تضمنته آراؤه من بذور تحليل نقدي لبنية الدولة الناشئة باعتبارها " دولة عمالية ذات تشوّه بيروقراطي" – لعله التشوه الذي تفشى تدريجياً في جسم الدولة السوفييتية لينتج الصيغة الستالينية !
وبعد لينين، أخذت السبل تتفرق بالأسلاف الماركسيين: سيطر التأويل الستاليني لماركس وللماركسية اللينينية، كما سيطر النموذج الستاليني في بناء "الاشتراكية في بلد واحد". وفي مواجهة هذا التأويل وهذا النموذج، برز تيار الأممية الرابعة الذي أسسه ليون تروتسكي وتابعه منظرون آخرون كان أبرزهم أرنست مانديل.
ومن رحم الستالينية، وُلدت الماوية حين أصبحت أفكار ماو تسي تونغ مثابة دليل نظري وعملي لحركات التحرر في المجتمعات الفلاحية أكثر مما غدت "الثورة الثقافية" صياغة نظرية لبناء الاشتراكية في الصين، كما هيمن الصراع "الأيديولوجي" الصيني- السوفييتي على مشهد الحرة اليسارية العالمية.
وإلى جانب الناتج النظري لهذين التيارين الرئيسيين، كان ثمة مساهمات نظرية مهمة في النصف الأول من القرن العشرين، خصوصاً مؤلفات روزا لوكسمبورغ وأنطونيو غرامشي وجورج لوكاش. وشهد النصف الثاني من القرن ولادة تيار عريض تحت مسمى اليسار الجديد شمل مختلف أنحاء العالم بما فيه "العالم الثالث". وتجسد جهد هذا التيار في مجلات دورية (مثل New left Review و Monthly Review) وفي الصياغات النظرية التي حاولها كتاب أفراد مثل بول سويزي وبول باران و هاري ماغدوف وأيريك هوبسباوم وسمير أمين و آخرون.
هذه التركة النظرية المتنوعة المتنافرة إلى حدّ التنافر بحاجة إلى نقد عناصرها واختبارها في بوتقة الصهر على حرارة التطورات الفعلية التي تفاعلت مع هذه العناصر ( أفرزتها وتأثرت بها)؛ أي قياس مدى صلاحيتها بمدى "توافق" هذه العناصر النظرية مع الواقع، بمدى قدرتها على تفسير الواقع وتغييره.
وفي سياق ذلك، في المنطقة العربية، ثمة حاجة إلى تحليل مادي جدلي لتطور المجتمعات العربية في خصوصياتها المحددة، وإلى تحليل نقدي لنشأة وتطور الأحزاب والحركات الشيوعية واليسارية في هذه المنطقة وللمفاهيم والمناهج والبرامج التي ميّزت نشاطها طوال قرن تقريباً.

*****
انطلاقاَ من مثل هذه الخطوط العريضة للتطورات الضخمة التي شهدها القرن العشرون على الصعيدين الواقعي والنظري، وفي ضوء تطور النظرية الماركسية- الإنغلسية في القرن التاسع عشر كما عرضنا أعلاه، يمكن وينبغي تحديث هذه النظرية باعتبارها سلاحاً فكرياً للثورة الجذرية الشاملة في عالم القرن الحادي والعشرين. ومثل هذا التحديث يضع البشرية الآن، كما وضعها البيان الشيوعي قبل نحو 170 عاماً، أمام خيارين لا ثالث لهما:

" إما الاشتراكية أو البربرية" !
البربرية البشعة في أشكالها المتعددة،
(من نازية وفاشية، إلى استعمارية فرنسية وبريطانية قديمة، إلى إمبريالية أميركية وأوروبية حديثة، إلى عنصرية صهيونية، إلى إرهابٍ ديني بموجب تأويل إسلامي أو مسيحي أو يهودي)،

... أو ربيع الاشتراكية الجميل، مهما قلّ الزاد وطال الطريق وبَعُد السفر !





#خالد_عايد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعدام -الروزنا- التأسيسية في موقع اتحاد المرأة الأردنية من س ...
- نحو منهج بحث تاريخي طبقي/ أبو جلدة و-فصائل السلام-: من الثائ ...
- الفلسطينيون يصعدون إلى السماء الأخيرة: من سورية إلى الأردن م ...
- عويل - الطبقات الوسطى- ونقيقها في - الربيع العربي-
- بناء يسار ثوري جديد شرط حيوي لانتصار الحراك الشعبي العربي ال ...
- الثورة/ الثورات العربية ليست لقيطة ليتبناها العم سام والجدة ...
- أسئلة الحراك الثوري الراهن في المنطقة العربية
- الثورة الشعبية في الأردن وفلسطين أمام تحدّيات الخصوصية والاس ...
- يحيا شعب مصر: على طريق الثورة الدائمة
- حبيبتي الثورة
- المهام الانتقالية في الثورة التونسية نداء رقم 3


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - خالد عايد - تحديث الماركسية في القرن الحادي والعشرين (من سيرة غير ذاتية)