أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - بولس – 11 – بولس والنص اليهودي















المزيد.....

بولس – 11 – بولس والنص اليهودي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 02:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(لكن، إذ كنتُ محتالاً، أخذتكم بمكر)
بولس مخاطباً أهل كورنثوس، [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 16]



تستعرض هذه المقالة، وما يليها، ضمن سلسلة مقالات (بولس) مسألة كيفية تعامل بولس مع النص اليهودي المقدس، أو ما يُسمى في الفضاء المسيحي بنصوص (العهد القديم). إلا أنني في نهاية هذه المقالة قد وضعت إجابة مسألة: هل أشار بولس إلى الولادة العذرية ليسوع؟ وهذه المسألة، وإن لم تكن لها علاقة مباشرة مع موضوع المقالة، إلا أنها أتت تلبية لطلب مُلِح ومتكرر من بعض القراء الكرام.


لا يعتقد اليهود إطلاقاً بأن الديانة المسيحية هي ديانة توحيدية، بل رأيهم أن المسيحية هي وثنية وبجدارة أيضاً، بل ويُشار لها في تلك الأدبيات على أنها (pagan religion) أي ديانة وثنية. والحقيقة أن السبب في ذلك متعدد المحاور وكثير الأمثلة، ويكفي أن نستطلع أسباب الفشل المسيحي المبكر الذريع بين اليهود بعد مقتل يسوع مباشرة، مما اضطر بولس أن يحول انتباهه إلى الأمم الوثنية غير اليهودية ويستهدف منها بالذات الطبقات غير المتعلمة وغير المثقفة، كدليل على حجم الإشكالية العقائدية المسيحية عند اليهود. وحتى نعي حجم "السخرية" اليهودية المتعمدة والواعية من العقيدة المسيحية لنأخذ عقيدة التثليث كمثال. وبما أن مصادر النقد اليهودي لعقيدة التثليث وطبيعة الإله كثيرة ومتعددة، سنختار مثالاً واحداً منها لبيان الفكرة. يُصر اللاهوت المسيحي على أن كلمة (إلوهيم) (א-;-ֶ-;-ל-;-ה-;-ִ-;-י-;-ם-;-) العبرية الواردة في مواضع مختلفة من العهد القديم تحمل صفة الجمع بسبب ورود الحرف العبري (י-;-ם-;-) في نهاية الكلمة، وبالتالي فإن الإشارة هنا ليست فقط للإله الواحد وإنما للأقانيم الثلاثة على حسب العقيدة المسيحية في التثليث. إلا أن رجال الدين اليهود لا يبدون مبهورين إطلاقاً بهذا الاكتشاف المسيحي غير العبري من أبناء الأمم غير الناطقين بالعبرية الذين يبدون معه وكأنهم أتوا ليعلموا اليهود لغتهم الأم. فالنقد اليهودي المعاكس يشير مباشرة إلى سفر الخروج، الإصحاح السابع، حيث تُستعمل هذه الكلمة ذاتها، إلوهيم، في خطاب الرب لموسى: (فقال الرب لموسى انظر: أنا جعلتك إلهاً [إلوهيم] [א-;-ֶ-;-ל-;-ה-;-ִ-;-י-;-ם-;-] لفرعون) [خروج 7: 1]، وليسأل اليهود بدورهم، وفي سخرية متهكمة لا تخفى: إذا جعل الله موسى (إلوهيم) لفرعون كما هو في نص سفر الخروج، وإلوهيم كما يقول المبشرون المسيحيون لا تشير لواحد ولكن لأكثر من ذلك، فالكلمة "جمع" برأي هؤلاء المبشرين، فكم موسى أصبح عندنا الآن: إثنان، ثلاثة، عشرة؟!

المقدمة أعلاه، ذات الطابع الساخر في النقد، هي مدخل كان لابد منه لوضع استخدام بولس للنص اليهودي في إطارها النقدي الصحيح. فبولس، وباختصار، وبصفة عامة، (لم يكن أميناً في نقله للنصوص اليهودية المقدسة خلال استدلاله على عقائده التي اخترعها). ولكن، ومن جهة أخرى، (بولس كان يكتب رسائله لمجتمعات هيلينية وثنية، وبالتحديد لطبقات غير متعلمة وليست مثقفة حتى ضمن فضائها الوثني)، هذا واضح جداً حتى في خطابه لتلك المجتمعات التي كان لا يتحرج إطلاقاً في (شتيمتها) إما مباشرة وبوضوح أو خفية كما سنرى أدناه. بولس لم يكن يجد حرجاً إطلاقاً أن يُطلق على أتباعه من المسيحيين وصف: (أيها الغلاطيون الأغبياء) [رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 1] أو (أهكذا أنتم أغبياء؟!) [رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 3]. بولس كان (يعي ويعرف مقدماً) المستوى الفكري والمعرفي والثقافي المتواضع لأتباعه المسيحيين الأوائل، (ولهذا السبب بالذات هو استهدفهم من الأساس لدعوته لإلهه الجديد يسوع). ولكن، ومن الواضح جداً أيضاً، أن بولس (لم يكن يدور بخلده إطلاقاً، ولا حتى في أكثر أحلامه جموحاً) أن رسائله تلك، التي تحتوي على (نقوله غير الأمينة وغير الدقيقة من العهد القديم مضافاً لها شتائمه وأفكاره) سوف تتحول مع الزمن إلى (نصوص مقدسة كُتبت بوحي من الروح القدس وبتأييد منه وهي "معصومة" في ذاتها لأنها كتابات إلهية، على حسب العقيدة المسيحية وكنائسها)(!!!). الرجل، أي بولس، لم يكن يدور بخلده هذا إطلاقاً، ولو كان يعرف هذا مقدماً لكانت رسائله، ومعها عقائده التي اخترعها، اختلفت جملة وتفصيلاً عما نراه ونقرأه اليوم في الديانة المسيحية. ولكن، ولحسن الحظ، لدينا الآن تلك الرسائل لنعرف معها حجم التزوير الذي احتوتها وبتعمد منه ووعي مقصود. وحتى أثبت هذه النقطة سوف أتطرق إلى مثال من رسائله، كنت قد أشرت له في مقال سابق، ولكني أعيده هنا مرة ثانية بسبب (وضوح البرهان والدليل) على أن بولس كان يتعامل مع الفئات التي يستهدفها من منطلق (جهلها الكامل بأدلته التي يوردها لها) ثم ليخرج بها إلى حد (شتيمتهم) من دون وعي منهم، وأنه، أي بولس، لم يكن يدور في خلده إطلاقاً أن رسائله التي تحتوي هذه (المغالطات والشتائم وانعدام الأمانة في الاقتباس) سوف تتحول بعد قرنين من الزمان إلى (نص موحى به، معصوم، ومؤيد من الروح القدس) في العقائد المسيحية.

في رسالة بولس إلى أهل رومية، وفي محاولة بولس لإقناع أبناء الأمم غير اليهود للانظمام إلى دينه وعبادة إلهه الجديد يسوع، كتب بولس لهم في رسالته هذا:
(كما يقول في هوشع أيضاً: سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة، ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه: لستم شعبي، أنه هناك يدعون أبناء الله الحي) [رسالة بولس إلى أهل رومية 9: 25-26].
بولس هنا يستخدم الكتاب المقدس اليهودي ونصوصه، وسفر هوشع بالذات، ليُقنع غير اليهود الوثنيين بأن "البشارة بشعب الله" هي فيهم بالذات، أي في أبناء الأمم الوثنية، وليست في اليهود. بالطبع، أبناء الأمم غير اليهودية لم يكونوا مطلعين على كتب اليهود، بل الأغلبية الساحقة من اليهود أنفسهم في عهد يسوع وبولس لم يكونوا مطلعين على هذا التراث بسبب نسبة الأمية الساحقة التي كانت تلف تلك العصور، فلم يُسائل أحد هذا الاقتباس عند بولس. إلا أن هناك مشكلة خطيرة في هذا الاقتباس جعلت النقاد اليهود يحوّلون الموضوع إلى (سخرية صاخبة) في نقدهم لهذا النص بحيث تجعل من أي قارئ (يبتسم ويهز رأسه رثاءً) للمساكين المسيحيين الأوائل من أهل رومية. الاقتباس الذي كتبه بولس هو من موضعين مختلفين في سفر هوشع. الأول هو: (وأزرعها لنفسي في الأرض، وأرحم لورحامة، وأقول للوعمي: أنت شعبي، وهو يقول: أنت إلهي) [هوشع 2: 23]، والثاني هو: (فقال: ادع اسمه لوعمي، لأنكم لستم شعبي وأنا لا أكون لكم. لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعد، ويكون عوضاً عن أن يقال لهم: لستم شعبي، يقال لهم: أبناء الله الحي) [هوشع 1: 9-10]. وحتى نفهم هذين الاقتباسين، يجب أن نقرأ سفر هوشع من البداية. هوشع هو أحد أنبياء بني إسرائيل، أمره ربه أن يتخذ لنفسه (امرأة زانية وأولاد زنى) [هوشع 1: 2] والسبب هو أن ربه كان يعتقد أن الأرض [أي اليهود بالتحديد] قد اتجهت لآلهة أخرى وتركت الشريعة اليهودية [التي سيتركها بولس أيضاً]، أي قد أصابها الخطيئة. أطاع هوشع ربه وحملت امرأته الزانية بابنه الأول وأسماه (يزرعيل) [هوشع 1: 4]، ثم حملت مرة ثانية وولدت ابنة أسماها (لورحامة) [هوشع 1: 6] وتعني حرفياً بالعبرية (لن أرحم)، ثم حملت مرة ثالثة وولدت ابناً أسماه (لوعمي) [هوشع 1: 8-9]، وتعني حرفياً بالعبرية (أنتم لستم شعبي). المشكلة هنا أنه في بداية الإصحاح الثاني من سفر هوشع يأتي هذا النص (قولوا لإخوتكم عمي ولأخواتكم رحامة. حاكموا أمكم حاكموا، لأنها ليست امرأتي وأنا لست رجلها، لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها [...] ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى. لأن أمهم قد زنت. التي حبلت بهم صنعت خزياً) [هوشع 2: 1-2 و 4-5]. فالمشكلة الأولى، المثيرة للسخرية عند اليهود، هي أن النص الذي اقتبسه بولس على أنه في (أبناء الأمم) كان عن (أولاد زنى) بشهادة نفس السفر، وحقيقة اسميّ (لورحامة) و (لوعمي) هما (لن أرحم) و (أنتم لستم شعبي). والمشكلة الثانية، المثيرة للسخرية أيضاً، أن سفر التثنية، أحد أسفار توراة موسى، يقول عن ابن الزنى (لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد في جماعة الرب) [تثنية 23: 2]. فقول إله اليهود الذي اقتبسه بولس لهؤلاء الأمميين المساكين معناه أن هذين اليهوديين، لورحامة و لوعمي، (الذين هم أبناء زنى)، الذين لهذا السبب بالذات هم ليسوا شعبي، سأدعوهم شعبي. فبولس كان على الحقيقة (يشتم) هولاء الأمميين ليؤمنوا بإلهه الجديد يسوع، فآمن به بعضهم، ويال غرابة البشر وسخرية القدر وشماتة اليهود. (هذا بالإضافة) إلى أن النص في سفر هوشع كان درساً لليهود حتى يعودوا لإلههم، وكل ما على القارئ الكريم فعله هو أن يقرأ النص العبري المقدس بتأني، لأن (لورحامة) و (لوعمي) هم أصلاً من أب يهودي (هوشع) وأم يهودية ولكن زانية (جومر بنت دبلايم)، وأبناؤهم الثلاثة يهود، فالجميع كانوا يهود أصلاً، فأين مكان غير اليهود هنا؟!


لنجيب الآن عن مسألة: هل كان بولس يعرف أن يسوع مولود لعذراء؟

إنجيل مرقس هو أول إنجيل تمت كتابته من حيث التاريخ [لاحظ أن ترتيب العهد الجديد لأسفاره لا يعكس إطلاقاً الترتيب التاريخي لنصوصه]. إلا أن كاتب إنجيل مرقس لا يبدو إطلاقاً أنه يعرف أية قصة عن ولادة عجائبية أو عذرية ليسوع. إذ لو كان يعرف (معجزة خارقة) من هذا النوع ليسوع لكان (من المستحيل) منطقياً أن يتجاوز عنها ولا يذكرها. بل الحقيقة هي أن نصوص إنجيل توحي بالعكس تماماً. فلنقرأ:

(ولما سمع اقرباؤه خرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه مختل [أي مجنون]) [مرقس 3: 21]
(فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه، وكان الجمع جالساً حوله [أي حول يسوع]، فقالوا له: هوذا أمك وإخوتك خارجاً يطلبونك. فأجابهم قائلاً: مَنْ أمي وإخوتي؟! ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: ها أمي وإخوتي) [مرقس 3: 31-34]

لاحظ أن كاتب إنجيل مرقس يبدو بالفعل وكأنه لا يعرف أي شيء عن ولادة عذرية ليسوع، بل على العكس، هو يُصوّر لقرائه (علاقة متوترة جداً ليسوع مع أمه وأخوته وأهل بيته). فهو، وبكل أريحية ووضوح، يذكر أن أقرباء يسوع كانوا يعتقدون بأنه مختل عقلياً [مجنون]، وأنهم خرجوا ليبحثوا عنه ويمسكوه على هذا الأساس، (فهل هذه صفة أقارب كانوا يعرفون أن يسوع هو نتاج لولادة عذرية من إله)؟! بل كاتب إنجيل مرقس يذهب إلى خطوة أبعد، فهو يجعل يسوع يرفض استقبال أمه ذاتها، الأم العذراء على حسب العقيدة المسيحية اليوم، ثم (ليتبرأ) منها صراحة وفي العلن وأمام كل الجالسين حوله: (ثم نظر [أي يسوع] حوله إلى الجالسين وقال: ها أمي وإخوتي). بل يسوع نفسه يتطرف في موقفه ذلك وليقول: (فقال لهم يسوع: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته) [مرقس 6: 4]. يسوع كان يشتكي بأنه (بلا كرامة بين أقربائه وفي بيته). إذن، حتى وقت كتابة إنجيل مرقس [حوالي سنة 70 م]، أي حتى حوالي 40 سنة بعد مقتل يسوع، لم يكن الفضاء العقائدي المسيحي يعرف (الولادة العذرية ليسوع، ولا مريم العذراء). بل على العكس، كان الفضاء العقائدي المسيحي المبكر (ينظر بصورة غير محبذة لأم يسوع، ولأخوته، ولأقربائه)، وكل ما على القارئ الكريم أن يفعله هو أن يقرأ إنجيل مرقس بتأني ليملك الدليل. وكل عمليات "التجميل والتطليف"، ومن ثم التقديس، لصورة أم يسوع حدثت (بعد هذا التاريخ) أي بعد سنة 70 م.

بولس كان يكتب رسائله قبل تاريخ كتابة إنجيل مرقس. بولس كان يكتب في الخمسينات من القرن الأول، (فهو أيضاً، عاكساً للثقافة العقائدية في زمنه، لم يكن يعرف أي شيء عن ولادة عذرية ليسوع). بل الأرجح أنه، أي بولس، كان يملك (موقفاً غير محبذاً من أسرة يسوع وأمه). كان هذا، وببساطة شديدة، هو الموقف العقائدي المسيحي المبكر. فبولس يتحاشى الكلام عن أسرة يسوع، وعن أمه.

لنأتي الآن إلى ما يحتج به المسيحيون من إشارة بولس في رسالته إلى أهل غلاطية كدليل على معرفته بالولادة العذرية. هذا الاحتجاج (غير صحيح ولعدة أسباب) سوف أفصلها أدناه.

ذكر بولس مسألة ولادة يسوع ثلاث مرات:

الأولى:
(لكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس) [غلاطية 4: 4]

الثانية:
(ابنه [أي يسوع ابن الله] الذي صار من نسل داود من جهة الجسد) [رومية 1: 3]

الثالثة:
(لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائراً في شبه الناس) [فيلبي 2: 7]
والترجمة المسيحية العربية هنا (غير صحيحة وربما مزورة تعمداً)، إذ الترجمة الحرفية هي:
(لكنه أفرغ نفسه، متخذاً صورة عبد، كونه وُلِدَ كما الناس) [فيلبي 2: 7]

في الفضاء المسيحي (المعاصر) [هو معاصر، لأن هذا الاستدلال المسيحي لا وجود له في المصادر المسيحية القديمة]، في الفضاء المسيحي (المعاصر) ولأسباب واضحة عند التمعن في النصوص أعلاه، يتم (التجاوز بتعمد عن اثنين من هذه النصوص) والتركيز فقط على النص الأول، أي (مولوداً من امرأة). ومن ثم يتم التعامل مع هذه الإشارة (المعزولة) على أنها "دليل"، كذا، على الولادة العذرية في رسائل بولس (!!!). إلا أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فبولس يقول صراحة في رسالة فيلبي كما في الترجمة الحرفية:

(وُلِدَ كما الناس)

(وُلدَ كما الناس)، أي وُلدَ كما يولد أي شخص آخر من دون اختلاف. وهذا يُسقط كل الاستدلال المسيحي المعاصر ويصمه بالخطأ. فقدماء المسيحيين (كانوا أكثر حكمة ومعرفة) من المعاصرين عندما سكتوا عن جزئية عذرية الولادة عند بولس ولم يتطرقوا لنصوصه كـ "دليل" على الولادة العذرية ليسوع. هذا بالإضافة إلى أن نص (مولداً من امرأة) ليس دليل (اطلاقاً، لا من قريب ولا من بعيد على عذرية الولادة)، لأننا (كلنا)، ومن دون استثناء اطلاقاً، (مولودون من امرأة)، أليس كذلك؟! وإذا اعترض معترض فليقل لنا عند أي مستشفى أو دكتور أو قابلة ولده أبوه (!!!) وحتى نفهم ما كان يقوله بولس، (اجمع النص الأول أعلاه مع الثاني)، ليصبح هكذا:

(أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، من نسل داود من جهة الجسد)

ثم بعد ذلك ركز انتباهك على الضمائر في النص، (وسوف تكتشف المعنى مباشرة)، وإذا فعلت ذلك في (النص اليوناني) فهو أوضح بكثير. عملية (الإرسال)، أي إرسال الله لأبنه، حدث (بعد) عملية الولادة وليس قبلها، وأن هذا الإبن كان محكوماً بالشريعة اليهودية (الناموس) فيما يتعلق بالختان مثلاً [وهل يعجز الذي ولده عذرياً أن يختنه منذ ولادته حتى يمنع أن يتولى إنسان غريب عملية ملامسة الأعضاء الشخصية لإله معبود؟!!! فالعقيدة المسيحية هي العقيدة الدينية الوحيدة حسب علمي التي تُقر بأن هناك شخص ما قد لامس الأعضاء الخاصة لإلهها ليقطعها له!!! فهذا "قديس" من مختلف فيما أحسب]. ثم بعد ذلك تأتي الكلمة المحورية (نسل داود)، أي (نسبه) يمتد إلى داود. والنسب لداود والذي (لا يصح إطلاقاً، سواء عند الوثنيين الذين كان يخاطبهم بولس أو عند اليهود إلا عن طريق الأب). هذه معرفة ثقافية عامة، (لا يتطرق إليها الشك)، سواء في النصوص التاريخية، أو وثائق التعاملات والعلاقات المحفوظة لتلك الفترات، أو في النقوش التاريخية. فعندما يقول بولس (من نسل داود من جهة الجسد) كان يقصد (حتماً ومن دون أدنى شك) بأن (نسب يسوع من جهة الأب يمتد إلى داود). هذا شديد الوضوح لأنه لم يلزمه أن يشرح ما هو واضح أصلاً لجمهوره محدود الثقافة والمعرفة، ولو كان هناك ولادة عذرية (لاضطر بولس أن يشرح لجمهوره كيف يكون نسبه لداود ويسوع لا أب بشري له)، وبما أنه لم يفعل، فإن هذا يعني بأن المعنى واضح، وأن يسوع كان نتاج أب بشري يمتد نسبه لداود وأم يهودية. فكما هو واضح من جمع هذه الإشارات الثلاث، أي مصطلح ابن المرأة الذي يطلق في العهد الروماني كناية عن التواضع، والنسب إلى داود، وأخيراً الإشارة الواضحة التي لا تحتمل اللبس: (وُلِدَ كما الناس)، هذه كلها تثبت أن بولس نفسه لم يكن يعرف أي شيء عن ولادة عذرية ليسوع. هذا بالإضافة إلى أن مسالة الولادة العذرية لو كان يعرفها بولس لما احتاج أن يُكني عنها ولاحتج بها في كل رسائله ومن دون استثناء.


... يتبع



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصوص حرق البشر المسيحية - 3
- نصوص حرق البشر المسيحية – 2
- نصوص حرق البشر المسيحية
- بولس – 10 - بولس وإنجيل مرقس
- لقاء الصالون الثقافي النسائي
- بولس – 9 - بولس وإنجيل مرقس
- بولس – 8 – بولس وإنجيل مرقس
- بولس - 7 - بولس ويسوع
- بولس – 6 – بولس ويسوع
- بولس – 5 – بولس والشيطان
- بولس – 4 – عقيدة التبرير
- بولس - 3 - بولس والشيطان
- بولس – 2 – بولس والشيطان
- بولس - 1
- في مسألة طيران بولس
- حرام - وسيأتي
- مغالطات يسوع المنطقية - 4
- مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
- مغالطات يسوع المنطقية - 3
- مغالطات يسوع المنطقية - 2


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - بولس – 11 – بولس والنص اليهودي