أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - رحل عنا شوكت علاونه















المزيد.....

رحل عنا شوكت علاونه


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 20:42
المحور: سيرة ذاتية
    


سقط من بيننا رجلٌ مثل المسطرة بالاستقامة, وسقطت لؤلؤة من العقد الذي كان يزين عائلتنا الصغيرة, تعارفنا عليه سنة 1988 ومن يومها إلى ذلك اليوم الذي انتقل فيه إلى جوار ربه لم نسمع منه كلمة تغضبنا أو تزعجنا أو أي لفظٍ نابي,وكل العائلات تحدث فيها بعض الخلافات الكبيرة منها والصغيرة ولم يكن المرحوم شوكت علاونه تسمح له أخلاقه بأن يوجه أي إهانة لأي أحد مهما كان صغيرا أو كبيرا, كان حضوره في بيتنا مثل حضور الملح على مائدة الطعام, لم يكن شتّاما ولا سبّابا ولا نمّاما, كان رقيق المشاعر طيب القلب وعلى خُلقٍ رفيع, طويل القامة أبيض الوجه وأسود العينين والشعر الذي خالطه بعض البياض, رفيع الحاجبين, صوته خافت إذا تكلم وصوته خافتٌ أيضا إن غضب , رضيّ الوالدين ماتت أمه وهي راضية عنه وما زال أبوه حيا ويحلف بحياة شوكت رحمه الله , برنامجه اليومي من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت يخرج من بيته قبل أن يشق الضوء طريقه في الشوارع ويعود بعد أن يغطي الظلام أسطح المنازل في قريتنا , ليس له أصدقاء يسهر معهم خارج البيت مطلقا وليس له أصدقاء يزورونه في البيت إلا في المناسبات العائلية ويختصر كثيرا في كلامه ويكره الزيادة والثرثرة, وإذا نشب خلافٌ في عائلتنا كنا نلجأ إليه ليحكم بيننا بالعدل, رحل من شهرنا هذا قمرٌ أنار ليالينا سنين طويلة , وانطفأ من بيننا نجمٌ أطلَّ زمانه ثم أفل ذلك الزمان, رحل من بيننا شوكت علاونه ويكفي أن نقول عنه بأنه رجل محترم جدا, عاش محترما وقاوم الحياة العصيبة بكل احترام ولم يكن له أعداء ولم يكن له أصدقاء غير عائلتنا, برحيله شلّ حركت يدي عن الكتابة وأوقف مخي عن التفكير ومن يومها وأنا أشعرُ بتيبس الدماء في عروقي, إنه زوج أختي شوكت علاونه الذي رحل عنا بعد أن أتم عامه الخمسين بأيامٍ قليلة وهي أقل من أسبوع, أحبه الجميع بقدر ما أحبهم, لم يكن (عدايله) أزواج أخواتي الأخريات يحبون الرحلات والاستجمام إلا معه, فكنا كلما قررنا الذهاب في رحلة نسأله أولا إن كانت له الرغبة بمشاركتنا فإن اعتذر نتراجع عن الرحلة وإن وافق هممنا جميعنا بإعداد العُدة اللازمة, كان طباخا ماهرا وبارعا بإشعال النار في البرية وبشواء الدجاج واللحوم , وكان إذا طبخ الفول باللبن نأكل أصابعنا مع طبخته , وكان حضوره مميزا جدا له إطلالة وجه وابتسامة تغمر الجميع بالمحبة, ما زالوا ( أصهار- عدايله) يذرفون الدمعة تلوى الدمعة على آخر مرة اجتمعوا به في بيتي- حيث رحل بعد يوم الجمعة بيومين- كان لكل واحدٍ منهم مكانه المخصص كما كان أيضا للمرحوم شوكت أيضا مكانه المخصص في الزاوية الجنوبية من غرفة الضيوف الكبيرة ذات الفراش العربي الأسفنجي, وكل أقاربنا وأهل حارتنا كانوا على دراية بالاجتماع الأسبوعي في منزلي حول أمي وهي عمتهم كل جمعة على الغداء وكانوا يحسدوننا على الجَمعة واللمَةَ والصداقة الحميمية التي تجمعني بأزواج أخواتي, وفي آخر جمعة ضحكنا في ذلك اليوم كثيرا وتمازحنا وتبادلنا الطرائف والحكايات وتحدث كل واحدٍ منهم في ذلك اليوم عن ما واجهوه في أسبوعهم المنصرم, شربنا القهوة والشاي والبيبسي والعصائر وودعنا بعضنا بحرارة كما استقبلنا بعضنا البعض بحرارة وحفاوة , عاش المرحوم شوكت علاونه بيننا بكل هدوء وراحة ولكن لم يكن رحيله بالنسبة لنا مريحا , كان رحيله عنا صاخبا جدا وقع على مسامعنا كدوي قنبلة نووية, حتى أن كل أهل البلدة تلقوا دوي الانفجار مثلما تلقيناه نحن, تقاعد المرحوم من سلاح الجو ومن ثم عملَ في إحدى المصانع بمدينة الحسن الصناعية ومن ثم انتقل للعمل براتب مغري جدا جدا جدا في مصنع آخر وبعد عدة سنوات استغنى المصنع عن خدماته هو وبعض العاملين به , مما اضطر المرحوم أن يعمل مجددا بشركة أمن وحماية تستقطب المتقاعدين العسكريين , وهنا كانت الكارثة حيث تم إرساله للعمل كموظف أمن بالبنك الأردني الكويتي في محافظة إربد شارع الهاشمي , وبعد أربع ساعات من العمل تم تسليمه مسدس عيار تسعة نوع طارق عراقي , وفي تمام الساعة الثالثة تماما غادر الموظفون مواقع عملهم وذهب شوكت علاونه إلى القاصة لإيداع الأموال وإيداع مسدسه أيضا في القاصة, طلب الإذن من زملائه بالذهاب إلى الحمام, أغلق على نفسه الباب وقام بفك حزامه لإنزال بنطاله, نسي المسدس فكاد أن يقع منه على الأرض فأمسك به على حين غرة وفتح فاه من الرعب والخوف فخرجت منه رصاصة اخترقت فمه ورأسه, لم يسمع زملاءه بدوي الرصاصة وبعد نصف ساعة ذهبوا إلى المرحاض ليفتشوا عنه , طرقوا عليه الباب مرة ومرتين وثلاث مرات ولكنه لم يجب, ظن زملاءه بأنه يعاني من غيبوبة ارتفاع السكر في دمه فاتصلوا بالدفاع المدني, جاء الدفاع المدني وخلعوا عليه الباب فوجدوه قد فارق الحياة والمسدس على أرضية المرحاض , وحضر رجال الشرطة والمدعي العام والبحث الجنائي وتم نقل الجثة إلى المشرحة ولم نعلم نحن بالخبر إلا بعد 5 خمس ساعات, كانت كل الناس في حارتنا من أقربائنا يتراكضون هنا وهناك ويمرون من جانبنا ولم يخبرنا أي أحد بما حدث, أنا بالنسبة لي غادرت البيت في تمام الساعة الخامسة والنصف ولم يكن هنالك أي شيء أو أي دلائل تشير على رحيله, اتصل بي أحد الأصدقاء في تمام الساعة السابعة والربع وسألني: شو صاير عندكوا ساعة العصر؟ قلت: مش خابر في أي شيء, قال: شوكت., قلت: شو ماله؟ قال عامل حادث بالباص أو أجته طلقه طائشه ومات؟ فتبسمت وقلت: يا رجل هسع اطلعت من باب الدار ومش خابر في أي شيء, قال: تأكد ورد لي خبرأنا وصلتني المعلومه أنه في المشرحه, فتبسمت واستهترت, ومن ثم اتصلت على المرحوم فوجدت هاتفه مغلقا, اتصلت على زوجتي وكان الخط مشغولا حيث أنها هي أيضا كانت تحاول الاتصال بي وكانت زوجته وأبناءه في البيت يمارسون حياتهم بالشكل المعتاد, وكل الناس يعلمون بالخبر إلا هم, تم إخبارنا في نهاية المطاف وفقدنا جميعنا الاتزان, وزوجته قبل أن يأتيها الخبر تحدثت مع أختي بالهاتف وقالت لها: تأخر شوكت وأنا قلقة عليه, لي مدة طويلة أحاول الاتصال به ولا يجيب , قالت الشرطة في البداية أن الموضوع انتحار وتجمع الناس في الشارع حول البنك ليرو الحادث وتناقلت وسائل الأعلام الخبر وتم نشره وحتى اللحظة لا أحد منا يعلم بالموضوع فنحن آخر من يعلم,ونحن جاءنا الخبر كذلك بأن الموضوع انتحار, فقلنا تغدينا سوية يوم الجمعة ويوم السبت زار بيتي صدفة هو وزوجته وتناولنا الطعام ولم نلحظ عليه أي علامة ضيق أو أي مشكلة نفسية, ومن ثم قيل أن أحدهم قتله أثناء السطو على البنك, ولكن تبين في اليوم التالي أن المرحوم مات نتيجة العبث بالسلاح.

لم يكن لشوكت علاونه أي أعداء ولم يكن متورطا بالديون كثيرا , لم يكن شوكت علاونه إلا الزهرة ذات الرائحة الطيبة التي عاشت بيننا لأكثر من ربع قرن , كان شديد الخجل والحياء , لم يكن ثرثارا ولم يكن محبا للكذب, كان صادقا مع الناس ومع نفسه أولا , كل من عمل معه هنا وهناك جاءوا وحضروا مراسيم الدفن , مضى حتى اليوم على رحيله عشرة أيام بالتمام وبالكمال وما زلنا حتى اللحظة نستذكره في أحاديثنا ظنا منا أنه ما زال حيا, قبل يومين اتصلت بي زوجتي وأنا في البيت بمعية أزواج أخواتي الآخرين سألتني إن كنا قد تناولنا الغداء أم لا, لأن زوجتي كانت ببيت المرحوم إلى جانب أختي وأنا في البيت وحدي, بدأت أعد لها بأسماء الذين تناولوا الغداء معي وأول أسم ذكرته هو(شوكت) المرحوم شوكت, فقاطعتني زوجتي قائلة: شوكت!!!! باستغراب, فقلت لها نعم, شوكت, ومن ثم تذكرت أن شوكت قد مات بعد أن أجهشت زوجتي بالبكاء على الموبايل, عندها تجمد لساني في حلقي وبدأت أنا أجهش بالبكاء وبكى معي كل الحاضرين, وفي ذلك المساء من يوم الدفن أعددت القهوة بنفسي في المطبخ فسألني ابن أختي لمن كل هذه الفناجين؟؟: فقلت له: هذا لشوكت..وهذا....وتذكرت بعدها أن شوكت أصلا ليس معنا وثانيا أنه لم يشرب القهوة بحياته كلها إلا ما ندر وقليلٌ ما أتذكر, في كل مكان من أردننا الغالي نتذكر شوكت, فلا معه ذكريات في عمان والزرقاء وعجلون وأم قيس (جدارا) وفي كل شبر من أرضية البيت لنا فيها معه ذكريات حلوة وجميلة, فهنا شربنا الشاي وهناك أفطرنا وهنا تغدينا وفي تلك الزاوية دخنّا السجائر, وهنا تناقشنا وتحاورنا, وأينما أسندتُ ظهري في منزلي لي مع شوكت علاونه ذكريات حلوة وجميلة انتهت بمأساة شكسبيرية غير مقصودة وأينما اتكأتُ على شمالي أو على يميني أتذكرُ أن لي مع المرحوم شوكت علاونه ذكريات حلوة وجميلة , ودائما ما كان على خلافٍ معي دينيا وسياسيا ولكنه لو يوجه لي يوما كلمة تخدش الحياء العام, ما زلنا حتى اليوم نلفظ أسمه وننسى أنه مات أنه في قلوبنا حي وإلى الأبد.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رعب الكتابة
- أُمة كلها جهل وتخلف
- أخطر وظيفة لا تحتاج إلى خبرة
- كتابي: طراطيش حكي
- الناس تكرهني ولكن يسوع يحبني
- يا قليلي الإيمان
- المؤمن المسيحي أقوى إيمانا من المؤمن المسلم
- المستقبل للديانة المسيحية
- المرحاض هو أفضل مكان
- العالم الجليل أبو لؤلؤة المجوسي
- غباء البخاري
- العرب يمدحون بصوت منخفض ويشتمون بصوت مرتفع
- كيف يتغلب عليك الشيطان؟
- التعصب
- وقفة قصيرة بين الإنجيل والقرآن
- لحية الشيخ الطويلة
- المسيحيين عندهم شرف أكثر من داعش
- ختيار سمعه ثقيل
- دعوة للشرك بالله
- أحبك يا يسوع


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - رحل عنا شوكت علاونه