عمرو محمد عباس محجوب
الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 10:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلت تجربة إيران والسودان مثالين مهمينً على صحة النظرية الامريكية في الاعتماد على قوى اسلامية متشددة في الحكم، فهى تحقق كثيراً من المنافع التي تفيد الولايات المتخدة في السيطرة على العالم. اولاً أن هذه القوى تصبح اكثر فساداً واستبداداً من كل النظم السابقة، وبالتالي من السهل اختراقها وابتزازها ثانياً انها مفيدة في اعتبارها عدواً محتملاً ودائماً يمكن رفعها في أي لحظة خطر على مصالحها، ثالثاً اصبحت متوائمة مع الاتجاهات العنصرية المتصاعدة في اسرائيل ب"يهودية الدولة".
دروس التاريخ ترينا بوضوح وبلا جدال أن الدول التي استطاعت الخروج من مأزقها والتقدم في البناء الوطني، اعتمدت الديمقراطية. ليس هناك تجارب نمو وتقدم في العالم مختلفة غير القليل استطاعت الديكتاتورية أن تنهض بها. اشهرها المانيا النازية التي جاءت بها الديمقراطية وانقلبت عليها ولكنها استغلت التطور في جرائم حربها الكونية، كوريا الجنوبية مثال اخر، لكن كان لدي حكامها نظرة ثاقبة لنمو الدولة ولاحقاً تبنت النظام الديمقراطي، الكتلة الاشتراكية استطاعت إنجاز بناء شاهق وتبنت الديمقراطية. الصين وحدها استطاعت النمو المتفوق، بالمحافظة على صفقة الديكتاتورية والرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وسوف نرى كيف سوف تستمر هذه المعادلة.
تهيئة المسرح
تم على مر العقود الدخول في تجارب مع الاسلام السياسي، حاكماً (ايران، افغانستان، السودان والباكستان احياناً) او في المعارضة الرسمية (مصر، الاردن، المغرب والجزائر ولبنان)، او غير الرسمية (مصر، الجزائر والصومال). سيناريوهات كثيرة جربت في التعامل مع هذه التنظيمات والنظم بكافة اشكالها، من بنائه منظمة القاعدة التي تم بواسطة المخابرات الامريكية، التدخل الميداني كما حدث في بداية التسعينات في الصومال، ثم تركت لتذهب في غياهب النسيان بإعتبارها دولة يمكنها الانتظار حتى تجد دورها في الاستراتيجية الكونية. نفس الشيء حدث في افغانستان، فقد اجج الصراع، خلقت تنظيمات متنوعة، قاتل الآلاف وتدرب آلاف اخرين، ثم تركت للمجهول لتغيب حوالي العقد ثم تشن عليها حرب كرتونية عام 2001.
وفرت تجربة العراق امكانية تطبيق كل الدروس المستفادة من خلال استغلال الاختلافات المذهبية وتعميقها. الاساسي فيها كان في بروز السنة العرب كخزانات ضخمة لتوليد التنظيمات المتطرفة من كافة الانواع، ووجود أساس معرفي وفقهي يشجع على نموها السريع. لعب الغازي الامريكي على تناقضات عرقية ومذهبية، وظلامة تأريخية للشيعة والاكراد العراقيين من انظمة الاقصاء التي حكمت العراق. النتيجة المتوقعة كانت دخول العراق في نفق مظلم استمر حتى وصول العبادي على رأس حكومة وحدة وطنية.
انفصال جنوب السودان 2011
رغم تراوح موقف الغرب عموماً والولايات المتحدة من الحرب الأهلية في الجنوب، إلا ان الموقف الغالب كان مهتماً بالناحية الإنسانية ووقف الحرب ولم يكن انفصال الجنوب مطروحاً كخيار. في أكتوبر 1993 أقامت لجنة الشؤون الإفريقية بالكونجرس ومؤسسة السلام الأمريكية ندوة "السودان: المأساة المنسية" لدراسة أسباب الصراع في السودان"، وقد اتفقت الندوة على أن مسببات الحرب عديدة إلا أن السبب الرئيسي يرجع للعامل الديني.
استمر تواجد وجود خطين، في الإدارة الامريكية، احدهما مع الوحدة والاخر مع الانفصال. تجاور المفهومان وكان للتغيرات الدولية والمحلية الامريكية الدور الاكبر في تغليب رأي على الاخر. واستمر التردد في الاتجاه حتى الاتفاق على "الدولة بنظامين". تم الوصول لترتيب المنطقة منذ منتصف التسعينات عبر تعرجات، استوعبت داخلها كافة المتغيرات الاقليمية ومن ضمنها نظام الانقاذ الاسلامي. مع امعان الدولة الصهيونية في التشدد وتطوير خطابها الطائفي باعتماد "الدولة اليهودية"، بدأ هناك ميل لتغيير الاستراتيجية إلى تشجيع الفرز الطائفي والعرقي. كانت دول الصومال الثلاث اول تجلي لهذا التوجه، تبعها دولة "جنوب السودان المسيحية" في مقابل دولة "شمال السودان الاسلامية" كمواصلة لنجاح الاستراتيجية.
على الرغم من انتصار الخط السياسي للإدارة الامريكية في محاثات السلام السودانية، وتشكل حكومة مشتركة من نظام الانقاذ والحركة الشعبية، إلا ان العقوبات لم يتم رفعها قط، وبالعكس فمع انفجار حرب دارفور وتداعياتها في الابادة البشرية، تم ادانة الرئيس البشير ليصبح مطلوباً للعدالة الدولية. بذلك تحقق هدفي ظهور الدولة الجديدة "دولة جنوب السودان"، وسودان شمالي منهك، مفلس، تسوده الحروب الاهلية وضعيف تماماً
الثورات العربية
عند انفجار الثورة التونسية، المصرية، الليبية واليمنية وبعدهما السورية انتقلت الدولة من الدهشة والتوجس، الارتباك ومن ثم الاعتراف بالتغيير. كان المشهد السياسي قد تغير في الإدارة الامريكية، فقد جاء اوباما للبيت الابيض وانجازه الاكبر استعادة القرار السياسي، وترافق هذا مع تعرض الوكالات الامنية لهجوم ضاري وحملات نقد شديد من الاعلام والمنظمات الشعبية والدوائر السياسية من اليسار الليبرالي، بعد ما عانوه في فترة بوش الابن.
من العراق، إلى مصر، ليبيا، اليمن وسوريا استمرت استراتيجية ضرورة تواجد الاسلام السياسي على رأس الانظمة، وكان غريباً أن ممثلة الليبرالية السياسية والاقتصادية العالمية كانت تدير اعينها عن ممثلي الليبرالية العرب وتعمل بجد في إيصال نوري المالكي للسلطة رغم عدم استحقاقه قانونياً، وتوصل الاخوان المسلمين للسلطة في مصر وليبيا. بدلاً من الاتفاقات السرية التي كانت تحدث مع اجهزة الاستخبارات، بدأنا نراها في الاعلام الرسمي وامام الكاميرات. اختلفت المحافل والسياسة نفسها.
وفي السودان ورغم وضوح فساد واستبداد الدولة السودانية، والقمع الذي تمارسه فقد استمرت في الاكتفاء بالعقوبات والرفض الكامل لأي تغيير للنظام. كان النظام الجديد – بقيادة اوباما- قادراً وقد استعاد كفاءة الجهاز السياسي، له اغلبية في الكونقرس، وله قبول شعبي ولديه ممثلة في الامم المتحدة –سوزان رايس- لديها عداء واضح للانقاذ، أن يرفع الغطاء عن النظام ويترك السودانيين وهم قادرين على اسقاطه. غير أن السياسة الخاصة بدعم التحالفات مع الاسلام السياسي عميقة في الدوائر السياسية الامريكية، كان الهدف الاحتفاظ بدولة فاشلة، مطيعة في عدم التعرض لدولة الجنوب.
بعكس الاستعمار القديم والذي سلم الدول بعد الاستقلال منضبطة مثل الساعة، وترتيب سياسي فاعل، تميزت تدخلات الولايات المتحدة في كل الدول أنها تركت ورائها خراباً وحروباً اهلية. فقد تم فصل الجنوب عام 2011، وكما حدث في افغانستان بعد حروب التحرير، العراق بعد احتلال دام العقد، لم تكن الولايات المتحدة تملك خطة بناء او استقرار. تدافعت شركاتها، بنكها الدولي ومنظماتها، لاستنزاف الثروات وعقد الصفقات، خالقة برك الفساد التي تشجعها وتعمل فيها. ادت هذه السياسات لنتائجها فقد اندلعت حرب اهلية قاسية وابادة للسكان ودخلت دولة جنوب السودان الوليدة إلى غياهب الدول المنهارة.
أخيراً
لم أكن في هذه المقالات معنياً بالنظر لما يحدث يومياً في ارجاء المنطقة، لكن حاولت تقديم تأطير للسياسة الامريكية وتقلباتها، لكن بعض المحللين يرون أن كل هذا مقصود وهو جزء من تفاعلات ما اسمي "الفوضى الخلاقة" التي تهدف لرسم خرائط جديدة بديلاً من "سايكس بيكو". ربما سوف ترينا الاحداث المتلاحقة بعض صحة او خطأ هذه النظريات، لكن كلها تندرج تحت اشتراك الكثير من الانظمة من العالم والمنطقة في "خلق الوحش وفقدان السيطرة عليه".
#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟