أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - الاستثناءات الأمريكية ( التعذيب والاغتيال بالطائرات المسيّرة)















المزيد.....


الاستثناءات الأمريكية ( التعذيب والاغتيال بالطائرات المسيّرة)


فضيلة يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4742 - 2015 / 3 / 8 - 12:43
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


قال المفكر المحافظ كارل شميت في عام 1922،( السيّد من يقرر الاستثناء) وهذا يعني أن زعيم الأمة يمكن أن يتحدى القانون لخدمة الصالح العام . خدم شميت كرئيس للقانونيين في ألمانيا النازية ودعم بشكل ثابت هتلر من ليلة السكاكين الطويلة إلى ليلة الكريستال وأبعد من ذلك ،وتضررت سمعته على مدى عقود،واليوم حققت أفكاره نفوذاً لا يمكن تصوّره. شكلّت أفكاره في الواقع، وجهة نظر المحافظين الجدد في السلطة الرئاسية للحزبين على نطاق واسع منذ 11 أيلول. وقد أثرت أفكار شميت على السياسة الأمريكية مباشرة من خلال تلميذه الفكري ليو شتراوس اللاجىء السياسي الذي درّب كأستاذ في جامعة شيكاغو، المهندسين المعماريين في إدارة بوش للحرب على العراق بول وولفويتز وأبرام شولسكي.
كل ذلك يُثير الإعجاب بما فيه الكفاية لمصداقيته ، أصبح القول المأثور للمفكر الاستبدادي الميت منذ فترة طويلة شميت الأساس الفلسفي لممارسة القوة العالمية الأمريكية في ربع القرن الذي أعقب نهاية الحرب الباردة. أنشأت واشنطن، أكثر من أي قوة أخرى، القوانين والمعاهدات في المجتمع الدولي الحديث ، إلا أنها تحتفظ الآن بالحق في تحدي تلك القوانين نفسها والإفلات من العقاب. ينبغي أن يتجاهل الحاكم السيادي ، القوانين في أوقات الطوارئ الوطنية كما قال شميت، ولذا فإن الولايات المتحدة، كآخر قوة عظمى على الكوكب وذات سيادة على المستوى العالمي، لديها الحق هذه السنوات في تجاهل القانون الدولي مراراً ، واتباع قوانينها الخاصة غير المكتوبة في طريقها لممارسة السلطة على العالم.
تماماً كما السيادة التي فضلها شميت في الحكم في استثناءات لا نهاية لها دون دستور في الرايخ الخاص به ، لذلك قطعت واشنطن الآن شوطاً كبيراً في العقد الثاني من الحرب التي لا نهاية لها على الإرهاب التي يبدو أن مجموع استثناءاتها للقانون الدولي تشمل: السجن إلى المالانهاية ، حالات القتل والإعدام والمراقبة المنتشرة خارج القضاء ، هجمات الطائرات المسيّرة في تحد للحدود الوطنية، والتعذيب حسب الطلب، والحصانة لجميع ما ذكر أعلاه على أساس أسرار الدولة. هذه الاستثناءات الأمريكية العديدة التي تطفو على السطح مجرد مظاهر للأبعاد السرية الآخذة في التوسع في الدولة الأمريكية. وتم إنشاؤها بتكلفة أكثر من تريليون دولار منذ 9/11، والغرض من هذا الجهاز الضخم السيطرة على نطاق السرية في الساحة الرئيسية للجدال الجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين.
هذا ينبغي أن يكون مسار مقلق ومربك (ولكن نادراً ما يتم اعتباره) لبلد، رعت أكثر من أي بلد آخر، فكرة سيادة القانون في المجتمع الدولي، وكتبت قواعده ،. دفع مندوب الولايات المتحدة، أندرو ديكسون وايت، مؤسس جامعة كورنيل،في المؤتمر الأول للسلام في لاهاي عام 1899، لإنشاء محكمة دائمة للعدل ، وأقنع أندرو كارنيجي لبناء قصر السلام التذكاري في لاهاي. وفي مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907، حثّت وزيرة الخارجية Elihu Root على ضرورة حل الصراعات الدولية المستقبلية من قبل محكمة مهنية، وتحققت فكرتها عندما أنشئت محكمة العدل الدولية في عام 1920.
استخدمت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، انتصارها للمساعدة على خلق الأمم المتحدة، ودفعت لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والتصديق على اتفاقيات جنيف لتلقي العلاج الإنساني أثناء الحرب. ومن المبادرات الأخرى المدعومة من الولايات المتحدة ،منظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، أو ما يمكن تسميته "المجتمع الدولي".
كسر القواعد
لم تلعب الولايات المتحدة دوراً حاسماً في كتابة قواعد جديدة لهذا المجتمع فقط، ولكنها بدأت على الفور تقريباً في كسرها ، على الرغم من صعود قوة عظمى أخرى ، الاتحاد السوفييتي ، قررت واشنطن في ذلك الوقت الاستثناءات لنظامها، ولا سيما للمبدأ التأسيسي لحكم العالم : السيادة. و صارعت للسيطرة على مئات من الدول الجديدة التي بدأت تظهر مباشرة بعد الحرب، وكل واحدة تم تمويلها مع سيادة محرمة ، احتاجت واشنطن وسيلة جديدة غير الدبلوماسية التقليدية أو القوة العسكرية. ونتيجة لذلك، أصبحت العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية CIA طريقاً للتدخل في نظام عالمي جديد حيث يمكن لا، أو على الأقل لا ينبغي أن تتدخل بشكل علني.
أخذت جميع الاستثناءات دفعة من قرار أمريكا للانضمام لما أسماه الجاسوس السابق John Le Carré "موكب قذر من الحمقى العبثيين، الخونة ... الساديين، والسكارى" ،تم احتضان التجسس بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية ، حتى إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية في عام 1947، كانت الولايات المتحدة بريئة في عالم المخابرات. عندما قاد الجنرال جون بيرشنغ مليونين من القوات الأميركية إلى أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، كان جيش الولايات المتحدة ، الجيش الوحيد على جانبي خطوط المعركة من دون جهاز مخابرات. على الرغم من أن واشنطن بنت أجهزة أمنية كبيرة خلال تلك الحرب، فقد تم تحجيمها بسرعة من المحافظين الجمهوريين خلال العشرينيات . على مدى عقود، ظل الاندفاع قوياً لخفض أو تقييد هذه الوكالات السرية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، كما هو الحال عندما ألغى الرئيس هاري ترومان مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)،( مكتب قبل انشاء وكالة الاستخبارات المركزية )مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية أو عندما أقال الرئيس جيمي كارتر 800 من أعضاء CIA المختصين بالعمليات السرية بعد حرب فيتنام.
نمت المجالات السرية داخل الحكومة الأمريكية خلسة أوائل القرن العشرين بشكل متقطع وغير منتظم، وإلى هذه اللحظة. بدأت مع تشكيل مكتب التحقيقات الفدرالي في عام 1908 وعام 1917. يتبعه وكالة الاستخبارات العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية إلى جانب معظم الوكالات الأبجدية التي تشكل المجتمع الحالي للاستخبارات في الولايات المتحدة ، بما في ذلك وكالة الأمن القومي (NSA)، وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، وأخيراً مكتب الاستخبارات الوطنية في عام 2004، لا نخطئ: هناك علاقة واضحة بين أسرار الدولة وسيادة القانون - واحدة تنمو، والأخرى تنكمش بالتأكيد.
السيادة على العالم
دخلت الولايات المتحدة طريقاً لا رجعة فيه في هذا العالم السفلي السري عندما نشر الرئيس ترومان وكالة استخبارات جديدة لاحتواء التآمر السوفياتي في أوروبا. وكانت هذه القارة غنية بجواسيس من مختلف المشارب: الفاشيون الفاشلون والشيوعيون الطموحون ، وكل شيء بينهما. قدمت المخابرات الأمريكية نفسها للبريطانيين ك "أبناء عمومة"، وأتقنت عملها عن طريق إقامة علاقات مع شبكات الجواسيس السابقين النازيين، والفاشيين الإيطاليين، وعشرات من أجهزة المخابرات القارية.
لترسيخ السيادة الجديدة في العالم، استخدمت واشنطن وكالة الاستخبارات المركزية لفرض استثناءات في القانون الدولي، وخاصة المبدأ الأساسي للسيادة. أذن الرئيس دوايت أيزنهاور خلال ولايتيه، بالقيام ب 104 من العمليات السرية في أربع قارات، وتركزت بشكل كبير في السيطرة على العديد من الدول الجديدة التي تحررت من قرون من الاستعمار. وتضمنت استثناءات أيزنهاور ،التجاوزات الصارخة للسيادة الوطنية مثل تحويل بورما الشمالية إلى نقطة انطلاق للراغبين في الغزوات الفاشلة ضد الصين وتسليح الثورات الإقليمية لتقسيم اندونيسيا، وإسقاط الحكومات المنتخبة في غواتيمالا وإيران. وعندما ترك منصبه في عام 1961، أصبحت العمليات السرية المكتسبة الغامضة قوية في واشنطن حتى ان الرئيس جون كنيدي أذن ب 163 منها في السنوات الثلاث التي سبقت اغتياله.
عُيّن مسؤول كبير في وكالة المخابرات المركزية للشرق الأدنى في أوائل الخمسينيات رأى أن كل زعيم مسلم لم يكن موالياً لأمريكا "هدف قانوني للقيام بعمل ضده من وكالة المخابرات المركزية." وطُبقت على نطاق عالمي وليس للمسلمين فقط، ساعدت هذه السياسة على إنتاج متميز "الموجة العكسية" في الاتجاه العالمي نحو الديمقراطية في الأعوام من 1958-1975، وكانت الانقلابات - معظمها مدعومة من الولايات المتحدة - تسمح للعسكريين الاستيلاء على السلطة في أكثر من 36 من الدول، وهي تمثل ربع الدول ذات السيادة في العالم.
أنتجت "استثناءات" البيت الأبيض أيضاً موقف الولايات المتحدة المتناقض بعمق تجاه التعذيب في السنوات الأولى من الحرب الباردة وما بعدها. ، كان واشنطن تعبر علناً عن معارضتها للتعذيب في مجال دعمها الإعلان العالمي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 1948 واتفاقيات جنيف في عام 1949. وفي الوقت نفسه وسراً، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية بتطوير تقنيات التعذيب الجديدة البارعة مخالفة لتلك الاتفاقيات الدولية نفسها. بعد عشر سنوات من الأبحاث ، قننت وكالة الاستخبارات المركزية كتيباً تعليمياً سرياً عن طرق جديدة في التعذيب النفسي ،"KUBARK" ،لمكافحة التجسس والاستجواب" ، الذي تم نشره داخل مجتمع المخابرات الأمريكية والأجهزة الأمنية المتحالفة في جميع أنحاء العالم.
أصبح التعذيب مرادفاً للحكم الاستبدادي في آسيا وأمريكا اللاتينية خلال الستينيات والسبعينيات ،نشأت برامج التدريب في الولايات المتحدة التي وفرت التقنيات المتطورة، والشرعية الأخلاقية لهذه الممارسة ، وعملت وكالة المخابرات المركزية من خلال مكتب السلامة العامة (OPS)، وهو فرع من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من 1962-1974على إرسال مستشارين من الشرطة الأمريكية إلى الدول النامية. عملت (OPS) التي أنشأها الرئيس كينيدي عام 1962، في ست سنوات في عملية مكافحة الشيوعية العالمية مع أكثر من 400 من المستشارين من الشرطة الأمريكية. وقبل عام 1971، كانت قد دربت أكثر من مليون من رجال الشرطة في 47 دولة، بما في ذلك 85000 في فيتنام الجنوبية و 100000 في البرازيل.
مخبأً داخل ( OPS ) أصبح تدريب وكالة المخابرات المركزية على الاستجواب مرادفاً للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وخاصة في إيران والفلبين وفيتنام الجنوبية والبرازيل وأوروغواي. وثقت منظمة العفو الدولية التعذيب على نطاق واسع، وعادة من قبل الشرطة المحلية، في 24 من الدول ال 49 التي استضافت فرق ( OPS ) الشرطية للتدريب. وفي تتبعها للجلادين في جميع أنحاء العالم، بدأت منظمة العفو الدولية في تتبع البرامج التدريبية لوكالة المخابرات المركزية، إلى حد كبير، وبدأ التعذيب في الانحسار عندما تحولت أمريكا مرة أخرى بحزم ضد هذه الممارسة في نهاية الحرب الباردة.
الحرب على الإرهاب
على الرغم من فرض قيود على سلطة وكالة المخابرات المركزية في الاغتيالات والتدخل السري، والمراقبة، والتعذيب في نهاية الحرب الباردة، أثارت الهجمات الإرهابية في أيلول 2001 توسعاً غير مسبوق في مجتمع المخابرات وعودة الاستثناءات الإجرائية. الشهية النهمة للحرب على الإرهاب في الحصول على المعلومات المنتجة، في العقد الأول، جعلت صحيفة الواشنطن بوست تصف المخابرات "بالفرع الرابع" للحكومة الفيدرالية الامريكية مع 854000 مسؤول أمني ،و 263 مؤسسة أمنية، وأكثر من 3000 من وكالات الاستخبارات العامة والخاصة، و 33 من المجمعات الأمنية الجديدة - تضخ ما مجموعه 50000 من التقارير الاستخباراتية المصنفة سنوياً بحلول عام 2010.
وفي هذا الوقت، كان في "وكالة الجغرافية المكانية-الاستخبارات الوطنية " وهي واحدة من أحدث أعضاء مجتمع الاستخبارات، ، بالفعل 16000 موظفاً، وميزانيتها 5 مليار دولار، ومقر ضخم بكلفة 2 مليار دولار تقريباً في فيرجينيا - ويهدف كل ذلك إلى تنسيق طوفان من بيانات المراقبة التي تتدفق من الطائرات المسيّرة وطائرات التجسس U-2 ، وبرنامج Google Earth، والأقمار الصناعية .
ووفقاً لوثائق مسربة لصحيفة واشنطن بوست من Edward Snowden ، صرفت الولايات المتحدة 500 مليار دولار أمريكي على وكالات الاستخبارات المختلفة في عشر سنوات بعد هجمات 9/11، بما في ذلك الاعتمادات السنوية في عام 2012 بقيمة 11 مليار دولار لوكالة الأمن القومي (NSA) و15 مليار دولار لوكالة المخابرات المركزية. وإذا أضفنا 790 مليار دولار تنفق على وزارة الأمن الداخلي إلى 500 مليار دولار تنفق على الاستخبارات في الخارج، فإن واشنطن أنفقت ما يقرب من 1.3 تريليون دولار لبناء دولة سرية داخل الدولة في قوة وحجم غير مسبوق على الاطلاق.
كما تضخمت هذه الدولة السرية، ومارست السيادة في العالم وقررت بعض الاستثناءات غير العادية للحريات المدنية في الداخل والخارج. وأكثرها وضوحاً استخدام وكالة الاستخبارات المركزية سيء السمعة الآن للتعذيب ضد المشتبه بهم كإرهابيين ووصلت إلى إعداد شبكتها العالمية من السجون الخاصة، أو "المواقع السوداء"، بعيداً عن متناول أي محكمة أو سلطة قانونية. جنباً إلى جنب مع القرصنة والعبودية. تم إلغاء التعذيب منذ فترة طويلة في القانون الدولي. وقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في عام 1984 لاعتماد اتفاقية مناهضة التعذيب، ومع ذلك، بقيت واشنطن مترددة حول هذا الموضوع حتى نهاية الحرب الباردة ولم تصادق على الاتفاقية ثم شاركت في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا في عام 1993، وبعد عام واحد، صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وحتى ذلك الحين، حجزت " السيادة " بعض الاستثناءات لبلادها وحدها ، بعد عام واحد فقط من توقيع الرئيس بيل كلينتون على اتفاقية الأمم المتحدة، بدأ عملاء المخابرات المركزية الامريكية بخطف ارهابيين مشتبه بهم في البلقان، وبعضهم من المواطنين المصريين، وإرسالهم إلى القاهرة، حيث الحكم الاستبدادي الذي يجري التعذيب في سجونه دون رادع . اعترف مدير CIA السابق جورج تينيت في شهادته في وقت لاحق أنه في السنوات التي سبقت 9/11، شحنت وكالة المخابرات المركزية نحو 70 شخصاً إلى دول أجنبية دون تسليم رسمي - وهي عملية يطلق عليها اسم "التسليم الاستثنائي" التي كانت محظورة صراحة بموجب المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة .
ومباشرة بعد خطابه العام للأمة التي اهتزت في 11 أيلول 2001، أعطى الرئيس جورج بوش موظفيه أوامر سرية واسعة النطاق لاستخدام التعذيب، مضيفاً (متبعاً القول المأثور ل شميت)، "لا يهمني ما يقوله المحامون والقانون الدولي، نحن سنركلهم . "وبهذه الروح، أذن البيت الأبيض للمخابرات المركزية لتطوير تلك المصفوفة العالمية من السجون السرية، وكذلك أسطول من الطائرات لتسهيل اختطاف الارهابيين المشتبه بهم ، و شبكة من الحلفاء الذين يمكن أن يساعدوا في حجز المشتبه بهم من الدول ذات السيادة ونقلهم إلى معسكرات العمل "فوق الوطنية" في ثمانية مواقع سوداء من تايلاند الى بولندا أو إلى جوهرة التاج للنظام، غوانتانامو، وبالتالي التملص من القوانين والمعاهدات التي ظلت ترتكز على أساس مفاهيم السيادة الإقليمي.
وبعد إغلاق وكالة الاستخبارات المركزية للمواقع السوداء في الفترة 2008-2009، بدأ المتعاونون معها في هذه المعسكرات العالمية يشعرون بقوة القانون على جرائمهم ضد الإنسانية. بدأت بولندا تحت ضغط من مجلس أوروبا، تحقيقاً جنائياً في عام 2008 مع ضباط أمنها الذين سهلوا سجن وكالة الاستخبارات المركزية السرية في شمال شرق البلاد. وفي أيلول 2012، أكدت المحكمة العليا في إيطاليا تجريم 22 من عملاء وكالة المخابرات المركزية في عملية الترحيل غير القانوني للسجين المصري أبو عمر من ميلانو إلى القاهرة، وأمرت بمحاكمة رئيس المخابرات العسكرية الايطالية بهذه التهمة وحكمت عليه بالسجن لمدة 10 سنوات. وأيضاً في عام 2012، فتحت شرطة سكوتلانديارد تحقيقاً جنائياً مع وكلاء MI6 الذين صدروا المعارضين الليبيين لسجون العقيد القذافي للتعذيب، وبعد عامين سمحت محكمة الاستئناف لبعض هؤلاء الليبيين تقديم دعوى مدنية ضد MI6 للخطف والتعذيب.
لكن ليس وكالة المخابرات المركزية !! وحتى بعد التقارير الموثقة حول التعذيب في مجلس الشيوخ عام 2014 المسيئ للوكالة وبتفاصيل دقيقة، لم يكن هناك أي تحركات لأي محاكمات جنائية أو مدنية ضد أولئك الذين أمروا بالتعذيب أو أولئك الذين قاموا بها. وفي افتتاحية قوية في 21 كانون أول عام 2014، كتبت صحيفة نيويورك تايمز "هل ستقف الأمة موقف المتفرج وتسمح لمرتكبي التعذيب بحصانة دائمة." والجواب، بالطبع ، كان نعم. الحصانة هي واحدة من الاستثناءات "السيادية".
عندما أنهى الرئيس بوش ولايته الثانية في عام 2008، كشف تحقيق من قبل اللجنة الدولية للحقوقيين أن تجنيد وكالة الاستخبارات المركزية والأجهزة الأمنية المتحالفة معها في جميع أنحاء العالم قد ألحق ضرراً خطيراً لسيادة القانون الدولي. " لا ينبغي للسلطة التنفيذية ... تحت أي ظرف من الظروف حرمان ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ... بغض النظر من هم ... من الوصول إلى العدالة"، وأوصت اللجنة بعد توثيق تدهور الحريات المدنية في حوالي 40 بلداً. "يجب أن لا تُعيق أسرار الدولة والقيود المماثلة الحق في العدالة الفعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان".
تنصلت واشنطن في سنوات بوش أيضاً بوضوح من سيادة القانون. وبمجرد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي عام 2002، لم يوقع البيت الأبيض في عهد بوش على اتفاقية الأمم المتحدة لإنشاء المحكمة وثم بذل جهداً دبلوماسياً متواصلاً لتحصين العمليات العسكرية الامريكية من سلطتها. كان هذا التنازل غير عادي للأمة التي أخرجت مفهوم محكمة دولية إلى حيز الوجود.
السيادة غير محدودة النطاق
في حين قرر الرؤساء ايزنهاور وبوش "الاستثناءات" التي انتهكت الحدود الوطنية والمعاهدات الدولية، مارس الرئيس أوباما صلاحياته "الاستثنائية " في المجالات غير المحدودة من الفضاء والفضاء الإلكتروني.
الفضاء والفضاء الالكتروني من العوالم غير المنظمة الجديدة في الصراع العسكري وغير معنونة في القانون الدولي وتعتقد واشنطن أنها يمكن أن تستخدمها كروافع أرخميدس بالنسبة للسيادة العالمية. كما تسيّدت بريطانيا على البحار ذات مرة ومارست أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية انتشارها العالمي عبر القوة الجوية، ترى واشنطن الآن الطيران والفضاء الإلكتروني العوالم الخاصة بها للهيمنة في القرن الحادي والعشرين.
نمت في عهد أوباما، الطائرات المسيّرة من دورها التكتيكي في الإسعافات الأولية في أفغانستان إلى سلاح استراتيجي لممارسة السلطة العالمية. نشرت وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الجوية الأمريكية أسطولاً من الطائرات المسيّرة من عام 2009 إلى عام 2015، أكثر من 200 من Predators ( المفترس ) و Reapers (الحصاد) ، وقامت ب 413 ضربة في باكستان وحدها، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 3800 شخص. هناك غرفة عمليات كل يوم ثلاثاء داخل البيت الأبيض ، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 2012، يستعرض الرئيس أوباما "قائمة القتل" التي أعدتها المخابرات المركزية ويحدّق في وجوه أولئك الذين يشكلون هدفاً للاغتيال المحتمل من الجو. ثم يقرر، دون أي إجراء قانوني، من سيعيش ومن سيموت ، وحتى في حالة المواطنين الأميركيين ، خلافاً لغيره من قادة العالم، تنطبق "السيادية" "الاستثنائية" عبر الشرق الأوسط الكبير، وأجزاء من أفريقيا وأماكن أخرى من العالم إذا اختارها.
هذا النجاح القاتل هو طليعة مشروع البنتاغون السري الذي من شأنه، بحلول عام 2020، نشر مظلة فضائية ثلاثية "الدرع" من طبقة الستراتوسفير إلى إكزوسفير والتي تنتشر فيها "غلوبال هوك" والطائرات المسيرة X-37B المزودة بصواريخ رشيقة.
وفي سعي واشنطن لمراقبة الكرة الأرضية الذي لا يهدأ من السماء والفضاء، فإن العالم قد يسأل أيضاً: ما سقف سيادة أي دولة؟ بعد الإخفاقات المتتالية من عام 1910 (مؤتمر باريس)، وقواعد لاهاي للحرب الجوية عام 1923، وبروتوكول جنيف الأول لعام 1977 ، لتحديد مدى المجال الجوي السيادي أو كبح جماح الحرب الجوية، يرد بعض محامي البنتاغون الشياطين : تصل فقط إلى الحد الذي تفرضه القوة.
وقد تبنى الرئيس أوباما أيضاً نظام وكالة الامن القومي في المراقبة الواسعة كسلاح دائم لممارسة السلطة العالمية. وعلى الصعيد الأوسع، فإن مثل هذه المراقبة تكمل الاستراتيجية الدفاعية الشاملة لأوباما، أُعلن في عام 2012، عن خفض القوات التقليدية مع الحفاظ على قوة الولايات المتحدة العالمية من خلال القدرة على "جمع الأسلحة في جميع المجالات": البرية والجوية والبحرية، والفضاء، والفضاء الإلكتروني. "وبالإضافة إلى ذلك، ليس مستغرباً أن الرئيس لم يتردد في إطلاق الحرب الإلكترونية الأولى في التاريخ ضد إيران.
وبحلول نهاية فترة أوباما الأولى، أمكن لوكالة الأمن القومي اكتساح مليارات من الرسائل في جميع أنحاء العالم من خلال هندستها المعمارية للمراقبة الرشيقة. وشمل ذلك مئات من نقاط الوصول لاختراق كابلات الألياف البصرية وشبكة الإنترنت العالمية. ومساعدة أخرى من خلال بروتوكولات خاصة و"الباب الخلفي" ،عيوب البرمجيات؛ وأجهزة الكمبيوتر العملاقة للقضاء على التشفير الرقمي ؛ ومزرعة البيانات الضخمة في (يوتا)، الذي بُني بتكلفة 2 مليار دولار لتخزين البيانات المختلسة.
حتى بعد أن احتج المديرون التنفيذيون في وادي السليكون غاضبين أن برنامج وكالة الامن القومي ( المراقبة من "الباب الخلفي" ) هددت صناعة تدرّ تريليون دولار، أطلق أوباما على مزيج المعلومات عبر شبكة الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر العملاقة اسم " أداة قوية." وأصرّ أننا " الولايات المتحدة"، "القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يمكننا نزع سلاح وكالات الاستخبارات لدينا من جانب واحد ". وبعبارة أخرى، لا يمكن للقوة السيادية أن تسمح بأي استثناءات لمجموعتها العظيمة من الاستثناءات".
أظهر الكشف عن مخبأ Edward Snowden من الوثائق المسربة في أواخر عام 2013 أن وكالة الأمن القومي قامت بمراقبة القادة في 122 دولة في جميع أنحاء العالم، 35 منها عن كثب، بما في ذلك الرئيس البرازيلي ديلما روسيف، والرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وبعد احتجاجها بقوة، وافق أوباما على إعفاء هاتف ميركل من مراقبة وكالة الأمن القومي في المستقبل، لكنهم يحتفظون بالحق، على حد تعبيره، في مواصلة "جمع المعلومات حول نوايا الحكومات ... في جميع أنحاء العالم." ورفضت "القوة السيادية " القول أي من قادة العالم قد يُعفى من التحديق فيه.
هل يمكن أن تتم مساءلة في العقود القادمة، وهل ستستمر واشنطن في انتهاك السيادة الوطنية من خلال الطراز القديم السري فضلاً عن التداخلات المفتوحة، وحتى في الوقت الحاضر الذي تصرّ فيه على رفض أي اتفاقيات دولية تُقيّد استخدامها للفضاء أو الفضاء الإلكتروني ، في أي مكان وفي أي وقت؟ هل سيتم انتهاك القوانين أو الاتفاقيات الموجودة بأي شكل من الأشكال عندما يقرر صاحب السيادة ذلك ؟ هذه هي القواعد غير المكتوبة الآن في كوكبنا. وهي تمثل الاستثنائية الأمريكية الحقيقية.
مترجم
Alfred W. McCoy



#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف سيطرت داعش على شمال العراق؟
- التربية والتعليم ( سلاح الاستعمار الجديد )
- تشيني ( التعذيب عبادة)
- إرهابيون أم مقاتلون من أجل الحرية ( جنّدتهم المخابرات الأمري ...
- الإرهاب الأمريكي ضد كوبا (موجز تاريخي)
- مأساة النساء في الهند
- القناص الأمريكي : يغذي المرض العميق في المجتمع الأمريكي
- غزة في أريزونا
- الطائرات المسيّرة وأخلاقيات جديدة للحروب
- القناص الأمريكي : يُطلق النار على الحقيقة
- طريقة جديدة ومُرعبة للحرب (2)
- طريقة جديدة ومُرعبة للحرب (1)
- الطائرات بدون طيار والاغتيالات : قضايا قانونية وأخلاقية
- رسالة من المعذبين في الأرض
- نعوم تشومسكي - شارلي ابدو : نحن جميعاً مستهدفون
- أنتم تُطلقون النار كالمعاقين : تسجيلات رفح وتطبيق توجيه هاني ...
- عام الطائرات بدون طيار القاتلة
- غزة : حرب واحدة ، عائلة واحدة ، 5 أطفال ،4 شهداء
- اليس في بلاد عجائب فيتو مجلس الأمن
- بالنسبة للفلسطينيين :الأمم المتحدة عديمة الفائدة


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - الاستثناءات الأمريكية ( التعذيب والاغتيال بالطائرات المسيّرة)