أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البكوري - القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الرابعة-















المزيد.....

القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الرابعة-


محمد البكوري

الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


الساعة الثانية و الربع صباحا .كنت متيقنا ان القطار سيتاخر بعض الوقت ... انه اتي في رحلة من الشرق البعيد ... لاول مرة اعرف اننا في وطن له شرق و غرب وشمال وجنوب. كنت اعتقد ان الوطن كلمة تختصر في "تاونات" وكفى ... الجهات الاربع تتموقع فيها ... انها عبق التاريخ وامتداد الجغرافيا . وحين كنت اذهب مع ابي الى "حد عين عايشة" او "لربع تيسة" اردد مقولة ماثورة لفارس مجهول :"خبط اقلبي البلدان خبط" ...اه !على ذلك الزمن الذي لن تمحوه قطعا خبايا السنين ورتابة الايام ... كنت بحق الفال الحسن بالنسبة ل" بابا"...كان دائما و في قرارة نفسه يصر على ان اذهب معه دون باقي اخواني ،لاني في نظره اجلب الرزق و الحظ والربح الوافر ...كم من مرة دخلنا السوق في الساعة الرابعة صباحا لنغادره بعد ساعة من المكانة ..."مول المليح باع وراح ""يقولها الشناق الذي يحاول دوما ان يناور "بابا "حول الثور الهائج او "راس السوق " بقوله ":ارا يدك" طمعا في سماع عبارة "الله يربح" .لكن هيهات ! من يستطيع قولبة الوالد و التركيل عليه ، فالوالد يمتلك مهارات البيع و الشراء منذ نعومة اظافره ...اذ ان جدي "الحاج محمد" كان ممتهنا لتجارة العطار، بل الادهى من ذلك انه في سنة من سنوات عمره قطع المسافة من مسجد "كعدة الجامع " الى المسجد الحرام في رحلة التجارة و الحج على دابة العطار . ان الروح الماركنتيلية ورثنها ابا عن جد، تتعاقب الاجيال و يحرص كل سلف على تلقين الخلف شطارة التجارة و شطارة الحياة .كان ابي يتقن الفلاحة:زراعة و تربية ماشية ، كما يتقن التجارة ، بيع و شراء و قد عاهد نفسه الابية على ان يجعل مني تاجرا شاطرا يكسب المال الذي بامكانه ان يساعدني على مواصلة مشواري في الحياة دون ان اعول على احد واحقق الكفاف و العفاف ... "ريال التجارة احسن من الف نجارة " و التجارة حرفة الانبياء ... الم يكن "الصادق الامين" تاجرا ومحببا للتجارة ؟لهذا السبب امتهنت انا كذلك التجارة منذ صباي واقتنعت بجدوى هذا الاختيار :بعت الشمع لي كيلمع في "سيدي بوزيد" خاصة في عيد المولد ... بعت ميكا صاك في سوق شاطو ... بعت الما البارد في محطة "الفيلاج" ...بعت كارني سبيطار في "الشنبار"... بعت الخضرة و النعناع و البطيخ في" كعدة الجامع "... بعت الحلوى و الكارو ديطاي و سيري سبور في منافسة شرسة مع عمي الذي كان يمتلك حانوتا صغيرا في حومة "ولاد بكور" . كنت كنجمع الصرف الصحيح ، مما سبب لي مشاكل مع عمي لي تروفل يوما من الايام من العسكر، فزحمته انا في طرف ديال الخبز ديالو... لكن كيف كان كيقول احد حكماء زمنه ،و الذي نهلت من معينه الذي لاينضب الشيء الكثير "عمي حميدو" رحمة الله عليه : كلها و رزقو" "...عمي حميدو "هذا كان مؤنسنا... ملهمنا ...محفزنا على حب الحياة ... كان صندوق العجب الذي يمتعنا بالحكايات و اخبار الاقوام و النحل و الاديان ... حكايات الف ليلة و ليلة وجحا ...ويظل عبد الرحمان المجدوب قدوته التي ما فتئ يقتدي بها خاصة مقولته" سوق نسا سوق مطيار... يا الداخل رد بالك... يوريو لك من الربح قنطار...و يديو لك راس مالك " .و ربما ايمانه العميق بهذه المقولة هي سبب عدم زواجه . كان ضرير البصر، لكن متقد البصيرة ... انهار الكبير عندي، كان هو عندما تطلب مني "يما" نمشي نجيب الرجل الحكيم الى منزلنا ليشرب معنا بعض الزلايف من الحريرة و التي كان يقول في حقها عمي حميدو :كيف شربتوني من هاذ الحريرة الله يشربكم من انهار الجنة ...وهو بهذا الدعاء على طرف النقيض من ذاك العجوز الابله الذي كان في وقت البرد القارس و حين يشتد الزمهرير ويسعى الى ان يدفا يديه و رجليه فوق المجمر ديال الفاخر ... كعادتنا نحن جميعا الذين لم نكن نملك لاشوفاج لا كليماتيزور ... حينه كان يقول : "لهلا يحرمنا من هاذ العافية لا في الدنيا و لا في الاخرة " .اتذكر "عمي حميدو" -و هو رغم انه لايرى شيئا -وهو يدخل بمهارة الخيط في ثقب الابرة ...كما اتذكر الحالة التي اصبح عليها في ايامه الاخيرة ، حالة الذاكرة الضعيفة بعد ان كانت ذاكرته ثاقبة و تزن بلد كما يقال ... كان صادقا... زاهدا ... معتكفا ...على طول تراه صائما ليل نهار ... عزة نفسه منعته ان يخرج للتسول او مده يده لاي شخص، بل كان يحرص ان يكسب رزقة و قوت يومه بعرق جبينه عبر تخييطه لجلبات البرد او بالاحرى "سم ديال لبرد" ... لا يبرح مكانه ومنزله المكون من غرفة و احدة ومرحاض وشجرة كرمة و اثاثه ناموسية و راديو و جلبابين . كنت مداوما على زيارته من حين لاخر ،خاصة حينما اشتاق لالغازه الممتعة و خرافاته الشيقة او متابعة بعض البرامج الاذاعية عبر اثيرمذياعه -الذي يخدم باحجار "العود لبيض يابابا" - نستمتع معا في الليل ببرنامج "سمير الليل " وبرامج اذاعة طنجة و في النهار ببرامج اذاعة وجدة ، خاصة تلك التي كان يقدمها المرحوم يحي الكوراري :"تهاني و اماني "و "بالاحضان ياوطني "... هكذا كنت استمتع بالراديو عند "عمي حميدو" ، اما التلفزة فلم تكن موجودة الا و احدة في الحومة بالابيض و الاسود عند "عمي علي" الفقيه الورع . كنا نجتمع في منزله ...نحن الاطفال لمشاهدة الرسوم الكارتونية : "الليث الابيض" "طوم و سايور" وافلام التشويق :"جيمي القوية " و "اكس اور"...و الامهات يجتمعن لمشاهدة المسلسلات الميكسيكية "انت اولا احد " و "المستبد "... و الابطال "راكيل" و "ماكس ميليانو" ...اما الاباء فيصرون على مشاهدة الاخبار المقدمة من طرف احمد الزايدي و محمد الموذن و مصطفى العلوي ... واحيانا نتابع جميعا السلسلات الفكاهية لعبد الرؤوف و الزعري و الداسوكين... وبعد ذلك نخرج جميعا الى "الدكانة" صغارا وكبارا ... النساء الى تقرقيب الناب ونهدار في و نهدار فيك او "النميمة الجميلة" ... و الاطفال الى اللعب و اللهو و المرح ومحاكاة ابطال الرسوم ... اما الكبار، فالى "كعدة الجامع" و لعب الكارطة و الضامة مع بعض الشيء من التحنزيز والنزر القليل من التبركيك او مايجعل كعدة الجامع في اطار احتفالي "جامع فنا "مصغرة...قبل التوجه الى دار الوضوء ومن ثم الى قاعة الصلاة و التقرب الى الله وطلب العفو و الصفح والتعوذ من كل ذنب كبير او صغير... كانت الصورة في ذهننا ملونة، رغم ان التلفاز بالابيض و الاسود ...كانت الحياة جميلة ،رغم ان الزمن وقت فاقة و حاجة ... البساطة هي من جعلتنا متيمين بالحياة و حفزتنا على البقاء وغرست فينا على طول بذور الامل الساطع ومكنتنا من سلاح التحدي لنفتك به قساوة الظروف و ضراوة الايام وشظف اللحظات ... كم كانت دقائق و ساعات رائعة تلك التي كنت اقضيها بمحاذاة باب منزل "عمي حميدو" ... للتمتع بالنظر في البشرة الاتية من الشط الاخر... البشرة البيضاء المغتربة للصبايا الفاكونسيات ،اللواتي ياتين مع ابائهم الزماكرية ، والذين يركنون سياراتهم بكل عنجهية و اعجاب بالنفس -خاصة تلك التي من نوع رونو الفرنسية الحاملة "ليماتركيل اف" -في ساحة "كعدة الجامع " ولنعبث بها عند خلود الجميع للنوم وبدء صرصور "طياب العنب "في اصدار اصواته المزعجة عند البعض و المبهجة عند البعض الاخر ... كما كانت فكرتك رائعة !يا اخي الاكبر او "بيغ برادر" ...المناضل ... في ان تصر على تصوير "عمي حميدو" و لتحفتظ له بصورة للذكرى... رغم ان ذاكرتنا ستظل مكتظة بالالاف الصور الانسانية لهذا الرجل العظيم ...خاصة تلك الصور العالقة لي في ذهني خلال فترة ذهابه معنا الى منتجعنا الفكري وملجا طبيعتنا و منبعنا التاملي و مورد رزقنا و جنة ارضنا...... الى "الدويوار" تلك القرية الصغيرة التي نشات و ترعرت فيه عائلتنا قبل ان ترحل الى "تاونات العتيقة" ... تلك القرية التي ساعيش فيه احلى تجربة في حياتي تجربة البدواة النقية و التماهي الصافي مع حالة الطبيعة ...تجربة علمتني الدروس و العبر وجعلتني اصنع من نفسي انموذجا مناورا للحياة ، التي ما فتئت تناورنا ... تجربة عرفت عبرها مغزى الحياة وفحوى السعادة وما معنى ان تكون رجلا ولو كنت مجرد طفل صغير مازال "سنان الحليب "و مازال يرضع في اصبعه و مازال يصر على اللعب بكريات "حمير جدي" : لعبة "شا/ را"...يتبع ...



#محمد_البكوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنغير -الافرانية-
- اثداء مقدسة و اخواتها المدنسة
- القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الثال ...
- نقطة الفراغ
- -القامرة -التي في خاطري و -القاهرة -التي في خاطرك -المحطة ال ...
- سيدي المخفي
- -القامرة -التي في خاطري و -القاهرة- التي في خاطرك -المحطة ال ...
- انسكلوبيديا المرح السياسي بالمغرب
- كفاك سيدي الرئيس... يكفيك سيدي الرئيس
- المغرب/ فرنسا :اشتدي يا ازمة تنفرجي
- ابتسامة البياض الثالث
- سمفونية المغتربين
- سلام الله!
- -الخطاب السياسي لبنكيران .من مأسسة الاختلاف الى شخصنة الخلاف ...
- انبياء الخلد التافه
- امتدادات المجتمع المدني اوالغائية الوظيفية
- افعال -متعدية-
- -عطيني صاكي- -اعطيني حريتي --الدفاع عن الحريات الاربع المهدو ...
- عيون مقعرة
- التنمية المتفائمة بالمغرب


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البكوري - القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الرابعة-